الاثنين، 31 أكتوبر 2016

من يوميّات الفيسبوك (31 تشرين الأوّل 2016)

هنري دو تولوز لوتريك (1864- 1901)


2011

يداك فراشتا حقل
جسدي ربيعهما الدائم

يحدث ان كل ما يقول قلمك..در
الله عليك !!!! شو رائعه انت ِ !!!!!

 ***
لا مكان إلّا لشخص واحد خلف طاولة المكتب الأنيقة.
لا مكان إلّا لكرسيّ واحد أعلى وأفخم من الكراسي الأخرى.
الجالس خلف طاولة المكتب اختار أن يبقى وحيدًا.
قلقٌ هو. التساؤل مقيم في خلاياه، ويتنزّه الشكّ متباطئًا على دروب أعصابه.
حذِرٌ هو، تجلس الريبة على الكرسيّ المقابل، وتشبك رِجلاً فوق رجل، وتنفث دخان سيكارتها في وجهه، وتضحك من حيرته، ولا تجيب عن أسئلته، ويقيم الخوف بين لون مكتبه والخشب العازل، بين بياض الورقة والكلمة المغتصبة.
يجلس الجالس خلف طاولة مكتبه، يجيب على الهاتف/الهواتف، يستقبل ويودّع، يضحك ويعبس، يلامس أزرار الأجهزة، يفلفش الأوراق ويقلبها، ثمّ يكتشف فجأة أنّه يستمد قوّته من المكان الذي لا يتّسع إلاّ لكرسيّ واحد، ويحاول أن يتصوّر كيف سيكون الوضع لو اضطرّ إلى الجلوس بلا طاولة تستر عري وجوده وهشاشة مروره.
يضحك الناس له، يوافقونه الرأي، يثنون على قدراته ومواهبه ونفاذ بصيرته، يدعونه إلى الغداء والعشاء والسهر، يسرّون له بقدرتهم على القيام بأصعب المهمّات، يعدونه بالإخلاص وينذرون له الطاعة والتجرّد والوفاء، ومع كلّ هديّة يقدّمونها في خجل العاجز عن شراء ما يليق بمقام الكرسيّ، يطلقون وعدًا جديدًا بالبقاء على العهد مهما تكن التضحيات والأثمان.
ينظر الجالس على الكرسيّ خلف الطاولة إلى نفسه وإلى الآخرين، يرى الأكبر منه سنًّا وقد تواضعت خبرته ومعارفه وانحنى رأسه إلى درجة الامّحاء، ويراقب الأقدم منه تجربة وهو يشطب من ذاكرته كلَّ ذاكرته ويفتح صفحة جديدة مستعدّة لاستقبال أيّ أمر وتنفيذ أيّ رغبة، ويرنو إلى الأكثر منه علمًا وهو يقفل باب الحديد على كنوز عرف كيف ومتى يجمعها ولم يعرف كيف يفيد منها أو يتصرّف بها. ينظر الجالس خلف الطاولة ويرى، ويكتشف كيف تتلوّن المفردات غنجًا ودلالاً، وتذوب الكلمات رقّة وعذوبة، وكيف تتحوّل الرجولة أنوثة والأنوثة ميوعة، وكيف يصير هو الأجمل والأهضم والأكرم والأذكى...
وحيد وخائف الجالس خلف طاولة المكتب، حيث لا يتّسع المكان إلّا لوجوده. يخشى أن توصله الثقة إلى شِباك الخيانة، ويقوده الحبّ إلى جحيم الغدر، وترمي به الصداقة في أحضان العداوة، فيحوّل الطاولة حاجزًا يبقي الآخرين في الأماكن التي على قياسهم، والأوراق متراسًا يحميه من النظر إلى عيونهم حيث تختبئ النيّات، والكرسيّ ملجأ يحتمي به من اقتحامهم حصن مركزه، والقلم سلاحًا يشهره في وجوههم حين يخشى أن تخونه القدرة على مواصلة اللعبة، والهاتف نفقًا يهرب عبره بعيدًا عن المواجهة.
قريب وبعيد الجالس خلف الطاولة، يقنعك بأنّك موضع ثقته وبئر أسراره، ثمّ يقوده خوفه من الندم إلى الجهة المقابلة، فتراه بعيدًا ونائيًا، يهرب من عينيك وصوتك، ويقصيك إلى الخطوط الأماميّة من الجبهة لعلّك تلتهي بإثبات شجاعتك أو على الأقلّ بإنقاذ نفسك فتتركه وشأنه.
إنسان وإله الجالس خلف الطاولة، يؤكّد في كلّ مناسبة أنّه من الناس ولهم، وأنّه إنسان مثلهم، يبكي كما يبكون ويجوع كما يجوعون، وينعس كما ينعسون، وعندما تعامله كإنسان مثلك ينتفض ويستعيد ألوهته المعتدى على حرمتها، ويذكّرك، للمرّة الأخيرة، بأنّه يملك الطاولة والكرسيّ، وإيّاك أن تنسى ذلك.

المكان خلف الطاولة لا يسمح بالاقتراب من الجالس هناك، ولا يمكن بالتأكيد وضع كرسيّ آخر إلى جانبه. المكان هناك بارد لولا القلق وفارغ إلّا من الفراغ، وكلّ الذين سعوا إليه ظنّوا أنّهم سيملأونه حرارة وغنى، ولكنّهم تخشّبوا هناك وتحوّلوا مومياءات لا تصلح إلاّ دروسًا للتاريخ، ولا تثير غير الفضول العلميّ، ولا تدعو إلاّ إلى التأمّل في مصائر البشر. ففي القلق الذي يلفّ لياليهم كالكفن يختنق الصوت الذي يدعوهم إلى الحياة، وفي التملّق الذي يرافق تفاصيل نهاراتهم تتساوى الأصوات والابتسامات وتتشابه.
*صحيفة النهار - الأربعاء 13 شباط 2002
2012

قال لي طبيب العيون في المعاينة التقليديّة: 
لا يزال نظرك يعاني من المشكلة نفسها: أنت لا ترين سواه
*** 
ما دمنا نحمل ذاكرتنا فالماضي لن يتوقّف عن العودة
***
سألت المرأة المرآة: هل عشقي له خطيئة أم خطأ؟
أجابت المرآة: عشقك له خطوة نحو ذاتك!

2013

حين أشتاق إليك أركض إلى حديقة لقاءاتنا
فأبحث كالمجنونة عن قبلةٍ قد تكون سقطت منك سهوًا 
وصارت زهرةً لها عطرُك

***
أنا ابنة الأرض الممسوحةِ جراحُها بزيت الزيتون المقدّس


أتنهد عند قراءة كلمات الحب التي تتساقط منك وتجعلتي أسبح في حلم العشق
الله على صورك الحلوة ست ماري...
ولك مني باقة من هذه الزهور لخيالك المبدع وشعورك المرهف
ما اجملها من لحظات عندما تسرق القبل او عندما تشتعل الحدائق بالاشواق اشجار وزهور تشاركنا العناق
ما اجمل تعابيرك تملأ قلوبنا حبا وسعادة الله يقويك ويزيدك حب
تزرعين القبل زهورا ً في حديقة .

2014

أرتدي قميصَك الأزرق... وأحضنُني!!!

حلوة كتير ... وأحضنُ ..ني https://www.facebook.com/images/emoji.php/v5/f4c/1/16/1f642.png:)


الأحد، 30 أكتوبر 2016

من يوميّات الفيسبوك (30 تشرين الأوّل 2016)

Roman Urbinskiy 1977 - Russia

2013

في المدارس السوريّة لا تسأل المعلّمة الآن إن كان التلميذ حاضرًا أو غائبًا، 
بل تسأل إن كان ميتًا أو نازحًا!
 ***
سألني: ما الذي يجعلني مميزًا بين الرجال؟
أجبته: ما أكتبه عنك!

جعلتيه نجما ً محسودا ً من الرجال والنساء على السواء .
 ***
وداعًا أيّها السلاح الذي ارتدّ على قلبي فمزّقه!
وداعًا أيّها الحبّ!

2014


بتعرفوا إنو نحنا فاشلين بكل شي لسبب واحد بس: إنو منعرف ننهمّ وما منعرف نهتمّ... يعني منحمل هموم ومنقّ ومنبكي ومنكتب ومنصرّخ... بس ما منعرف نهتمّ... مناخد ما منعطي/ منسأل ما منجاوب/ منطلب ما منساعد/ وكتير كتير منحكي عن الحبّ بس للحقيقة ما منعرف نحبّ... ما حدا علّمنا نحبّ... يمكن علّمونا المحبّة البعيدة عن الجسد، ويمكن تعلّمنا أسرار الجنس، وشروط الزواج وبعدين ترباية الولاد... بس ما تعلّمنا الحبّ يللي بيجمع المحبّة ع أصولا والجنس ع أصولو... 

وع الأكيد الجمع بين الحبّ والخطيّة كان أسوأ شي ممكن ننصاب فيه ونموت بسببو... لكن في شي تاني كمان، في الأنانيّة (بدنا ننحبّ مش نحبّ) وفي الخوف (لأنو الحب مسؤوليّة) وفي القلق من المستقبل (لأنو خلقنا بمنطقة مش آمنة)

مرّات الواحد منّا بيقبل يكون ممرّض للتاني يللي بيحبّو، ومرّات بنك يساعدو وقت الحاجة، ومرّات كتف ت التاني يبكي عليه أو يتّكي عليه، ومرّات معاون بيساعدو بشغلو، ومرّات مدري شو كمان، لكن هالواحد منّا مين سألو عن صحّتو، وإذا عايز مساعدة، وإذا كان حزين، وإذا كان وحيد... هالواحد يللي بيعطي كتير منين بياخد... ولو شوي؟؟؟
رح نضلّ فاشلين بكل شي لوقت ما نتعلّم نحكي قليل عن الحبّ، ونحبّ أكتر... يعني نصغي أكتر ونشوف أكتر ونحس أكتر ...ت نتعلّم إنو الحب زمان ومكان، يعني وقت كافي ومطرح حقيقي... ولوقت ما نتعلّم إنو الحبّ شجاع وكريم ونضيف وذكي ومهضوم ... وإنّو التاني بس تسمّيه حضرتك نصّك التاني بيكون هوّي كمان ناقصو نصّ تاني يللي هوّي حضرتك... وإلّا ما بتظبط...
رح نضلّ فاشلين لوقت ما نتعلّم إنّو ما في حبّ روحي وحبّ جسدي وما بعرف شو كمان... لأنّو ما فيك تحبّ شبح (بلا جسد) وما فيك تحبّ جثّة (بلا روح ..(
رح نضلّ فاشلين بكلّ شي لوقت ما نتعلّم إنّو الحبّ الحقيقيّ زوبعة... يعني حركة بتولد من حالها وبتجدّد حالها، وما فيها تضل مطرحها ولا تنطر... بالعكس بتاخد مبادرة وبتاخد كل شي بدربها... وبس ينوجد هيك حبّ... بيصير هيّن يخلق شخص أو شي يجدّد وجّ هالعالم... وتصبحوا على حبّ... ع هيك حبّ...

نعم .. هو زوبعة اسمها ماري
Wafaa Jerjian · Friends with Luna Mreish and 5 others
دائما تبهريني ست ماري جعل الله ايامك كلها حب
ماري .نبع المحبة.كتيييير حلو اللي قالو قلبك اللي صرح فيه وجدانك .وقفت على منبر الوفى والمحبة .حكيت عنا كلنا.وجمهورك ياريت كل البشر يصيرو جمهورك.
تعبانييييين من النماذج اللي صورتيها.من الأنانية والدجل.
يخليلنا قلمك.وقلبك.سفير المحبة.


السبت، 29 أكتوبر 2016

عن ملحم بركات الذي عاد إلى عائلته الصغيرة

ملحم بركات مع ابنته غنوى (الصورة عن صفحتها على الفيسبوك)

ملحم بركات مع ابنته غنوى وعائلتها (عن صفحتها على الفيسبوك)

في هذه الليلة التي تسبق مأتم ملحم بركات، ستخسر عائلته الزوجَ والأب والجدّ، ليولد من رحم هذا الفقد فنانٌ يملكه الجميع، ويرتبط اسمه باسم وطنه. لكنّي أكاد أجزم أنّ وحيدته غنوى تريد الليلة أباها، ولو عجوزًا، تريد والدها ولو مريضًا، وليأخذوا الفنّ والوطن.
كانت دائمًا تريده لها ولأمّها وإخوتها، ثمّ صارت تريده لولديها اللذين ستخشى دائمًا أن ينسيا كيف كان جدّهما ملحم طفلًا مثلهما، لا يريد أن يكبر، فإذا به، وفي غفلة لحن، يصير نغمة في سمفونيّة الموت.
غنوى التي كنت أراها مذ أصيب والدها بالمرض دامعةً، تعلّمتْ، وهي الفنّانة التشكيليّة، كيف ترسم ابتسامةً تواجه بها سائليها عن والدها، قبل أن تحني رأسها لتخفي ألمها، وتغرق في الصمت، فأحاذر الدخول معها في تفاصيل أو أجرّها إلى كلام. 
غنوى تريد الليلة والدها، تريد أن تبكيه وحدها، بلا أضواء كاميرات، وتصوير تلفزيونات، وبلا احتفال رسميّ وبلا جمهور معجبين. تريد أن تستسلم لحزنها، على والد كانت لحنه الأجمل وأغنيته المفضّلة، وكان مصدر فخرها واعتزازها. هي الليلة فريسة الغضب والشوق والحزن، هي الليلة أسيرة الواجبات والبروتوكول، في حين أنّها لا تريد سوى أن يتركوها تتذكّر. أن يتركوها تبكي وتصرخ.
كنت دائمًا أسأل نفسي عن مصير الحزن حين تكون الكاميرات والأعين موجّهة نحو المجروحين باللوعة والمجرّحين بالدمع؛ إذ يبدو لي أنّ جبلًا ثقيلًا يربض على صدور هؤلاء الحزانى، يريد أن ينفجر بركانًا، ولا يستطيع... واليوم حين كنت أنظر إلى صور المعزّين، شعرت بهذا الجبل يجثم على وجه غنوى التي تريد أن تكون قويّة من أجل والدتها وإخوتها وزوجها وطفليها. شعرت بصغيرة أبيها تعود صغيرة، تبحث عن حضن والد ملأ الدنيا وشغل الناس، حتّى عاشت في خوف دائم من أن تأخذه الدنيا ويسرقه الناس.
في هذه الليلة الأخيرة، تكاد غنوى تختنق لأنّ والدها الذي لا يطيق الأسر سجين البرد في غرفة المستشفى!
في هذه الليلة الأخيرة، تشعر غنوى بأنّ الهواء مقطوع لأنّ والدها سيحلّق غدًا فوق أكفّ الجميع ولن يتركوه لها سوى لدقائق قليلة!
في هذه الليلة الأخيرة، لن تغفو غنوى لأنّها تعرف بأنّ الجميع سيتكلّمون غدًا، ويتحرّكون ويروحون ويجيئون، بينما والدها الذي لا يحتمل السكوت والسكون، سيكون، للمرّة الأولى، صامتًا هادئًا!
في هذه الليلة الأخيرة، ستبكي غنوة كثيرًا، وستكبر فجأة، لا كما كبرت يوم صارت صبيّة، ولا كما كبرت يوم تزوّجت وأنجبت وعملت، بل كما يكبر كلّ من يفقد سندًا وأبًا وصديقًا، فكيف إذا كان هذا السند والأب والصديق اسمه ملحم بركات. 
لكنّ فكرة ما، فكرة واحدة، قد تجعل عينيها الحمراوين المتورّمتين تستسلمان لما يشبه النوم:

لقد صارت هي وأمّها وإخوتها مسؤولين عن ملحم بركات، عن إرثه واسمه وفنّه، وصار يحقّ لهذا الرجل التعب أن يرتاح في قلوبهم، في قلوبهم هم وحدهم، بعد أن يتعب المصوّرون، وتنطفئ الكاميرات، ويعود المعزّون إلى بيوتهم. 

من يوميّات الفيسبوك (29 تشرين الأوّل 2016)


اللوحة لموسى ميشال طراد
2012

عند منتصف الليل أرجِعْ عقربَي الساعة ساعة
لنربح ستّين دقيقة من الحبّ

2013

أنا يا صديقي العجوز صباك حين يحملك الشوقُ إلى أسئلتك الأولى 
وأنت اتزاني حين يطيّرني عشقي لك إلى حياتنا الآتية
أنا نقطة الامتلاء فوق نون اسمك لئلاّ تبقى فُلكًا هائمًا فوق مياه الدمع بلا نُطفة الحياة
وأنت الألف والياء فيّ: ماء الحياة ورقّة الضوء في حياةٍ ما عرفت قبلك رجلاً!
(من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)

يااااااااه ، عذبة هي اللغة حين تقول مواجدنا ، ما أجملها / أجملك ...
ماري ، روعة الكتابة ومجدها ، إنسانة الزهو في شروقه في رؤانا / في ضميرنا الثقافي و حياتنا ، ألا تذكري يوما ما مضي قلت إليك أنني غدوت " مدمنا " للحضور في " صالونك الأدبي " ؟ منذاك وأنا في حب إبداعك ، في كتابتك التي هي بلون أحلامنا في هذا الزمان " الخشن " ، لكنها ، بألق الأمال والأشواق فيها ، تمنحيننا القدرة أن نفرح ونعيش الحياة في مباهجها والمسرات ، نحن ، بحق ، ممنونون إليك ، ونقططع من " لحم " أوقاتنا برهات كثيرات لنراك ونكون في كتابتك/ أحلامنا ورؤانا قد صارت ! تسلمي لأجل كل هذا الجمال تنثرينه عطرا فينا ، ما أجملك !
كلمات ..تقرا بالجهات الاربع للقلب ..
لك باقات الورود الموجودة في عالمنا ..
سـيدتي ، إن لـبوحك أناقـة في ارتـداء الـحروف....... سلام ليغمر دارك !!!
أنت ِ النقطة ُ وأنت ِ الدمع ُ , مودتي .
كم انت رائعه كم هو عزف فاتن يلامس الاشياء بحتراف شعرك يثير الموج يغازل النجوم صباح العشق استاذه ماري
كماء الزلال .

2014

اشتقتُ... إلينا


قراءة أوّليّة لرواية "كلّ الحقّ ع فرنسا" بقلم الدكتور غازي قهوجي (2011)






قراءة أولية لرواية "كل الحق ع فرنسا" للكاتبة ماري القصيفي···
بقلم د· غازي قهوجي/ صحيفة اللواء
http://www.aliwaa.com/images/pix.gif

تدخل الكاتبة "ماري القصّيفي"; في روايتها "كل الحق ع فرنسا"; الى مناخ فترة الانتداب الفرنسي على لبنان، تلك المرحلة التي لم تحظَ بالمعالجة الروائية كغيرها من المراحل التي مرّ بها الكيان اللبناني والتي لا زالت ملتبسة بتداعياتها الى اليوم وبنسبٍ متفاوتة، سيما وأنها جاءت بعد حكم <عثماني> طويل انتهى بعهد <المتصرفية> وازدهار نشاط "القناصل"; الاجانب الذين سعوا الى تثبيت مواقع بلادهم ونفوذها في هذا البلد الصغير تحت غطاء حماية"الأقليّات"والدفاع عن حقوقها·
وأمام الخشية والحَذَر من "الآخر"; بدأت تتشكَّل علاقات متنوعة على الصعيدين الداخلي والخارجي في تربةٍ تجاوبت بشكل كبير مع هذا التفكير "الأقلَّوي" الذي تراجعت أمامه وانهزمت فكرة الانتماء الواحد للوطن وغاب مفهوم المساواة التي ترسِّخ مسار "المواطنة" الصحيحة من دون المساس بالخصوصية الثقافية لكل فئة التي من شأنها أن تخلق تنافساً ابداعياً على مختلف المستويات في سبيل الأفضل والاحسن والأجمل والاشمل والخير العام·
لقد حرَّكت "ماري القصّيفي" ما كان راكداً، ورَمَتْ حجراً في مياه آسنة أغرقت تحتها عادات وتقاليد وأعرافا بقيت عند بعض الناس حيّة كالخلايا النائمة يتوارث نومَها الأجيال بالتكاذب والمراءاة والنفاق، ممّا يتطلَّب إرتهاناً وتنازلات وَصَلَتْ احياناً الى حدود العري الكامل·
لقد أدركت "ماري القصّيفي" أن لبنان كان حاضناً وما يزال ? لمن لا حضن له، حتى استحالت أرضه الى شبه "منطقة حرّة" وموطئ "نعل" لكل وافد مع مرجعياته الخارجية، ولكل مقيم مع استقوائه بما يملك وبما يأتيه من توجيهات خارجية· وربما لهذا ولغير ذلك من الاسباب بقي لبنان وطناً "قيد الدرس"، ومتحفاً في الهواء الطلق للنُصُبْ الرخاميّة التذكارية على ضفاف نهر "الكلب" لمن أتوا وأقاموا وغادروا···
لقد كانت علاقة لبنان بالدولة الفرنسية قبل وأثناء الحرب العالمية الاولى علاقة "وداد" لها مبرّراتها ولكن "بالمراسلة" أي عبر مؤسسات تعليمية، تربوية ودينية··· وجاء الانتداب فأصبحت العلاقة "مباشرة" وصُنِّف لبنان كإحدى المحافظات الفرنسية الموجودة في ما وراء البحار···
حملتنا "ماري القصّيفي" الى أن نتخطّى فعل "نَظَرَ" الى فعل "رأى" لذا فإنها لم تأخذ فترة الانتداب كمتكأً، بل كمرافق مؤثِّر وفاعل ألقى بظلِّه على العديد من التداعيات والانكسارات التي تهدّ الروح، وترمي من وقت لآخر على الحيارى والخائفين برشاوى الفرح العابر والبسمات المصطنعة·
غاصت "ماري القصّيفي" عميقاً في العلاقات "البشرية" لهذه العائلة "النموذج" وقد رأت وناقشت وحلَّلت واستفاضت بطرح الاسئلة التي تدرك تماماً أجوبتها القاسية·
تدور أحداث هذه الرواية في الزمن الذي اشتهر فيه شعار: "فرنسا أمّنا الحنون"، هذا الشعار الذي استحال بعد ذلك على لسان "نجلا" الى "كل الحق ع فرنسا"، على اعتبار أن التواجد الفرنسي كان مرتجى ومراداً للحماية والخلاص ثم دار الزمان ليتحوَّل من "خشبة" للخلاص الى العديد من "الخشبات" التي صُلِبَ عليها الكثيرون ولأسباب متنوعة: روحياً، وطنياً، دينياً، طائفياً وحتى ثقافياً· وبيّنت لنا "ماري القصّيفي" كيف ازدهرت "الانتهازية" وانتعشت بكل أشكالها، وكيف اطلق عليها اللبنانيون عبارات عِدّة لجعلها "ايجابية" واستبدلوها بـِ: "المسايرة"و"الشطارة" و"الحرفَنَة، و··· فلان يعرف من أين تؤكل الكتف···
هكذا، نَسَجَتْ "القصّيفي" شخصية "نجلا" كإحدى أهم شخصيات الرواية· هذه المرأة التي شَعَرَتْ على الدوام أنها "مغبونة" وحاملة لإرث متوارث لحالات من القهر المادي والمعنوي· ولهذا فإنها غامرت إذ دَفَعَتْ بابنتها "وردة" الى أحضان الضابط الفرنسي وذلك بهدف تخطِّي واقعها الرديء واخراج ابنها المتهم بتهريب المخدرات من السجن، والأمل بمستقبل مغاير لابنتها التي تشتَّت بعد ذلك بين الاسمين "وردة" و"روز" عبر مسارها الذي سلبها قمح القلب وغبطة الروح·
دفعت "نجلا" بابنتها الى حضن "الأم الحنون" مغلِّفةً- بالنتيجة ? شعورها بالإثم والخطأ بعبارة "كل الحق ع فرنسا"، وذلك لتتفادى "النَدَم" وطلب الغفران المتواصل الذي يمتصّ أيام العمر بالتقسيط، في مجتمع غَلَبَ عليه الطابع الشرقي المنغلق بنسبٍ متفاوتة، وعشّشت في وجدانه معتقدات دينية محافظة استندت اليها كل الاقليات دعماً لوجودها وتبريراً لخصوصيتها وحصصها···
"نجلا"، تلك المرأة التي تصارع في لاوعيها "الريفي" أمرين: حقدها على تركيبة المفاهيم "المدينية" من جهة، ورغبتها الجامحة الخبيئة في الارتماء بين ذراعيها من جهة ثانية، وذلك أملاً، بل طمعاً بالحصول على نوع من الرضا الغامض، فكانت كمن يحاول الدخول الى مجتمع "صناعي" ولكن بفكر "زراعي"! ولهذا فإن حياتها "تَشَنْطَطَتْ" بين "الشكوى والشَوْك والشكوك"، فأورثت "نَسْلَها" هذا "المثلّث" الشائك الذي لا يمتّ بصلة الى "الرحمات"!! فقد آمنت وبشكل غامض باستحالة العثور في الواقع "الأقلّوي" المتشرذم على وسادة ناعمة، واستحالة الوصول وتحقيق عصر "الطمأنينة".
لقد استطاعت الكاتبة أن تشكِّل من "نجلا" شخصية تكاد تكون "شكسبيرية" مأسوية بامتياز، وتجعلها محوراً في الحضور وفي الغياب لحقبة عاشها لبنان، حيث بَرَعَت "القصّيفي" في الاضاءة على تفاصيل صغيرة كانت طوال الوقت ? وربما الى اليوم ? مهملة، إما بفعل الجهل وإما بفعل المعرفة وتجاهلها، وأبرزت حراكاً بين أفراد هذه العائلة من آباء وأبناء وبنات وأحفاد تحكَّمت فيه المراءاة الى جانب الطيبة، والوداعة الى جانب التكاذب، والرفض الى جانب الخضوع مع ما رافقها ? جميعاً ? من أمور مفصليّة: الحب والحرب والخطف والقتل والقنص والزواج والقهر والهجرة والتهجير والاغتراب والعصفورية!!
كانت "نجلا" هي الأم والجدّة وصاحبة "القرار ? المغامرة" أو على الأصحّ "القرار المقامرة" فهي بموروثها ? كغيرها ? كانت الخزّان المفخَّخ من دون ساعة توقيت، والتي سَحَرَت حكايتها كاتبتنا "ماري" فأمَلَتْ عليها مسارها· إنها لحظات نادرة حين تأخذ الشخصية المكتوب عنها دور الكاتب او الراوي· انها المعاناة المضنية في محاولة بلوغ الصدق الروائي الذي يحوِّل الفكرة الى واقع مرئي حي، والنغم الى حركة، والمُهْمَل الى رائد، والمحايد الى طَرَف· هكذا سارت هذه الحكاية المتشابكة والهائمة بين معنى وقيمة الارض لدى اللبنانيين، لكأنّ هناك مسرى تاريخ من دون جغرافيا ومن دون "الناس" ولقد شكّلت شخصيات الرواية نماذج في الانتماء المُضْمَر ،وهي تفتش عن خلاص "برّاني" محاولة بذلك أن تستبدل أقفاصَها الصغيرة بأقفاص أكبر، من دون أن تفكر بالخروج من مفهوم ومناخ القفص· هكذا كانت الأمور مع الثنائي "ملفينا المسيحية وأحمد السنِّي الفلسطيني وتشتّت أولادهما وجانيت مع رياض "الدرزي"··· وتأتي شخصية "وردة ? روز" البنت "الهدية" لتشكّل امتداداً ضمنياً لوالدتها·
وعلى تقارب متخيّل مع رواية "ديورنمات" ((زيارة السيدة)) التي رجعت الى ضيعتها بعد غياب رفع من وضعها عاليا، لتنتقم من الآخرين على إذلالها المهين أيام صباها الغابر· الا أن "روز" عادت (وردة) لتنتقم ولكن بالتدمير الذاتي، وبسلوك درب الانتحار الملتبس، اذ أنها بهذا الاياب تود قتل "روز، ومحو(وردة)· هذه الثنائية في الاسم -من حيث الشكل-، كانت واجهة لثنائية اجتمعت فيها الاضداد والمتناقضات والازدواجية والتردد والشعور بالوحدة القاتلة، فتاهت بنت( نجلا) في صحراء موحشة تنتظر الذي لن يأتي·
حتى لو كان الانتداب الفرنسي قد خيّم وحطّ رحاله في بلدان عدة من العالم وكُتِبت عنه وفيه روايات وحكايات تحمل في ثناياها الروح الفرنسية، إلاّ أن رواية "كل الحق ع فرنسا" التي جرت أحداثها في ظلّه تبقى رواية "لبنانية" بخصوصيتها وتداعياتها وتواصلها الوثيق مع مسرى حياتنا الى اليوم· انها رواية عائلة، انها حكاية ناس هذا الكيان ورواية هذا البلد الذي لم يتغيّر عبر تلك السنين الاّ الى الأسوأ·
"كل الحق ع فرنسا" رواية "مشهدية" تحمل العديد من المفاصل السينمائية·
انها مقاربة أوليّة لهذه الرواية التي ارتكزت على رؤى استشرافية طاوَلَت المسكوت عنه وتخطَّت السائد والرائج والمألوف بلغةٍ متينة َوَقَفَت وراءها شاعرة وناقدة وروائية·
لا يمكن اختصار او ايجاز او تلخيص او حتى اختزال هذه الرواية، اذ لا بد من قراءتها·
***

في صحيفة اللواء اللبنانيّة

(كلّ الحق عَ فرنسا) لــ ماري القصيفي 
http://www.aliwaa.com/images/pix.gif

عن دار سائر المشرق صدر لماري القصيفي رواية بعنوان (كلّ الحق عَ فرنسا) تدور في اطار بانورامي شاسع، تختلف وتتنوع أجواء السرد فيه بحيث يبدو أقرب إلى النص الروائي المفتوح·
من مقطع بعنوان"أحمد الأميركي" نقتطف "أنا أحمد الأميركي ولا نشيد لي، ولا وطن ولا تاريخ· أحمل بندقيتي وأمشي في شوارع بغداد وأطلق النار على كل ما يتحرك·
قالوا لنا:
&lt;لا تثقوا بهؤلاء العرب، ولا تصدقوا ابتسامات نسائهم وعيون بناتهم&gt;
لم أقل لهم إنّي كنت أحمد العربي قبل أن أتعمّد في شوارع نيويورك بالرماد الذي غطّى المدينة، وصرت أميركياً أصرخ:
(بالدم والروح أفديك يا بلادي الجديدة)
أنا لست مسلماً ولا مسيحياً ولا فلسطينياً ولا لبنانياً وأكره العرب· أنا أميركي، وآكل الهمبرغر وأشرب الكوكاكولا وألبس الجينز سبعة أيام في الأسبوع، وأنام مع صديقتي، ولا علم لي بمنطقة اسمها الشرق الأوسط· كلّ ما أعرفه أنني التحقت بالمارينز كي لا يشير إليّ أحد متهماًإياي بأنني من هؤلاء الذين يفجّرون أنفسهم ويقتلون الأطفال والأبرياء·
أنا أميركيّ وأريد أن أنشر الديمقراطية في العالم لكي يصير العالم كله مثل أميركا"·
تقع الرواية في 335 صفحة من القطع الوسط·

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.