Luis- Rupture
"أيّ وهم أنت عشت به/ كنت في البال ولم تكن"
الأخوان رحباني
لم أعد أذكر لون عينيك، ولا ماذا كنت ترتدي في لقائنا الأخير، ولا في أيّ مقهى شربنا القهوة وتناقشنا في ما لا يعنينا من أمور الناس والبلد.
صرت أخطّط للاتصال بك، أنظر إلى الهاتف وأطرح السؤال الذي صار تقليديًّا: لماذا أتعب نفسي وأحاول مرّة أخرى كسر جليد الملل، وعن أيّ شيء سنتكلّم: عن عملي؟ لا يعنيك الموضوع! عن صحّتي؟ لو كنت مهتّمًا لاتّصلت لتطمئنّ عنّي؟ عن حالك؟ ومتى كنت صادقًا في إخباري عن أحوالك؟ عن اشتياقي إليك؟ منذ زمن لا أذكر بدايته لم تعد تحبّ أن أخبرك كم أنا مشتاقة إليك لأنّك وفي كلّ بساطة: تعلم ولا داعي لتذكيرك بذلك كلّ يوم.
ومع ذلك، أضغط على الرقم الذي يرسم لي اسمك على الشاشة، فأتخيّل شجارًا لا بدّ أن يقع. أمحو الرقم، وأترك الهاتف جانبًا، وأعود إلى عملي.
لا يعنيني اليوم إن اتصلت أم لا، لا أنتظر رسائلك القصيرة التي كانت صلاتي الصباحيّة التي أبدأ بها نهاري، لا أهتمّ إن التقينا أم لا، إن مرضتَ أم لا، إن سافرتَ أم لا، إن متَّ أم لا. فما أنت سوى رجل من ملايين الرجال في هذا العالم، ولن أعتبر نفسي مسؤولة عن حياة أو موت أيّ واحد منهم.
أنت لا شكّ تذكر أنّني لا أحبّ الفراق على مراحل، ولا الانفصال بجرعات صغيرة من الابتعاد، ولا أنصاف الحلول، ولا المراحل الوسطيّة من أيّ علاقة، "لا أريد من الحبّ سوى البداية" يقول محمود درويش، أو "النهاية" أقول أنا. أحبّ العنف والشغف اللذين يرافقان البداية ويضعان الشمع الأحمر على النهاية. أحبّ القلق والترقّب والانتظار والشجار والمشاكسة والأسئلة والغضب والحزن والتوتّر والتساؤل والعتاب والخصام والنقاش، ومع ذلك قد أدخل لأيّام في صمتي الضبابيّ الفسيح وأرحل بعيدًا في عوالمي الداخليّة راغبة عن أيّ اهتمام بأيّ شيء أو أيّ أحد. أمّا أنت فمنظّم كالفصول الأربعة ولكن على روزنامة لا تواكب الانحباس الحراريّ ولا تقبل بتغيّرات المناخ.
كم صرت مضجرًا يا صديقي! كنت تثير رغبتي فصرت تثير مللي، فلم يعد عندك شيء جديد تقوله أو تفعله، ولم تعد مفاجآتك تدهشني، بل صارت تصرّفاتك متوقّعة كصدور الصحيفة في اليوم التالي لا ككتاب شعر لا نعرف متى نكتشفه، وأقوالك منتظرة في مواعيدها المحدّدة كدقّات ساعة الحائط العتيقة في بيتنا لا كدقّات القلب المزاجيّة.
أنا آسفة يا صديقي العجوز، ولكنّك لم تعد تتحدّى عقلي كما كنت تفعل، ولا مخيّلتي كما كنت تفعل، ولا عاطفتي كما كنت تفعل، ولا جسدي كما كنت تفعل، ولا كتابتي كما كنت تفعل. أنا آسفة فعلاً، إذ يحزنني أن تعود إلى ما كنت عليه قبل أن تعرفني: مجرّد رجل آخر!
هناك تعليق واحد:
كم أنت رائعة...صادقة لدرجة تجعليننا نشعر وكأنك غصت في أعماق كل إمرأة...وكأن ما مررنا به ذات يوم ,ما عشناه , ما أحسسنا به,ترسمينه بالكلمات على صفحات بيضاء تملئينها حياة ,حب ,شغف و حنين....
إرسال تعليق