الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

غباء نسائيّ



غباء
أن تكتبي الشعر في زمن الخبث
أن تتكلّمي في زمن النميمة
أن تصلّي في زمن العهر
أن تؤمني بالأصدقاء في زمن المصالح
أن تنجبي أطفالاً في زمن الموت
أن تداوي مريضًا في زمن اليأس
أن تكوني سخيّة في زمن التسوّل
أن تكوني خلاّقة في زمن الدمار
أن تكوني طائرًا في زمن الضفادع
أن تكوني عاشقة في زمن الأنانيّة
أن تكوني وفيًّة في زمن الغدر
أن تحبّي في زمن الرواتب والرتب
أن تكوني على حقّ في زمن الجبناء
أن تحملي قلمًا للكتابة لا "قلم حمرة"
أن تكوني مختلفة في زمن آلات النسخ.
*****
غباء
أن تؤمني بأنّك ذكيّة في حين أنّك أكثر الناس غباء لأنّك لم تخبّئي ذكاءك!
أن تؤمني بأنّك تقومين بما عليك في حين أنّ الناس مقتنعون بأنّك تمثّلين دورك ببراعة!
أن تؤمني بأنّك بالكلمات تستطيعين أن توقظي العالم في حين أنّ الأمر يحتاج إلى مجرّد لكمات!
أن تؤمني بأنّك تشاركين في ثورة في حين أنّك تنتحرين!
أن تؤمني بأنّك جعلت هذا العالم مكانًا أفضل لبعض الناس في حين كان من الأفضل لو بحثت عن مكان تعتزلين فيه العالم والناس!
*****
غباء
أن تتقدّمي في العمر من دون ضمان صحيّ
أن تتقدّمي إلى وظيفة وأنت مرتفعة الرأس
أن تتقدّمي في العمل على حساب حياتك الخاصّة
أن تتقدّمي بالتهنئة من غبيّ صار مديرًا
أن تتقدّمي من المنبر وفي الصفّ الأماميّ نائمون
أن تتقدّمي بالاعتذار ولو لم ترتكبي خطأ.

*****
غباء
أن تضعي لآلئك أمام الخنازير
أن تضعي ثقتك في سلام غير سلامك الداخليّ
أن تقنعي الرجل بأنّ ذكاء المرأة لا يخيف.
أن تكوني صوتًا صارخًا والناس موتى.
أن تطلبي المساعدة من صديق خارج برنامج "من سيربح المليون"!
أن تتابعي العمل بعد الدوام الرسميّ.
*****
غباء
أن تبحثي عن الحبّ وأنتِ عربيّة في الخمسين من عمرها،
أن تنتظري نهاية الخدمة من العمل لتنالي تعويضك، في حين أنت تصرفين راتبك على أدوية مهدّئة تساعدك على تحمّل ربّ العمل والزملاء،
أن تتوقّعي معرفة من قتل جدّك في الحرب،
أن تضيّعي الوقت في قراءة كتاب مملّ وسخيف لمجرّد أنّ كاتبه أهداك إيّاه،
أن تصدّقي أنّ حزبًا يبقى على مبادئ مؤسّسه،
أن تؤمني بأنّ الحرب في لبنان ستنتهي يومًا،
أن تجدي عربيًّا لا تنبع أفكاره من معدته، وعاطفته من بين ساقيه، ووطنيّته من جيبه.
*****
أمّا غباؤك الخطير فهو أن تقولي لأحدهم إنّه غبيّ.
هو غبيّ يا ذكيّة فكيف سيفهم ما تقولينه له.

الأحد، 27 نوفمبر 2016

عمّو جورج صوما يتّكئ على سيكارته ويمضي




فتّشت طويلًا عن صورة التقطناها لعمّو جورج صوما من أمام بيتنا، ولم نجدها. غريب كيف أنّ الصور الورقيّة لا تضيع، بينما تضيع منّا صور محفوظة في ذاكرة الكاميرا أو الكمبيوتر
هو في تلك الصورة يشبه هذا العجوز المتّكئ على عصاه. فالتي التقطت الصورة له، ولم أعد أذكر من مِن بنات شقيقتي سميرة، اتّخذتها له من الخلف، وهو في نزهته اليوميّة قرب مزار مار الياس في وسط ساحة الريحانيّة: يد على العصا، يد خلف ظهره، وسترته العسكريّة تحميه من لفحات برد ما عاد جسمه يحتملها.
اسمه جورج، أهلنا ينادونه "أبو بسّام"، نحن نناديه عمّو صوما، ربّما لأنّ كثرًا في الحيّ كانوا يحملون اسم جورج، فميّزناه باسم عائلته.
كان عمّو صوما عسكريًّا بسيطًا، وكانت أحلامه بسيطة. لم يكن بطلًا في معركة، ولم يكن يريد أن يغيّر العالم. لكنّه لسبب ما، ومن دون أن يدري أو يخطّط أو يقصد، صار رجلًا له شأن، وغيّر حياة عائلته. كيف؟ كان لائقًا لطيفًا مع زوجته، وأحسن تربية أولاده وكان جارًا خدومًا لا يرفض طلبًا، مبتسمًا لا يؤنّب ولدًا ولا يشتم كبيرًا، كريمًا بابه المفتوح، يدعوك للزيارة لتكتشف أنّ البيت الصغير يتّسع لضيوف كثيرين، وركوة القهوة تكفي وتفيض.
وكان يكفي أن يصاب عمّو صوما بالمرض الذي أقعده طويلًا، كي نعرف كيف عامل زوجته وأولاده وأحفاده، فحين لا يتركونه لحظة واحدة بمفرده، نعلم كيف كان إلى جانب كلّ منهم، وحين يخشون عليه من الموت ولو كانوا يعرفون أنّ الموت يريد انتشاله من بينهم، نعرف كيف أنّ المرء لا يصير ثقيل الحِمل على أهل بيته إلّا متى خلا قلبه من المحبّة... وأعرف جيّدًا أنّ عمو صوما ما شعر يومًا بغير المحبّة.
في السنة التي فقدنا فيها عمّتي إميلي، وخاليّ سليم وميلاد، وجار الرضا نعمان حرب، وزوج عمّتي روزالي، رحل أبو بسّام ليكمل دقّ الطاولة أو لعب الورق مع جيران سبقوه. وحين أعود لأكتب عن وجوه ترحل من الريحانيّة فلكي أجدّد عهد البكاء على بلدتي التي تنطوي صفحة بعد صفحة مع رحيل أبنائها وساكنيها. فأن تقيم في ريحانيّة ذلك العهد الذي أتى فيه عمّو صوما ليقيم بيننا، فذلك يعني أنّك صرت من الريحانيّة وأنّ الريحانيّة صارت منك. وأن ترحل عنها فذلك يعني أنّّ ريحانيّة جديدة تتكوّن، لا نعرف، في خضّم السرعة التي تنهشنا فيها الحياة، إن كنّا سنجد الوقت بعد فيها لتذكّر جار أو حتّى لزيارته.
الريحانيّة اليوم تشارك في جنّاز الأربعين لعمّو صوما، لكنّي حين أقف أمام بيتنا، أراه، كما في تلك الصورة الضائعة، لا يزال هنا، يمشي بخطوات بطيئة أمام مزار مار الياس، ومن وقت لآخر تلحق به زوجته إم بسّام لتطمئنّ إلى أنّه لم يبتعد، ولم يقع. لكنّها في قرارة نفسها تعرف أنّ عيون أهل الريحانيّة عليه، ولن يتركوا الرجل الطيّب يتعرّض لمكروه.
في الليلة التي قضى فيها عمّو صوما، كانت زوجته وحدها معه. لم يكن الوقت تجاوز منتصف الليل، لكنّها، بهدوء المرأة الحكيمة الساهرة التي ذاقت مرارة فقد شقيقين شابّين، لم توقظ أهل الحيّ بصراخها وعويلها، اتصلت بأولادها الذين غادروا قبل قليل، طلبت منهم العودة بهدوء كي لا يزعجوا الجيران، أتى الكاهن، أتت سيّارة الإسعاف، أخذوا الرجل الطيّب الميت إلى المستشفى، أعدّوا أوراق النعي، علّقوها حيث يجب، وانتظروا الصباح. كلّ ذلك، بهدوء وسكينة كانتا سمتَي حياة تلك العائلة مذ أتت لتقيم في الريحانيّة منذ أكثر من خمسين عامًا. 
موتى الريحانيّة أقرب إليّ من أحيائها.
ربّما لأنّهم، حيث هم الآن، صاروا يعرفونني جيّدًا، ويفهمونني أكثر.
.ربّما لأنّ الريحانيّة لا مدافن فيها، بل ينقل أهلها إلى بعبدا ويعود ساكنوها إلى قراهم
ربّما لأنّني أراهم، وحدي أراهم، كلّ ليلة يجتمعون في ساحة البلدة، حين تخلو البلدة من السيّارات، وتعود إلى سابق عهدها البريء: السكائر في أيدي من كانوا يدّخنون، ومن كان يرتجل أبيات الزجل لا يزال على عادته في تكرارها، والنساء الخجولات لا يزلن على عهدهنّ، وكلّهم يبتسمون تلك الابتسامة التي تطمئن إلى أنّهم سعداء، وإلى أنّهم لن يغيبوا.

السبت، 26 نوفمبر 2016

«للجبل عندنا خمسة فصول»: سيرة ذاتيّة للوطن بين العقلنة والجنون - بقلم الدكتور جوزيف ياغي الجميّل



  "للجبل عندنا خمسة فصول" رواية للكاتبة ماري القصيفي، صادرة عن دار سائر المشرق، من دون تحديد تاريخ واضح للنشر. ولكنّنا نفهم من خلال الإهداء أنها صدرت سنة 2013، «في الذكرى الثلاثين لحرب الجبل 1983-2013». فما هي الصفة التي يمكن إطلاقها على هذه الرواية؟ أهي سيرة ذاتيّة أم تأريخ اجتماعيّ لحقبة من عمر المجتمع اللبنانيّ، في الشوف وعاليه، بين سنتي 1983 و1990؟

   لن أبدأ بالعنوان، كما درجت عليه الدراسات الأكاديميّة، أو بدلالاته وإيحاءاته، في مختلف المجالات الثقافيّة والاجتماعيّة. سأخالف منطق البحث وأبدأ من نهاية الكتاب.

نظرة سوداويّة
   تقول الكاتبة في الصفحة الأخيرة من الرواية: «إنتهى الصيف ولم تنتهِ حكايات التهجير يا أبو جورج! فأجابني انّ لكلّ مهجّر حكاية ولكل عائد قصّة ولكلّ مفقود ومَيْت رواية، فكيف لشخص واحد أن يجمع كلّ ذلك في كتاب واحد؟» (ص 213).
   ونتساءل: أيعني هذا الكلام تعبيراً عن الإحباط أم هو نظرة واقعيّة بعين روائيّة أدركت زيف انتهاء الحرب والتهجير؟ وكأنها تقول: أصبح التهجير في لبنان من ثوابته، فصلاً من فصوله.
   هو فصل الشيخوخة والهرم، فصل الموت والغربة داخل الوطن. وهذا ما يؤكّده قولها: «إنتهى الصيف». والصيف رمز الشباب والنشاط والازدهار. الفصل الخامس هو فصل البحث عن الأمان والاستقرار في وطن المتغيّرات، في وطن غَدا المواطن فيه يبحث عن وطن يهاجر إليه ولا يُهَجّر منه. (ص 212)
   هي حقاً نظرة سوداوية أعلنتها الكاتبة القصيفي في روايتها هذه. نظرة إنسان حاصَره الإحباط والموت واللاإستقرار. وتتمثّل هذه الحال في صورة شخصيتين تعتبران أساس الرواية: شخصية سلوى وشقيقها سليم. سلوى العاقلة التي تحاول أن تتجاوز جنون التهجير لتجد متنفّساً لكبتها، وتدّعي لأخيها أنها تعيد بناء بيتها في الجبل.
   هي المجنونة الحقيقية لا شقيقها سليم، لأنها تبحث عن سلواها في الكتابة. واسم سلوى ليس اختياره عبثيّاً في الرواية. أمّا سليم الذي احتضنه الدير، فهو صورة واقعيّة عن النصف الثاني من الشعب اللبناني، الذي أصابته الحرب بجنون مآسيها، ولم تترك له متنفّساً إلّا الحلم.

مجنون المكان
   صحيح أنّ أيام التهجير حوّلت الإنسان اللبناني، أو من لم يستطع السفر من بلاده، إلى مجنون المكان والكيان. وسلوى التي حاولت توثيق التهجير في رواية، لا تقلّ جنوناً عن أخيها سليم، من باب تسمية الشخص بضدّه. وجنونها ليس وليد اللحظة، بل هو مرتبط بتاريخ من المجازر التي ارتكبت بحق طائفة من اللبنانيين، سنة 1860. أمّا أسباب تلك المجازر وذاك التهجير فهي سياسية تعود إلى وعد بلفور خدمة لليهود في فلسطين.
   فتساوى الشعبان اللبناني والفلسطيني في المأساة، ربما بسبب التخاذل، تقول الكاتبة: «هذا ما نبرع فيه نحن: الهجرة ثمّ الهجرة ثمّ الهجرة! وإقامة النصب والمزارات!»(ص 190)، أو بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الجميع، بلا استثناء، فغدا الجنون ذريعة للتهرّب من المسؤوليّة، إنطلاقاً من مبدأ: ليس على المجنون حرج.

عذراء الجبل
   عودة إلى مجريات فصول الرواية، فإننا نرى فيها عامل الادّعاء هو الكلمة المفتاح الطاغي في النصوص. فعذراء الجبل، أي سلوى، اعتبرت عاهرة الجبل طوال الحرب، بعدما ادّعى أحد المقاتلين زوراً أنه نال وطره منها، في حين أنه كان عاجزاً جنسياً لأسباب نفسيّة. وسلوى ادّعت لأخيها انها ترمّم بيت الجبل في حين انها كانت تكتب روايتها.
   والجميع ادّعوا انّ التهجير انتهى ولكنّ الكاتبة كانت تدرك أنّ الأمر غير صحيح. والمنزل العائليّ الذي ما زال مدمّراً في عين يوسف يثبت هذا الأمر. فالمهجِّرون (بكسر الجيم) والمسؤول المُزوِّر المُدّعي (المختار) هم الذين قبضوا التعويضات، لا الشعب المهجَّر المسكين.
   وكأنّ لعنة أزليّة هي المسؤولة عمّا جرى. لعنة حوّلت صيف الجبل الهانئ إلى فصل جنون. وكانت النتيجة أن تحوّلت بطلة الرواية نفسها، في الفصل الأخير إلى لعنة. فأمضت سلوى ثلاثين عاماً في دير الصليب.
   وكأنّ الكاتبة تعلن بذلك أنّ الوطن نفسه كان ضحيّة الإصابة بالجنون، في مصحّ عقلي. بل أكثر من هذا كان مصاباً بالسرطان القاتل. فخرجت الرواية من نوعها الأدبي المعروف لتصبح سيرة ذاتيّة، لا للكاتبة، بل للوطن.
    قيل الكثير عن حرب الجبل، في كتب التاريخ، وحتى في الرواية، ومن بينها رواية «ضيعة الله» للأديب الدكتور وليم الخازن. ولكنّ اللافت، في رواية ماري القصيفي، أنها أسيرة الواقعيّة المفرطة في الالتزام، فغدت شخصيّاتها رموزاً حيّة لواقع يطغى عليه التشاؤم والقلق.
    صورة عن الإنسان اللبنانيّ الذي تحوّل تهجيره في الحرب اللبنانيّة إلى لعنة أشبه بلعنة سيزيف في الأساطير اليونانية القديمة. وكم كنّا نطمح إلى شعاع شمس يخترق حجب ظلام الواقع، إلى استشراف أمل يدعو إلى إخراج القارئ من عالم الموت/اللعنة، إلى الحياة/ النعمة، بعيداً من الأحلام.

الخميس، 24 نوفمبر 2016

أناشيد الهزيمة

don-quijote-de-la-mancha
jesus-nicolas-castanon

في لحظة الهزيمة، يخلو لك المكان، ويسود الهدوء. 
يلحق المشاهدون بالمنتصر، وتمتلئ ساحته بأهازيج النصر، فتبقى وحدك، تنحني فتلامس جبهتُك جذورَك، تبكي فتروي دموعُك تربتك، وحينها تنجلي الصورة أمامك، فتصفو نفسك، وتعود إليك سكينة تاقت إليها روحك التي طال صراعها مع الحياة...
***
في لحظة الهزيمة، ترى ما لا يرى، وتسمع ما لا يُسمع، فالحجب زالت، والضباب انقشع، وغبار المعارك استراح، وصرتَ تعرف ما لم تكن تعرفه. 
تعود إليك حقيقتك، وتعود إلى حقيقتك. تكتشف كيف صمّت أذنيك أصواتُ الابتهاج تصدح في الحفلات والمهرجانات، وكيف دنّست صفوَك عجقةُ الناس على دروب حياتك، وكيف تهت عن ذاتك، وصرت الكائن الغريب الذي لا يمت إليك بصلة، ولا يشبهك...
***
في لحظة الهزيمة، لا انكسار ولا فشل، بل انطواء على جوهر الأمور، وعودة إلى الينبوع، إلى الرحم، إلى مياهك الجوفيّة، إلى عتمتك الداخليّة حيث لا أضواء باهرة ولا أناشيد نصر، بل هدوء ما قبل الإنسان، وما قبل الكائنات، وما قبل الكلمات.
***
تهزّك هزيمتك، تصفعك، تدعوك كي لا تكون عكّازًا إلّا لذاتك، كي لا تكون خيالًا إلّا لعبورك، كي لا تكون مرآة إلّا لأحلامك. وأحلامك قليلة وجميلة، وعبورك خفيف وبريء، وذاتك مسكونة بهاجس واحد لا غير: أن تحدث الفرق الذي تعرف أنّ سواك عاجز عنه...
***
هزيمتك تهزّك فتقع أوراقك اليابسة الميتة عند قدميك لتغذّيك بما حملته من شمس وهواء وتغاريد عصافير. وتبقى أغصانك عارية إلّا من التوق لشمس جديدة، وريح جديدة، وعصافير لم تعبر قبل الآن. وحين يعود إليك الربيع منتصرًا مزهوًّا، تعرف في قرارة نفسك أنّ الربيع أيضًا عابر وزائل، ولن يخدعك زهوه وانتصاره....
***
في الهزيمة، لا أجراس تُقرع فرحًا، ولا كؤوس تُرفع منتشية، ولا أكاليل غار تتباهى، ولا كلمات تُلقى من فوق المنابر، ولا تطلق النار ابتهاجًا، ولا زغاريد تردّدها الهضاب المحيطة بالقرى... لا شيء من هذا، بل صمت يطبق على صدر الكون، فيبدو كلّ شيء سائرًا نحو نهايته وأفوله....
***
في الهزيمة، أنت وحيد وكثير، أنت وحدك ومعك شعوب مهزومة، وأرواح هائمة، وأحلام خائبة، وأفكار مغدور بها. يدك لا تجد من يمسك بها، عينك لا تجد من يمسح دمعها، رأسك لا يجد من يداعب شعره، ومع ذلك تجد في نفسك صفاء لا تعرف مصدره، فتبارك اليد التي هزمتك، والعين التي عاينت وجعك، والرأس الذي يعانق بانتصاره عليك وجه السماء. ثم تغرق في نوم تؤمن في قرارتك أنّ ما بعده لن يشبه ما قبله...
***
تعيدُك الهزيمة إلى التراب، التراب نفسه الذي سيعود إليه المنتصر المتوَّج بالذهبِ... الذهبِ ابن التراب. 
***
تطمئنك الهزيمة إلى أنّك كنت شجاعًا فواجهت، ومصمّمًا فلم تتراجع، ومقدامًا فلم تجبن، ومحقًّا فلم تهرب، وعارفًا فلم تفشل، وقويًّا فلم يغلبك خوفك...
***
الهزيمة تكسر شوكتك ولا تكسرك، تجرّدك من سلاحك لا من ذاتك، تلغي مشروعك لا كينونتك، تؤجّل انتصارك إلى زمنٍ على قياس طموحك وآمالك...
***
هزيمة الأرض انزياح التربة عن عين من عيونها كي تفيض منها مياه رَواء... كنِ الأرض المهزومة بسكّة الفلّاح، وضربة المعول، ينفجرْ عطاؤك بالشكل الذي لم يكن ليخطر لك وجوده فيك...

***
ليلة آلامه قال المسيح لأبيه: تعبت، فخذني إليك! 
ليلة آلامه، شعر يسوع بالهزيمة، فقرّر أن يسلم نفسه. وفي لحظة الهزيمة انتصر المسيح الذي فيه. لم ينكسر، لم يخضع، بل استسلم فارتاح...

إنسانيّة بلا ناس أو ناس بلا إنسانيّة؟ (2010)

الرجل العجوز
(رامبراندت)

المرأة العجوز
(بول سيزان)

جنون

أسيرة الجنون
هنري مانويل (1930)

أيّة حضارة؟
(ماثيو شيثام)

أطلق الأميركيّ شارلز ليرد (88 عامًا) طلقة ناريّة واحدة على رأس زوجته (86) في مركزّ صحيّ لرعاية المسنّين فأرداها قتيلة. وقالت ابنة الزوجين كايثي بالماتير (68 عامًا) أنّ أمّها أصيبت بالخرف منذ خمسة أعوام، وبقي والدها يهتمّ بها بمفرده إلى أن ازدادت حالها سوءًا منذ ثلاثة أشهر، فنقلها إلى دار المسنّين، وبقي يزورها ثلاث مرّات في النهار ويطعمها إلى أن أرهقه ذلك. كان عمله قتلاً رحيمًا، تقول الابنة.
تعدّدت الحضارات، والموت واحد.
يزداد شعور الإنسان بالوحدة يومًا بعد يوم، ووسائل الاتّصال الكثيرة والمتطوّرة باردة ولا تعطي لمسة دافئة أو ابتسامة حنونًا أو قبلة مشاركة. فكلماتنا عبر الأثير تضيع في الأثير في حين أنّ التواجد مع الآخر هو الفعل الأكثر إنسانيّة. المعوّقون مبعدون إلى مراكز طبيّة، المتقدّمون في السنّ مهملون في دور العجزة، المدمنون على المخدّرات يرسلون إلى أماكن متخصّصة، الأيتام لهم مؤسّسات خاصّة، المرضى قابعون في المستشفيات. كلّ هؤلاء يحتاجون إلى رعاية دائمة من أقرب أفراد عائلاتهم ومع ذلك متروكون هم لخدمات تقنيّة، مطلوبة وضروريّة بلا أدنى شكّ، ولكنّها تبقى ناقصة من دون التزام بمشاعر الآخر الذي يعاني.
الرجل الأميركيّ تعب من الاهتمام بامرأة مريضة من دون أن يكون هنالك من يساعده. نحن في الولايات المتحدّة التي تريد أن تعلّم الناس الحريّة. الرجل اللبنانيّ تعب من تأمين القوت لزوجته وأولاده، نحن في بلاد الأرز التي ساهم أحد أبنائه، شارل مالك، في وضع شرعة حقوق الإنسان. الأوّل مسيحيّ والثاني مسلم، فإلى أين المفرّ؟ وما تعريف هذه الحضارة التي تتباهى بامتلاكها أحدث الاختراعات والاكتشافات وتفتخر بأنّها ملتقى الديانات السماويّة؟
كم يسهل إطلاق الأحكام والنظريّات حين يكون الواحد منّا مرتاحًا في حياته وإلى وضعه الصحيّ والماديّ وإلى وضع من يحبّهم، أو إن كانت قدرته على الاحتمال أقوى ممّا يملكه سواه! ولكن إن اعتبرنا أنّ الرجل الأميركيّ كان يريد قتل المرض فأردى زوجته خطأ، والرجل اللبنانيّ كان يريد قتل الفقر فقضى على زوجته وأولاده بلا قصد، إن اعتبرنا ذلك، أقول، وجب علينا أن نتّهم الإنسانيّة كلّها بإطلاق النار على الضحايا هنا وهناك حين صمّت أذنيها عن سماع أنين المرضى ونواح الجائعين.

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

عيد الاستقلال بين تعليم اللغة العربيّة والحركات الأصوليّة

المارينز في بيروت (15 تمّوز 1958)

(2014)
     تبدأ المدارس اللبنانيّة، مع نهاية شهر تشرين الأوّل، في إعداد تلامذتها للاحتفال بعيد الاستقلال. وفي انتظار ما ستكون عليه الأمور يوم 22 تشرين الثاني من العام 2014، يبدو غريبًا أن يحتفل لبنان، كما يبدو حتّى الآن، بعيد بلا رئيس، وبعسكريّين مخطوفين، لا إلى قلعة راشيّا وتحت حراسة البنادق الفرنسيّة، بل في عرسال وتحت ظلال السيوف الإسلاميّة.
     المضحك المبكي في مؤسّساتنا التربويّة أنّ عيد الاستقلال يُلَزَّم لقسم اللغة العربيّة، على اعتبار أنّ النشيد الوطنيّ باللغة العربيّة، وحكاية الاستقلال لا يمكن أن تروى بلغة المنتدِب الفرنسيّ أو أيّة لغة أجنبيّة أخرى... من هنا، من على مقاعد الدراسة، ومن أصغر الصفوف، يبدأ التشرذم والتقسيم والتفتيت... قسم اللغة العربيّة يعدّ الاحتفال (بمساعدة متواضعة من قسم التاريخ والجغرافية والتربية المدنيّة)، والأقسام الأخرى تقف موقف المتفرّج والمصفّق... وغالبًا المنتقِد... وهكذا تصير الوطنيّة حكرًا على فئة دون أخرى.
     ولكن من جهة أخرى، اللغة العربيّة الفصيحة ليست اللغة اليوميّة التي يستخدمها المتعلّمون، ما يعني أنّها هي كذلك لغة أجنبيّة بالنسبة إليهم... أي نحن أمام شرخ آخر يتبدّى في اللغة، يصير النشيد الوطنيّ بلغته (وإن سهلة وبسيطة وغير معقّدة) بسببه عبئًا تربويًّا آخر، يُفرض قصيدة تُشرح وتدرس وتُحفظ... فقط ليوم العيد... وبعد ذلك إلى غياهب النسيان. وكلّ عيد نستعيد الدرس... والوطن ليس بخير. فحين تبدأ المدارس يومها بالدين لا بالوطن، نفهم لماذا هنا بيئة حاضنة، وهناك خلايا نائمة، وهنالك انعزال... باسم الآب والابن والروح في مدرسة، وباسم الله الرحمن الرحيم في مدرسة أخرى... ويصير النشيد أناشيد والعَلم أعلامًا...
     اللغة العربيّة، المرتبطة قواعدُها بلغة القرآن، هي اليوم، في أذهان المتعلّمين، لغة الجهاد والنكاح والذبح وقطع الرؤوس...لا لغة جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وطه حسين وعبدالله العلايلي وسعيد تقي الدين... فكيف نقنع تلميذًا بحفظ نشيد بلاده، وبلادُه على كفّ عفريت؟ وكيف نطلب أن يحبّ اللغة العربيّة وهو مهاجر إلى حيث ينال تأشيرة دخول؟ وكيف نقنعه بأنّ الله خير وحقّ وجمال، وأفلام اليوتيوب تؤكّد له لحظة بلحظة أنّ الله بشاعةٌ ودمٌ وذبح حلال؟
      يومًا بعد يوم، يتأكّد لنا بأنّنا بلا هويّة وبلا انتماء! ولم تفعل المناهج التربويّة التي استوردناها سوى تغريبنا عن تاريخنا وجغرافيتنا وتراثنا وتقاليدنا (لأنّنا نسخنا ما فيها بلا تمحيص أو تدقيق)... وجعلِ تلامذتنا جرذانًا في مختبرات التجارب: مرّة من فرنسا، ومرّة من أميركا، ومرّة من كندا، ومرّة من السويد... فيأتي الاستقلال مزحة سمجة، لا يتربط الاحتفال به بما قبله أو بما بعده...

     وما بين عروبة أثبتت خواءها الفكريّ والروحيّ والعلميّ، وفَرْنَجَةٍ لا شكّ في أهدافها الاستعماريّة (بكلّ الوسائل والأساليب وفي المجالات كلّها)، وفي غياب الحسّ النقديّ المتجلّي في منع التلامذة من الكلام في الفكر السياسيّ، وعدم وجود حصص مدرسيّة للحضارة والثقافة، ومنابر للحوار، وندوات للنقاش... سيمضي المعلّمون شهرًا يحاولون فيه أن يجدوا أجوبة مقنعة لهم قبل غيرهم عن أسئلة من نوع:
     لشو بدنا نتعلّم عربي؟ لشو بدنا نحتفل بعيد الاستقلال؟ ضروري نحفظ النشيد الوطنيّ؟؟

الخميس، 10 نوفمبر 2016

كان يجب أن يكون ترامب...


كلّ ما حدث ويحدث يقود إلى أن يكون دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدّة الأميركيّة.
كلّ ما تعرّضنا له، على الصعيدين الشخصيّ والعامّ، كان ينذر بوصول شخص على مثال ترامب إلى سدّة الرئاسة في إحدى أقوى الدول وأكثرها تلاعبًا بشؤون الأمم والشعوب.
كلّنا أوصلنا ترامب إلى حيث هو لنصل معه إلى أعلى درجات الجنون، وننحدر معه إلى أدنى دركات الانحطاط، وما بين الصعود والهبوط تأرجح يودي بالحضارة.
فتلال النفايات المرتفعة والجبال الخضراء المكسّرة... أوصلتنا إلى ترامب.
والإعلام الغبيّ... ابن ترامب.
وبرامج "المسخرة" والاستهزاء... صنيعة ترامب.
والصحافة التي تطرد صحافيّها لينعم مؤسّسوها وورثتهم بالترف... ربيبة ترامب.
والمعلّم الذي يعطي ساعات من الدروس الخصوصيّة تفوق حصص التعليم في الصفّ... لا شيء يميّزه عن ترامب.
والأمّ التي لا وقت لديها لتجلس مع أولادها وهم يدرسون... تربّي أشباه ترامب.  
والشاعر الذي استدان المال بحجّة أمّه المريضة، ثمّ ذهب إلى قبرص للزواج من صديقته اللاجئة... قادنا إلى ترامب.
وحمَلة الشهادات الذين ينزلون إلى الشارع ليصفّقوا لزعيم... نزلوا بنا إلى مستوى ترامب.
والكتب المتروكة على رفوف المكتبات طعامًا للغبار والرطوبة والعفن... تنبّأت بوصول أمثال ترامب.
والآباء الذين يأكلون حصرمًا قبل أن يصير عنبًا حلوًا يأكله الأبناء... هم آباء ترامب وأجداده.
والأشقاء الذين يرون في الأخوّة شراكة إرث... هم إخوة ترامب بالرضاعة من ثدي الجشع.
وعائلات الزعماء وأتباعهم، مكتسحو القصور والوظائف... هم أشباه ترامب.
والمؤسّسات التربويّة بواجهاتها التجاريّة الفاخرة... تخرّج دفعات من تلامذة يسيرون على خطى ترامب.
والمستشفيات التي يموت الفقراء على أبوابها... كان أمثال ترامب يولدون في أجنحتها الخاصّة.
ورجال الدين الذين يغتصبون الأطفال والرواتب والعقول... تركوا ربّهم وعبدوا من هم على صورة ترامب ومثاله.
نعم! كلّ ما حصل ويحصل كان يجب أن يعلمنا بأن لا بدّ من الوصول إلى قعر القاع:
أن يحكم العالمَ مجانين لا شعراء
أن يقود الناسَ أغبياء لا أتقياء
أن يعمّ الخراب الفكريّ، والخواء الروحيّ

كان يجب أن يكون ترامب رئيسًا في هذه المرحلة... كي تؤمن بأنّك محقّ في يأسك وقرفك!
كان يجب أن تكون هيلاري كلينتون منافسته في هذه المرحلة... كي تؤمن بأنّ سبب غثيانك ليس أمرًا عضويًّا!

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

التربية هي الوزارة السياديّة الوحيدة



كلّ ما علّمته المدارس، وكلّ ما حاول المربّون شرحه عن موضوع المساواة ما بين الموادّ الدراسيّة، وعن أنّ العلوم والآداب والفنون تتساوى وتتكامل وأن لا فضل لمادّة دراسيّة على أخرى إلاّ بما تقدّمه للبشريّة، كلّ هذا طار في مهبّ الرياح حين سمع تلامذة لبنان أنّ ثمّة وزارات سياديّة وأخرى غير سياديّة. فمن يستطيع أن يقنع التلامذة بعد اليوم بأنّ اللغة العربيّة لها قيمة الإنكليزيّة، وبأنّ الرياضة مهمّة كالرياضيّات، وبأنّ دراسة التاريخ والجغرافيا ضروريّة ولها الفائدة التي تقدّمها دراسة العلوم الكيميائيّة والفيزيائيّة؟ فحين تطرح على أعلى المستويات قضيّة الوزارات السياديّة التي تتهافت عليها التيّارات الحزبيّة كلّها، يبدو من السذاجة أن نتكلّم مثلاً عن وزارات الخدمات والتنمية. ويغيب عن بال الجميع أنّ التربية تحديداً هي الوزارة السياديّة الوحيدة، إن أردنا أن نبني دولة حقيقيّة لا أن نحصر همّنا بتأمين مقاعد نيابيّة وحقائب وزاريّة.
فمن خلال التربية، نحصّن الدفاع الوطنيّ ونزرع المواطنيّة ونصحّح مفهوم المقاومة ونقوّي حسّ الانتماء والاهتمام بالمجتمع والإنسان، فلا يعود يهمّ بعد ذلك من يصل إلى الوزارات "السياديّة" وغير "السياديّة"، لأنّ كلّ من يعمل فيها من القاعدة إلى رأس الهرم مسؤول عن أمن الوطن ومنعته وجماله. فما فائدة وزارة الداخليّة إن كان المواطن فاسدًا؟ وما دور وزير الخارجيّة إن كانت دول الخارج كلّها في الداخل؟ وكيف نحافظ على صحّة الناس إن كان الأطبّاء لا يريدون العمل إلاّ في السياسة؟ ولماذا وزارة العمل إذا كان العمّال الذين يبنون الوطن وينظّفونه ليسوا لبنانيّين، وإذا كانت مكاتب استقدام العمّال الأجانب أكثر من المكتبات العامّة؟ ولماذا وزارتا المال والاقتصاد إذا كانت الأمثال الشعبيّة هي التي تحكم سياستنا الماليّة: إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، أو: خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود؟ وما دور وزارة البيئة في بلد جباله موزّعة بين الحفّارين وأصحاب المنتجعات السياحيّة الخاصّة، وأنهاره مجمّع للمياه المبتذلة والنفايات، وشاطئه سائب يعلم التجّار الصغار سرقة الرمل والتجّار الكبار تبليط البحر؟ ولماذا وزارة العدل في بلد قانونه البندقيّة وواضعو قوانينه خيّاطون يفصّلون البنود على قياس الطوائف والملل؟ ولماذا وزارة المهجّرين في بلد يشتري الناس بيوتًا في كلّ جزء منه استعدادًا للهرب من مكان إلى آخر؟ وماذا تفعل وزارة الأشغال في بلد أرصفته مواقف للسيّارات وشوارعه وديان وتلال وأنفاقه ملاعب الجرذ ومأوى المدمنين والمشرّدين؟ وهل من دور لوزارة السياحة في بلد تختلط فيه المهرجانات الفنيّة بالتهريج السياسيّ، وأسواق النخاسة بأسواق الطيّبات؟ وهل تجيد وزارة النفط سوى إحصاء عدد صفائح البنزين؟ وكيف يكون لوزارة الإعلام دور وطنيّ في وطن تعيش وسائل إعلامه من بيع إعلانات الحفاضات والمواقف القوميّة؟ وما الحاجة إلى وزارة الزراعة في أرض مزروعة حشيشاً وقصورًا وملاهي ليليّة؟ وهل يملك وزير الطاقة والمياه طاقة على ضخّ الطاقّة الكهربائيّة وتقنين المياه الذاهبة هدراً إلى البحر؟ وماذا يمكن وزير الشؤون الاجتماعيّة أن يفعل في بلد لا يفهم سكّانه من شؤون علم الاجتماع إلاّ التدخّل في شؤون بعضهم خلال العشاء القرويّ على "طرق نفس" الأركيلة؟ وهل ثمّة عمل لوزارة الصناعة ونحن لا نجيد سوى تصنيع الكعك وفق وصفات مذهبيّة: كعك الروم، كعك الشعانين، كعك بسمسم، كعك الأضحى...؟ وكيف يمكن التفكير في وزارة الشباب والرياضة، والشباب مهاجرون والرياضيّون الوحيدون هم المسنّون المتنزّهون على كورنيش المنارة، أو الكهول المهرولون خلف لقمة الخبز أو الأطفال المتسوّلون على الطرق يلاحقون السيّارات ويهربون من رجال الدرك؟
وزارة التربية (التعليم العالي تلقائيّاً) هي الوزارة السياديّة، أيّها السادة الساسة، تملأ العقول لا الجيوب وتبيّض الوجوه لا الأموال وتغسل العقول والقلوب لا الأيدي الملوّثة بدماء الأبرياء وتربّي الأمل في الرؤوس والنفوس. هذا إن كنّا نريد فعلاً أن نبني وطنًا لا ماخوراً فاخراً.
صحيفة النهار - الثلاثاء 25 آب 2009

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

من يوميّات الفيسبوك (2 تشرين الثاني 2016)

Mel Odom

2010

يقتحم ذاكرتها منظر الجرذ النافق الذي وجدته قبل يومين أمام باب البيت وأخذت له صورة تذكاريّة بكاميرا هاتفها الخلويّ. بالطبع تذكّرت رواية "الطاعون" لألبر كامو ومشهد الطبيب الذي رأى عند الصباح الجرذ النافق أمام بيته. فرحت لأنّ الوباء قد يحلّ المشاكل السياسيّة وترسيم الحدود (من مقالتي في النهار اليوم بعنوان: اليوم الوطنيّ للصرف الصحيّ)

2011

حتّى ظلّي لا يرضى أن يرافقني في العتمة!

2012

انتقامي منك 
بأنّك محاط بكلّ هؤلاء الذين يذكّرونك في كلّ لحظة 
بأنّك لا ترغب إلّا في أن تكون معي!
 ***
على شفتيّ قبلة عنيدة 
لا تريد أن تنام إلّا بين شفتيك

2013

جارتي، خبيرة المظهر اللائق، تنصحني دائمًا بأن أُبقي رأسي مرفوعًا! 
وتظنّني أمازحها حين أجيبها: في كلّ مرّة أفعل ذلك يا صديقتي يرتطم رأسي بالسماء.

أخفضيه قليلا ً كي لا يصطدم بالنجوم ..
مين قال السما بعيدة .................معك السما كتير قريبة بتكفي كلمة تكتبيها عبر المدى
مااجمل شموخك ومااروع تواضعك اختي ماري صباح الخير
الله الله ما اجملها .واووو على المعنى المختنيء .............بين طياتها ......ياساحة الكلمه تبهريني
أنتِ عربية ورائعة ... السماء هى التى تأتيكٍ طواعية

***
ما دمتُ لا أعني لك شيئًا
لماذا رأيتك في منامي تسرق قبلة من شفتيّ؟

 ***
تعالَ! أريد أن أرتكب من الخطايا ما يجعلني أؤخّر الكاهن غدًا في كرسي الاعتراف، ويوتّر أعصاب الناس فيتساءلون لماذا تأخّر القدّاس! 
تعالَ! فالمسيح المصلوب ينتظر قصيدة جديدة تنسيه مساميره القديمة!

هائلة أنتِ
ابداعدك يزيد يوما بعد يوم ..........رائعه

***
خطيئة يوم الأحد:
لشفتيكَ، يومَ المطر، دفءُ الخبز الطازج...

2014

وحيدة
كشجرة لا تريد أن يحوّلها المنشار تابوتًا
كعجوز منسيّة في دار المسنّين
كبقايا جيفة في العراء
كجنين يواجه الإجهاض
ككنيسة بلا مصلّين
كجنديّ مجهول
كرِجلٍ مبتورة 
وحيدة...
لكنّ الموتى كلَّهم هنا
هنا في قلبي 
حيث لن يموتوا بعد الآن
...

Qais Al Muhanna · Friends with Saida Ben and 2 others
نص جميل.. حول الساكن متحركا ونبش في خبايا المشاعر فأشعل بقايا جمرها لتتقد نارا مضطرمة.. العراء.. الكنيسة.. المصلين.. وحتى الرجل المبتورة.. استعارات قدر أرادوه أن يفتك بنا.. ففتك به أمل جدده قلب نابض ويراع هادر.. فكلهم بالقلوب ذكرى لا تذوب..
آه ..



مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.