الأربعاء، 28 يونيو 2017

سمير غصن و REAL HIKERS TEAM



    
  الصداقة الفيسبوكيّة التي جمعتني بأستاذ الفلسفة سمير غصن، لم يكن الدافع إليها الزمالة في مهنة التعليم، ولا لايكات يضعها كلّ منّا على شذرات وتعليقات يكتبها الآخر، لكنّي أفترض أنّ الدافع إليها والإصرار عليها هو علاقة تربطنا معًا بطبيعة لبنان عمومًا، وبوادي قنّوبين تحديدًا، الوادي المقدّس الذي سمع كلّ واحد منّا، أنا والأستاذ سمير، أصوات ناسه ونسّاكه، فأصغى إليها وتبعها: هو على دروب الوادي، وأنا فوق الأسطر.
     أسباب كثيرة أعاقت انضمامي إلى سمير غصن ورفاق دربه، وأكثرهم من تلاميذه، فلم تسمح لي الفرصة لمرافقتهم، لكن مشوارهم الأخير من "شربل بقاعكفرا إلى شربل عنّايا" جعلت في الإمكان أن نلتقي أمام دير مار مارون. قبل ذلك، لم أحسم قراري بالكتابة عن مغامرة المشي والتسلّق هذه، كنت أنتظر الفرصة كي أرى وجوه هؤلاء المغامرين، وأستمع إلى أصواتهم الهازجة وهم يحقّقون الهدف، ويصلون إلى مبتاغهم؛ كي أشهد على تعبهم وفرحهم، على روابط تجمعهم، لا علاقة لها بدين أو طائفة أو عمر. وهذا ما حصل حين انضممنا إليهم، أنا وأفراد عائلتي، مع اقتراب وصولهم إلى محبسة القدّيس شربل.
    بعيدًا عن المنحى الروحيّ لرحلة الحجّ هذه، المنطلقة من أعلى قرية مأهولة في لبنان، بقاعكفرا مسقط رأس قدّيس لبنان، أجد في ما يقوم به سمير غصن وفريقه ما يتخطّى الزيارات الدينيّة التي يقوم بها آخرون: سيرًا على الأقدام أو بالحافلات. ثمّة في عملهم ما يعيد تجذّر الشباب بالتراب، وما يمنح أجنحتهم هواء نقيًّا، وما يغسل عيونهم وآذانهم وأرواحهم من بشاعات تغرّب الإنسان عن الإله فيه.
     وأكاد أجزم بأنّ سمير غصن الذي أخرج دروس الفلسفة من بين جدران الصفّ، يريد لهؤلاء الشبان والصبايا أن يعودوا إلى الأرض ولو لأيّام قليلة أو ساعات معدودات، وهو يعي تمامًا أنّ من سيختبر متعة هذه الرحلات لن ترتاح روحه بعد ذلك إلّا متى حمل جعبته على ظهره، وعصاه في يده، ومضى إلى حيث تناديه أصوات الذين عاشوا فوق هذه الأرض، وصارت خلاياهم حبّات من ترابها.
      حين وصل الفريق إلى عنّايا، بعد أيّام ثلاثة من المشي في الأحراش والجلول، بدت القيامة متوهّجة، وصخرة الموت تتدحرج ليولد مجتمع واعد، إذ بدا أعضاء الفريق، وهم يظهرون تباعًا بين جموع المصلّين والزائرين، رسلًا جددًا يحملون البشرى لهذه الأرض، أو فرسانًا غادروا مقاعدهم حول الطاولة المستديرة، ليعودوا بالكأس المقدّسة إليها.

     ولمّا ارتموا منهكين في باحة الدير، بدا شربل القدّيس بينهم، واحدًا منهم، تفوح منه رائحة عرقهم، وتختلج مشاعر فخرهم بإنجازهم في عروقه والشرايين، فيتجدّد عهد قداسته، بعدما سار مرّة ثانية على دربٍ قادته من قريته إلى صومعته.

     قد لا يعرف هؤلاء ماذا يفعلون، وقد لا يقدّرون أهميّة عبورهم في قرى وساحات يستقبلهم أهلها ويقدّمون لهم القهوة والماء، وقد لا يقرأ الناظرون إليهم هذه القراءة لمسيرتهم، لكنّ الأرض التي يثبون فوق شوكها وصخورها، ويقفزون فوق بركها، أو يخوضون في أنهارها، وينامون فوق ترابها، ويستظلّون بأشجارها من شمسها، ويسامرون قمرها، ويتدفأون من يباس حطبها، ويتسلّقون قممها، ويغوصون في روحانيّة وديانها... هذه الأرض تبارك خطواتهم، وتفرح لخبطات أقدامهم، وتسكر بنقاط عرقهم تروي عطشها.
     يوم الأحد، وبعد مسيرة ثلاثة أيّام، أنهى سمير غصن وفريقه رحلة الـ 60 كلم، في بلد لا يقدّم التسهيلات اللوجستيّة لأنشطة كهذه، ولا يدعمها، ولا يشجّع عليها، وهم يستعدّون اليوم لرحلة الأحد المقبل 2 تمّوز، على درب المحابس: حدث الجبّه، نيحا، حردين... وثمّة آحاد كثيرة مقبلة، وثمّة وجوه جديدة ستلوّحها شمس لبنان، وثمّة دروب لن تضجر من انتظار شبّاب غير عابئين بثلوج الشتاء وحرّ الصيف... ومع كلّ رحلة ينتصر أدونيس الحضارة والخصب على خنزير التخلّف والعجز...
     قد لا تسمح لي الظروف بالسير مع هذا الفريق، لكنّي أتمنّى لمن يرافقهم وينضمّ إليهم أن يحمل خطواتي معه ليزرعها في ذلك الوعر، وأن يقطف لي باقة من أزهار براريها، وأن يتزوّد لي وله بكمشة عطر وضوء.
     سمير غصن وفريق REAL HIKERS TEAM ، لأمثالكم كانت هذه الأرض وستبقى...

لمزيد من المعلومات، زوروا هذه المواقع:









 

الجمعة، 23 يونيو 2017

الزوجات العالمات (النهار – الثلاثاء 22 نيسان 2003)




زوجة رجل الأمن تتحدّث عن مصلحة البلاد أكثر ممّا يفعل زوجها، وزوجة الكاهن تفهم في اللاهوت أكثر من زوجها، وزوجة المصرفيّ تعرف قيمة العملة اللبنانيّة أفضل ممّا يعرفها زوجها.
الزوجات العالمات صاحبات سلطة وربّات معرفة بالعِشرة والعدوى، وهنّ مقتنعات بذلك، مؤمنات به إيمانًا ثابتًا لا تقوى عليه نيران الجحيم. وعبثًا يحاول أزواجهنّ إقناعهنّ بأنّ الزواج لا يخوّلهن الحديث في هذه الأمور. ولكنّ الزوجات البارعات يرفضن مجرّد التفكير في ذلك.
والطريف في أمر الزوجات العارفات ببواطن الأمور أنّهنّ يؤدّين أدوارهنّ في مهارة وبراعة يحسدهنّ عليهما أزواجهنّ الذين يريدون غالبًا الهرب من الحديث عن العمل، فيفاجأون بأنّ هذا الحديث ينتظرهم على باب المنزل، وفي السهرات واللقاءات العائليّة.
والزوجة العالمة متسلّطة ومتطلّبة أكثر من زوجها، لا تتساهل ولا تتهاون، ولو رغب زوجها المسؤول الأمنيّ في تبسيط الأمور عقّدتها هي، ولو غفر الخوري خطيئة غضبت "الخوريّة" وأنزلت الخاطئ إلى النار من دون المرور بالمطهر. ولو اعتبر مدير البنك أنّ الوضع الاقتصاديّ في تحسّن حدجته زوجته بنظرة صاعقة مؤنّبة لأنّه طمأن الناس وهي تريد أن توتّر أعصابهم لكي تتسلّى.
وتجمع هذه العيّنة من النساء المجد من أطرافه، فالناس الذين يخشون الرجال ذوي السلطة أيًّا يكن نوعها، "يحترمون" الزوجات ويفسحون لهنّ الأمكنة متى وصلن، ويستمعون إليهنّ متى "نطقن"، ويتأثّرون بآرائهنّ متى جدن بها بعد دلال وتمنّع. والطريف في أمر هؤلاء الناس أنّههم لا يصدّقون عادة كلام النساء إلّا إذا كنّ زوجات هؤلاء الرجال وناقلات أخبارهم.
أمّا بعيدًا عن ذلك، فلا قيمة لهنّ. هل تذكرون زوجة القاضي في مسرحيّة "لولو" للأخوين رحباني؟ طلب منها زوجها (وليم حسواني) عدم التدخّل في شؤون القضاء، فأجابته (هدى) غاضبة: ما إلي كلمة بهالبيت!
زوجات السلطة يردن أن تكون لهنّ الكلمة في البيت وفي العمل، أمّا الأخريات فينظرن إلى ذوات الألقاب الرنّانة، الشبيهات بالعذارى الجاهلات، وينتظرن لحظة انطفاء المصابيح.
***



الأربعاء، 21 يونيو 2017

حين يُزوّر تاريخ البراعم...



حين يُزوّر تاريخ البراعم...
كيف نعد أنفسنا بالجنى والحصاد و"الأزهار" حين يكون تاريخ "البراعم" مزوّرًا؟ وكيف نثق بالتاريخ حين يكتب التاريخ من لا يقرأ التاريخ أو يكتبه إلّا من منظار شخصيّ، لا علاقة له بالحقيقة والواقع.
ففي العدد الخاصّ باليوبيل الفضيّ لمجلّة "البراعم" التي كنتُ صاحبة فكرة إنشائها وإصدارها، كُتب تاريخ المجلّة كما يلي: "تأسّست "البراعم" سنة 1989، زمن رئاسة المثقّف الكبير الخوري مرسيل الحلو، وقد عرض عليه فكرة تأسيسها وأعطاها اسمها المرحوم الدكتور سليم قهوجي منسّق اللغة العربيّة في المدرسة آنذاك. فصدر منها أول عدد على سبيل التجربة في شهر آذار. وقد لعبت الآنسة ماري القصّيفي، مدرّسة اللغة العربيّة، دورًا أساسيًّا في إطلاقها وإعدادها والإشراف عليها، حتّى مغادرة الآنسة القصّيفي المدرسة". (انتهى كلام المجلّة).
أوّلًا: إنّ الآنسة القصّيفي هي اليوم كاتبة معروفة وأديبة لها إصدارات، وروائيّة أشاد النقّاد بلغتها وأسلوبها ومعالجتها الجريئة لأمور السياسة والاجتماع، فكان من اللائق أن يشار إلى ذلك أو بعض منه حين يؤتى على ذكرها، احترامًا لدورها الأدبيّ الإبداعيّ، وكانت بدأت الكتابة والنشر في الصحف حين كانت "مدرّسة اللغة العربيّة".
ثانيًا: إنّ فكرة إنشاء مجلّة هي للآنسة القصّيفي لا سواها، وكان من الطبيعيّ أن تعرضها على منسّق اللغة العربيّة، الذي اختار لها اسم "البراعم". وهي لم تكن شديدة الحماسة للاسم، لكنّها رضيت على مضض كي يُسمح لها المضيّ بمشروعها الرائد المميّز.
ثالثًا: الآنسة القصّيفي لا تهوى اللعب ولا تطيق اللاعبين المتلاعبين، وبالتالي هي لم "تلعب" دورًا أساسًا في إطلاق المجلّة وإعدادها والإشراف عليها، بل هي الأساس في إطلاق المجلّة وإعدادها والإشراف عليها من الغلاف الى الغلاف، خصوصًا في مرحلة التأسيس. حتّى أنّ شقيقها مارون هو من ساعدها في تصميم أكثر من غلاف، فضلًا عن تصاميم أخرى لكتاب المدرسة السنويّ الذي ساهمت كذلك في الإشراف على الكثير من أعداده، وذلك بناء على طلب الأب كبريال تابت، رئيس المدرسة عهدذاك.
رابعًا: لا تحتاج الآنسة القصّيفي إلى شهادة في دورها ومساهمتها في المدرسة، فشهادات التلاميذ تكفي، ويكفي أن يكون بين الناشرين فيها اليوم أسماء واكبتْ أقلام أصحابها وهي تكتب بالعربيّة كإليان بو فاضل الحلو ومجد علّيق وماري بو فاضل الحلو وغريس مخايل ورشا ياغي وإلسا قهوجي ورالف معتوق... وليست قطعًا في حاجة إلى شهادة في أدبها وإنتاجها.
خامسًا: إنّ طلب الأب بيار أبي صالح الكريم والعزيز من ماري القصّيفي أن تستقبل تلامذة من المدرسة لإجراء حديث معهم هو الشهادة بدور ماري القصّيفي الرياديّ. وإنّ دعوته الكريمة والعزيزة لها إلى الاحتفال باليوبيل الفضّيّ للمجلّة هي الاعتراف المباشر والمعلن بأنّ "البراعم" ما كانت لتصدر لولا إيمان ماري القصّيفي بالعمل الصحفيّ وبوجوب الانتقال من مجلّة الحائط إلى مجلّة منشورة بشكل يليق بمن يكتب فيها.
سادسًا: إنّ المقابلة المنشورة مع الآنسة القصّيفي في العدد الخاصّ نفسه تناقض ما ورد في المقالة التي تدّعي تأريخ المجلّة، وكان من الواجب حذف المقابلة أو حذف المقالة.
سادسًا: إنّ الآنسة القصّيفي لم تنفِ يومًا دور الدكتور قهوجي - وهو أستاذها في الجامعة ومن دعاها للتدريس في الحكمة - في إطلاق اسم المجلّة أو في رفع طلب إنشائها إلى رئيس المدرسة.
سادسًا: إنّ عددًا واحدًا، ولو كان خاصًّا، لا يغيّر التاريخ، وإنّ مقالة واحدة أو عشرين مقالة مشابهة لا تمحو الحقيقة، وسيبقى اسم ماري القصّيفي مرتبطًا بتأسيس مجلّة "البراعم" ولو تغيّر رؤساء المدرسة والمنسّقون والمشرفون والطابعون والمحرّرون والناشرون والتلامذة...
سابعًا: من المؤسف أنّ ماري القصّيفي كلما أرادت أن تطوي صفحة الحكمة برازيليا بمحبّة وإيجابيّة، يحصل ما يؤكّد لها أنّ الكتاب الذي يُطوى الكثير من صفحاته صار يجب أن يُهمَل تمامًا.

الأحد، 4 يونيو 2017

هل صار الجسد وطننا البديل؟ (2009)


بيكاسو

هل يمكننا أن نضع هذا التسابق المحموم للكتابة عن الجسد ضمن سياق بحثنا عن وطن بديل بعدما ضاعت الأوطان وتحطّمت صور مجدها وعزّتها وبعدما صار تاريخها أطلالاً تدعو إلى التهكّم لا البكاء، وحاضرها هويّة ضائعة، ومستقبلها حفرة لنفايات الشعوب؟ في القصائد العربيّة الأولى التي وصلتنا، ومن فراغ الصحراء ومحدوديّة آفاقها، كان الجسد وطنًا قوميًّا يقيم فيه المرء وضمن حدوده يستقرّ ومنه ينطلق في غزوات تبحث عن بقاء هذا الجسد ومتعته: في الطعام والشراب والجنس والقتال. ويوم احتكّ العرب بحضارات العالم، عبر الجوار والترجمة، اكتشفوا جسد الأرض وقوام الدولة وانتقلت أنظارهم من تأمّل جسد الجارة قبل أن يختفي خلف الخباء إلى اختبار الفنون والعلوم والآداب والفلسفة، فكان بناء المدن والقصور وترجمة كتب الفكر والعلم، وتحوّل الجسد جزءًا من تركيبة كاملة، وتفصيلاً في جداريّة كبيرة، وقطعة من أحجية العالم الكبير.
وإذا رأينا إلى الأدب اللبنانيّ تحديدًا، بشقّيه العامّي والفصيح، نقع على تكامل شبه تام بين وجوه الحياة، ما يظهر أنّ اللبنانيّ كان يسعى إلى إقامة توازن بين مختلف جوانب الحياة، ومحاولة الإجابة على تساؤلات تقلق الوجدان والفكر. فلو أخذنا على سبيل المثال حفلات الزجل التي تعكس المزاج الشعبيّ العام، لوجدنا فيها موضوعات تطال مختلف شؤون الحياة وشجونها. فالمحاورات الزجليّة تسعى لعرض وجهتي نظر، على الأقلّ، من موضوع واحد، وذلك عبر إعطاء الأمثلة والبراهين والحجج التي تدعم هذا الرأي أو ذاك. واستعادة تلك المحاورات تلقي الضوء على آلاف العناوين التي كانت تشكّل ساحة سجال بين شاعرين يطرحان في كلّ مرة موضوعات من مثل: الكرم والبخل، الهجرة والتمسّك بالبقاء، القرية والمدينة، الغنى والفقر، وسواها كثير مما لا يمكن حصره. وكان الغزل مسك ختام المحاورات المحتدمة، حيث يتّفق الشعراء على أنّه النهاية السعيدة والحلّ الأمثل لمشاكل الإنسان وهمومه الفكريّة.
وجاء تزامن تأسيس الدول العربيّة وضياع فلسطين ليوجّه الأنظار إلى جسد الأمّة الكبير المفتّت كيانات وفق تعبير أدبيّات تلك المرحلة، واكتمل ذلك بنشوء الأحزاب التي وجّهت الجماهير نحو الشأنين القوميّ والاجتماعيّ وأخرجتها من تفكيرها المحليّ الضيّق ووضعتها على تماس مع موضوعات عالميّة، علمًا أنّ ذلك كلّه كان قبل عصر العولمة ووسائل الاتصال المتطوّرة. وكان الحديث عن الجسد في تلك المرحلة جانبًا من مخطط عام يهدف إلى إعطاء المرأة حرّيتها لتساهم في النهضة، على اعتبار تحرير الجسد من قيوده المعنويّة والماديّة (الحجاب مثلاً) ليس غاية بل وسيلة لتحقيق غايات أبعد وأسمى توصل المرأة إلى المشاركة في الشأن العام.
اليوم، بعد تشويه الطبيعة اللبنانيّة وتغيّر معالمها، والانقلاب الحاصل في هويّة المجتمع، وغياب الحسّ النقديّ أمام طغيان الانفعال، وتفكّك الدولة دويلات طائفيّة ومذهبيّة، وفقدان الأمل في قيام مجتمع مدنيّ واع ومسؤول، وتداعيات الأزمات الاقتصاديّة، بعد كلّ ذلك، تقوقع الإنسان على نفسه، والتجأ إلى جسده الذي خاف عليه في الحرب وعشقه في السلم فصار هو وطنه الوحيد الذي يستحقّ الكتابة عنه. والمفارقة الكبرى هي أنّ علاقة اللبنانيّ (ويصحّ ذلك على كلّ عربيّ) مع جسده تذهب في ناحية من اثنتين: الإخفاء تحت براقع التراث والدين والمحرّم والممنوع والشرف، أو الكشف الفاضح بحجّة التحرّر والمصالحة مع الذات والآخر والتفلّت من القيود وإثبات الوجود. وفي الحالين خلل في بوصلة التفكير وإبحار من دون وجهة أو خريطة في بحر هائج.
يمكننا أن نحتفي طبعًا بكلّ إبداع يتعامل مع جسد الإنسان في حريّة ومعرفة، ولكن علينا أن نتذكّر دائمًا أن أجسادنا ستبقى عرضة للمرض والتعذيب والاغتصاب والقتل ما دام الوطن/الجسد الأكبر ملوّثًا وفوضويًا وفقيرًا ومفكّكًا وتائهًا في متاهات الصراعات والتحالفات. ولعلّه من المفيد أن ندرس حالات الجسد وتحوّلاته خارج سرير المتعة: في المعتقلات والمستشفيات والملاجئ ومراكز الإعاقة، لأنّنا بذلك قد ننطلق من فرديّة الإنسان، وثنائيّة العشق، إلى رحاب الوطن والإنسانيّة.
***
صحيفة النهار - الثلاثاء 18 آب 2009

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.