"الموارنة مرّوا من هنا" "بألم" ماري القصيفي
لـم يـنـقــض الأمــل لــم يـمــض الــرجـــاء
بقلم جوزف باسيل - النهار
"الموارنة مروا من هنا"، الموارنة كانوا دائما هنا، لم يتزحزحوا، وسيبقون. خرجوا الى العالم، لكنهم لم يغادروا هذه الارض ولن يفعلوا. كانوا عليها قبل كل الآخرين، وسيبقون، سواء بوطن اسمه لبنان، أو بتجمعات اخرى، كما عبر التاريخ، هم باقون.يمثّل الموارنة في لبنان المسيحيين في الشرق، بالخيبات والآمال، من دون ان تنحصر بهم المسيحية، او انجازات المسيحيين. هم المثال والقدرة وإن ليسوا وحدهم الفاعلين والقادرين.ان اعتبار وجود الموارنة في الشرق على المحك، صحيح، هكذا كان دائما، في كل مرحلة وعصر مذ وجد جدهم الاول مارون. وكانوا متحدين مقاومين ليس في وجه الاسلام فحسب، بل حتى قبله. حتى لم يكن مصيرهم على المحك؟ هم دائما على الحد، على النصل، على الشفير، على المهوار، كما هم الآن، هكذا كانوا دائما. كما كانوا متمكنين من الممانعة والمواجهة والمقاومة. سواء داخل بيتهم لمن لم يفهم حقيقة وجودهم التاريخي في هذا الشرق، او خارجه لمن يحاول التطاول على هذا الوجود الذي كان عرضة دائما للصدمات والهجمات. وعلى رغم سوء هذه المرحلة فسيقدَّر لهم من يكون قادرا على الخروج بهم من التيه، وإن لم يكن موجودا الآن.ليسأل كل قارئ نفسه، او من سيخبره القارئ عن جرأة هذا الكتاب، وليجب عن هذه الاسئلة: "هل المارونية هي هذه الصراعات السياسية؟ هل هي في التسابق الى كرسي سياسي؟ هل هي في برامج "المؤسسة اللبنانية للارسال" التي تريد ان ترضي من يدفع اكثر. ام هي في حوارات "تيلي لوميير" التي تسعى الى غسل دماغ جماعي؟اين الصحافة المارونية؟ والموارنة هم الذين وقفوا ويقفون خلف نجاح مختلف المؤسسات الصحافية المرئية والمسموعة والمكتوبة ولو لم تكن ملكاً لهم ولو لم يعترف بوجودهم ولو لم يجرؤ احد على ذكر ذلك علنا!اين الاموال المارونية؟ ورجال الاعمال والتجار واصحاب المؤسسات الموارنة يخزنون ثرواتهم خارج الوطن، وحيث يكون كنزك يكون قلبك. ورجال الدين يتاجرون بما تبقى.اين المؤسسات المارونية على اختلاف انواعها؟ وهي صورة قبيحة ومشوهة للاقطاع والتسلط والمحسوبية وعدم التخطيط والفوضى والسرقة؟اين التراث المسيحي؟ اين العمارة المارونية؟ لماذا لم يكتب الموارنة رواية تهز الضمائر عن حرب الجبل؟ لماذا يتذكرون فقط حروبهم بين بعضهم؟ لماذا لا تبنى المدارس والمستشفيات في الجبل؟ لماذا لم تبنَ المنازل للشبان؟ لماذا يعرقل رجال الدين تسجيل المواليد الموارنة في المغتربات؟ ولماذا لا يحصى الموارنة في العالم؟ ولماذا نخجل من الحديث عن مارونيتنا وكأننا نثير حساسية الآخرين او كأننا نخشى جرح مشاعرهم إن أرّخنا لبصماتنا على الفكر والحضارة والحرية والكرامة في هذا الشرق؟".
قاسية ماري القصيفي في كتابها "الموارنة مرّوا من هنا"، تعبّر بألم عن الالم (استبدلت القاف بالهمزة في عنوان الكتاب فكتبت "بألم" بدلا من قلم الدلالة على شعورها هذا).مقالات جمعتها تجربة عميقة من علاقاتها بالناس او علاقاتهم بعضهم ببعض، ترى اليها بعمق، لا بسطحية، يفترضه وعي المثقف الذي لا يؤخذ بالشهادات العلمية ولا بالمظاهر الخارجية ولا بكلام الصالونات الذي يلقى على عواهنه، بل بجوهر هذه العلاقات وبمنطق يحكم على مضمونها. تعرية هذه العلاقات من زيها وزينتها يكشف عوراتها تمهيدا للغوص في مثالبها ومساوئها.ربما علاقتها بأصحاب الدين، لابسي الاسود او اي من الالوان الداكنة، من خلال مهنة التعليم في مدارسهم ومدارسهن، جعلها تطلع على ما لا يطلع عليه العامة، عما يجري خلف الكواليس. وهذه المعرفة دفعتها الى تلك القسوة، فكأنها تردّ على معاملتهم الناس بقسوة. قيل قديما: المرء عدو ما يجهل. أليس هو حقا عدو من يعرف؟
يجمع المقالات خيط هو الموقف من الكهنة، وخصوصا الموارنة منهم لأنهم يعتبرون انفسهم اصحاب الباع الطويل في كل الشؤون والقضايا المتعلقة بالناس والوطن. ولا اخالها تعمم في موقفها. بعض المقالات تبحث في رمزيتها عن معنى مباح، والبعض ينتقد محطات التلفزيون وبرامجها. وبعضها اسئلة موجهة الى الكنيسة المارونية تعبّر عن القلق والاحباط وحتى القرف. او انتقادات موجهة الى رجال الدين الموارنة على اختلاف رتبهم لتقصيرهم ومواقفهم المستلبة!وتنقل عن زوار البطريرك الماروني قوله ما فحواه: "وما حاجتنا الى الاهتمام بالشؤون الساسية في وقت يغادر فيه مئات الشباب البلد ما ان يتخرجوا في الجامعات؟". أليست هذه النتيجة هي بسبب العلة في السياسة؟ أليست السياسة التي لم يحسن الموارنة ممارستها هي التي ادت بهم وبشبابهم الى الشكوى؟ ولعل الاجابة بعامة في قولها:"اذا كانت الكنيسة لا تثق بالعلماني وتأتمنه على ثرواتها المادية ومشاريعها العمرانية ومؤسساتها التربوية والاستشفائية، وهي التي ربّته وعلّمته، فكيف يثق هو بها ويأتمنها على حياته الروحية؟".لم ينقضِ الأمل ولم يمض الرجاء، ولن نفقد هويتنا اذا تمسكنا بها.لن يمر الموارنة من هنا، لأنهم لن يعبروا الى اي مكان.