من يقنع "يارا" بعد اليوم بأن ترتدي زيّها المدرسيّ الرماديّ الذي يحزن نفسها، وبأن تحمل حقيبتها المدرسيّة الثقيلة التي أحنت ظهرها، بعدما شاهدت في الصحيفة صورة "هيفا" وهي ترتدي معطف الفرو الثمين وتحمل حقيبة يد نادرة، ثمنها 150 ألف يورو.
أنا، بداية، أوافق "يارا" رأيها في أنّ "هيفا" امرأة رائعة الجمال وخفيفة الظلّ، ولا أجد أيّ مشكلة في عملها الفنيّ ما دام محصورًا ضمن هاتين الصفتين أيّ الجمال وخفّة الظلّ. أمّا في ما عدا ذلك، فلا أعتقد أنّ "يارا" أو "هيفا" ترضيان بأنّ أعطي تلك المرأة الجميلة صفات ليست من حقّها. لا بل أجزم بأنّ "هيفا" نفسها تعرف قبل سواها قيمة خامتها الصوتيّة ومستوى أدائها التمثيليّ، وهي لم تدّع، بحسب أقوالها في المرّات التي سمعتها فيها تتكلّم عن هذا الموضوع، بأنّها أكثر من امرأة جميلة تحبّ الغناء والتمثيل والحياة. ومع ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ "هيفا" ظاهرة خاصّة استحوذت عند انطلاقتها، ولا تزال، على اهتمام الصحافة أجديّةً كانت تلك الصحافة صارمةً حازمة أم لاهية متواطئة مشجّعة.
ولكنّ هذه الظاهرة نفسها هي التي تجعل الواحد منّا يتساءل، عند رؤية صورها في أسبوع الموضة في باريس، عمّا يخطر على بال المراهقات وهنّ ينظرن إلى هذه المرأة الجميلة التي لم تحمل حقيبة مدرسيّة تقطع الظهر ومع ذلك صارت تحمل أغلى حقيبة يد في العالم. والجواب البديهيّ هو أنّ كلّ فتاة تتمتّع بقسط من الجمال ستقول في نفسها: ولماذا التعب والدرس ما دام جمالي قادرًا على تحقيق هذه المكاسب؟ أمّا الفتاة التي تعتبر نفسها دون مستوى الجمال المطلوب فستفكّر: ولماذا الدرس والتعب ما دام شكلي سيعيقني عن تحقيق هذه المكاسب؟ وفي الحالين، سنجد أنفسنا أمام تداعيات هذه الظاهرة الجميلة التي تنشر حولها، عن قصد أو عن غير قصد، مفاهيم استرخاص الفنّ والطموح لأنّ صاحبة هذه الظاهرة، وكثيرات سواها، استطعن الدخول إلى عالم الشهرة ببطاقة سحريّة اسمها الجمال ولونها الدلال وأرقامها السريّة تفتح المجال لتحصيل المال.
قد يحلو للمدافعين عن هذا النمط النسائيّ أن يروا في "هيفا" الفتاة الفقيرة المعذبة التي ابتسمت لها الحياة أخيرًا وأتى أمير الأحلام لينقذها من براثن العوز فأهداها معطفًا نادرًا من فرو الشانشيلاّ الثمين، وحقيبة يد من جلد تمساح نادر يعيش في المياه المالحة. وأنا لا أستطيع أن أخالفهم الرأي علمًا أنّ ثمن ذلك هو قتل حيوانات بريئة واستخدام فروها وجلدها زينة، فضلاً عن تعذيب فتيات مراهقات بأحلام الثراء السريع، فمن حقّ الفقراء أن يتمتّعوا بما يمكن المال أن يشتريه، ومن حقّ الناس أن تكون لهم أذواقهم الخاصّة في الفنّ والأناقة، ولكن ما لا يمكن أن يقبل به عاقل هو أن ترجح دفّة هذا النوع من الفنّ وهذا النوع من الأناقة على حساب العِلم والبيئة ومشاعر الناس. فأبسط شروط الفنّ مراعاة الظروف الحياتيّة والاقتصاديّة للناس والإحساس معهم بأزمة اقتصاديّة تهدّد الدول والبيوت، خصوصًا إذا كان هذا الفنّان عرف الفقر وعانى الحرمان.
وبالعودة إلى "يارا" المجتهدة والذكيّة والتي كانت تجد لكلّ وسيلة إقناع نقدّمها لها جوابًا منطقيًّا لاذعًا تكاد تقنعنا فيه بأنّ الحقيبة المدرسيّة الثقيلة القبيحة لن تؤمّن لها في السهولة نفسها حقيبة يد لها قفل ماسيّ من العيار الثقيل ولا يوجد منها إلاّ ثلاث في العالم، فقد ختمت النقاش الساخن ببراءة طفلة حالمة حين سألتني: هل تعلمين ما هي الحقيبة التي لا يوجد مثلها في العالم وأرغب في الحصول عليها؟ وأمام صمتي وجهلي أوضحت وهي تبتسم: حقيبة "ماري بوبنز".
و"ماري بوبنز"، لمن لا يعلم، هي المربيّة التي تحمل حقيبة سحريّة في فيلم موسيقيّ يحمل الاسم نفسه وهو من بطولة الممثّلة جولي أندروز.
شاهدوه مع أولادكم لتستعيدوا طفولة بدأت تفتك بها صور ممثّلات لم يتصالحن مع طفولتهنّ بعد.
أنا، بداية، أوافق "يارا" رأيها في أنّ "هيفا" امرأة رائعة الجمال وخفيفة الظلّ، ولا أجد أيّ مشكلة في عملها الفنيّ ما دام محصورًا ضمن هاتين الصفتين أيّ الجمال وخفّة الظلّ. أمّا في ما عدا ذلك، فلا أعتقد أنّ "يارا" أو "هيفا" ترضيان بأنّ أعطي تلك المرأة الجميلة صفات ليست من حقّها. لا بل أجزم بأنّ "هيفا" نفسها تعرف قبل سواها قيمة خامتها الصوتيّة ومستوى أدائها التمثيليّ، وهي لم تدّع، بحسب أقوالها في المرّات التي سمعتها فيها تتكلّم عن هذا الموضوع، بأنّها أكثر من امرأة جميلة تحبّ الغناء والتمثيل والحياة. ومع ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ "هيفا" ظاهرة خاصّة استحوذت عند انطلاقتها، ولا تزال، على اهتمام الصحافة أجديّةً كانت تلك الصحافة صارمةً حازمة أم لاهية متواطئة مشجّعة.
ولكنّ هذه الظاهرة نفسها هي التي تجعل الواحد منّا يتساءل، عند رؤية صورها في أسبوع الموضة في باريس، عمّا يخطر على بال المراهقات وهنّ ينظرن إلى هذه المرأة الجميلة التي لم تحمل حقيبة مدرسيّة تقطع الظهر ومع ذلك صارت تحمل أغلى حقيبة يد في العالم. والجواب البديهيّ هو أنّ كلّ فتاة تتمتّع بقسط من الجمال ستقول في نفسها: ولماذا التعب والدرس ما دام جمالي قادرًا على تحقيق هذه المكاسب؟ أمّا الفتاة التي تعتبر نفسها دون مستوى الجمال المطلوب فستفكّر: ولماذا الدرس والتعب ما دام شكلي سيعيقني عن تحقيق هذه المكاسب؟ وفي الحالين، سنجد أنفسنا أمام تداعيات هذه الظاهرة الجميلة التي تنشر حولها، عن قصد أو عن غير قصد، مفاهيم استرخاص الفنّ والطموح لأنّ صاحبة هذه الظاهرة، وكثيرات سواها، استطعن الدخول إلى عالم الشهرة ببطاقة سحريّة اسمها الجمال ولونها الدلال وأرقامها السريّة تفتح المجال لتحصيل المال.
قد يحلو للمدافعين عن هذا النمط النسائيّ أن يروا في "هيفا" الفتاة الفقيرة المعذبة التي ابتسمت لها الحياة أخيرًا وأتى أمير الأحلام لينقذها من براثن العوز فأهداها معطفًا نادرًا من فرو الشانشيلاّ الثمين، وحقيبة يد من جلد تمساح نادر يعيش في المياه المالحة. وأنا لا أستطيع أن أخالفهم الرأي علمًا أنّ ثمن ذلك هو قتل حيوانات بريئة واستخدام فروها وجلدها زينة، فضلاً عن تعذيب فتيات مراهقات بأحلام الثراء السريع، فمن حقّ الفقراء أن يتمتّعوا بما يمكن المال أن يشتريه، ومن حقّ الناس أن تكون لهم أذواقهم الخاصّة في الفنّ والأناقة، ولكن ما لا يمكن أن يقبل به عاقل هو أن ترجح دفّة هذا النوع من الفنّ وهذا النوع من الأناقة على حساب العِلم والبيئة ومشاعر الناس. فأبسط شروط الفنّ مراعاة الظروف الحياتيّة والاقتصاديّة للناس والإحساس معهم بأزمة اقتصاديّة تهدّد الدول والبيوت، خصوصًا إذا كان هذا الفنّان عرف الفقر وعانى الحرمان.
وبالعودة إلى "يارا" المجتهدة والذكيّة والتي كانت تجد لكلّ وسيلة إقناع نقدّمها لها جوابًا منطقيًّا لاذعًا تكاد تقنعنا فيه بأنّ الحقيبة المدرسيّة الثقيلة القبيحة لن تؤمّن لها في السهولة نفسها حقيبة يد لها قفل ماسيّ من العيار الثقيل ولا يوجد منها إلاّ ثلاث في العالم، فقد ختمت النقاش الساخن ببراءة طفلة حالمة حين سألتني: هل تعلمين ما هي الحقيبة التي لا يوجد مثلها في العالم وأرغب في الحصول عليها؟ وأمام صمتي وجهلي أوضحت وهي تبتسم: حقيبة "ماري بوبنز".
و"ماري بوبنز"، لمن لا يعلم، هي المربيّة التي تحمل حقيبة سحريّة في فيلم موسيقيّ يحمل الاسم نفسه وهو من بطولة الممثّلة جولي أندروز.
شاهدوه مع أولادكم لتستعيدوا طفولة بدأت تفتك بها صور ممثّلات لم يتصالحن مع طفولتهنّ بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق