1922
في البيوت بناتكم سيّدات مدلّلات، يأمرن الخادمات بفوقيّة وغرور، وفي المطاعم بناتكم خادمات صغيرات يلبّين أوامر الزبائن وينتظرن البخشيش.
في البيوت، بناتكم أميرات جميلات يطلبن لبن العصفور فتحضرونه لهنّ على عجل، وفي الفنادق بناتكم موظّفات استقبال ينتظرن الأمراء الصغار وفتيان الخليج والسائحين الغربيّين بابتسامة عريضة وثياب قليلة الطول والعرض.
في البيوت، بناتكم يدرسن في الشتاء أين سيعملن في الصيف، وفي أيّ مطعم أو فندق أو منتجع أو مسبح أو ملهى ليليّ، وفي الصيف يخطّطن لرحلات ونزهات وأمسيات لا يعرف بأمرها إلاّ من يدفع مصاريفها.
بناتكم المراهقات أيّها السادة الكرام ما عدن يأبهن بالعلم والشهادات، بل يرغبن في العمل وتحصيل المال وإقامة العلاقات. وكلّ ذلك قبل الثامنة عشرة من عمرهنّ، لا بل قبل السادسة عشرة أو الرابعة عشرة....
بناتكم الصغيرات أيّها الآباء الأجلاّء يقعن ضحيّة أصحاب المطاعم والزبائن من مختلف الأعمار وأنتم فخورون بهنّ لأنّهن صرن شابات مستقلاّت.
بناتكم الصغيرات أيّها الرجال الأشاوس صرن يعرفن كلّ شيء: قطعن الانتماء قبل أن قطعن حبل السرّة، وخسرن الطفولة قبل أن خسرن أسنان الحليب، ومزّقن البراءة قبل أن مزّقن غشاء البكارة.
إذا سألت الواحدة منهنّ عن سبب رغبتها في العمل (والعمل طبعًا واجب على كلّ إنسان) كان الجواب واحدًا عند الجميع: تشريج السلولير. (هل ثمّة علاقة بين التشريج والشرج؟) أعوذ بالله من شرّ الأفكار. ولكن من الصعب القبول بما يجري كأنّ الأمر لا يعني أحدًا: فلا دولة تراقب هذه الأماكن، ولا أهل يحبّون أولادهم ولا تربية مدرسيّة واعية ولا وسائل إعلام مسؤولة.
وإذا كان الكلام محصورًا هنا على الفتيات فلا يعني ذلك أنّه من المسموح للشبّان الصغار العمل في هذه الأماكن وهم في هذه السنّ المبكرة. فقد أخبرني أحد التلاميذ أنّه عمل لفترة موظّفًا في أحد الفنادق الجبلية، وهناك عرض عليه أحد السائحين أن يرافقه إلى غرفته في مقابل ألف وخمسمئة دولار. لنفرض أنّ هذا المبلغ خياليّ كما يحلو للبعض منكم أن يفكّر، ولنفرض أنّ هذا الصبيّ يكذب أو يبالغ، ولكن ذلك يخيف بالمقدار نفسه. فبمجرّد أن يخبر هذا التلميذ عن هذا الأمر وبهذا الأسلوب فذلك يعني أنّ الأحاديث في هذا الموضوع تتنقّل بين المراهقين وتغريهم بالربح السريع وبأيّ وسيلة ممكنة.
حين ألتقي هؤلاء المراهقين على المسبح أو في المطعم وهم يهرعون إلى الخدمة، أكتشف بينهم عددًا كبيرًا من الذين ليسوا في حاجة إلى المال، وهم في منازلهم لا يرفعون الطبق عن المائدة، ويرمون ملابسهم القذرة على الأرض كي تضعها الخادمة في سلّة الغسيل. فأتساءل عمّا يدفعهم إلى خدمة الغرباء وإن سألتهم أمّهاتهم أن يساعدونهنّ في عمل منزليّ ما غضبوا وثاروا ورفضوا وصفقوا الباب.
الخوف كلّ الخوف في انخفاض نسبة أعمار هؤلاء المراهقين الراغبين في الربح السريع. فهل هم فعلاً في حاجة إلى المال أم الهدف هو اصطياد "الأصدقاء"؟ هل الهدف هو تأمين الأقساط المدرسيّة أم ثمن السجائر والمخدّرات والكحول؟ هل الهدف هو تنمية الشخصيّة والاعتياد على صعوبات الحياة أم الهرب إلى أماكن ننسى فيها صعوبات الحياة الحقيقيّة عبر الالتهاء بعابري الطرق وروّاد المطاعم والانغماس في لذّات السهر؟
يحلو لي أن أعرف ما هي نسبة المراهقين الراغبين في العمل في مكتبة مقارنة بأولئك الذين يهرعون للعمل في مطعم؟ وما هو عدد الفتيات المتطوّعات في الصليب الأحمر مقارنة بعدد اللواتي يتطوّعن للرقص على الطاولات والنوم في أحضان الشبّان على اعتبار أنّهنّ "كول" ومتحرّرات.
وفي المقابل يغضبني أن أسمع أمًّا تقول إنّ ولدها صغير على العمل في المؤسّسات الإنسانيّة والمستشفيات وتقول بتأوّه: يقبرني (إن شاء الله) ما زال صغيرًا على معاشرة المرض والموت. ولكنّها تسمح له بالعمل في الملهى الليلي: يقبرني (يا ريت) يحبّ الموسيقى وموهوب في العلاقات الاجتماعيّة.
بين الفقر والعهر علاقة وثيقة، وبين الغنى والعهر علاقة وثيقة. وفي لبنان، عوّدتنا الحرب على كلتا العلاقتين. والله يستر من الأعظم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق