‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابي "الموارنة مرّوا من هنا" 2008. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابي "الموارنة مرّوا من هنا" 2008. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 26 يوليو 2022

عمْ بطرُش يا بطرُس - من كتابي "الموارنة مرّوا من هنا" - 2008

     1- عاد بطرس تعبًا من جولاته المكوكيّة الأسبوعيّة على بيوت نوّاب المنطقة، وجلس في فيء العريشة ومدّ رجليه على حافّة من الباطون تسند حوض الزهور الممتلئ بشتلات الحبق والمردكوش، ثمّ نادى بأعلى صوته: بو جبرايل، تعا ت نشرب فنجان قهوة وخبّرك أيش صار معي اليوم.
     فردّ بو جبرايل وهو يقف على أعلى "السيبة" الرباعيّة القوائم: متل منّك شايف، عم بطرُش يا بطرس. بعدان، بعدان.
     فما كان من بطرس إلاّ أن أنزل رجليه اللتين تؤلمانه من كثرة الوقوف والمشي وشدّ ظهره المتشنّج من كثرة الانحناء، وعبر الدرب الترابيّة وتوجّه نحو بيت بو جبرايل العتيق والمواجه لبيته ووقف عند أسفل السلّم وقال للرجل الذي علم بأنّ ثمّة ما يجب أن يقال "الآن الآن وليس غدًا"، ثمّ نطق بالكلام الجوهريّ: يا بو جبرايل، بسلامة فهمك، فرشاية وحدة بالمكان المناسب تغنيك عن كلّ هالطرش. وفهمك كفاية. إسمع منّي ولو لمرّة واحدة بتعيش مرتاح كلّ عمرك.
     فردّ بو جبرايل في حكمة: هالطرش يا بطرس أنظف من هيداك الطرش، وفهمك كفاية.


*****
    2- بعدما ضاقت بها سبل الحياة والعمل وباعت كلّ ثمين تملكه (ما عدا الكتب التي لم يشترها أحد)، قرّرت مريم بنت بو عزيز أن تجد الطرق اللائقة لتأمين آخرة صالحة، وبدأت تبحث عن فكرة ذكيّة تلائم السوق وتعوّض عليها خسارة العمر في وظائف لم تضمن المستقبل وقرّرت أن تقبر الفقر قبل أن يقبرها.

    فكّرت في أن تتاجر بالأدوية التي كانت تستعملها جدّتها (نعنع لوجع البطن، بقدونس لتسهيل البول، زهر أكي دنيا للسعال، حشيشة الزلال، إكليل الجبل للسكّري...) ثمّ اكتشفت أنّ أطباء الطبّ البديل لم يتركوا شيئًا أخضر إلاّ وأخذوه، ثمّ إنّ الدولة بدأت مؤخّرًا في تشديد الرقابة على موجة جزّ الأخضر واليابس، ومريم لا تملك شهادة في الطبّ تسمح لها بالوقوف ضدّ الدولة ولا تعرف أحدًا في وسائل الإعلام ليساعدها على تسويق أدويتها، فصرفت النظر عن الفكرة ووضعت على النار إبريق اليانسون لعلّه يعينها على مزيد من الهدوء والتفكير.
     ثمّ خطر على بالها أن تنظم كلمات للأغاني. فالأمر بالنسبة إليها أسهل من شرب المياه، فجدّها ووالدها كانا شاعري زجل معروفين، وأمّها كانت تغنّي لها كي تنام، وهي تحبّ الكتابة وتستطيع أن تؤلّف كلمات جميلة نابعة من القلب، ولكنّ ذلك أيضًا يتطلّب علاقات عامّة وخاصّة لا تعرف مريم عنها شيئًا. ثمّ أنّها عندما أخذت الورقة والقلم وبدأت في كتابة أولى أغنياتها، ارتفع صوت أولاد الجيران وهم يرافقون بأصواتهم كلمات أغنية تصدح من التلفزيون: بحبّك يا حمار. فدمعت عينا مريم من سخرية الموقف وقالت لنفسها: لقد أحببت الكثيرين ولم أكتب لهم أغنية، وها قد أتى من سبقني وسرق الكلمات من فمي. من يريد شعرًا في زمن الشعير؟
    وعادت الحيرة من جديد: ماذا ستعمل مريم لتحصل على المال وهي متقدّمة في العمر ومرهقة وتحتاج إلى من يهتمّ بها ويساعدها. وفجأة، وكما يحصل في المسلسلات التي لا يصدّق أحداثها أحد، قرّرت مريم بنت بو عزيز من بلدة "ريحانة بيت العابد" أن تبيع كليتها. صحيح أنّ الأمر غير قانونيّ بحسب معلوماتها البسيطة، ولكنها لن تعرض "بضاعتها" للبيع، بل ستعطيها مقابل حاجتها من الطعام وما تفرضه العمليّة من أدوية، والأغنياء يستطيعون ذلك في سهولة. وهكذا ستعامل مريم أحسن معاملة على اعتبار أنّها تقدّم جزءًا منها في سبيل عمل إنسانيّ. أليس هذا أكثر احترامًا لنفسها من الخدمات التي يقدّمها الأصدقاء ليريحوا ضمائرهم ويربحوا مقعدًا في جنّة "بلا ناس ما بتنداس".
     بعدما قدّمت مريم كليتها في مقابل كميّات هائلة من المعلّبات وأكياس الحبوب والأدوية، انهالت عليها الطلبات: ذاك يريد عينًا فقبلت لعلّها ترى أقلّ قدر من بشاعة هذا العالم، وتلك تريد رئة فقبلت لعلّها تتنشّق كميّة أقلّ من الهواء الملوّث. الطحال؟ لم لا؟ تأجير الرحم؟ لم لا؟ الجلد للمحروقين؟ الشعر للحلاّقين؟ الدم؟ ألا تريدون رِجلاً؟ يدًا؟ قلبًا؟ عقلاً؟...خدّروني ودعوني أنام وخذوا ما تريدون.
      بعد ذلك عاشت مريم خفيفة كورقة شجرة وحرّة كقدّيسة.


*****
     3- أيّها المسيح! احمل صليبك واتبعني إلى أقرب منشرة لنجعل خشبه عِصيًّا تصلح للضرب.

الأحد، 7 أكتوبر 2018

من حكايات جدّي عن الخوري يوسف


من كتابي "الموارنة مرّوا من هنا" بـ"ألم" ماري القصّيفي


*****
إلى فؤاد كنعان


     تابع جدّي وهو يحاول أن يكتم ضحكته البريئة التي تظهر فمه الخالي من الأسنان:

     وصل المزيد من أخبار الخوري يوسف إلى سيّدنا المطران وهذه المرّة عبر المختار الذي قصد دار المطرانيّة قبل صياح الديك، وأيقظ المطران من نومه ليقول له: بونا يوسف يبقى نائمًا والأولاد تحت "السنديانة" لم يتعلّموا حرفًا منذ عينتموه خادمًا لرعيّتنا. وأضاف المختار بصوت غاضب جعل رقبة المطران تنتفخ من شدّة الانفعال كما يحصل معه في كلّ مرّة يتخطّى فيها أحدهم آداب التصرّف: صار كلّ ولد من ولادنا قدّ الحمار وبعدو ما بيعرف يفكّ الحرف لأنّو خوريكن بيضلّو غافي وبس يوعى بيعلّمن شكال واخبار ما إلا علاقة لا بالدين ولا بالأخلاق. وإذا كانت الخوريّة ما بتعرف وين بيكون بسهراتو وبتخبّر إنّو بيقضّي الليل ساجد قدّام القربان، نحنا مش مهابيل. وأنا إذا كنت ساكت عن سياسته وحياته الخاصّة والروحيّة مش رح إسكت بس توصل القصّة لولادنا.

     طبعًا تردّد المطران في تصديق اتهامات المختار لأنّه كان على علم بالعلاقة المتوتّرة بين زعيمَي الضيعة. ولكنّه في الوقت نفسه كان على علم بأخبار الخوري من مصادر مختلفة ولم يكن فيها ما يسرّ القلب أو يطمئن الروح أو يبشّر بالخير. وكان الناس يتناقلون الأخبار قائلين إنّ المطران ندم على تعيين هذا الخوري في تلك الضيعة بالذات لأنّه كان على اطّلاع على المشاحنات والدسائس والمؤامرات فيها. ولكنّها كلّها كانت كالجمر تحت الرماد حتّى وصل الخوري يوسف كعاصفة أشعلت ما كان كامنًا في الصدور، وبدل أن يلقي سلامًا في كلّ قلب وبيت زعزع ما كان شبه مستقر إن على صعيد النزاعات داخل العائلة الواحدة أو بين العائلات المتنافسة وحين كان يسأل عن موقفه من أيّ طرف كان يجيب بابتسامة اشتهر بها لما فيها من سخرية ممزوجة ببراءة مزيّفة: أنا يا إخوتي مش مع حدا ضدّ حدا، أنا مع حزب الله المجد لَ إسمو، ولازم نكون كلّنا عائلة واحدة بتعمل بفرح ومحبّة.

     وبما أنّ الظروف العامّة في البلد لا تسمح للمطران بالانشغال طويلاً في هذه الأمر واستقبال المزيد من المراجعات والشكاوى قرّر أن يتأكّد من الأمر بنفسه خشية أن تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.

     وهذا ما فعله حين وصل إلى القرية من دون سابق إنذار، فلم ترشّ الطريق الترابيّة بالمياه، ولم ينظّف المختار طربوشه الأحمر ولم تحتر الخوريّة في اختيار ثوب من أثوابها الأنيقة الكثيرة، ولم ترفع رايات الترحيب ولم "يصفّ" الخوري تلاميذه "الما بيعرفو يفكّوا الحرف" على جانبي الطريق. وبالفعل، كان الخوري يوسف يغطّ في نوم عميق، في فيء شجرة السنديان الباسقة، وصوت شخيره يلهي العصافير عن صيد الديدان ويزعج النسيم المنعش وهو يمرّ من بين أغصان الشجرة. أمّا الأولاد فكانوا يلعبون ويصخبون بلا رقيب أو حسيب ثمّ اختفوا كأنّ أحدًا أنذرهم بضرورة الانسحاب من مسرح الجريمة. نكز المطران الخوري بعصاه، فاستيقظ المسكين ناقمًا وقبل أن يتأكّد من هويّة الواقف إلى جانبه بدأ يلعن الخوريّة ويشتم الأولاد والمختار الذين لا يتركون أحدًا يرتاح.

     كبت المطران غضبًا كاد ينسيه التعقّل الذي عرف به، وقال للخوري الذي هبّ واقفًا بعدما تأكّد له أنّه تسرّع في الكلام: الظاهر يا بونا يوسف أنّك أخذت من شفيعك ميله إلى النوم، فهل كنت تنتظر ملاك الربّ جبرائيل لكي يملي عليك ما يجب أن تقوم به؟
ارتبك الخوري يوسف وتلعثم وحاول أن يبحث عن الجواب المناسب دفاعًا عن نفسه طبعًا، لا عن مار يوسف، غير أنّ المطران اللبق أنقذه من موقفه وتابع كلامه: يعطيك العافية يا خوري واضح إنّك عم تتعب: العائلة والرعيّة وتعليم الأولاد والتبشير في القرى المجاورة، انتبه لصحتك يا بونا، ما فيك تربح كلّ شي، رح نشوف كيف فينا نريّحك!

     وقبل أن يجد الخوري يوسف الكلمات الملائمة، كان المطران قد نزل إلى حيث ينتظره مرافقه، ثمّ التفت إلى الخوري الناقم على هذه المفاجأة، وأضاف كأنّه تذكّر شيئًا مهمًّا أو كأنّه كان يتردّد في قول ما خطر على باله: مار يوسف كان نجّارًا يا خوري، وربّما كان هو من علّم المسيح نشر الأخشاب التي صارت بطريقة ما صليب الخلاص إلاّ أنّه بالتأكيد لم يكن ينجّر ما يهين الناس، وفهمك كفاية. وبعد أن ابتعد بضع خطوات عاد والتفت حين سمع وقع خطوات الخوري يوسف وهو يحاول اللحاق به، فرفع عصاه ووضع طرفها الأسفل على صدر الخوري مانعًا إيّاه عن مزيد من التقدّم وقال له: يا خوري هذه العصا ليست عكّازًا وليست للزينة، إنّها الحاجز الذي يُسأل عنده الكهنة عن النفوس التي خلّصوها.

     وينهي جدّي الحكاية التي ظلّ طوال حياته يردّدها وهو يضحك بالطريقة نفسها: وما كان كلام سيّدنا ليصل إلينا لولا أنّ ولدًا من تلاميذ الخوري كان يلعب بين أغصان الشجرة فوق رأس معلّمه وتسمّر في مكانه لحظة وصول المطران، وسمع الكلمات التي لم يكن من اللائق أن يسمعها أحد. ولو لم يسأل هذا الولد الفضوليّ والدته عمّا كان يقصده المطران لما كانت الأمّ نقلت الحديث إلى زوجها، ولو لم يكن زوجها هو المختار لكان الخوري انتقل مع عائلته إلى منصبه الجديد في قرية بعيدة والناس مقتنعون بأنّ ذلك حصل بناء على وحي أتاه أخيرًا في المنام، نصحه فيه الملاك جبرائيل بأخذ عائلته إلى مكان آخر في انتظار قرار سماويّ جديد يستلم فيه مسؤوليّات أكثر أهميّة للطائفة.

     على فكرة، جدّي لم يكن يذهب إلى الكنيسة، ولكنّه قتل في حرب الجبل وهو يحاول إنقاذ كأس القربان والصليب من تحت الأنقاض، ولا نعلم حتّى الآن أين دفن لكي نضع زهرة حبّ على قبره، ولذلك أخذنا عهدًا على أنفسنا، نحن أحفاده، بأن نزرع كلمات الحقّ في كلّ مكان تخليدًا لذكراه.

الجمعة، 3 فبراير 2012

حجر الزاوية (4)

 Annibale Carracci
1609 - 1560

رائع هذا المسيح!
مستعدّ للوصول إليك ولو اضطرّ إلى عبور دروب قذرة.
وغالبًا ما تلبس هذه الدروب ثوب الكهنوت...الأسود كي لا تظهر عليه الأوساخ!
***
تفتح الأشجار أغصانها للنسر والقبّرة، للدوري والغراب، للحشرة والأفعى. أهي عاهرة أم قدّيسة؟
***
أتعلمون كيف تبدو الأزرار الحمراء على ملابس بعض الأساقفة؟
نقاط دم تطايرت من ذبائحهم البشريّة.
***
عندما اعترفت المرأة للمطران بأنّ الكاهن اغتصبها أنّبها بشدّة لأنّها شوّهت وجه الكنيسة ولم تصمت، وطلب منها أن تنظر إلى مصائب غيرها وتخجل من نفسها.
***
اجتمع الرجال ذوو الملابس السوداء حول الطاولة، وعلى الرغم من كره الواحد منهم للجالسَين إلى يمينه ويساره، أمسك بيديهما في حلقة دائريّة لا يخترقها عدّو ثمّ قالوا بصوت واحد:
كلّ من يهدّد بالكتابة عن نشاطاتنا السريّة سيقطع إلهنا عنقه
كلّ من يهدّد بالكلام عنّا ليعرقل طموحنا سيخفي إلهنا صوته
كلّ من يهدّد بضرب أحدنا سيكسر الله يده.
...
كان هذا الإنذار الأوّل!
لكنّه فعل فِعل السحر...الأسود. وسكت الجميع.
***
عندما ضرب الكاهن أمّه وزوجته وابنته بكى المسيح وعاتب أباه لأنّه لم يعلّمه الغضب.

الأربعاء، 11 يناير 2012

حجر الزاوية (6)


Annibale Carracci

أنت كاهن إلى الأبد؟
المهمّ أن تكون إنسانًا بكلّ ما في الإنسانيّة من خير وحقّ ومحبّة...وأن تكون رجلاً بكلّ ما في الرجولة من شهامة وكرم وصدق، وبعد ذلك كن ما تشاء!
***
أنت كاهن إلى الأبد؟
المهم أن تكون كاهنًا حقيقيًّا ولو للحظات من حياتك...ونسامحك بالباقي من الأبد!
***
أنت كاهن إلى الأبد؟
المهم ألاّ تكون عبئًا على كاهل المؤمنين!
***
تغفر الكنيسة للكاهن إن مارس الجنس أو اغتصب أو سرق أو نمّ أو وشى أو خان الأسرار
غير أنّها تضطهده وتلعنه وتحاكمه وتطرده إن أحبّ.
***
أعطنا يا ربّ كهنة قدّيسين وليس مكدّسين فوق بعضهم.
***
غبطة الموارنة في البطريركيّة
سيادتهم في المطرانيّة
فخامتهم في القصر الجمهوريّ
سعادتهم في المجلس النيابيّ
معاليهم في الوزارة
أمّا في بيوتهم ففقر وجوع وذلّ ومرض ويأس
خمسة بخمسة
***
لم يحفظ بعض الكهنة من خميس الأسرار إلاّ العشاء...السريّ
***
أيّها المسيح! احمل صليبك واتبعني إلى أقرب منشرة لنجعل خشبه عصيًّا تصلح للضرب

الخميس، 5 يناير 2012

حجر الزاوية (5)

Annibale Carracci


في الكنيسة متحف
في الكنيسة مسرح
في الكنيسة معرض
في الكنيسة ديكور
في الكنيسة بروتوكول
في هذه الكنيسة ازدحام حتّى أنّ الصلاة لا تجد لها مكانًا
***
أفتّش طوال النهار
عن مكان للصلاة
عن وقت للصلاة
عن هدوء يسمح بالصلاة
عن طريقة مناسبة للصلاة
عن كتاب للصلاة
عن كلمات للصلاة
وحين يمضي النهار
وأضع رأسي على المخدّة
أعد الله بأن أحاول غدًا من جديد
***
هل وضع أحد كتابًا عن أجوبة المسيح الذكيّة واللاذعة؟
***
عندما أشعر بطاقة هائلة على المحبّة
ولا أعرف ماذا أفعل بها
أعاتب الله
عندما تخاطر على بالي أفكار رائعة
ولا أعرف ماذا أفعل بها
أغضب على الله
لماذا لا تتركني يا الله أرتاح من المحبّة والتفكير؟
***
قال لي أحد الكهنة: لا أستطيع أن أحتفل بالذبيحة الإلهيّة وأنا أعرف أنّ ثمّة شخصًا يكرهني!
وعندما طلب منّي بعد مدّة وهو يصرخ غاضبًا أن أنظر إليه وهو يكلّمني، قلت له: أنا لا أستطيع النظر إلى من أكرهه.
ومع ذلك، احتفل بصلوات أسبوع الآلام والفصح وهو في أفضل حال.
يبدو أنّ الشياطين السبعة التي فيه لم تجد الخنازير بعد.
***
أيّها المسيح! احمل صليبك واتبعني إلى أقرب منشرة لنجعل خشبه عِصيًّا تصلح للضرب.

الأحد، 1 يناير 2012

حجر الزاوية (3)

الكاهن في بلدتي مصاب بنوع خطير من عسر القراءة
فهو بدلاً من أن يقرأ: من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه
يقرأ: من أراد أن يُتعبني فليفكّر في نفسه!
***
سائقو التاكسي، الأطبّاء، الكهنة، منظّفات البيوت، رعاة الغنم، المحامون، أصحاب المحلّات التجاريّة، أصحاب دور النشر...كلّ هؤلاء تزداد رواتبهم كلّما ازداد عدد زبائنهم.
المعلّمون والممرّضون تبقى رواتبهم كما هي مهما ازداد عدد تلاميذهم أو مرضاهم!
***
بالنسبة إلى إله متجسّد
عرف الآلام والأوجاع والعذاب
لا أعرف إن كان قد فعل كلّ ما يلزم.
***
نظر المسيح إلى ما تفعله الكنيسة ثمّ التفت إلى أبيه وقال له:
أتعلم يا أبي؟ كنت أستحقّ كلّ جلدة وطعنة ومسمار!
***
Antonio Canova - 1809
مريم المجدليّة

عندما يعتدي الآباء على أبنائهم، والكهنة على الناس "العاديّين" يولد قدّيس في مكان ما من العالم، وإلّا كيف كان من الممكن أن نرى ابتسامة على وجه إنسان.
***
يخلّ الله باتفاقاتي معه:
وعدته بأن أعمل ليلًا ونهارًا
شرط ألّا أشعر بالمرض.
غير أنّني أستيقظ كلّ يوم وأنا أشعر بألم ما في مكان ما.
يبدو أنّ عملي لا يزال غير كاف.
***
لولا إيماني بأنّ الحبل من الروح القدس لن يتكرّر
وإن حصلَ فهو لا يسبّب الغثيان
لظننت أنّ نوبات الغثيان التي تصيبني صباحًا ناتجة عن حَبَل ما.
ولكنّني بما أنّني لا أعرف رجلًا، ولست مصابة بمرض عضويّ
فأنا إذًا مصابة بحالة نادرة من القرف.

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

حجر الزاوية (2)

Andrea Mantegna

يبدو أنّني لست الله، غير أنّني أجد صعوبة في تصديق ذلك
***
بين الراهبات عاهرات، ولكنّ الجميع يسمّيهنّ راهبات
بين المعلّمات عاهرات، ولكنّ الجميع يسمّيهنّ معلّمات
بين سيّدات المجتمع عاهرات، ولكنّ الجميع يسمّيهنّ سيّدات مجتمع
بين العاهرات قدّيسات، ولكنّ الجميع يسمّيهنّ عاهرات
بين العاهرات مربّيات، ولكنّ الجميع يسمّيهنّ عاهرات
بين العاهرات سيّدات مجتمع، ولكنّ الجميع يسمّيهنّ عاهرات
صحيح أنّ اللغة كائن ظالم
***
هناك ممثّلون أهمّ من الممثّلين:
الكهنة الذين يمثّلون أدوار القداسة وهم أقرب الناس إلى ممارسة الخطيئة
المعلّمون يمثّلون أدوار العطاء والتضحية وهم لا يقدّمون دقيقة من وقتهم مجّانًا
والأطبّاء النفسيّون يمثّلون أدوار التفاؤل وحبّ الحياة وهم أقرب ما يكونون إلى الانتحار
***
الأعياد الدينيّة هي أكثر المناسبات إثارة للحزن
الأعياد الوطنيّة هي أكثر المناسبات إثارة للضحك
***
طلبت من صديقي الملتزم دينيًّا أن نلتقي لنتحدّث قليلاً، فقال لي في كلّ خشوع:
الله سميع مجيب، فتحدّثي إليه
***
إذا كان من شيء يدعو الإنسان إلى الفخر فهو أن يكون الله رغب في أن يصير إنسانًا مثله

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

حجر الزاوية (1)

Paul Gaugin - 1899

كرسي الاعتراف مكان مخصّص للخطايا فقط، لذلك عندما حاولت أن أعترف بأمر جميل فعلته وأردت أن أسرّ به لأحدهم طردني الكاهن.
***
عندما فقدت ثقتي بالاخرين فقدتها في الوقت نفسه بنفسي وبالله.
من كان يظنّ أنّ الاخرين لهم مثل هذه الأهميّة.
***
تسمّي الكنيسة نفسها جسد المسيح السرّيّ
لأنّها تعلم أنّه صار يخجل به
***
في خميس الغسل
يغسل الكاهن أرجل اثني عشر ولدًا
وفي باقي أيّام السنة
يغسل الناس كلّهم
ما يفعله الكهنة
الذين يشوّهون وجه المسيح
***
طيلة سنوات وسنوات، وضع آلاف الفقراء قروشهم القليلة في صناديق الكنائس التي أنفقتها في صفقة واحدة على مبنى رخاميّ يقيم فيه الأسقف والحاشية.
***
في القداسة كثير من القسوة...على الآخرين.
***
الأفكار أثقل من الصليب
والشكوك أكثر إيلامًا من المسامير
وما من قيامة.

السبت، 11 يوليو 2009

عن كتابي "الموارنة مرّوا من هنا "بقلم جوزف باسيل

وادي قنّوبين

"الموارنة مرّوا من هنا" "بألم" ماري القصيفي

لـم يـنـقــض الأمــل لــم يـمــض الــرجـــاء



"الموارنة مروا من هنا"، الموارنة كانوا دائما هنا، لم يتزحزحوا، وسيبقون. خرجوا الى العالم، لكنهم لم يغادروا هذه الارض ولن يفعلوا. كانوا عليها قبل كل الآخرين، وسيبقون، سواء بوطن اسمه لبنان، أو بتجمعات اخرى، كما عبر التاريخ، هم باقون.يمثّل الموارنة في لبنان المسيحيين في الشرق، بالخيبات والآمال، من دون ان تنحصر بهم المسيحية، او انجازات المسيحيين. هم المثال والقدرة وإن ليسوا وحدهم الفاعلين والقادرين.ان اعتبار وجود الموارنة في الشرق على المحك، صحيح، هكذا كان دائما، في كل مرحلة وعصر مذ وجد جدهم الاول مارون. وكانوا متحدين مقاومين ليس في وجه الاسلام فحسب، بل حتى قبله. حتى لم يكن مصيرهم على المحك؟ هم دائما على الحد، على النصل، على الشفير، على المهوار، كما هم الآن، هكذا كانوا دائما. كما كانوا متمكنين من الممانعة والمواجهة والمقاومة. سواء داخل بيتهم لمن لم يفهم حقيقة وجودهم التاريخي في هذا الشرق، او خارجه لمن يحاول التطاول على هذا الوجود الذي كان عرضة دائما للصدمات والهجمات. وعلى رغم سوء هذه المرحلة فسيقدَّر لهم من يكون قادرا على الخروج بهم من التيه، وإن لم يكن موجودا الآن.ليسأل كل قارئ نفسه، او من سيخبره القارئ عن جرأة هذا الكتاب، وليجب عن هذه الاسئلة: "هل المارونية هي هذه الصراعات السياسية؟ هل هي في التسابق الى كرسي سياسي؟ هل هي في برامج "المؤسسة اللبنانية للارسال" التي تريد ان ترضي من يدفع اكثر. ام هي في حوارات "تيلي لوميير" التي تسعى الى غسل دماغ جماعي؟اين الصحافة المارونية؟ والموارنة هم الذين وقفوا ويقفون خلف نجاح مختلف المؤسسات الصحافية المرئية والمسموعة والمكتوبة ولو لم تكن ملكاً لهم ولو لم يعترف بوجودهم ولو لم يجرؤ احد على ذكر ذلك علنا!اين الاموال المارونية؟ ورجال الاعمال والتجار واصحاب المؤسسات الموارنة يخزنون ثرواتهم خارج الوطن، وحيث يكون كنزك يكون قلبك. ورجال الدين يتاجرون بما تبقى.اين المؤسسات المارونية على اختلاف انواعها؟ وهي صورة قبيحة ومشوهة للاقطاع والتسلط والمحسوبية وعدم التخطيط والفوضى والسرقة؟اين التراث المسيحي؟ اين العمارة المارونية؟ لماذا لم يكتب الموارنة رواية تهز الضمائر عن حرب الجبل؟ لماذا يتذكرون فقط حروبهم بين بعضهم؟ لماذا لا تبنى المدارس والمستشفيات في الجبل؟ لماذا لم تبنَ المنازل للشبان؟ لماذا يعرقل رجال الدين تسجيل المواليد الموارنة في المغتربات؟ ولماذا لا يحصى الموارنة في العالم؟ ولماذا نخجل من الحديث عن مارونيتنا وكأننا نثير حساسية الآخرين او كأننا نخشى جرح مشاعرهم إن أرّخنا لبصماتنا على الفكر والحضارة والحرية والكرامة في هذا الشرق؟".
  
قاسية ماري القصيفي في كتابها "الموارنة مرّوا من هنا"، تعبّر بألم عن الالم (استبدلت القاف بالهمزة في عنوان الكتاب فكتبت "بألم" بدلا من قلم الدلالة على شعورها هذا).مقالات جمعتها تجربة عميقة من علاقاتها بالناس او علاقاتهم بعضهم ببعض، ترى اليها بعمق، لا بسطحية، يفترضه وعي المثقف الذي لا يؤخذ بالشهادات العلمية ولا بالمظاهر الخارجية ولا بكلام الصالونات الذي يلقى على عواهنه، بل بجوهر هذه العلاقات وبمنطق يحكم على مضمونها. تعرية هذه العلاقات من زيها وزينتها يكشف عوراتها تمهيدا للغوص في مثالبها ومساوئها.ربما علاقتها بأصحاب الدين، لابسي الاسود او اي من الالوان الداكنة، من خلال مهنة التعليم في مدارسهم ومدارسهن، جعلها تطلع على ما لا يطلع عليه العامة، عما يجري خلف الكواليس. وهذه المعرفة دفعتها الى تلك القسوة، فكأنها تردّ على معاملتهم الناس بقسوة. قيل قديما: المرء عدو ما يجهل. أليس هو حقا عدو من يعرف؟

يجمع المقالات خيط هو الموقف من الكهنة، وخصوصا الموارنة منهم لأنهم يعتبرون انفسهم اصحاب الباع الطويل في كل الشؤون والقضايا المتعلقة بالناس والوطن. ولا اخالها تعمم في موقفها. بعض المقالات تبحث في رمزيتها عن معنى مباح، والبعض ينتقد محطات التلفزيون وبرامجها. وبعضها اسئلة موجهة الى الكنيسة المارونية تعبّر عن القلق والاحباط وحتى القرف. او انتقادات موجهة الى رجال الدين الموارنة على اختلاف رتبهم لتقصيرهم ومواقفهم المستلبة!وتنقل عن زوار البطريرك الماروني قوله ما فحواه: "وما حاجتنا الى الاهتمام بالشؤون الساسية في وقت يغادر فيه مئات الشباب البلد ما ان يتخرجوا في الجامعات؟". أليست هذه النتيجة هي بسبب العلة في السياسة؟ أليست السياسة التي لم يحسن الموارنة ممارستها هي التي ادت بهم وبشبابهم الى الشكوى؟ ولعل الاجابة بعامة في قولها:"اذا كانت الكنيسة لا تثق بالعلماني وتأتمنه على ثرواتها المادية ومشاريعها العمرانية ومؤسساتها التربوية والاستشفائية، وهي التي ربّته وعلّمته، فكيف يثق هو بها ويأتمنها على حياته الروحية؟".لم ينقضِ الأمل ولم يمض الرجاء، ولن نفقد هويتنا اذا تمسكنا بها.لن يمر الموارنة من هنا، لأنهم لن يعبروا الى اي مكان.
جوزف باسيل - جريدة النهار

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.