السبت، 18 مايو 2019

إنتو وإنتو...حِلّوا عن البطرك صفير! (18 أيّار 2019)



واضح إنّو في نسبة جهل مش طبيعيّة بمعرفة تاريخ الموارنة، عند كتير من الموارنة وغيرن، وواضح إنّو نادرين يللي بيقروا مقالة كاملة أو كتاب كامل، أو شايفين الصورة من كلّ جوانبها، وخصوصا من الجيل الجديد يللي ما سمع عن الحرب وما داقها. يعني صاروا كتار بدن أو يدافعوا بجنون عن البطريرك صفير أو يهاجموا بشراسة، ولكن الأكيد إنّو عند الفريقين في مستوى عالي من شوفة الحال والغرور وادّعاء المعرفة، والأسوأ مستوى عالي من الثقة بإنّو هيدي المعرفة لا تقبل الجدل لأنّها حقيقة مطلقة.
أوّل شي، بحبّ وضّح ل يللي ما بيعرفو إنّو القداسة عند الموارنة كتير هيّنة وما بدّها عجايب متل ما بيفّكروا الناس، يعني مش غلط يعتبر البعض إنّو البطرك صفير قدّيس: لأنو ولا مرّة حدا قال - خصوصًا من معارضينو - إنّو سرق أو زني أو أخد ممتلكات أو قتل أو طمع بما لغيره... والأهم إنّو تنازل عن مركزو بوقت الكلّ عم يركض ورا مركز وكرسي... وأكتر من هيك شو بدكن قداسة؟
وبالمناسبة القديس شربل كان عرضة لسخرية كتير من الرهبان والعمّال بالدير لأنو كان برأين زلمه بسيط، وبينضحك عليه...
تاني شي، ل يللي بيحبّوا البابا يوحنا بولس التاني والبابا فرنسيس وما بيحبّوا البطرك صفير بسبب تعاطيه السياسة، تذكّروا إنّو في فرق بين الموقف السياسيّ والموقف الوطنيّ، وفي كتير فرق بين العمل في الشأن العام من أجل الناس، أو من أجل مصلحة خاصّة. وما تنسوا إنّو البابا يوحنا بولس، والبابا فرنسيس كمان اشتغلوا سياسة وكان إلن مواقف من الأنظمة السياسية متل النازية والشيوعيّة. فليش البطرك صفير ممنوع من إبداء رأي أو اتّخاذ موقف؟ خصوصًا إنو مواقفو كانت واضحة إنّها مش مع طرف سياسي معيّن حتّى لو في أطراف سياسية قرّرت إنّو معها وغيرها قرّر إنّو ضدها.
يمكن الغلطة الوحيدة يللي ارتكبها البطرك صفير، وكتبت عنها بأوّل عملي في الصحافة وكنت إكتب باسم مستعار هوّي مي م الريحاني هيي إنّو ما أنزل الحرم الكنسي بالزعيمين (وقتذاك) جعجع وعون. ولكن اليوم بعرف إنّو هيك قرار شو كان عمل بالمسيحيين، وشو كانت رح تكون ردود الفعل، وبالتالي كانت المخاطرة كبيرة ومصيريّة. 

تالت شي، نسيوا اللبنانيين كل مشاكلهم هلأ وما عاد في غير إذا البطرك صفير قدّيس أو لأ؟ ومع مين هوّي وضد مين؟ ونسيوا الفساد، والكهربا، والمي، والتلوّث، والأمراض، وما عاد في غير تابوت البطرك، ودفن البطرك، والحداد ع البطرك، ومواقف من البطرك... طيب صرلوا البطرك كذا سنة مستقيل وما عاد عندو سلطة، واستلموا السياسة يللي بيقولوا إنّو البطرك كان ضدّن (مع العلم إنو هالشي مش صحيح) فليش الأوضاع بعد ما ظبطت، وإذا الأوضاع بدها وقت ت تظبط، عال اتركوا البطرك يرتاح بقبرو - وبحيالّا تابوت - وروحوا اشتغلوا شي ينفع البشرية:
اخترعوا دوا
نضّفوا الطرقات

ازرعوا شجر
افرزوا الزبالة
وقّفوا ع الإشارة الحمرا
علّموا ولادكن دروسن
اسمعوا موسيقى 
احضروا فيلم
افتحوا كتاب
تعلّموا التهذيب
ولكن رجاء ما تصيروا كلّكن محلّلين ونقّاد ولاهوتيين وخبراء وتعطوا آراء بكلّ شي وبكلّ حدا، خصوصًا إنّو الوضع ما بقا يحمل، والبلد ع كفّ عفريت، ومش ناقصنا لا نفتح صفحات قديمة كلّها قتل ودم وحقد ولا نطلق مواقف سخيفة ما فيها شي من المعرفة والحكمة والمحبّة... 
ول يللي بدّن يقولوا: بلّشي بحالك وما توعظينا بحبّ خبّرن: إنّي تلات مرّات تركت شغلي بسبب مواقفي، وما عندي تعويض نهاية خدمة، وما عندي حساب بالبنك، وما عندي بيت ولا سيّارة، وكتبت بالصحافة مجّانًا، وبوزّع كتبي مجّانًا... وعلّمت ميّات التلاميذ مجّانًا... يعني باخد موقف وبدفع حقّو وما بقبض من حدا. وأكتر شي عملتو إني كتبت كتاب وفشّيت خلقي، ولكن ما تعرّضت لحدا بإسمو لأنو كان بهمّي الوضع المارونيّ بشكل عام. ومع هيدا كلّو دفعت الثمن!
فروحوا اشتغلوا شي ينفع البشرية، لأنو واضح إنّو هيدا يللي عم يصير ما بينفع حدا...

حلّوا عن المسيح...(16 نيسان 2017 - من سلسلة الموارنة مرّوا من هنا)




حلّوا عن المسيح...
إذا كنتو ملحدين شو بدكن بالمسيح وتحليل شخصيّتو
إذا كنتو مسحيّين، تشبّهوا بالمسيح وكونوا ع صورتو ومثالو ومش تعملوه ع صورة كلّ واحد فيكن
 اليهود اخترعوا شخصيّة سوبرمان، ولبّسوا أحمر وأزرق متل المسيح (مع عكس الألوان)، وخلقولو إمّ وبيّ ع الأرض، وعيّشوه 33 سنة قبل ما يعرفوا فيه الناس، وإذا المسيح مشي ع الميّ وعمل كم عجيبة، سوبرمان طار وعمل بكل لحظة عجيبة، فحِلّوا عن المسيح وآمنوا بسوبرمن

المسيح بيقبل المرضى، ولو ما كان مريض
المسيح بيحبّ الشاذّين، بس مش ضروري يكون شاذ ت يحبّن،
المسيح كان محاط بالنسوان، بس لازم يعني يكون نسونجي؟ 
المسيح كان يحبّ الحياة، بس بيقبل الموت كرمال حياتنا
 فما فيكن تتشبّهوا بالمسيح يللي بتشوفوه بيحبّ الرقص والغنا والرداء الفاخر وشرب الخمر والحياة الصاخبة، ووقت الصلب تنكروه أو تهربوا من نظرتو إلكن وما تعطوه نقطة مي...

 حلّوا عن المسيح واتركوه يحلّ فيكن، يعني حاج تحلّلوه وتدرسوه وتغيّرلوا شكلو ولونو وطريقة حكيو ومشيتو، واتركوه يحلّ علينا وعليكن، اتركوه يشتغل شغلو حاج تصلبوه كلّ دقيقة بنظريّة بتمسمرو ع الصليب، وبتكلّلو بالشوك، وبتطعنو بالرمح، بعد ما جلدتوه بأحكامكن البشريّة يللي ما بتقدر توصل لمسمار إجرو

 اتركوا المسيح يرفعنا حاج تشدّوا فيه نزول، اتركولنا حدا نضل نآمن فيه بعد ما قتلتو الوطن يللي بدكن ياه ع قياس أحزابكن وزعمائكن، والطبيعة والجمال والفنّ يللي بدّكن ياهن ع قياس بيوتكن وقصوركن، ارتكولنا حدا مش ع صورتنا البشعة ومش ع عقلاتنا الغلط ومش ع مزاجنا يللي بيتغيّر مع كلّ فيلم أو مع كلّ نفس أركيلة أو سيكار

 نعم، المسيح بيشبهنا بطبيعتنا الإنسانيّة الجسديّة، بيفوت ع الحمام، وبتمشي معدتو، وبيجوع وبيعطش وبيشتهي، بس ع طول مننسى ألوهتو، لأنّو ما منتجرّأ نفكّر لحظة إنّو لازم نوصل لمستواها، وندوب فيا

 الحقوا المسيح بس ما تلاحقوه، اعتبروه يا جماعة ع القليله متل مار شربل يللي ما حدا منكن بيحاول يغيّرلو شكلو وموديلو وطريقة عيشو وحكياتو، ارحموه حاج نازلين فيه تحليل نفسيّ وإجتماعيّ وسياسيّ وجنسيّ، يا جماعة طاغور تأثّر بالمسيح وما جرّب يعملو هندي، المتصوّفين المسلمين تأثّروا بالمسيح وما غيّروه ت يصير ع صورتن، ونحنا المسيحيين، علمانيين وإكليروس، كل يوم منعملّو قصّة بإسم الحريّة...

 الحريّة إلتزام ومسؤوليّة، إلتزام بتاريخ وحضارة وهويّة، ومسؤوليّة تسليم هالتاريخ وهالحضارة وهالهويّه لمستقبل ولادنا

الحريّة هيي حريّة ممارسة العقيدة مش حريّة تهشيما وتغييرا بإسم الشعر والحداثة والفلسفة
 الحريّة المرتبطة بالمسيحية هيي حريّة إختيار هيدي العقيدة أو غيرا... ولكن مش حريّة تغيير هالعقيدة ت تصير غيرا...

الحريّة هيي بنفض الأفكار وتجديدا قدّام شمس العقل، ولكن مش حرقا عن نار قويّة
 فيك تكون ملحد، ويمكن إذا شلنا الدال من آخر هالكلمة يكون الملحد ملح الأرض، ولكن يمكن أنا معي ضغط وما بيسوالي الملح

 فيك تكون مسلم، وإذا شلنا الميم من أوّل هالكلمة يكون المسلم سِلم الأرض، بس يمكن هالسِلم ما فيه السلام يللي أنا بدّي إختارو بإرادتي الحرّة

 وفيك تكون حابب تخترع مسيح ع صورتك الثوريّة، أو ع صورة بيّك، أو خيّك، أو إبنك، أو شاعرك المفضّل أو زعيمك أو قدّيسك، وبيقدر "مسيحك" يحبّ مريم المجدليّة متل ما إنت بتحب صاحبتك، وبيقدر يحبّ يوحنا الحبيب ويكون مثليّ الجنس، بس دخيلك اخترلو إسم تاني وحلّ عن هيدا "المسيح" مش كرمالو، هوّي أقوى من سوبرمان وبيقدر يدافع ع حالو، ورح يضلّ يحبّك ويحبّ مسيحك، ولكن كرمال ضعاف النفوس يللي متلي ويللي معلّقين بمسيح لا عيونو زرق وشعرو أشقر وبيشبه مسيح أغلب الأفلام الهوليوديّة، ولا بيشبه مسيح أغلب وعظات الخوارنة والمطارنة والبطاركة.. مسيح بيحبّ ولكن بيعرف وين مخبّا الشرّ، عندو الوداعة ولكن كمان عندو الحكمة... مسيح بيحبّ الكلّ ولكن بيفهم ع كلّ حدا بلغتو وبعمرو وبمستوى تفكيرو... وبعتقد هيدي هيي الألوهه

الاثنين، 6 مايو 2019

فوزي سعادة وحيدًا في رحلته نحو السماء (أيّار 2019)

أنا والزميل فوزي سعادة في خلال استقبال فريق الحكمة لكرة السلّة عام 1998


هو نوّار، موسم الرحلات المدرسيّة!
هو نوّار، الشهر المريميّ الذي فيه ولدتُ!
هو نوّار، وسيّد الرحلات المدرسيّة الصاخبة، رحل بصمت وهدوء!
هو نوّار، والزميل الذي كان يفاجئني في كلّ رحلة باحتفال لعيد ميلادي، ولمّا بهت زمن الرحلات، بمعايدة هاتفيّة ما تأخّرت يومًا عن موعدها، هذا الزميل، يطفئ شمعة الحياة هنا، ليضيء لنا الطريق إلى هناك!
غابت وجوه كثيرة التقيت بها في الحكمة برازيليا: المونسنيور لويس الحلو، الخوراسقف مرسيل الحلو، الأخوان طعمة ونهاد بو جبرايل، الدكتور سليم قهوجي، يولاند عون، نيكول حاتم، وغيرهم من المربّين، فضلًا عن تلامذة في مقتبل الحياة، انقصفت أغصان حيواتهم قبل أن تعطي ثمارها الواعدة.
لكنّ غيابَ فوزي سعادة وجع من نوع آخر، هو غياب الضحكة الهازجة والسخاء الصامت، هو غياب الألوان عن صور رحلات ورحلات في بقاع لبنان وجباله وسهوله، هو اعتراف بهزيمة المرتفعات أمام الكسّارات، والأنهر أمام أنابيب الصرف الصحيّ، والأشجار أمام النفايات، والنقاء أمام التلوّث...
أحبّ فوزي تلامذته، وهم أحبّوه. والجميل أنّه لم يحبب أحدًا كما أحبّ أهله وزوجته وأولاده وأحفاده وبلدته، وكنت أسأل نفسي مذ عرفته عن سرّ هذا المخزون من العاطفة يغدقها على من حوله ولا يحرم أحدًا من صدقها وسموّها ومجّانيتها.
وأحبّ فوزي التعليم، لكنه لم يكن المعلّم التقليديّ الجامد الملقّن، بل حوّل التاريخ جلسة حوار، والجغرافيه مشهديّة رائعة، والتربية نمط حياة راقٍ.
وأحبّ فوزي لبنان، فدرّس تاريخه وجغرافيّته بكلمات العاشق لا بمصطلحات المعلّم، لذلك كانت الرحلات التثقيفيّة الترفيهيّة وسيلة لتقريب الأرض من التلامذة، ولغرس التلامذة في الأرض، ولفهم التاريخ فهمًا واعيًا ناقدًا، ما جعلنا نحن المعلّمين الذين كنا نرافقه نستفيد، كما التلامذة، من دروسه في التاريخ والجغرافية والتربية. وستبقى قلاع لبنان وآثاره ومعالمه السياحيّة والدينيّة شاهدة على أنّ في التربية، كما في الفكر والفلسفة والأدب والعلم والسياسة، كبارًا من طراز فوزي سعادة، وعظماء من طينته.
وهل الكِبر والعظمة سوى المحبّة التي من دونها نحن "صنوج ترنّ"؟ فكيف إذا اقترنت محبّة هذا المربّي بالعلم والمعرفة؟
أبكيتني يا فوزي! أبكيتني على لبنان الذي أحببناه وأردنا أن يحبّه تلامذتنا! على تراثه وأرضه وهما مهدّدان في كلّ لحظة، على تاريخه المغيّب، وجغرافيّته الشوهاء، ودروس تربية لن تعلق في ذهن تلامذة يسمعون عن الفساد ما يجعلهم يكفرون بالبلد.
لكنّي أراك، من خلال ضباب الدمع، ترشد سائق الحافلة إلى درب السماء وتضحك، تضحك كثيرًا لأنّك ترى الآن ما لم تره عين، وتسمع ما لم تسمعه أذن، ولأنّك في رحلة يخيّل إلينا نحن البشر أنّها الأخيرة.
لكنّك عرفت مذ انطلقت في رحلتك هذه أنّ السماء لا تعرف رقمًا ولا عددًا، وأن لا خاتمة لأفراحها الكثيرة و"رحلاتها" السعيدة!
لقد علّمت التاريخ يا صديقي وها أنت تدخله من باب الشرف، ودرّست جغرافيا الأرض فصار من حقّك أن تكتشف السماء، وشرحت أمثولات التربية الوطنيّة، فكنت مثال المربّي الوطنيّ الصالح!  
لست خائفة عليك يا صديقي فأنت في أمان الله! بل على مستقبل لبنان، فصلِّ من أجله!
ولست قلقة على عائلتك وقد زرعتَ فيها إيمانًا ورجاء وعلمًا وشجاعة، بل علينا جميعًا في هذا الوطن المظلوم، فادعُ له ولنا بالسلام والطمأنينة!
ولترافقك في رحلتك، وحيدًا (للمرّة الأولى) نحو الْهناك، أغنيات رحلاتنا ووجوه تلامذتنا، فلا تشعر بهباء التعليم وعقوقِه، ولتصحبك ضحكات أولادك وأحفادك فتطمئنّ إلى جهادك الحسن، واذكرني حين تجلس إلى طاولتك العامرة في مطعم السماء، رافعًا كأسك البيضاء!
في رحلة إلى إهدن - 1993

في الحكمة برازيليا - 1994

في رحلة إلى شليفا - 1993

فوزي سعادة ووالده ووحيده ألكسندر


مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.