الأربعاء، 24 يوليو 2019

من شارع المتنبّي إلى سائر فروعه على الأراضي اللبنانيّة (2010)



لم أعد أعرف هذا البلد. ولم أعد واثقة من أنّني ما زلت أقيم فيه كم هو في الواقع. إذ يخيّل إليّ إنّني صرت ابنة وطن غير موجود إلّا في البال، ولن يبقى إلّا هناك. أمّا هذا الـ"لبنان" فهو أشبه ما يكون بامتداد طبيعيّ لما عُرف قديمًا بشارع المتنبّي. وهو امتداد حصل في لحظة تشظّ وقحة، إذ كان يكفي أن تتّحد مصالح بعض رجال السياسة مع مطامع بعض رجال الدين كي يصير لبنان ما هو عليه اليوم: يصلح لأن يكون أيّ شيء إلّا أن يكون وطنًا.
فأيّ وطن هذا الذي يتعامل نصف أبنائه، بالفكر أو بالفعل، مع إسرائيل، ويعمل نصفه الآخر لمصلحة سوريا، ولا أحد منهم يحبّ لبنان؟ وأيّ وطن هذا الذي يؤمن بعض شبابه بأنّ تاريخه بدأ مع تأسيس وسط المدينة وأنّ جغرافيّته تمتدّ من مونو وتنتهي في الجمّيزة، والبعض الآخر يؤمن بأنّ الموت في سبيل الأرض أجمل من الحياة عليها والزراعة فيها والبناء فوقها؟
فلنسمِّ الأشياء بأسمائها: ثمّ عهر في هذا البلد كسا بوقاحته وبشاعته وفجاجته كلّ شيء: السياسة والدين والتربية والصحافة والفنّ والطبّ والحياة الاجتماعيّة. ويكفي أن تسمعوا ما يقوله المغتربون الآتون من بلاد الحريّات لتعرفوا أنّ ما يرونه ويسمعونه في لبنان لا علاقة له بالحريّة ولا بالانفتاح ولا بالتقدّم ولا بالحداثة. فهؤلاء يحملون أولادهم وبناتهم بعد إقامة قصيرة في البلد ويهربون بهم عائدين إلى حيث توجد قوانين تخصّص للعهر شوارع وأمكنة وتترك للفكر كلّ الشوارع وكلّ الأمكنة.
لا أدري إن كان ما يجري على المسابح الخاصّة يوضع تحت خانة الرياضة والترفيه، ولا أعرف إن كان ما تنشره المجلّات الإلكترونيّة عن العلاقات الجنسيّة المدفوعة الثمن والشذوذ من ضمن التسويق لصورة لبنان السياحيّة، ولست واثقة من أن ما يرويه سائقو التاكسي الذين ينقلون ليلاً القاصرين والقاصرات من وإلى الملاهي الليليّة لم يصل بعد إلى مسامع المعنيّين، ولا أجزم بأنّ الموظّف الذي يعيش أميرًا مترفًا براتب لا يتعدّى الحدّ الأدنى بكثير لا يعرف في قرارة نفسه بأنّه حرامي، ولا أظنّ بأنّ النكات الوقحة التي يحفظها الأولاد من برامج تلفزيونيّة ويتناقلونها تمتّ بصلة إلى التربية أو إلى حريّة الإعلام. ولكن ما أعرفه هو أنّ هذا الشرخ الهائل بين الأصوليّات الدينيّة من جهة والإباحيّة على مختلف مُتعها من جهة ثانية صار هوّة مخيفة ابتلعت العلوم والفنون وكلّ إصدارات الفكر. وحين تتفلّت الغرائز الدنيا من روابطها وتميل نحو طرفَي النقيض في كلّ جانب من جوانب حياتنا لا يبقى مجال للنقد أو التحليل أو المنطق السليم.

نحن مجبرون دائمًا على خيار من اثنين ولا مجال لثالث له حججه وبراهينه واحتمال صحّته: عون أو جعجع، الأصوليّة السنيّة أو الأصوليّة الشيعيّة، أميركا أو إيران، عملاء أو مقاومون، ورثة عاصي أو ورثة منصور الرحباني، العري أو الحجاب، الوحي أو العقل، التراث أو الحداثة، الثابت أو المتحوّل، معنا أو ضدّنا. كلّها بأسبابها ونتائجها أمور تستحقّ منّا التوقّف عندها في قراءة نقديّة واعية بعيدًا عن الأحكام المسبقة والنتائج غير القابلة للنقاش. وكلّنا معرّضون للانحدار إلى درك غرائزنا حين نسكت العقل ونناقش إنتاجاته بمنطق المحرّم والمحلّل. وأكثرنا ممّن عاصر الحرب اكتشف فيه ذلك الميل إلى لغة العنف حين جرّته لغة الآخرين إلى ذلك، ولم يكن يعرف أنّها فيه وأنّه يملكها. ولكنّ التحدّي كان في ضبط هذه اللغة لتحويلها بطريقة ما طاقة إيجابيّة فاعلة وخلاّقة. الحياة قائمة على ثنائيّات، ولكنّ الحياة نفسها هي العنصر الثالث الذي يتكوّن من برمجة هذه الثنائيّات بحسب مقتضى الأحوال. وما هو ملائم لواقع الحال اليوم قد لا يكون كذلك غدًا، وما يصلح لهذا المكان قد يكون مدمّرًا لسواه، وما ينفع الإنسان في هذه الظروف بالذات قد يؤذيه في ظروف مغايرة.

كم تبدو اللغة عاجزة حين تفشل في إيجاد توصيف لحالة كالتي نحن فيها، حتّى كلمة العهر تبدو في غير محلّها، لأنّ بعضنا يسيء إلى العهر نفسه حين يدّعي عكسه وهو يمارسه ولو خاشعًا في معبد، أو موجِّهًا فوق منبر، أو كأنّنا في استخدامنا الكلمة نهين من يعترف بكونه (ها) كذلك ويمارسه علنًا وصراحة، فنضمّه إلى قائمةِ من وصل إلى مرحلة مقيتة من الخبث جعلته يصدّق أنّه أفضل من سكّان شارع المتنبّي: قوّادين وعاهرات.
***
نشر هذا النصّ في صحيفة "النهار"، 3 آب 2010
وأشار إليه، مشكورًا، الشاعر والناقد والناشر "سليمان بختي" في مقالة له في صحيفة "النهار" بعنوان: 
 "أول الطريق"


الاثنين، 22 يوليو 2019

مشروع ليلى... نتيجة لا سبب

بما إنّو الكلّ عم يدلي بدلوو بمشروع ليلى، فخلّيني أدلي بالبيان الآتي:
يا جماعة نحنا المسيحيين بالبلد فركوشين ونصّ، خلّينا نشيل المرضى والمعوّقين والخيتاريّة والفقرا يللي ما بيهمّن ولا مهرجان، بيبقى المسيحيينى الشباب والصبايا يللي حاجزين لمشروع ليلى، فهودي منين جايين، من المرّيخ؟؟؟ ما هنّي أو كانوا بعنّايا هاليومين عم يأركلوا، أو كانوا بحريصا بالشهر المريمي عم يفقّوا بزر، أو كانوا عم ياكلوا هريسة بعيد مار الياس وناطرين هريسة عيد السيّدة.... ويمكن بيناتن راحوا ع مديغوريه ولورد وفاطيما مرّة ع الأقل من باب السياحة الدينيّة، وهودي الشباب والصبايا قسم كبير منن دارس بالمدارس الكاثوليّكية والجامعات الخاصّة المسيحيّة...
ما يعني باختصار فتّشوا عن أسباب عدم تعليم معاني الجمال والحريّة والالتزام (مش الإلزام) والاحترام والحقّ والخير والأخلاق بمدارسنا وجامعتنا وخصّصولها ساعات أكتر من ساعات الوعظ الديني، وساعتها مشروع ليلى بيسقط لحالو، لأنّو برأيي المتواضع ما بيحمل لا موسيقى ولا شعر ولا جمال
ع فكرة الحيوانات بتعلّم ولادها قبل ما تعطين الحريّة
#ماري_القصّيفي
#مشروع_ليلى

الحريّة أوّلاً أم المعرفة؟ (2011)


تعليم ثمّ تحرير


ارتبطت التحرّكات الشعبيّة العربيّة من اللحظة الأولى بالفقر والجوع والمرض، لا بحريّة الرأي والتعبير وممارسة العمل السياسيّ والنقابيّ. فحين أضرم محمّد بو عزيزي النار في جسمه بعدما صادرت البلديّة عربة الخضار التي كان يعتاش منها، لم يكن يحلم بقصيدة أو كتاب بل برغيف ودواء، وهذا ما يتناساه المثقّفون حين يكتبون عن "ثورات" العالم العربيّ، فيشكّلون بذلك الخطر الأوّل على هذه التحرّكات، الخطر الذي يكاد يوازي خطر السلطة السياسيّة، لأنّه يشبهها في تعاميه وتعاليه عن الحدّ الأدنى والأبسط من حاجات الناس الأساسيّة. لقد شاهدنا كلّنا الناس في شوارع تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، ورأينا الأفواه التي فقدت أسنانها وأضراسها، والأجساد التي تخبّئ جوعها تحت الأطمار البالية، والأيدي المرتفعة أمام الكاميرات بأظافرها المتّسخة. هؤلاء، على اختلاف أعمارهم وثقافتهم، ناقمون على العوز والفقر وغاضبون لأنّ الأنظمة سرقت اللقمة من أفواه أولادهم والمستقبل الآمن من أحلامهم. غير أنّ ما نقرأه في صحافة العالم العربيّ وما نسمعه عبر وسائل الإعلام يبيّن الأمر كأنّ الشعوب العربيّة الأميّة الفقيرة الجاهلة المظلومة المريضة الجائعة لا همّ لها سوى قانون الأحزاب وحريّة العمل السياسيّ والانتخابات النزيهة. لا يعني هذا الكلام أنّ الحريّة أمر ثانويّ لا يستحقّ الثورة من أجله، لكنّ الإنسان منذ لحظة تكوّنه يحتاج إلى من يؤمّن له حقّه في الحصول على الطعام والشراب والعلاج قبل التعبير، لذلك يتنفّس ويتغذّى قبل أن يتكلّم ويمشي، فمن الترف الحديث عن حريّة الفكر أمام انتشار الفقر والمرض، ومن المعيب التباحث في مفهوم الديمقراطيّة أمام الفقراء والمرضى.
مشكلة الثقافة العربيّة نأيها عن الإحصائيّات، فأمور كثيرة تتغيّر في مقاربتنا مختلف الموضوعات إن عرفنا مثلاً عدد الذين قتلتهم إسرائيل منذ قيامها في مقابل عدد الذين قتلتهم أنظمة الصمود والتصدّي، أو كمية المبالغ التي صرفت على تسلّح الجيوش العربيّة في مقابل ميزانيّات التربية والاستشفاء والزراعة، أو إن علمنا كم تبلغ نسبة الشعراء والروائيّين الذين ماتوا معوزين مرضى متروكين من دون اهتمام شعبيّ أو حكوميّ في مقابل المستفيدين من الأنظمة، أو عدد المهاجرين الهاربين من القمع في مقابل عدد المهاجرين طلبًا للرزق، والرقم الأكثر تعبيرًا عن حقيقة الوضع سيكون عدد الأثرياء أو على الأقلّ الميسورين الذين شاركوا في التحرّكات الشعبيّة. ويكفي أن ننسب التحرّكات إلى الشعب كي نستنتج أنّ الأهداف في الدرجة الأولى هي تحصيل الحدّ الأدنى من المطالب المعيشيّة، أمّا الحريّة فلا يأتي على ذكرها إلّا نوعان من المطالبين: الذين هم مشاريع شهداء وهؤلاء قلّة، والذين يعرفون أنّ كلامهم عن الحريّة لن يقدّم ولن يؤخّر ولن يسبّب لهم خطرًا، وهم الكثرة طبعًا.
تعيد فضيحة التنصّت الأخيرة في بريطانيا طرح الأسئلة العميقة، فإذا كانت أعرق الديمقراطيّات السياسيّة والصحافيّة غرقت في الفساد وأساءت إلى الناس وشوّهت مفهوم الحريّة، فكيف ننتظر من الحريّة أن تنقذ العالم العربيّ الغارق اليوم في الأميّة والجهل والتعصّب والفقر؟ وهل علينا أن نحرّر المجتمع ثمّ نعلّمه أم يجب أن تسبق المعرفة الحريّة وتمهّد لها؟ وهل تكفي البراعة في استخدام وسائل الاتصال الحديثة التي تنقل المعلومات بسرعة لا تسمح بالتحليل والتفكير للقيام بثورات؟ وكيف يطالب الناس أنفسهم بالتحرّر من سلطة الديكتاتور ويرفضون في الوقت نفسه التحرّر من أحكام مسبقة تطال الدين والمذهب والعرق واللون والمرتبة الاجتماعيّة؟ وهل الحريّة هدف نسعى إليه ونضحّي من أجله أم هي وسيلة نصل من خلالها إلى حياة كريمة لائقة؟
تعامل المثقّفون العرب مع الحريّة كهدف، لذلك لم يضعوا مخطّطات لما بعدها، كأنّ تحقيقها هو الغاية التي ما بعدها غاية ومن أجلها تبرّر الوسائل مهما كان نوعها وأسلوبها، أو كأنّ هذه الحريّة هي الجواب الوحيد على كلّ الأسئلة والحلّ الفريد لكلّ المشكلات. في حين أثبتت التجارب في كلّ المجتمعات أنّ الإنسان الحرّ هو الغاية، لا الحريّة، وللإنسان الحرّ جسد يجب أن يتنفّس ويأكل ويشرب وينام، وعقل يحتاج إلى غذاء وحوافز ومكافآت، وروح عليها أن تستمتع وتسعد وتطمئنّ، وكما لا يجوز أن يعطى الإنسان غير المؤهّل، جسدًا وعقلاً وروحًا، حريّته كي لا يؤذي نفسه والآخرين، كذلك لا يبدو من الصائب أن توضع حريّة المجتمعات مطلبًا يسبق أبسط شروط الإنسانيّة في مجتمع مدنيّ متمدّن حديث. فسكّان الغابات البدائيّون أحرار ولكنّ حريّتهم تنقاد إلى غريزة تجعلهم يبحثون عن الطعام والماء والتناسل والأمان، وشعوب البلدان الشيوعيّة وعدوا بتأمين العدالة الاجتماعيّة ولو على حساب حريّتهم الشخصيّة، وشعوب البلاد الاسكندنافيّة تنعم بكلّ ما يحتاج إليه إنسان هذا العصر فضلاً عن حريّة شخصيّة لا حدود لها، ومع ذلك فكلّ هذه المجتمعات لا تزال تبحث عمّا ينقصها. ما يعني أنّ الحريّة المطالب بها هي تلك التي ترتقي حضاريًّا إلى ما هو أسمى من حريّة الإنسان الغريزيّة من دون أن تتحقّق على حساب حاجاته البدائيّة. وهنا يكمن جوهر المشكلة، إذ كيف يمكن إيجاد نظام جديد فيه من الحزم ما "يفرض" على الناس التعلّم والرقيّ والتمدّن والفكر الواعي والثقافة المنفتحة، و"يربّيهم" في الوقت نفسه على الحريّة المسؤولة، ولا يغرقهم في ترف الحياة فيفقدون متعة التحدّي والمثابرة والسعي.
لقد ارتبطت الحريّة مع المثقّفين العرب حتّى الآن بعناوين بارزة هي حريّة التعبير وحريّة المرأة والحريّة الجنسيّة، فصارت موضوعات أثيرة في مختلف أنواع الفنون. حتّى القضيّة الفلسطينيّة لم تستطع على أهميّتها وخطورتها أن ترتقي بالحريّة إلى مستوى أكثر شمولاً يطال عمق الإنسان ودوره في الحياة. وها هي تحرّكات الشعب العربيّ تثبت أن لا قمع المفكّرين حرّكهم (قضيّة نصر حامد أبو زيد مثلاً)، ولا جرائم الشرف أخرجت الناس إلى الشارع للاعتراض، ولا أنساهم الكبت الجنسيّ حاجتهم إلى الرغيف، حتّى فلسطين نفسها، وهي أرض مقدّسة عند المسيحيّين والمسلمين، لم يدفعهم اغتصابها وتغيير معالمها إلى الثورة العارمة. ولعلّ السؤال المعضلة الآن هو: هل الحريّة التي يطالب بها المثقّفون العرب من المحيط إلى الخليج لها السمات نفسها على اختلاف تواريخ هذه الشعوب وأديانها ومستوياتها الثقافيّة والحضاريّة والاجتماعيّة؟ الخشية في أن يحمل الجواب اتفاقًا على مبدأ الحريّة من دون الدخول التفاصيل، وفي التفاصيل يكمن شيطان الشرذمة والتفتيت.

الأربعاء، 17 يوليو 2019

أدبٌ بين ورودِ الحبر ومآسي الارتحال - بقلم يوسف طراد

سبعة أناشيد أهي أناشيد للأدب أم من الأدب؟ إنها مؤلفات الأديبة ماري القصيفي، مؤلفات تحضر على طاولتك فترتل ملائكة الأرض والسماء أجمل صلاة دون اعتمار (طابيات).
كاتبة انتحارية، نقلت الحقائق ونشرتها بحكمة راهب مؤمن في خضم كرنفال الغباء. قراؤها لا يبتهلون أمام "سيليكون عابر" ولا يخضعون أمام "بوتوكس شامخ"، لأنها عبرت شقوق الذاكرة من دون تجميل الواقع على جدران الأزمنة الغاصبة، وما زالت الأمكنة قلوبًا يسكنها الخواء طالما تنبض بأحبة هجروا إلى المقلب الثاني للوطن بمواعيد عودة مؤجلة. تطوف حول مؤلفاتها آلام في قلب عاصفة تراقص الأماني الضالة من انتداب ورحيل مشتت فكان (كلّ الحقّ عَ فرنسا). سيدة كاتبة توثق أنين انكسارات دون حدود، وتمضي في سبيلها متأبطةً عنادها الأنيق نحو حلم الفرح والخير في ديوانين (لأنك أحيانًا لا تكون) و(أحببتك فصرت الرسولة).
أصبحت ابنة القصيفي نسمةً لا تنكسر الأ أمام شهداء ووطنية حقَّة بانتظار عناق مستحيل بين أقسام الوطن و الطائفة الواحدة. كلماتها رثاء دائم بعنوان ومجد مرتجل كالسنبلة التي رممت حنطتها بعد زمهرير الشتاء لكن الوطن هدم حلم الحصاد في جبل لديه (خمسة فصول) و فعلة قليلون.
هل زارت وطننا إمرأةٌ غجرية في المنام ومسَّته بلعنة عاشق طائشٍ يهوى الهزائم؟، أين أنت يا ماري لا تفككي الطلاسم المبهمة؟. لماذا لا تلتزمين الحيطة فتبوحين بكاءً وألمًا من الظلم المنشور في فضاء الأثير الإلكتروني؟. دائمًا ودومًا تمطر سطورك ابتسامات تنثر التهكم الهادف لتسقي لامبالات الحكام ورجال الدين. نحتاج الكثير من جنونك وعقلانيتك لكننا نستحق القليل من جرأتك لندرك فسحة الحياة في متاهات وطن غادرته الوطنية وذرفت رموزه دموعًا من تهكمٍ لم تلتقطها مناديل ندمٍ أو حسابٍ أو اعتذارٍ صادق.
إنبلج الوقت وهربت الطرقات، وحده صمت الشمس المتوارية خلف كلماتك المسحورة تعطي الأرجوان لشفق ساحل الفينيق عبر (رسائل العبور) إلى (نساء بلا أسماء). تعَلَّمنا الإصغاء بدهشةٍ لكل كلام عبر قلمك، علِمنا علم اليقين أنك لا تتقنين قواعد (الإتيكات)، فدفعتي ثمن مقالاتك المنشورة في كتاب (الموارنة مروا من هنا) لأن أَحدٌ لم يقرأ بمحبة ولم تلامس كلماتك قلبه البعيد عن الحقائق الثابتة، كان ذلك قبل إتفاقية تخصيب الحبر التي لم تتم بين دول الطوائف الحائرة وبقيت حرية التعبير تحلم بحبر سليم اللوزي وسمير قصير.
ماري القصيفي أفكارٌ مقدسة على مذبح الفضاء الأدبي الشاسع، أسطورة مزركشة وَصَفَت التهجير، المآسي، رحيل سفن الوطنية من موانىء غير شرعية، العشق وغرام القمصان الزرقاء.
يوسف طراد
الثلاثاء 16 تموز 2019

شربل مش موضة وعنّايا مش مول (تمّوز 2018- من سلسلة الموارنة مرّوا من هنا)



عن شربل البقاعكفري:
لكم ضجيج إحتفالاتكم به وله صمت محبسته...(سمير غصن)
***
يا جماعة "المؤمنين" يللي هجمتوا الليلة ع عنّايا ت تعيّدوا مع شربل، انشالله تكونوا ع السمع وحدا منكن واعي:
زيارة شربل مش موضة ولا واجب، إنّو يعني مش مجبورين تنتعوا حالكن وتقعدوا بالعجقة ع الطريق ساعتين ت توصلوا وتزوروا خمس دقايق وبعدين تنصرفوا للعشا والأركيلة، وعنّايا مش مول يعني مش متل الـ ب  ABCفما فيكن توصلوا تتجوّلوا وتتطلّبوا وتتفلسفوا، وما فيكن تتصرّفوا بمديغوريه بطريقة وبعنّايا بطريقة، يعني هونيك ما في أراكيل ولا مخيّمات ولا غناني وهوّارة ودبكة... صحيح هودي حلوين بس مش هنّي الهدف من زيارتكن. أصلًا ببلاد العالم كلّا بتصيروا متل الشاطرين مجبورين بنمط لباس معيّن بأيّ مكان بتزوروه.
من أكتر من عشرين سنة، زرت عنّايا بمتل هالليلة، بس ما كانت الأركيلة دارجة، وكان في بوسطة جايي من دير الأحمر وفيا ختياريه، نزلوا ونصبوا خيمة ودبكوا وغنّوا بعد ما زاروا وشاركوا بالقدّاس، ومن وقتا افتكرت إنّو الجو بعدو هيك، تاري لأ، تغيّرت إشيا كتيرة، وصارت الزيارة لعند شربل مشوار وتنزيهة وسهرة وغدا أو عشا وأركيلة طبعًا.
بعدين إنت يا خواجه مبسوط بسيقانك وهالشورت يللي لابسو إنت وجايي تحجّ، ويا مدام لشو ناتعة هالكعب وجايي تعربشي ع المحبسة، ونازلة شدّ بالتنّورة، وتدفيش بالناس، إنّو فكرك شربل قاعد ناطرك، يا مدام، هوّي إمّو ما قابلا، رح يقابل حضرتك إنتي ومستعجلة ومعجوقة بالتلفون والجزدان؟
يا جماعة إذا كنتو مآمنين بقداسة شربل ما فيكن تغيّروه ليصير ع قياس العصر تبعكن، أو بتاخدوه بشروطو أو بلا كلّ هالشغلة، صحيح القدّيس بيصير برّات المكان والزمان، ولكن معليش احترمو شيبتو وحكيو وقيمتو، وشويّة لياقة واحترام باللبس والتصرّف، وما حدا أصلا جابركن ع زيارتو، بس مش الحقّ عليكن، الحقّ ع يللي متساهلين معكن ت تتساهلوا معن.
يا جماعة، شربل ابتعد عن الناس وقعد لوحدو ع رواق ت يصلّي، لوين لاحقينو إذا ما بدكن تصلّوا، اطلعوا ع بشرّي احضروا شاكيرا وما تلبسوا وانشاالله تدنقوا، اطلعوا ع بيت الدين احضروا مرتو لساركوزي والبسوا شو ما بدكن، بس معليش فيكن شوي تتضبضبوا بعنّايا وحريصا وسواهما، وياريت أصلًا في أشكال حلوة تستاهل الخطيّة، بشاعة ع الحلّ، ووقاحة وجهل وغبا...
يمكن يللي بدّن يصلّوا ما قصدوا عنّايا الليلة، هودي بيروحوا ع السكت ومن دون ضجّة، متل ما هوّي عاش، وهيك بيصلّوا معو ع رواق. أمّا إذا كنتو مفتكرين إنّو هيدي هيي شروط البقاء المسيحيّ بلبنان، وإنّو هيدا هوّي الانفتاح والنوعيّة بتكونوا كتير غلطانين، لأنّو الشرطيّات ببرمانا مش هنّي خطّ الدفاع الأوّل عن هيدا الوجود...  

الثلاثاء، 16 يوليو 2019

غالي الدهب غالي (15 آب 2011)


1- همس المسيح في أذن المطران:
بِع أواني الكنيسة الذهبيّة وخاتمك والصليب الكبير فوق صدرك
وأطعم الفقراء.
فصرخ المطران: أغرب عنّي يا شيطان.

2- قال الرجل لزوجته في ذكرى زواجهما:
لو كان يوبيل زواجنا ذهبيًّا كما يصفونه لما كنت أشعر بهذا اليأس!

3- سألت المرأة المريضة زوجها: لمَ لا تبيع إسورتي وتشتري لي الدواء؟

أجابها الزوج بعد تفكير: أنتظر كي يرتفع ثمن الأونصة أكثر.

تمتمت المرأة: أتمنّى عند ذلك أن تشتري لي نعشًا جميلاً.


4- صار المـُذهَّب أكثر أهميّة من المهذَّب.

5- قال الصبيّ المجتهد لأمّه الفقيرة:
لماذا لا تجمعين خيوط الشمس الذهبيّة عن سطح بيتنا
وتبيعينها وتدفعين قسط المدرسة؟

6- سنابل القمح الناضجة أحنت رأسها خجلاً
لأنّ لونها الذهبيّ صار أغلى ثمنًا من حبّاتها!

7- سأل اللصّ الجائع زميله الجائع:
أتعتقد أنّنا قد نوفّق بميت نسي أهله محبس الزواج في إصبعه؟

8- قال المعلّم: ذهب الولد إلى المدرسة.
قال التلميذ: ودفع ثقله ذهبًا ليتعلّم.

9- لن أسكت مهما ارتفع ثمن الذهب، ولكن لن يكون كلامي من فضّة يوضاس.

10- ندمت المرأة لأنّها لم تقبل في صباها بالعريس ذي السنّ الذهبيّة.

الاثنين، 15 يوليو 2019

المسيحيّون اللبنانيّون بعد أربعين عامًا على حرب 1975 (2014) (من سلسلة الموارنة مرّوا من هنا)

وادي قنّوبين

     حين انطلقت شرارة الحرب الأهليّة عام 1975، قيل إنّ فوفو ونونو (في إشارة إلى أنّ الشابّ المسيحيّ مدلّل غنّوج) لن يقفا في وجه الفلسطينيّين والأحزاب الوطنيّة... لكنّ فوفو ونونو فاجأا العالم، وجعلا الحربَ تطول، والمسيحيّين يصمدون.
     لكنْ... لكن في تلك المرحلة لم تكن الأركيلةُ سيّدةَ الساحات، ولم تكن المساعِداتُ الأسيويّاتُ يجمعن الغسيل الوسخ عن الأرض، ولم تكن المخدّراتُ مخدّاتِ الأحلام السعيدة وصولًا إلى الموت السريع، ولم يكن الشذوذ الجنسيّ موضة، ولم تكن النكات السمجة والبذيئة آخرَ صيحة في عالم الحوار وعِلم الكلام، ولم تكنِ الأمّهاتُ رائداتِ نوادي الرياضة والتدليك...
     في تلك المرحلة،
     قبل جينز البطريرك الراعي، وأغنيات الأب فادي تابت، وفضائح الرهبان الجنسيّة والماليّة، كان نسك الأودية والقمم ينجبُ ثورةَ المطران الأحمر غريغوار حدّاد وفلسفة المستقيم الرأي شارل مالك وفكرَ العالِم يواكيم مبارك وشعرَ اللاهوتيّ ميشال الحايك... وقداسة الشهداء.
     في تلك المرحلة،
     قبل إطلالات ميشال الحايك ومايك فغالي وليلى عبد اللطيف ومالك مكتبي وديمة صادق ومريم نور وتيتا لطيفة وأرزة الشدياق وماريو باسيل وجو معلوف وفادي وكارين ومايا دياب ومريم كلينك عبر شاشات محسوبة على المسيحيّين، كانت برامج فؤاد افرام البستاني وإيلي صليبي وعادل مالك وجان فيّاض وجان كلود بولس وكميل منسّى ورياض شرارة ونجيب حنكش وميشال معيكي ومي منسّى وشارلوت وازن الخوري وجاندارك فيّاض ونهى الخطيب سعادة وكابي لطيف، تؤنسُ ليلَ الناس وتنيرُ عقولهم...
     في تلك المرحلة،
     قبل "جسد" جمانة حدّاد (العلمانيّة الملحدة) كان (ت) هناك "شعر" أنسي الحاج (عاشق القدّيسة ريتا ومترجم نشيد الأناشيد) ويوسف الخال (مترجم الكتاب المقدّس)، وقبل متسوّلي شارع الحمرا كان هناك صحافيّون حوّلوا المقاهي منابرَ، وشعراءُ حوّلوا الأرصفة قصائدَ، وقبل حجابٍ يُخفي الوجوه كانت تنّورة "الميني جوب" تكشف الساقين ...
     في تلك المرحلة،
     قبل جبران باسيل وستريدا جعجع وميشال فرعون ونقولا فتّوش، كان الأخوان رحباني وزكي ناصيف ووليد غلمية وروميو لحّود يبنون لنا وطنًا شامخًا، ذكيًّا، عفيفًا، هادئًا،...
     في تلك المرحلة،
     قبل أن يصيرَ خروجُ التلامذة للنزهة تحت الأشجار نشاطًا تربويًّا تفتخر المدرسة بإنجازه، كان المسيحيّون يتبادلون قصص التدريس تحت سنديانات عتيقة تنشر فيئَها على كنائسَ تحضن العِلم... وكنّا مقتنعين بأنّنا معلّمو معلّمي العالم، كما أقنعنا أنطون سعادة وسعيد عقل، لا تلامذة أغبياء أمام مفتّش تربويّ من أميركا (أميركا نفسِها التي تفتّت بلادنا) أو فرنسا (فرنسا نفسِها التي استعمرتنا) نرجوه كي يزور مدارسَنا، ليعلّمنا كيف نعلّم...
     في تلك المرحلة،
     قبل أن يأسرَ المسيحيّون أنفسَهم بين نفقَي نهر الكلب وشكّا، كانت بعلبّك قِبلة مهرجاناتٍ أنشأتها السيّدة الأولى زلفا شمعون، وكانت صيدا حكايةً من حكايات سعيد عقل، وكانت صورُ أميرةُ البحار جرنَ معموديّةٍ خرجت منه أليسار، وكانت طرابلس عاصمةَ الشمال حيث القلب، لا عاصفةً تحمل غبارَ التعصّب وتذروه في عيون الإنسانيّة...
     في تلك المرحلة،
     وقبل أرحامٍ على صورة سوبرماركت أطفال، كانتِ النساء يُنجبن رجالًا وأخواتِ رجال، وقبل أثداءَ تشرئبُّ بالسيليكون، كانت الصدور تدرّ حليبًا صافيًا، وقبل رؤوس محشوّة بسخافات التلفزيون وترّهات التحاليل السياسيّة عبر تويتر وواتس آب، كانت العقولُ تحلّق بحثًا عن المعرفة...
     في تلك المرحلة، كان فوفو ونونو وأترابُهما أطفالًا عندهم جدّاتٌ يُحكنَ الكنزات ويحكين القصص لا جدّاتٌ مدمنات فيسبوك، وكان عندهم أجدادٌ يزرعون الوعر، لا أجدادٌ يزرعون الطرقاتِ جيئة وذهابًا من الضجر، وكان عندهم آباء وأمّهات يجلسون قربهم عند الصلاة والدرس لا آباء وأمّهات غارقون في قضايا الخيانة والطلاق وتحديد نسب كلّ ولد من الأولاد...
     في تلك المرحلة، فاجأ فوفو ونونو العالم بصمودِهما...
    أمّا اليوم، فرجاءً لا تضعوا في رأسيهما أنّ الحربَ لعبةٌ سهلة، وأنّ البندقيّةَ خفيفةُ الحمل، وأنّ لبنانَ وطنُ الرسالة، بل حمِّلوهما جوازَي سفر (الشهادة المدرسيّة والجامعيّة أمر بسيط)، ليرحلا إلى بلد آمن، أو على الأقل أقنعوهما بأنّ هذا الوطن لا يشبه في شيء ما كان عليه منذ أربعين عامًا... وأنّنا - ما لم نُطلقْ ثورة روحيّة تربويّة اجتماعيّة فكريّة ثقافيّة -  لن "نبقى هون مهما العالم قالوا"... وأنّ لبنان مش "راجع يتعمّر" على قياس لبنانَ أجدادهم، وأنّ الوقوف على أطلالِ "مجد لبنان أعطي له" يتطلّبُ رِجلين ثابتتين على أرض صلبة... لا جناحَي طائرة تحمل الراعي وخرافَه بعيدًا عن مزارات شربل ورفقا والحرديني... ومتاحفِ جبران ونعيمة والريحاني... وأرزات بشرّي وجاج الباروك...

الأحد، 14 يوليو 2019

مهرجان الشمندور بضيعة "بَيْتَين وتنّور" (21 أيّار 2017)




استيقظ مختار قرية "بيتين وتنّور"، ولم يجد ركوة القهوة إلى جانب سريره. انشغل باله على المختارة، فنفض عنه اللحاف وقام ليبحث عنها. وجدها إلى طاولة المطبخ، منكبّة على الكتابة وتختيم الأوراق بختمه الرسميّ.
الطنجرة فوق النار، والصحون نظيفة، وكلّ شيء في مكانه، فالمختارة إذًا بخير.
سألها حين لم تعره اهتمامًا: شو عم تعملي مختارة؟ شو فيه؟
أجابت من دون أن تلتفت إليه: قرّرت أعمل مهرجان بالضيعة!
اضطرب المختار وقال في نفسه: جنّت المختارة. ثمّ ملأ الركوة ماء ووضعها على النار، وهو يسألها بلهجة محايدة كي لا يثير حفيظتها: مهرجان شو من غير شرّ؟
مهرجان الشمندور! أجابت المختارة بكلّ جدّ ووقار.
أفلت المختار قهقهة مدويّة، فتركت المختارة ما كانت تفعله ونظرت إليه مليًّا قبل أن تجيب: شوف مختار! تمسخر قدّ ما بدّك. أنا اخترتك ومخترتك، بس خلصنا! من وقت ما استلمت الختم، ما عملت شي ينفع الضيعة، والبلد كلّو مليان مهرجانات، وما في مرتْ مسؤول إلّا ما عملت مهرجان وتريّشت وتريّست. وبما إنّو ما حدا أحسن من حدا، رح أعمل مهرجان تكريم لبقرتنا "عيّوقة" ورح يكون إسمو مهرجان الشمندور.
     ارتمى المختار على الكرسي المواجه، وفي باله فكرة واحدة: ماذا يفعل أمام حالة زوجته العصبيّة؟ لكنّه تماسك وقال وهو يقلّب عينيه بين الأوراق التي تعلن فيها المختارة عن مشروعها:
-      يا مرا شو صرلك؟ بدّك تضحّكي الناس علينا؟ حدا عاقل بيعمل مهرجان بضيعة آخر الجرد وما فيا غير بيتين وتنّور؟
قاطعته المختارة: لو كنت مختار شاطر كان صار التنّور معلم أثريّ بيجيب السوّاح...
بهت الرجل، لكنّه تابع: بلا جنون دخيل ربّك عند هالصبح. مهرجان قال، مهرجان الشمندور كمان... ليش مين رح يفهم شو يعني الشمندور أصلًا؟ تخيّلي مذيعات التلفزيون عم يتحزّروا شو يعني الشمندور... اعملي قهوة وبلا هالمسخرة...
صرخت به زوجته: بعد ناقصني إعتل همّ مذيعات التلفزيون! ليش هنّي بشو بيفهموا أصلًا... بعدين واجباتنا نعلّم الناس التراث، والشمندور من التراث...
حاول الرجل أن يكتم غيظه، وقال مسايرًا: طيّب. فيي إفهم منين طلعتلك هالفكرة؟
استقرّت المرأة في كرسيها وهي تطمئن نفسها إلى أنّ زوجها بدأ يقتنع بالفكرة:
-      نسوان الزعما من وقت زلفا شمعون بيعملوا مهرجانات، وأنا مش ناقصني شي ت أعمل مهرجان غير شكل، يحكي عنّو البلد، ونعرّف الناس ع ضيعتنا، حتّى نحرّك العجلة الاقتصاديّة فيا.
-      هلأ، بقرتنا "عيوقة" يللي بالكاد فيا تحرّك إجريا، صار مطلوب منها تحرّك العجلة الاقتصاديّة؟ وضيعتنا يللي كلّ ولادها نزحوا عنها، وأوّلن ولادنا، بدّك ياها تصير حديث الناس؟ شو جنّيتي؟ بعدين يا مرا عم تحكي عن زلفا شمعون إنتي؟ ما نحنا عم نتمسخر ع نسوان النوّاب والزعما المفكّرين رجالن متل كميل شمعون يللي بني المدينة الرياضيّة بنصّ بيروت مش بضيعتو، ومرتو عملت معهد للعميان متل ما عملت مهرجانات بعلبك...
-      والله مختار ما بها شي معلوماتك!!! مش هيّن حضرتك!!! بس بكون مجنونه إذا بتركك تغيرلي مشروعي. ما رح ردّ عليك.
-      طيّب ليش ما بتعملي شي تاني ما خصّو بالمهرجانات وهالمسخرة، اعملي شي عن الزباله، ما البلد كمان مليان زباله مش بس مهرجانات...
-      ومين قلّك ما فكّرت؟ رح أعمل مهرجان الصيصان للأولاد...
-      شو؟ وشو خصّ الصيصان بالزباله والأولاد؟
-      الله يساعدني عليك، بدّي ضلّ إشرحلك... منعلّم الولاد إنو الصيصان بياكلو الزباله العضويّة، وهيك منعمل بطاقة الدخول كيس زباله من بقايا الأكل..
هبّ المختار عن كرسيه هبّة عنيفة، فوقعت كرسي المخترة. وصرخ بزوجته:
-      نشّفتي دمي ونشّفت المي بالركوة، قومي اعملي قهوة، هيدا يللي بينفعك هلأ. بلا مهرجانات بلا بلّوط. ورح إحكي ولادك يجوا ياخدوك عند شي حكيم... بعد ناقصني بهالآخرة إحكي كلمة بمهرجان الشمندور والصيصان!!
-      غلطان مختار! إنت ما رح تحكي شي! أنا المشرفة ع المهرجان، وأنا يللي رح وصّي ع فستان وإطلع إحكي، ليش يللي عم يطلعوا يحكوا أحسن منّي... شوف نسوان المخاتير حوالينا مْرات وحيد ومْرات سعيد ومرات سليم ومْرات نبيل،  كلّن عملوا مهرجانات وكلّن ربيوا ع الشمندور، وليك اسم الله وين صاروا، وين الغلط نذكّرن بطفولتن؟... بعدين متل ما في مهرجان للكرز والتفّاح والزهور والجنارك، لازم يكون في مهرجان للشمندور! هيك قرّرت...
-      وأكيد بدّك تنقّي مطربه تغنّي بالمهرجان، مين من غير شرّ اخترتي؟
-      نسيت إسما، هيدي يللي نافخه حالا وما بتعرف تغنّي بس بتجيب ناس!
-      حلو كتير! يعني "عيّوقة" وإنتي والمطربه، وولاد حاملين زباله وعم يغنّوا للصيصان، مش ناقص غير حمار متلي ينعزم ع العرس!
-      إيه مختار! بس مش أيّا حمار! حمار بختم رسميّ! بتفرِق منيح...

الجمعة، 12 يوليو 2019

عن الوطن الذي لم يدافع عنه أحد (12 تمّوز 2019)



بين رفض مرسيل خليفة عزف النشيد الوطنيّ في افتتاح مهرجانات بعلبك، وتهجّم باتريك مبارك على رئيس الجمهورية والأمين العامّ لحزب الله والدين الإسلامي، بدا لبنان وحيدًا يتيمًا لا يجد من يدافع عنه.
عبّر اللبنانيّون جميعهم، في الصحف وووسائل التواصل الاجتماعيّ عن آرائهم في هاتين المسألتين: دافعوا عن موقف مرسيل، اعتبروا النشيد مسروقًا ولا قيمة فنيّة له، هاجموا الرجل واتّهموه بالخيانة، اعتبروا باتريك مريضًا نفسيًّا، قالوا إنّ الحقّ على الصحافيّة مسرّبة الحديث، دافعوا عن رئيس الجمهوريّة والأمين العامّ والإسلام، استعادوا الحرب، خوّفوا من الانزلاق إلى ما يوتّر السلم الإهليّ.... أمّا لبنان، لبنان الوطن، فلم يجد من يفكّر فيه أو يخاف عليه.
لبنان ومنذ فجر تاريخه المعروف يقف تائهًا على شاطئ الغروب. كلّ الذين ماتوا من أجله لم يموتوا من أجله: بل من أجل بقاء طائفة وتحصيل حقوق أخرى، من أجل الحزب، من أجل الزعيم، من أجل المال، من أجل منصب عامّ، من أجل فلسطين، من أجل سوريا، من أجل الطعام، ولكن ليس من أجل لبنان، لأنّ لبنان لا يزال فكرة لم تتجسّد في وطن حقيقيّ متّفق عليه، بل مختلف على تاريخه الذي ليس له كتاب موحّد، على جغرافيته في البرّ والبحر، على نظامه، على نشيده، على علمه، على لغته، على دينه أو علمانيّته، على دوره ورسالته،... وحين تكون كميّة الاختلافات كبيرة إلى هذا الحدّ، ماذا يبقى من وطن صيّروه بلدًا بليدًا؟
حين دافع بعضهم عن النشيد الوطنيّ، لم يكن الهدف النشيد الذي أجزم أنّهم لا يعرفون كلماته، إنّما مهاجمة الشخص اليساريّ الذي اسمه مرسيل خليفة والذي لم يلتحف مرّة بالعلم اللبنانيّ بل بالكوفية الفلسطينيّة أو الوشاح الأحمر الشيوعيّ، فاعتبروه خائنًا وكادوا يعتبرونه المتسبّب في الحروب اللبنانيّة كلّها، وفي الحالين غاب تقييم العمل الفنيّ تقييمًا شفّافًا علميًّا مفيدًا. في حين كان رأيي ولا يزال أنّ مرسيل ارتكب خطأ لا خطيئة (موضوع طرحته بإسهاب على حسابي الفيسبوكيّ).
والذين هاجموا باتريك مبارك لم يفعلوا ذلك دفاعًا عن لبنان أو خوفًا عليه، بل دفاعًا عن شخصين ودين، أو خوفًا منهما. ولم يسأل كثر عن حالة الرجل والسبب الذي دفعه إلى الإعلان بصوت عالٍ عن أفكار تجول في عقول كثيرين سواه ولم تجد ميكروفونًا ينقلها (كما حدث مع بشارة الأسمر) أو صحافيّة تسرّبها.
وبالتالي، يبدو لبنان في جميع الحالات خارج إطار المعادلة، وإن ورد اسمه ملايين المرات في التصاريح والبوستات والتعليقات والمقالات والكتب والقصائد والأناشيد. فالخوف إذًا ليس على النشيد أو العلم، ولا على رئيس الجمهوريّة ولا على السيّد نصرالله، وعلى أي زعيم ممنوع الإشارة إليه بالاسم أو التلميح، بل على وطن متروك عند أوّل تأشيرة سفر، وقابلٍ التوطين لمن فقدوا وطنهم، و"منزوحٍ" إليه قد يزاح عن الخريطة، أو يبقى في أحسن الأحوال صورة مستنسخة على آلة نسخ جفّ حبرها.
ولكن في كلّ هذه المعمعة من الدفاع والهجوم على عاملَين في الشأن الفنيّ، على اختلاف شهرتيهما ومكانتيهما، لا يبدو الفنّ بخير ولا النقد، ومن الواضح أن ليس مرسيل وهو المطمئنّ ماديًّا واغترابيًّا وحيدًا في رفضه هذا اللبنان، وليس باتريك وحده من يرضخ لتأثير الفقر والحاجة وأدوية الأعصاب... أليست هذه حال البلد كلّه؟
وأمام شكوك تطاول الأديان، وفوضى تعمّ الجسم الفنيّ، وانهيار المؤسّسات التربويّة، ومخاوف تهدّد الجسمين العسكريّ والقضائيّ، ينتظر لبنان موتًا رحيمًا تمنحه إيّاه رصاصة طائشة في مهرجان الامتحانات الرسميّة المشكوك دومًا في مستواها وقيمة شهاداتها، ولن يجد من يحميه أو يدافع عنه.

الاثنين، 8 يوليو 2019

النشيد الوطنيّ مش مزاج 1 (من ذاكرة الفيسبوك) 8 تمّوز 2019

مهرجانات بعلبكّ - تمّوز 2019


إلى كلّ المدافعين عن مرسيل خليفة، ومع الاعتذار من تلاميذي يللي عرّفتن ع مرسيل خليفة بعزّ الحرب والقصف:

1- شعوب الأرض كلّها بتعرف تميّز بين البلد والوطن، البلاد بتفرط بالواقع والوطن بيضلّ بالوجدان، بينحمل بالقلب والذكريات والأغنيات والتراث
2- كلّ الشعوب بتهرب من أرضا بسبب الحروب وما بتحمل معها غير ألبومات الصور العائليّة ومفاتيح البيوت والنشيد الوطني والعلم
3- النشيد الوطني مش أجمل موسيقى ولا أجمل كلمات، ولكن بيكفي إنّو انعزف بحفلات ومهرجانات ومآتم وأنشدوا تلاميذ المدارس ت يصير حامل تراث وتاريخ وذكريات
4- إذا الشعب اللبناني ما عطي قيمة للغة العربيّة والنشيد والعلم فلشو بدو يعطي قيمة ما دام لا بقا في أرض ولا عرض، يلعن عرض المثقّفين بس يصيروا سئيلين ومفلسفين
5- مرسيل خليفة نفسو لمّا غنّى بمسرح جورج الخامس قبل يحطّوا النشيد الوطني ولكن هوّي بقي واقف خلف البرداية
6- كلّنا عايشين بالزبالة، ومنعرف إنّو ما عنا زعما، وما عنّا حكومة عم تشتغل شغلها، مش وحدو مرسيل خليفة عم يعاني هيدا إذا كان بعدو عم يعاني، ولكن مش كل ساعة منبلّ إيدنا بشغلات مفترض تكون بمنأى عن الأحزاب والسياسة
7- بعلبك بنيوها الرومان بزنود العبيد، فليش قبل يغنّي فيها؟
8- ما بيهمّني النشيد الوطنيّ عن مين مسروق ومن شو مستوحى، ومنقدر نحكي مجلّدات عن تأثّر كبار الموسيقيّين بموسيقى غيرن وبينن عبد الوهاب والأخوين رحباني... وما في شي بيخلق من ماشي... 
9- لو كانوا هالمدافعين عن مرسيل بيشتغلوا بالتربية كانوا بيعرفوا إنّو ما فيك تقول شو ما كان وساعة يللي كان، لأنو هيدا الجيل يللي ما بقا عندو ولا قيمة لشي، مش ناقصو حدا يتفلسف وينظّر بالوطنيّة كأنّو ما حدا وطني غيرو، 
10- التلطّي ورا وطن فيروز والرحابنة وزكي ناصيف ما بيحمي حدا، لأنو عاصي بنفسو كان طرق أكبر حدا بيتطاول ع رمز لبناني كف ما بيفهم

وبالنهاية عن جد قرفت من الفيسبوك ومن كتار حاملين لواء الثورة هنّي وقاعدين بأوروبا وأميركا أو عم يبرموا بين الدول والمهرجانات

السياسيّين شرشحوا البلد، ولكن نحنا الشعب عم نشرشح الوطن، ويللي مش عاجبو مع السلامة
#ماري_القصّيفي
#مرسيل_خليفة
#النشيد_الوطنيّ_مش_مزاج

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.