الأحد، 31 يوليو 2016

وليمة النار في زمن الصراصير





إلى سائليّ عن موعد صدور كتابي الجديد:
في زمنٍ لم نجد له بعد صفة تفي بشاعته حقّها

في زمنٍ تغيب عنه العدالة والرحمة وتُغتال الفلسفة ويُهمّش المنطق
في زمن القتل المشروع والذبح الحلال
في زمن الإعلام المسموم والمسمِّم وصحافة الجسد وتلفزيون الواقع
في زمن الهواتف الذكيّة والناس الأغبياء
في زمن فقر الصحافيّين المدقع والثراء الفاحش الذي يتنعّم فيه أصحاب الصحف
في زمن انهيار دور النشر وإفلاس المكتبات وكثرة الكتّاب على مواقع التواصل الاجتماعيّ
في زمن تنتشر فيه توقّعات ليلى عبد اللطيف (وإخوانها وأخواتها) وتغنّي رلى يمّوت (وإخوانها وأخواتها)
في زمنٍ يكون فيه نجوم الغناء فقط (لا الشعراء) سفراء النوايا الحسنة...
في زمنٍ لا يدعى فيه الأدباء ليكونوا عاملين في الشأن العامّ (البلديّ مثلًا)، ولا تكرّمهم بلداتهم (على الأقلّ بلداتهم...)
في زمنٍ الأركيلة فيه أغلى من الكتاب، وثمن الحذاء يساوي أربع مقالات في الشهر...
في زمنٍ تحصد فيه نصوصي مئات اللايكات، وحين وزّعت كتبي مجّانًا لم يبالِ إلّا عشرات،
في هذا الزمن بالتحديد، لن أصدر كتابًا ولن أقيم حفل توقيع يليه شرب نخب المناسبة، بل سأحتفل وحدي بمرأى النيران وهي تلتهم كتبي فلا تصير وليمة للصراصير!



من يوميّات الفيسبوك (31 تمّوز 2016)

بيروت في ستينيّات القرن الماضي


2015
كيف لا أعشق رجلًا إن حدث وجرحته بكلمة، يحضنني ويسألني إن كان الجرح يؤلمني؟
***
2014
حين ينكسر الصوت
حزينًا ومكسور الصوت، هكذا يكون صديقي حين يغوص في عوالمه الداخليّة باحثًا عن الأجوبة التي تريح. ولكنّ ذلك غالبًا ما كان يدفعني إلى الندم، فأروح في محاكمة صارمة لا عدالة عندها ولا أحكام تخفيفيّة، أتّهم فيها نفسي بالتسبّب عمدًا، وعن سابق تصوّر وتصميم، في دفع هذا الرجل الجميل إلى مطارح سحيقة، تترك على وجهه خطوطًا تشبه علامات الاستفهام.

وحين كان يغيب في غيابه، كنت أكتشف في نفسي شوقًا ملحًّا إلى صوت الحياة يتفجّر من حنجرته، وأعد نفسي بالتوقّف عن طرح الأسئلة، والامتناع عن إثارة الموضوعات الغامضة، والتخلّي عن رغبة لا تفارقني عادة في جرّه إلى حوار لا نعرف إلى أين يقودنا. أقرّر في كلّ مرّة ن اكتفي بالحديث عن الطقس والتلفزيون والسياسة، لكنّ المهم ألّا ينكسر الصوت وألّا تذبل النظرة وألّا تهدأ نبضات الكلام.
رحلته الداخليّة قد تطول أيّامًا، يعود منها غالبًا وهو تعب. إنّما حصل في مرّات كثيرة أن عاد متوهّجًا ومشعًّا كخاتم الخطوبة. وكان عند ذلك ينطلق مدافعًا عن مواقف اتّخذها، ومستعيدًا كلمات قالها، ومبشّرًا بأفكار خطرت على باله. كأنّما رحلته تلك زادته قناعة بخياراته الفكريّة وميوله العاطفيّة ورغباته العطشى دائمًا إلى إرواء ظمئها.
أمّا عندما يرزح تحت ثقل الإحساس بالخطأ الذي ارتُكب، فكان يعمل جاهدًا كي يصفح – عن نفسه أو عن الآخر – ثمّ يكتشف أنّ النسيان أسهل بكثير. ولكنّي أعترف بأنّه غالبًا ما أجبر نفسه على اختيار الحلّ الأكثر صعوبة. وهنا فرادته.

(من كتاب رسائل العبور)
 ***

الشعراء المسيحيّون والعشق وداعش


الخوف على المسيحيّين المشرقيّين لم يكن مزحة في يوم من الأيّام. وحين نشرت كتابي "الموارنة مرّوا من هنا - بألم ماري القصيفي"، كنت أعرف أنّ الخطايا التي ترتكب في الطائفة المراهَن عليها ستكون يومًا خطأ قاتلًا في حقّ الطوائف المسيحيّة الأخرى وغير المسيحيّة. ولعلّ خطيئة المارونيّ الأولى والكبرى والخطيرة أنّه لم يجرؤ يومًا على العشق، العشق البشريّ، بلا قيود أو موانع أو شروط أو مخاوف أو محاذير... العشق المعلن الطبيعيّ المجنون الذي لا يقتل الجسد ولا يحرم النفس ولا يكبت المشاعر ولا يغسل الدماغ ولا يخجل من النظر في وجه الله.
أنا لا أعرف شاعرًا واحدًا مسيحيًّا لبنانيًّا يمكن القول أنّه عشق بصدق وجرأة وشجاعة! هل تعرفون؟ اذكروا لي اسم واحد منهم أحبّ فعلًا وترك كلّ شيء ليلبّي نداء القلب! جبران النسونجيّ وحبيب لبنان؟ سعيد عقل أسير أمّه والعذراء مريم؟ الياس أبو شبكة التائه بين غلوائه وحبيبته؟ أنسي الحاج عاشق فيروز ونفسه؟ صلاح لبكي؟ فؤاد سليمان؟ ميشال طراد؟ عاصي الرحباني؟ يوسف الخال؟ أمين نخلة؟ مَن منهم تحرّر من صلبه على خشبة المسيح ولبنان ليقول نعم لامرأة واحدة وجد فيها المسيح ولبنان؟ أنا لا أعرف اسمًا واحدًا في هذا الوطن، فهل أجزم وأقول ولا في المشرق العربيّ كلّه؟
بين الخوف على المصير، والتأثّر بالتيّارات الأدبيّة الأجنبيّة، تلقّط الشاعر المسيحيّ بروحانيّة المسيح وجسد الوطن، فضاعت المرأة من يده وتاه هو. لتبقى القصيدة شاهدة على التشظّي والتشرذم والتفتّت بحثًا عن فردوس مفقود كان يمكن أن يكون بسهولة حضن امرأة، امرأة هي مزيج من العذراء والمجدليّة، لا واحدتهما على حساب الأخرى. ومن لا يجرؤ على عيش حبّ كهذا كيف له أن يكون مثقّفًا ثائرًا منتفضًا مقاومًا مغيّرًا؟ بل كيف يمكن أن يكون متصالحًا مع نفسه ومع العالم؟ بل كيف يمكن أن يكون نصّه أكثر من مجرّد استظهار يدرسها التلامذة أو قصيدة يشيد بها الدارسون، أو مدرسة في السبك والبلاغة والبيان يقلّدها الآخرون، أو تيّارًا شعريًّا يؤسّس لمرحلة في الأدب لا في الحياة؟
قد يقول أحدكم ولكن عند غير المسيحيّين قد يصحّ الأمر نفسه! ربّما، لكن لأسباب أخرى تتعلّق بالحريّة والانفتاح والتفلّت من الرقيب، ولأنّ غير المسيحيّ لم يشبّه نفسه بمسيح مصلوب ولم يطلب من المرأة أن تكون عذراء تشبه أمّه التي تشبه بدورها العذراء.
واليوم، في مواجهة داعش، التي وللغرابة لا تقتل المسيحيّين بل تبعدهم في عمليّة مكشوفة للفرز الطائفيّ وتقسيم المنطقة، اليوم، لا يجد الشعراء "المسيحيّون"، وإن كانوا ملحدين أو علمانيّين، سوى الدعوة إلى الجنس والعريّ والإلحاد، من دون أن يكتبوا نصًّا واحدًا يحرّك المجتمع ويقوده نحو خلاص ما. الشعر هو القائد، ولا قيادة من دون شغف أو جرأة أو تفلّت من قيود الفكر لا ملابس الجسد، وإن كان الزيّ مؤشّرًا لنوع من التفكير.
الشاعر المسيحيّ لم يرد أن يعشق سوى مريم العذراء لكنْ عينه كانت دائمًا على المجدليّة فبقي واقفًا عند باب القبر، مشاهدًا لا شاهدًا. ولم يرغب في التشبّه إلّا بالمسيح، لكنّه لم يحمل صليبًا ويتبعه إلى كهوف النسك والتبتّل فبقي قابعًا أمام مغارة الميلاد خروفًا لا راعيًا. 
اليومَ، في عصر داعش والخليفة وقطع الرؤوس، لا زعيم مسيحيًّا - دينيًّا أو سياسيًّا أو عسكريًّا - يمكنه أن يطمئن المسيحيّين الذين التصقت بهم صفة الأقليّات وما كانوها يومًا. اليومَ لا شاعرَ يعشق امرأةً ويقول لها: إنت لستِ أمّي، ولستِ مريمي، ولستِ بلادي، لكن أنت امرأتي التي من أجلها تصالحت مع أمّي، وبسببها عرفت من هي مريم، وفي جسدها صار لي وطنٌ وبيت. اليومَ، لا أمل أمام الفتيات المسيحيّات سوى أن يزينّ أصابعهنّ، على مثال جدّتهنّ أليسار، بخواتم مرصّعة بحبيبات السمّ، ينتحرن بتناولها للخلاص من حياة لا شعراء فيها ولا رجال.

*** 
أرخصُ مسبحٍ لهذا الصيف بحرُ دمائنا
نحن المذبوحين بدم بارد
 ***

2012
1- الشجرة العارية التي جلس عند جذعها أستراغون وفلاديمير بطلا مسرحيّة "في انتظار غودو" هي ما كان ينتظره الرجلان لو نظرا ورأيا. كان الرجلان موعودين بالمنتظَر الذي كان يعطي إشارات متباعدة إلى أنّه آت حتماً، ومع مرور الوقت، كان الانتظار يتحوّل مكانًا آمناً يخشى الرجلان الخروج منه لئلا يقعا في الفراغ، وصار الانتظار العقيم بديلاً من الشجرة التي كان ممكناً أن تكون خضراء مثمرة ظليلة لو انشغل المنتظران بتقليب تربة أرضها وتشذيب أغصانها وريّها، وهي التي لا تزال تحمل في نسغها بعض حياة. وهل يمكن أن تكون الشجرة استعادت الحياة في الفصل الثاني من المسرحيّة بعدما روتها أخبار الرجلين وحكاياتهما، عوضاً عن الماء، بالكلمات/ الأسئلة/ الشعر؟ وهل الرواية نوع من الريّ؟
*****
2- انتظار القطار أوصل القطار في مسرحيّة "المحطّة" للأخوين رحباني، ربّما لأنّ المنتظِر (بكسر الظاء) كان مستعداً للسفر، ولأنّ من بشّر بوصول القطار يتجوّل على الطرق مبشّراً بالحلم، مؤمناً به، يسبقه، ولأنّ القطار المنتظَر (بفتح الظاء) يحمل لا بدّ أكثر من مسافر، وينتظره أكثر من منتظِر.
*****
3- عنصران أساسيّان نصل إليهما إذاً: الحركة والجماعة. عند بيكيت جمود وعند الرحبانيّين حركة (الحركة بركة). عند بيكيت رجلان قد يكونان رجلاً ومرآته، لو كان معه امرأة لانتظرا طفلاً وكوّنا مجتمعًا وهذا ما لا يؤمن به بيكيت، وعند الرحبانيّين قرية وعيد ولصوص ومتسوّلون وزوجات أي كلّ ما يمكنه أن يكوّن مجتمعًا (الجنّة بلا ناس ما بتنداس).
*****
4- من الأدب الغربيّ، وصلت إلينا حكايات الأطفال حيث تنتظر المرأة وصول المخلّص: سندريلاّ انتظرت الساحرة الطيّبة ولم تتعلّم خياطة الملابس، ذات الجديلة انتظرت كي يطول شعرها ولم تتعلّم حياكة حبل، الأميرة النائمة انتظرت قبلة الأمير ولم تفعل شيئاً لأنّها في كلّ بساطة كانت... نائمة. ولعلّ هذا ما يميّز شخصيّة شهرزاد التي أتى خلاصها من رأسها وقراءاتها ومخيّلتها. في حكايات غربيّة أخرى أمير/ضفدع ينتظر الحبّ، ومارد قبيح ينتظر قبلة تزيل عنه السحر الأسود وتعيده شاباً وسيماً.
*****
5- الشرق ينتظر المسيح المخلّص، المهدي المنتظر، عودة الراحلين في قمصان جديدة هي الأجساد المنتظِرة من يحلّ فيها لتنطلق في رحلة الانتظار من جديد. في الشرق مجتمع كامل ينتظر نجمًا يقود الرعاة المساكين والبدو الهائمين، عيونهم إلى السماء دومًا فضاعت الأرض.
*****
6- في معجم ألفاظنا اليوميّة ترد كلمة الانتظار في شكل لم نعد نعيره اهتماماً: غرف الانتظار، انتظار المولود، انتظار الشفاء، انتظار الموت، انتظار قرع الجرس في المدرسة، انتظار وصول المسافر، انتظار راتب آخر الشهر، انتظار سيّارة التاكسي، انتظار الإشارة الخضراء، انتظار النادل في المقهى، انتظار نتائج الامتحان، انتظار الحبّ، انتظار عطلة نهاية الأسبوع، انتظار عطلة الصيف، انتظار جائزة نوبل... كأنّنا لا نفعل إلاّ الانتظار.
*****
Inbox (0) - 7 علبة البريد هي التي تغيّرت، الانتظار لا يزال كما كان مذ اختبرته أوّل امرأة. لم تعد علبة البريد أمام الباب، بل في غرفة النوم قرب السرير. ليس ثمّة خوف اليوم من أن ترصد الجارات الحسودات توقّف ساعي البريد أمام منزل الفتاة حاملاً رسالة من حبيب غائب، أو في أن تلتقط عيونهنّ دمعة عالقة على هدبها حين تعرف أن لا رسالة لها. صارت الرسائل تصل بسرعة البرق ومن دون صخب الرعد، ولكن الانتظار لا يزال كما كان، تختلط فيه المشاعر وتولد خلاله الأحلام وتموت الرغبات. لا تزال المرأة تنتظر، على رغم ثورتها وتحرّرها، أن يرسل إليها الرجل إشارة أو رسالة. ولا يزال الوجع كما هو حين تبقى علبة البريد فارغة.
*****
8- بينيلوب لم تستقبل أوليس زوجها الذي انتظرته طويلاً، كان ذلك الذي وصل رجلاً آخر أغرمت به، وصودف أنّه كان زوجها.
 ***
فوجئ الأستاذ الجامعيّ حين اكتشف أنّ طلّاب الماجستير في كليّة الآداب، قسم اللغة الفرنسيّة، لم يسمعوا بتولستوي، ولم يوحِ لهم اسمه شيئًا. وفوجئ المسؤول عن اللغة العربيّة في إحدى المدارس بأنّ بعض مدرّسي اللغة لا يعرفون من هو فؤاد كنعان الذي سمعوا باسمه عرضًا لدى نعيه واكتشفوا أنّه يكتب قصصًا. وفوجئت المسؤولة عن المكتبة في إحدى المدارس بأنّ مجلّة أدبيّة تناولت موضوعًا سياسيًّا، ومنعت تداولها بين الطلّاب إذ ما علاقة الأدب بالسياسة! وفوجئ الطلّاب الجامعيّون حين اكتشفوا أنّ أستاذهم وهو أديب معروف لم يزر بعد المطعم الذي افتتح قبل يومين، ولأنّه تأخّر عن القيام بذلك فلن يستطيع أن يعوّض خسارته لأنّ مطاعم أخرى ستفتتح تباعًا ولن يجد الوقت لملاحقة مواعيدها.
لا أعرف لماذا يظنّ كثر أنّ الحياة في لبنان رتيبة الإيقاع ومملّة، فالمفاجآت لا تنقطع، والدهشة التي تعيدنا أطفالًا في منتهى البراءة – والجهل – موجودة في كلّ حدث أكان ثقافيًّا أو سياسيًّا أو حياتيًّا أو اجتماعيًّا. فماذا نريد أكثر؟
 ***
قالوا لي: صديقك ذكيّ! 
قلت لهم: لو لم يكن ذكيًّا لما كان صديقي!
 ***
نم يا صديقي وتنفّس بهدوء كي تنتظم دقّات قلبي
 ***
الحبّ هو الحقيقة الوحيدة التي لا تنتظرنا كي نبحث عنها بل تفاجئنا حين لا نتوقّع وتقدّم إلينا الأجوبة على كلّ أسئلتنا!


السبت، 30 يوليو 2016

من يوميّات الفيسبوك (30 تمّوز 2016)



2015
تاري القلب بيدقّ
ت الحبّ يفتحلو
ويقلّو: 
شو ناطر فوت؟
وِنْ بقيتْ مسكّرة 
بواب الدني
وما حدا حبّو
بيسكت وبيموت
 ***
2014
النصّ الأخير...
اخترعتك لأنّني في حاجة إليك، وقبل ذلك لم يكن لوجودك وجود.
أيّها العابر بين الحلم واليقظة وبين الناس والنوم، ها أنا الليلة مشوار عبورك وأريحك من همّ السفر فوق الأسطر المنتظرة وطء الكلمات يرسمها مرورك الضبابيّ. وأقلب القلم رأسًا على عقب لأمحو صورتك المصنوعة من وهم احتفالي بك وشوقي إلى احتمال انبثاقك من بين جفنَي الانتظار.
أيّها المصنوع من ندى صيفيّ وبروق شتائيّة، أمزّق الليلة الورقة الأخيرة من روزنامة الفصول وأسدل الستائر على الشبابيك المنتظرة وجهك، وأعلن نهاية الرواية.
أيّها الرجل المتنزّه على صراخ الألم، والمتفرّج على انتحار اللذّة، والساخر لحظة يبكي الحنين! دعني أصدّق الليلة أنّي قادرة على الاغتسال ببكائك النهائيّ، وعلى الإقامة ولو للمرّة الأخيرة في بحيرة عينيك الآمنة كالرحم، وعلى أن ألبس دموعك ولو للمرّة الأولى جلدًا مائيًّا كغلالة عروس.
لم أكن أعرف حين أنجبَتك رغبتي فيك أنّك قادر على البكاء، أنت الرجل الذي أغمض عينيه كي لا يراني لأنّه يخاف أن يرى، والذي كان يتكلّم كي لا يترك لي الفرصة للكلام لأنّه يخاف أن يسمع ما أرغب في البوح به، والذي كان يخبّئ يديه كي لا أرى رعشة الاشتياق في أصابعه.
وحين فاجأتني وبكيت بدا العالم جميلاً ونظيفًا كأنّه يغتسل بماء المطر الأوّل، وبدت الدموع قادرة على محو الآلام والأحزان، كأنّك تبكي عن كلّ المتألّمين، وعن كلّ التائبين، وعن كلّ العشّاق، وعن كلّ المتروكين. بيد أنّ لحظات قليلة كانت كافية ليتبدّد كلّ ذاك الذي بدا للحظة حزينًا وحنونًا وحقيقيًّا، وإذا بعينيك الجافّتين المصنوعتين من الزجاج الملوّن الجميل تجودان بدمع غريب يحرق لكنّه أضعف من أن يشفي، يهمي لكنّه أبخل من أن يروي، يغسل لكنّه أعجز من أن يطّهر.
أيّها المصنوع من أحلام طفلة وأوهام عجوز، حكتكَ من خيوط الكلمات التي لن تغفر لي خطيئة صنعك، لأنّ جنون كبريائك جعلك تتعالى عليها هي التي تباهت بك منذ لحظة تكوينك. فلتُمحَ إذًا الكتابة التي جعلت الرجال يحسدونك، ولتُمزّق الصفحات التي تمدّدتَ فوق بياضها ملكًا لا انتهاء لملكه، ولتتحطّم العناوين التي وضعتك عنوانًا لكلّ كتابة. ولتُغفر خطيئتي لأنّي جدّفت على الكلمة حين آمنت في صدق أنّ اللقاء بك أجمل ممّا أكتبه.
 ***
ألفُ رَجُلٍ ورَجُل 
والنهاية واحدة
 ***
أنا كتير بحبّ إمّك، أكتر ما إنت بتحبّها يمكن، ع الأكيد أكتر، ومش مهمّ هيي تحبّني أو لأ
بحبّها كتير لأنّها بيوم من الإيّام طلبتلك وقالتلك: الله يبعتلك بنت تعذّبك متل ما عم تعذّبني
***

لا تحسب للقائنا حسابًا...
فقبلة واحدة منك تساوي نصف عمر
ويدانا المتعانقتان تساويان ألف قصيدة
وثلاث همسات منّي تساوي شهقة نشوة
وأربع شفاه تساوي مليون قبلة
وخمسة أصابع تعزف على جسدي تساوي مئة عصفور على بيدر
وستّة شهداء من أصدقائنا يساوون وطنًا
وسبع سماوات تساوي نظرةً واحدة منك
وثماني دمعات من عيوننا تساوي بحرًا
وتسع مرّات تذكر فيها اسمي تساوي العمر كلّه
أتريد أن يذكر التاريخ أنّ شاعرَين خربطا منطق الأرقام والأعداد؟

 ***
حين يقسم لكِ رجلٌ ببلاده 
أنّه لم يحبب امرأة مثلما يحبّك
فثقي بأنّك سمعت أجمل نشيد وطنيّ،
نشيدٍ ترقص الأرض على وقعه 
ويخفق قلب التراب من صدق معانيه
...فيقوم الشهداء من موتهم
ليغنّوه ...

 ***
2012
سألت صديقي المسيحيّ: قولك راسي بيضلّ يوجعني لأنّو الرجل رأس المرأة؟
وسألت صديقي المسلم: لماذا لا يكون لك حظّ أنثيين في الاهتمام بالوالدين؟
 ***
فتح الله اليوم الصحف والمجلّات والفايسبوك وتويتر وتثاءب حين لم يجد ما يدهشه، ذهب إلى حضانة السماء فوجد الأطفال يقلّدون الكبار ويلعبون لعبة الحرب، فعاد إلى النوم ليرسم ملامح عالم جديد.
 ***
آدم نصف اسمه دم... ويريد المزيد من دمي.
 ***
نظر الرجل في عيني ولده وقال له: ادرس جيّدًا يا بني واحصل على شهادة ترفع رأسنا، لقد بعت قطعة الأرض التي ورثتها عن أجدادي كي أعلّمك في أرقى المدارس. ذهب الولد إلى الصفّ، وانتظر الحصّة الأولى بفارغ الصبر، وحين وصل المعلّم قال للتلاميذ: درسُنا الأوّل هو عن أهميّة الأرض وضرورة المحافظة عليها لأنّها إرث من الأجداد للأحفاد. اصفرّ وجه الولد وبكى فنزلت من عينيه حبّتا تراب.
 ***
كيف يكون عند كاتبٍ ما أكثرُ من ألف صديق معجب على الفايسبوك ولا يبيع ألف نسخة من كتابه؟
 ***
2010

إذا كنت صديقي فلن أخبرك ما يزعجني كي لا تحزن، وإذا لم تكن صديقي فلن أخبرك ما يزعجني كي لا تفرح!

الجمعة، 29 يوليو 2016

من يوميّات الفيسبوك (29 تمّوز 2016)


2015
مشاكسة:
يمكن ترقّق العضم بيجي من النطرة ت يرقّ قلب الحبيب

***
الذباب
"في المدينة التي لا حياة فيها، لم أكن أسمع إلاّ صوت الذباب وهو يحوّم فوق الجثث". بهذه العبارة يصف أحد الناجين من هيروشيما ما علق في ذاكرته بعد القنبلة الذريّة التي وضعت حدًّا للحرب العالميّة الثانية، وسمحت للولايات المتحدة بالانتصار على اليابان وفرض شروط عسكريّة قاسية عليها.
*****
كيف نجا الذباب من آثار قنبلة لم تترك خلفها إلاّ الموت والفناء على امتداد سنوات كثيرة بعد إلقائها؟ ولماذا لم ينج في المقابل من بقي حيًّا من غضب الناس كأنّ هؤلاء الناجين ارتكبوا إثم البقاء على قيد الحياة ولو مشوّهين تشويهًا كاملاً وملوّثين بالإشعاعات؟ لم يطرح أحد قضيّة الذباب الذي تحدّى القنبلة الذريّة الأولى في العالم وبقي حرًّا طليقًا يحوم فوق الجثث، في حين أثار الناجون موجة عارمة من الاستياء لأنّ بقاءهم مشوّهين ومرضى وملوّثين شاهدٌ على تفعله الحروب وبما ينتج عن عبقريّة الإنسان في مجال صناعة الموت. ولكنّ الناجين هم أيضًا كانوا يفضّلون الموت ويتمنّى كثر منهم لو قضوا مع آلاف الناس الذين أذابتهم النيران. قد يكون موقفهم هذا ناتجًا عن شعور بالذنب أو بسبب المعاناة من الإشعاعات والحروق أو من التشوّهات التي نقلوها إلى أبنائهم وأحفادهم، أو الاشمئزاز من حياة فيها هذه الكميّة من الحقد والبشاعة والأمراض، أو لأنّهم أصيبوا بخيبة أمل من تصرّفات الحكومات والشعوب مع مصائبهم وآلامهم. إلاّ أنّهم ومهما اختلفت الأسباب يشعرون بالأسى لأنّهم شهود موتى وشهداء أحياء.
*****
الشعوب التي ذاقت بلادها الحروب خبرت جيّدًا تلك المشاعر، فالمهجّرون والأسرى والمعاقون والأرامل والأيتام أعباء تحتاج الحكومات سنوات طويلة من العمل كي تقفل ملفّاتهم ما قد يعيق حركة التقدّم والازدهار واستعادة الحياة مجراها الطبيعيّ. الذباب وحده لا ملفّ له ولا دراسات عن أعداده وضحاياه وأنواعه وأسباب بقائه ونتائج ذلك ومدلولاته. الذباب لا يزعج الحكومات ولا يزعج الجثث، لا بل إنّ الأحياء يجدون في طنينه حياةً ما في أرض كان من المفروض ألاّ تبقى أيُّ حياة فيها لكي يكون الانتصار كاملاً، والهزيمة نهائيّة.
*****
التعامل مع الموتى أسهل في العمل الإداريّ من التعامل مع الناجين، فهم يدفنون في مكان واحد، ويقام على شرفهم احتفال واحد، ويختم ملّفهم مرّة واحدة ونهائيّة. أمّا الناجون فقبور مفتوحة لا أحد يريد الإقامة قربها، وجروح مفتوحة لا أحد يرغب في أن يحملها في جسمه أو ذاكرته، وملفّات مفتوحة لا تترك مجالاً للنسيان.
*****
الرجل المشوّه العجوز الذي تحدّث عن الذباب في الفيلم الوثائقيّ كان طفلاً حين أحاطته القنبلة بنيرانها المذيبة وتسلّلت إشعاعاتها إلى خلاياه، وصوت الذباب هو ما رافقه طيلة حياة المعاناة التي عاشها. فهل كان يتخيّل نفسه ذبابة خلال كلّ تلك الأعوام، لذلك بدا أنينه أشبه بالطنين فأزعج الناس الذين كانوا يريدون أن ينسوا الحرب والحكومةَ التي تريد أن تبتلع الهزيمة؟
*****
هل يختلف الكلام عن الموتى والناجين والذباب في اليابان عمّا قد نكتبه عن مثل ذلك في لبنان وفلسطين والعراق والجزائر والسودان؟ بالطبع لا. ولكن السؤال الأهمّ هو هل تستطيع حكومات هذه الدول أن تصل إلى ما وصلت إليه اليابان في سلّم الحضارة والتمدّن ورفاهيّة العيش؟ بالتأكيد لا. لأنّنا في الوقت الحاضر لا نجيد إلاّ "كشّ الدبّان".

2014
رسالة مش لحدا معيّن:
يا حبيبي!!! أنا بسّ حبّك، ما بكون عم حبّك بسّ/ بكون عم قاوم إسرائيل وداعش المسلم والمسيحيّ وأعداء البيئة والوحوش البشريّة والزعما والتاريخ والجغرافية/ وبس يطلع خلقي عليك بيكون لأني شايفة فيك قدرة وشجاعة إنت مش شايفن بحالك/ ولأنّي ما بقبل كون عارفة شو بدّي من الحياة ومنّك، وإنت بعدك عم تدرسلي شخصيتي وتحطّلي لايك...
يا روحي!!! الحبّ فعل مش انفعال وبيت القصيد مش القصيدة والتراب مش الزهرة والسما مش الغيمة/ ويا حبيبي ما في شي إسمو بحبّك كتير وشوي وقبل الضهر وبعد الضهر وبس إفضا/ يا حبيبي الحبّ دوام كامل ودوام إضافيّ كمان... والحبّ ارتباط مش رباط، والتزام مش إلزام، وضحكة مش دمعة، وحركة كلّا بركة مش تأمّل وتحليل...
يا حياتي!!! العجقة بالعرس حلوة بس بالحبّ ما في إلّا اتنين سايعين الكلّ ومش سايعتن الدني/ والغزل حلو بس بيدوب بالشوب وبيجمد بالرد، ولكن الحبّ مغزال بإيد الدني ت ما تبرد قلوب الناس
يا قلبي!!! لو كلمة بحبّك بتجيب ولاد كان صار عندي أكبر طايفة بالبلد وأكبر حزب بالمنطقة، قد ما صرت سامعتها، بس أنا بنت الكلمة، الكلمة الشجاعة يللي صارت جسد، والجسد يللي هوّي طريق، والطريق يللي بتمرق حدّ القبر الفاضي وبتكمّل ع السما... وإذا بدّك تضلّ كلمة ما بقا تحكي معي ولا كلمة...
يا تقبر غيري!!! وحياتك مش ناقصني حكي، بحكي قدّ قاضي معزول... وفيي إكتب لحالي قصايد حلوة كمان... 
يا حبيبي كلّ القصّة سؤال: إنت عارف شو بدّك منّي؟؟؟

 ***
عم ضلّ قاعدة بصفحتك ناطرة ت تطلّ
خايفة شي نهار تطوي الصفحة عليي 
وروح معس بين اللايكات والتعليقات
 ***
ثقل الآخرين
(ماري القصيفي - من كتاب رسائل العبور - دار مختارات)
رفضت دائمًا أن نكون مع الاخرين، لأنّ القلق الذي سكنني منذ البدايات جعلني خائفة من أن يبقى الآخرون ويعبر هو، وواثقة من أنّ هؤلاء الذين يبحثون عن صورته في خيال كلماتي يريدون أن يروا في عينيّ أحرفًا لم أرسمها بعد.
شعرت بشكل لا يقبل النقاش بأنّ هذه اللقاءات ستجعلني صفحة مفتوحة على طاولة أحد المطاعم، تتداولها الأيدي وتعمل فيها الألسنة قراءة وتحليلاً وتنقيبًا، وبأنّ النصّ الذي كتبني قبل أن أكتبه ستتطعّم حروفه بنكهة القهوة المرّة، وسيكلّله دخان سيكارة تشتعل غيرة. وعندما كنت أرفض دعواته إلى الانضمام إلى الآخرين، كنت أعجز عن التبرير، فيأتي الاعتذار مجبولاً بالتردّد والاضطراب كأنّي على أبواب امتحان لم أستعدّ له كما يجب.
في الحقيقة أنا لم أخف إلّا على علاقة اعتبرت دومًا أنّها سريعة العطب كتمثال من الكريستال الشفّاف لا يمكن وضعه بين أيدي أطفال يحبّون اللعب، ونادرة كتذكار حمله سائح من بلاد بعيدة لن يعود إلى زيارتها في هذه الحياة، وثمينة كىخر أيّام الصيف في حياة عجوز.
الآخرون بلا شكّ هم الثمينون والنادرون في حياته، هم مجاله الحيويّ والرئة الكبرى التي تمدّ العالم حوله بالهواء المنعش، ومن دونهم كان يشعر بالاختناق. لكنّهم، بالنسبة إليّ، هم المتطفّلون الذين اقتحموا حديقتي السريّة وقطفوا ورودها وأزعجوا سكينتها.
كنت أعرف أنّ هذا المنحى الطفوليّ فيّ لا يتآلف مع طبعه، واكتشفت مع الأيّام أنّ فسحات لقاءاتنا ستضيق شيئًا فشيئًا. وكان أمامي أن أنتظر اختقاءها تحت زحمة الأيّام والناس من غير أن أجد في نفسي الشجاعة لاقتحام الجموع حوله، ولم أكن لأستطيع حقًّا السماح لنفسي بالذوبان في تربة وجود هؤلاء الذين نما بينهم وارتفع، فصاروا نسغ حياته.
حين كان المكان يضمّنا وحيدين، استطعت غالبًا أن أتلمّس الطريق إلى العميق منّي، وأن أدخل بثقة المصحوب العارف الواثق. أمّا حين يحضر الآخرون فكان المكان يتحوّل فجأة متاهة باهتة أو صحراء بلا خيال أو منازل مستنسخة في مدينة تكرّر نفسها كلّ صباح. وبينهم، كان صديقي يتخلّى عن دوره كبوصلة ترشدني إلى البدايات القلقة المثيرة، بينهم، كان يتحوّل رجلاً يحبّه الجميع ويرغب فيه الجميع. وعند ذاك كنت أبدو قطعة أثاث في غير مكانها أو نُدبًا وقحًا في وجه متناسق التقاسيم. وأشعر بأنّ الوضع لن يستمرّ طويلاً على ما هو عليه وسوف تلحّ الحاجة قريبًا إلى مهندس ديكور يعيد تصميم المشهد المضطرب، أو جرّاح بارع يمحو الأثر المعيب...
قالت لي المرآة: أنا هنا إن أردتِ الكلام... 

2012
لا تقل لي كوني جميلة واصمتي، قبّلني ولن أنطق بكلمة
 ***
حتّى أنت الذي أنا لن تعرف مقدار شوقي إليك
*** 


شلحت الوجع يا زغير
وغفيت بالوردة
ومن برد المخدّة
صقّع قلب إمّك
المحروق ت يضمّك
وت يسمع الضحكة
الْجمدت على تمّك
ويبست الأعياد ع الشمعات
وما عاد بدّها إختك تغنّي
وتختك المغسول بالدمعات
عم يسألك:
شو بيعدك عنّي؟
وع غراضك عربشت الهموم
وسكتت الكلمات بكتابك
يا حسرتي يا زغير شو مظلوم
ما كنت هيكِ عامل حسابك:
ما عاد فيها ستّك تضمّك
ولا عاد بيّك يحمل غيابك.
 ***

نحن الشعب الوحيد الذي يبحث عن الفرح في تعاسة الماضي

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.