الجمعة، 28 ديسمبر 2018

مرآة جديدة للسنة الجديدة (2009)


1 - قالت المرأة العتيقة للمرآة العتيقة: سأكسرك عند منتصف الليل الفاصل بين عامين لينكسر الشرّ الذي اختبأ فيك طيلة العام، وليكن للمرأة الجديدة مرآة جديدة في السنة الجديدة، ترى إلى وجهها فيها وتكتشف أنّ الوجه لم يعد هو نفسه لأنّ المرأة التي فيها لم تعد هي نفسها. إطار جديد ومرآة جديدة ووجه جديد للسنة الجديدة: تفتّت صورة المرأة التي كانت في المرآة القديمة تنتحب وهي تقف على أطلال عمرها تنكش الرمل وتذرف الدمع وتنتظر فلا ينبت إلاّ الشوك الجارح، توزّعت شظايا أفكارها قطعًا صغيرة مشوّهة، وتناثرت خفايا نفسها القلقة. وحين رأت إلى وجهها في المرآة الجديدة اكتشفت امرأة أخرى لا تريد إلّا أن تكون مع نفسها.
*****
2 - في ليلة رأس السنة وضعت المرأة كلّ رجل تعرفه في مكانه المناسب، واحتفلت وحدها بالعيد.
*****
3 - من يخبر الرجال أنني وجدت من تاقت إليه نفسي واشتاق إليه جسدي، فليتوّقفوا عن ادّعاءات الرجولة. فالرجل الذي أحبّه فضح سذاجة أفعالهم؟ ومن يخبر النساء أنّني وجدت من حلمت به أيّامي وانتظرته خلايا عقلي، فليمتنعن عن ادّعاءات الأنوثة، فالرجل الذي يحبّني يعرف كيف هي المرأة التي يريدها.
*****
4 - لا تدعُ أحدًا إلى حياتك إن لم يكن له مكان ووقت.
*****
5 - الأغنياء هم الذين يتسبّبون بزحمة سير خانقة خلال الأعياد، فالفقراء لا يملكون سيّارات ولا ثمن الوقود ولا ثمن الهدايا. عندما يصير الأغنياء هم الحلّ يحلّ على الأرض السلام.
*****
6 - يعود الإنسان الحديث إلى الكهوف والمغاور: يجلس في غرفته وحيدًا كما فعل الإنسان البدائيّ، يرسم على شاشة الكمبيوتر كلمات كما رسم الرجل المتوحّش على جدران المغارة صورًا، يخترع آلهة يعبدها كما فعل الإنسان الأوّل. ويحلم باليوم الذي يخرج فيه من قوقعته ويتواصل مع الآخر بلا خوف.
*****

7 - كلّ الذين يشعرون بالحزن خلال الأعياد هم الذين راهنوا على الناس ليفرحوهم، ولم يتعلّموا، على رغم التجارب والخيبات، أنّ الناس يسرقون الفرح ولا يهبونه. ويوم نتعلّم هذا الدرس نفرح في العيد الفرح الحقيقيّ الذي لا يسلبنا إيّاه أحد.
*****
8 - حين نفتح الهدايا ينتهي العيد.
*****
9 - قالت المرأة الجديدة لمرآتها الجديدة: تغيّري قدر ما شئت ولكن تذكّري أنّك لن تكوني على هذه الصورة بعد موتك بثلاثة أيّام!
*****
10 - يؤمن ذاك الرجل بالمحبّة والمتعة لأنّ كلتيهما لا تؤمن بالحصريّة.
*****
11 - ثمّة هدايا كلاسيكيّة لا تحتاج إلى تفكير وعناء كالأقلام والملابس، وثمّة هدايا هي بمثابة استثمار ماليّ مستقبلي كالمجوهرات واللوحات، وثمّة هدايا لا تدوم كالأزهار والحلويات. الكتب والتسجيلات الموسيقيّة وحدها تتطلّب دراية بالآخر ووقتًا للاختيار ولا تفقد قيمتها مع أنّها ليست ضربًا تجاريًّا مربحًا. ولذلك فالمقبلون عليها قلائل.
*****
12 - أهدت المرأة زوجها نبتة جميلة لأنّ الزاوية في المنزل خالية، وأهدى الرجل زوجته لوحة جميلة لأنّ الجدار فارغ، أمّا الحبّ الذي كان فلم يجد مكانا مع أنّ الفراغات كثيرة والأماكن الخالية باردة.
*****
13 - في البداية كانت هداياه ثمينة وجديدة، ثمّ صارت رمزيّة أو مستعملة، ثمّ صار يختار واحدة من الهدايا الكثيرة التي تقدّم إليه. وكانت النهاية. نهاية شيء جميل.
*****

14 - يحلو للناس ليلة العيد أن يرفعوا أصواتهم هازجين وأن يطلقوا المفرقعات الناريّة وأن يملأوا الدنيا صخبًا وغناء وعربدة، وأغلب الظنّ يفعلون ذلك كي لا يسمعوا أنين المرضى وصراخ المتألّمين وتنهّدات المتروكين، ولولا ذلك لما استطاع أحد أن يتابع حياته.
*****
15 - كنت مريضة فما زرتموني خوفًا من التقاط فيروس الإنفلونزا، ألم يقل الكتاب: كونوا حكماء كالحيّات؟؟
*****
16 - حذار! عكازك نفسه يمكنه أن يكون العصا التي تكسر جرّة أحلامك!
*****
17 - العواطف المهترئة والقبلات الدبقة والمواقف المجّانية أخطر من الاحتباس الحراريّ.
*****
18 - لن تكون السنة الجديدة جديدة ما لم يكن كلّ منّا إنسانًا جديدًا.
*****
* صحيفة "النهار" الثلاثاء 29 كانون الأوّل 2009

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

ضدّ النقّ المسيحيّ

مغارة الميلاد في إيليج - لبنان


عيد الميلاد عيد الفرح أكيد، هيك بشّروا الملايكة ولكن أي نوع فرح وأي نوع احتفالات، بعرف الحكي يللي بدّي قولو ما رح يفيد ولا رح يوصّل لمطرح ولكن تعوّدت إكتب ت فكّر بصوت عالي وفيكن ما تقروا ولا ينسمّ بدنكن:
1- إذا منشوف ع صفحات الفيسبوك عدد السيكار وكاسات النبيد وقناني الويسكي ومنحسب كم متر أرض بتشتري/ كنّا عرفنا ليش في خوف ع الوجود المسيحيّ
2- إذا منحسب ثمن زينة الميلاد بالبيوت ومنجمع سعر الطابات والتماثيل ومنشتري فين كم متر أرض/ كان المسيحيّ توسّع وما عاد خاف ع وجودو
3- إذا منحسب ثمن الأكل والحلويات والهدايا والتياب/ كان طلع معنا رقم خيالي بيشتري كتير من الأراضي وما بيعود المسيحي بيقدر يقول إنو في خوف ع وجودو بلبنان والشرق
4- إذا منحسب ثمن التماثيل الضخمة المرفوعة فوق التلال والجبال بهدف جذب "المؤمنين" وتنشيط السياحة الدينيّة/ كنا عرفنا إنو التوسّع بالعرض ضمانة أكبر من الارتفاع طلوع... لاحقين نطلع صوب السما
5- إذا منحسب كلفة الاحتفالات بالمناطق المسيحيّة والرسيتال والديكور والقرى الميلاديّة/ منعرف إنو بينشرى فيا كتير أراضي معروضة للبيع
6- إذا منحسب شو بيصرفوا المسافرين يللي جايين يعيّدوا مع أهلن وأكيد مع كتير نقّ وتكشير ومقارنة مع بلاد برّا، منعرف إنّو كان أريحلنا لو اشتروا أراضي يعملوها ع قياس طموحن وأحلامن...
الحكي عن التمسّك بالأرض مش شعار ولا موضة بيخلص وقتا... لاحقين ع المهرجانات والتماثيل والكنائس الفخمة... لاحقين نعمل زينة ونشرب نبيد وسيكار... خلّونا بالأوّل نضل بالأرض وبعدين منحتفل... هالحكي مش ضدّ الفرح يللي مرتبط بالميلاد، ومش ضدّ ينبسطوا الناس... ولكن ما ينقّوا ويبكوا ع وجودن بلبنان ويحطّوا الحقّ ع الكنيسة والزعما...
صور الزينة والتياب والحفلات الفاخرة صارت فاجرة بهيك وضع...خصوصا مع النق ع الوضع الاقتصادي والسياسي والفساد بالدولة... فرجاء حدّدوا الأولويّات وكونوا صادقين مع نفسكن، لأنّو التضحية كرمال الوطن ما بتكون بالروح والدم، فيا تكون بقيمة سهرة وثمن معطف فرو وحقّ قنينة عطر...
الشعوب يللي بدّها تبقى بأرضها بدها تتنازل عن شي عابر وآني ت تربح شي ثابت ودايم... والأرض هيي الثبات والضمانة وتجارب شعوب الأرض بتعلّمنا هالشي
في أحزاب وطوايف بلبنان قرّرت إنّو بدها تضل بلبنان وعم تعمل كل شي كرمال هالبقاء، اشترت أراضي وسلاح وزاد عددها وعم تعلّم ولادها فنون القتال إلى جانب العِلم وتحصيل الشهادات، وفي فئة مسيحيّة عم تركّز ع الـSavoir Vivre وتعلّم ولادها كيف بيعملوا حفلة شاي من الطراز الراقي!
القصّة قصة اختيار... ويللي بيختار ما لازم ينقّ...


الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

المقيم فيّ (النصّ العاشر من كتابي رسائل العبور - 2005)


Emile Vernon
1919 - 1872

خرج الرجل من تحت جلدي في ما يشبه الولادة المتعسّرة: في ألم وأمل!
ولكن حين امتلك هذا الكائن خصوصيّته، علمت أنّ الحبّ وحده لن يكفي للتعامل معه. بل تحتاج العلاقة إلى كثير من الحكمة والحريّة والمسافة، والقسوة أحيانًا. وعرفت، من دون أن أعرف كيف، أنّ ذاك الذي أسميته العابر احترامًا لكينونته وقدره هو المقيم المقيم. وهو الذي أدركت وجوده قبل أن يوجد. وهو الذي يجب أن أستعدّ دائمًا لمزاجيّة تحوّلاته.
ولعلّ أكثر ما يزعجني في مثل هذه التحوّلات عجزه عن الكلام حين تكون هذه اللغة هي الوحيدة المتاحة. ليس الكلام في المعنى الحرفيّ للكلمة، فنحن قد نثرثر لساعات، متناولَين تفاصيل اليوم، ومتبادلَين أحداث النهار وبدايات الليل، كلّ في مكان عمله، مع الطارئين على الحياة أو الثابتين فيها. ولكن ما أقصده هو الكلام النابع من الداخل والمعبّر عن مشاعر أو أفكار أو حاجات حميمة. كأنّما المر يحتاج إلى مزيد من الثقة بالآخر الذي هو أنا، أنا التي تشعر مرّات كثيرة أنّها الدخيلة الغريبة البعيدة المؤقّتة الهامشيّة العابرة. وهذا ما أتأكّد منه كلّما أصابه الندم بعد كلمة عميقة تفلت منه، أو عندما يطلق تعليقًا يزيل الحجب عن مكامن القلق فيه، أو عندما ينقل خبرًا كان من الأفضل ألّا يشير إليه، مع أنّ هذا الخبر يكون في أكثر الأحيان بسيطًا، عاديًّا، طبيعيًّا، متوقّعًا ومعروفًا. يصيبني عندئذ حزن غريب عمره آلاف السنين وأشعر بأنّي صغيرة وعاجزة ووحيدة، فتنكسر الأشياء والأصوات، ويغرق العالم في صمت ما قبل الصلب.
ومع ذلك فلا أعتقد أنّ هناك من هو أكثر وحدة من صديقي، هذا الذي يحبّ أن يصوّر نفسه وكأنّه أكثر الرجال شعبيّة، وقدرة على التواصل، وموهبة في التعاطي بالشأن العامّ، وذو براعة اجتماعيّة تخوّله الانسجام مع أصعب أنواع الناس.
وهذا كلّه صحيح، فلا أعتقد أنّ ساعات النهار والليل تكفي لينهي واجباته العائليّة، أو ليلبّي الدعوات الاجتماعيّة، أو ليشارك في المتاح أمامه من نشاطات فكريّة وثقافيّة. ولكنّ ذلك كلّه لم يقنعني بأنّه ليس إنسانًا وحيدًا وحزينًا. ألا يمكن أن يكون الأمر كلّه مجرّد رغبة منّي في أن أراه هكذا، كي أجد حاجة ماسّة إلى وجودي في حياة ممتلئة أساسًا بناس كثر، حتّى أنّي أتساءل إن كان غيابي أو حضوري سيشكّلان فرقًا.
منذ زمن بعيد وأنا اشعر بأنّ ثمّة رجلًا يقيم تحت جلدي ولا يشبه رجلًا آخر. وعندما التقيت صديقي وجهًا لوجه وأحببته كما هو، اكتشفت أنّه يشبه الرجل الذي أحبّ أن أكونه.

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

راجعون راجعون راجعون (2010)

فاريّا
فقرا


جبيل

المسيحيّون المشرقيّون راجعون/ راجعون، وإن رحلوا أفراداً وجماعات/ راجعون، وإن تشتّتوا في شتّى أصقاع الأرض/ راجعون، وإن شرّدتهم خلافاتهم وانقساماتهم أو مزقتهم رصاصات الغدر وقنابل الحقد/ راجعون، وإن حوصروا في المدارس والبيوت أو بيعوا في أسواق المكاسب الدوليّة/ راجعون، وإن أخرس الظلاميّون أجراس كنائسهم وأحرقوا أيقوناتهم ومزّقوا أناجيلهم/ راجعون، مهما طال الزمن وبعدت المسافات وطُمست أمامهم معالم الطريق وسُدّت في وجوههم البحار وأُغلقت السماء/ راجعون، إلى فلسطين ولبنان والعراق وسوريا ومصر والأردن، ليملأوا الأرض غنًى وتنوّعاً بعدما حلّ عليها رماد الجهل.
مسيحيّو الشرق راجعون/ لأنّ المشرق العربيّ من دونهم سيغرق في رتابة اللون الواحد، وسينزف حتّى الموت من جرّاء صراعات مذهبيّة لن تصل إلى ذروتها إلاّ في غيابهم/ فمتى زال الوجود المسيحيّ تقاتلت المذاهب الإسلاميّة حتّى آخر مسلم/ فبعد المسيحيّين سيأتي حتمًا (سبق أن راح مسلمون كثر ضحايا أفكارهم التقدميّة) دور المسلمين الحقيقيّين، والمسلمين المنفتحين، والمسلمين المتعلّمين، والمسلمين المثقّفين، والمسلمين الواعين، والمسلمين المتحرّرين، والمسلمين المحبّين/ وبعدهم سيكون دور المسلمين الأقلّ تعصّباً والأقلّ تطرّفاً والأقلّ أصوليّة والأقلّ إجرامًا والأقلّ شراسة والأقلّ حقداً والأقلّ جهلاً/. وبعد المسيحيّين وكلّ هؤلاء المسلمين، سيكون دور الأطفال المسلمين إن ضحكوا، والنساء المسلمات أن تكلّمن، والعصافير إن زقزقت، والأزهار إن تفتّحت، والشمس إن أشرقت، والأمطار إن سقطت، والكواكب إن أنارت السماء/. بعد المسيحيّين وكلّ هؤلاء المسلمين ستنتحر الحجارة برمي نفسها من أعالي الجبال خجلاً، وستغرق الرمال في البحار قرفًا، وستخشى وريقات الأغصان من الإتيان بحركة ولو تسلّلت الريح خلسة لتسألها عن حالها، وسيذوب الثلج حزنًا، ولن تجرؤ أعشاب الأرض على أن تطلّ برأسها فوق التراب، وستجهض الأشجار ثمارها قبل أن تطالها يد الإجرام، وستغور مياه الأنهار كي لا تبرّد غليل الحقد.
بعد المسيحيّين/ ستضيق السجون بأصحاب الأحلام، وحملة الأقلام، وطارحي الأسئلة وجامعي الكتب/ وستكون الموسيقى الوحيدة المسموح بها هي عويل الثكالى ونواح الأرامل وبكاء الرضّع، وسيشكّل الناس القابعون أمام بيوتهم المخلّعة الأبواب في انتظار الخلاص لوحاتٍ لم تخطر على بال فنّان، بعيونهم المطفأة وأيديهم المبتورة وأفواههم التي خلت من الألسنة والأسنان. بعد المسيحيّين سيأتي دور المرضى والعجزة والمعوّقين والمثليي الجنسيّة والزوجات اللواتي يمارسن الجنس مع أزواجهن، وستصدر فتاوى وفتاوى مضادة، وسيسجّل المشرق العربيّ أرقامًا قياسيّة في أطول لحية وأسمك برقع وأقوى تفجير وأكبر عدد من القتلى وأسرع انهيار وأسوأ مصير وأضخم محرقة لكتب وشرائط أفلام وموسيقى وأشرس معارك بين أبناء طائفة واحدة/. فبعد المسيحيّين لن يكون هناك شعر ورواية ومسرح وسينما ورسم ونحت ورقص وموسيقى. لن يكون هناك إلاّ أفلام إعلانيّة تدعو إلى القتل وأفلام توثيقيّة يودّع فيها الانتحاريّون إخوة السلاح.
المسيحيّون راجعون لا في حروب صليبيّة أساءت إليهم أكثر ممّا أساءت إلى سواهم، ولا بدعم خارجيّ من دول تستغلّهم لتحقيق مطامعها، بل لأنّ رسالتهم هي أن يكونوا ملح هذه الأرض، ولأنّ الناجين من المسلمين الحقيقيّين والمنفتحين والمتعلّمين المتنوّرين والمثقّفين والواعين والمتحرّرين سيرحلون خلفهم إلى حيث يجدون مكانًا لفكرهم، ولأنّهم يعرفون أنّ المسيحيّين العرب ليسوا طارئين وليسوا غرباء وليسوا ضيوفًا وليسوا عابرين وليسوا محتّلين وليسوا كافرين، ولأنّهم معاً سيعودون نحو الشرق ليحرّروه من المغتصبين والأصوليّين والطغاة. المسيحيّون الحقيقيّون والمسلمون الحقيقيّون راجعون، لا ليتحاوروا في الدين، لأنّهم تعلّموا أنّ الحوار في الفكر هو الأهمّ، ولا ليقيموا مهرجانات العودة، لأنّهم تعلّموا أنّ الزرع يسبق الاحتفال بمواسم القطاف والحصاد، ولا ليؤسّسوا دويلات طائفيّة، فهم تعلّموا أنّ العيش الكريم هو الهدف وليس التعايش الخبيث، ولا ليقرّروا نسيان الماضي بل ليتذكّروه ويتعلّموا منه ويعلّموا أبناءهم أهمّ دروسه، وهو أنّ الفقر والجهل عرّابا الأصوليّة والعمالة.
المسيحيّون راجعون راجعون راجعون لأنّ حركة التاريخ لا تهدأ ولا تعرف الثبات، ولأنّ المجتمعات قادرة على مداواة جراحها لا الاكتفاء بلعقها، وعلى تجديد مياه الحياة فيها لا الغرق في أسن أقذارها، وعلى نفض الغبار عن مشاريع إنمائها لا الوقوف على أطلال مجدها الغابر. نعم، المسيحيّون المشرقيّون راجعون إلى إيمانهم وأصالتهم وتراثهم ودورهم وحريّتهم ومعتقدهم الواحد وإلى الأرض التي تنتظرهم وإن كان المخاض عسيراً.
المسيحيّون راجعون وكنت أتمنّى أن أكتب: المسيحيّون هنا حيث حضارتهم وفكرهم ولغتهم، إلاّ أنّ الوقت حان لنسمّي الأشياء بأسمائها.
*****
جريدة النهار - الثلاثاء - 9 تشرين الثاني 2010

الأحد، 23 ديسمبر 2018

الطفل يسوع والرجل المسيح





وقف المسيح الرجل على باب المغارة وخاطب الطفل يسوع من دون أن ينبس بكلمة:

هنيئًا لك يا أيّها الصغير الذي هو أنا

الذي هو أنت
الذي هو هو
هنيئًا لك
أحضروا إليك الليلة الهدايا والطعام
أمّا أنا فيحملون إليّ كلّ يوم الوجع والجوع
ويلقون على كتفي كلّ ليلة آلامهم لأحملها عنهم
وفي كلّ لحظة يضعون بين يديّ مرضاهم لأشفيهم
استمتعْ بما أنت فيه يا وحيد أمّك
فالرعيان أطيب قلبًا من جنود الاحتلال
والعلماء أبعد نظرًا من الحكّام
والخراف أكثر وداعة من خيول العسكر
والمغارة الصغيرة أكثر أمنًا من القصر الفخم
وترانيم الملائكة أعذب من صراخ الجماهير
والقشّ غير الشوك
كلْ ونمْ يا ابن أبيك
واترك لي عندما تكبر أقمطتك لأستر بها عريي على الصليب
افتح عينيك يا طفل السماء واستمتع بالوداعة في عيون زائريك
فغدًا لن ترى إلاّ نظرات السخريّة والشماتة والحقد
احمل سريرك وامش يا من تحمله الملائكة
فغدًا ستحمل صليب العار
اشربْ حليب أمّك يا خبز الحياة 
فغدًا سيسقونك الخلّ لعلّك تنسى خمرة الفصح
ماذا ستفعل بذهب المجوسيّ

يا من لا تعني كنوز الأرض لطفولته شيئًا
ويا من سيباع بالفضّة؟
ألن يكون التاج من شوك؟
ما حاجتك إلى اللبان يا مصدر العطر العذب
فالرائحة ستفوح من الدم النازف؟
وماذا يخيفك في المرّ 
يا من لا يحتاج إلى حنوط الموتى لأنّه هو الحياة؟

يد أمّك تداعب رأسك الصغير تنسيني آثار الإكليل في رأسي
ويد يوسف تمسك بيدك تبلسم في يدي جرح المسمار
وتسابُقُ أولاد الرعاة لحملك يذكّرني بسمعان القيروانيّ الذي ساقوه إلى حمل الصليب معي
بعدما تنكّر لي سمعان الصخرة
هل تعرف من أنت يا كلمة صار جسدًا كما أعرف من أنا؟
هل تستطيع أن تصنع الأعاجيب مثلي أم أنت في حدّ ذاتك أعجوبة السماء على الأرض؟
بعد أكثر من ألفي سنة يا صغيري الذي هو أنا، ستبقى صغيرًا

لا بل ستكون أصغر من كلّ الذين حولك
وأصغر من الطابات الملّونة المعلّقة فوق رأسك
وأصغر من الخروف والنجمة والملاك
فتكاد أمّك تصرخ بالناس:
شذّبوا أغصان شجرة الميلاد كي لا تخفي باب المغارة!

أنت الآن، وستبقى، بحجم حبّة القمح التي زرعتَها 
عجوز فقيرة في صحن فخّار عتيق ليلة عيد،
ومثلها جميل وكلّك حياة وخصب وعطاء
ومع ذلك فأنا أحسدك
لأنّ الناس يتسابقون لتحضير مكان ولادتك
أمّا أنا فيتسابقون لإعداد صليبي
كلّ ذلك لأنّك أنت لا تتكلّم
ولأنّني بالحقّ نطقت

دعني أنم إلى جانبك يا طفلاً صار أنا
ولم يكن يعي أنّه يعرف
فمشوارنا بدءًا من الليلة سيكون طويلاً
لكنّك لن تكون وحيدًا يا صديقي
فأنا معك إلى منتهى الدهور
لتنمو بالقامة والحكمة التي تلي الألم
أراك منذ الآن تلعب مع أترابك
وتلهو مع أولاد الجيران
وتعود إلى البيت لتطرح على أمّك الأسئلة الصعبة
فتنظر المرأة إلى يوسف طالبة منه المساعدة
فيلتفت إليك النجّار الطيّب ويقول: 
عدْ إلى اللعب الآن، وستجد الأجوبة من تلقاء نفسك

وبالفعل سيحصل ذلك ليلة ذهابك إلى الهيكل

وأنت في الثانية عشرة من عمرك
تلك الليلة بكيت ولم يكن معك سواي
سالت دموعك كما في بستان الزيتون
ومن خلال حجاب الدمع رأيتني للمرّة الأولى ولم تُفاجأ
ولم تهرب ولم تغمض عينيك
تركت دموعك تنسكب بصمت
وأنت تكتشف دمعة بعد دمعة من أنت ومن أنا
تنظر إلى المغارة وترى ولادتك
وتنظر إلى المغارة وترى قيامتك
وتتمنّى لو كان في إمكانك 
ألاّ ترى مسيرة الجلجلة التي امتدّت بينهما...

في تلك الليلة التي لا أحد يعلم بشأنها إلاّ الآب
عرفت ماذا ينتظرك فخفت
وطلبت منّي أن أُبعد هذه الكأس
فأجبتك: ولكنّي لأجل هذا أتيت
سألتني إن كانت الجراح تؤلم
قلت لك: المعاناة تؤلم أكثر
سألتني إن كان النزف سيتواصل
قلت لك: إلى أن تصير الأرض سماء
سألتني: هل الموت مخيف؟ 
قلت لك: ليس لمن يحبّ
سألتني: لماذا أنا؟ 
قلت لك: لأنّك الكلمة
***
صحيفة النهار - الثلاثاء 21 كانون الأوّل 2010

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

يوم اللغة العربيّة 18 كانون الأوّل 2018



في يوم اللغة العربيّة:
أكثر الذين يدّعون عشقها كاذبون
أكثر الذين يعلّمونها أميّون
أكثر الذين يكتبونها مقلّدون مجترّون
الذين يقرأونها ينقرضون
الذين يتعلّمونها مشمئزّون
الذين يحاولون إحياءها ضائعون بين أصوليّة إملائها ولبنانيّة سعيد عقلها...
***
في يوم اللغة العربيّة:
ليس بين الرؤساء والزعماء والقادة خطيب مفوّه كالرئيس بشارة الخوري والياس ربابي وإدمون رزق...
ليس بين الصحافيّين أديب على مثال توفيق يوسف عوّاد وإميلي نصرالله وغسّان تويني وطلال سلمان وسمير عطاالله وشاعر من طراز شوقي أبي شقرا وأنسي الحاج، وإعلاميّ من طينة إيلي صليبي وعادل مالك...
ليس بين المسرحيّين نضال الأشقر وكميل سلامه ومروان نجّار...
***
في يوم اللغة العربيّة:
نتذكّر معارض كتب سبقت الانقسام الطائفيّ بين معرض ذي حالة إسلاميّة طاغية وآخر ذي مسحة مسيحيّّة ظاهرة.
ونبحث عن مدارس تسأل الأهل في امتحان القبول إن كان أطفالهم يعرفون الأحرف والأرقام والألوان والأشكال الهندسيّة باللغة العربيّة لا الأجنبيّة... وعن مدارس لا تعاقب التلميذ إن نطق بالعربيّة خرج حصصها القليلة، وعن مدارس تُبرز مسؤولي اللغة العربيّة فيها بلا منّة أو مسايرة ولا تسمح لألسنة لأهل المتفرنجين والمدراء الأغبياء بالتبرّز على نتاجهم وعطاءاتهم... وعن مدارس حين نتصفّح مواقعها الإلكترونيّة لا نرى سوى صور لحفلات دينيّة وأنشطة رياضيّة وسهرات اجتماعيّة وملاعب أكبر من المكتبات، وصالات أكل أفخم من الصفوف، ورحلات سياحيّة أكثر من القراءات الشعريّة...
***
في يوم اللغة العربيّة تكتب المقالات وتقام مجالس العزاء، لكنّ الميت (قتلًا) عجوز مريض مقعد مشلول خرِف (بعدما عجّزوه وأقعدوه وشلّوا حركته)، والندّابين ينتقلون من مأتم إلى آخر يقدّمون واجب المواساة من دون دمعة صادقة أو حُرقة حقيقيّة أو حزن معد...
***
في يوم اللغة العربيّة، وهو الأخير لي وأنا في مجال التربية، أعلن ندمي على اختيار التعليم وعلى اختيار الكتابة... وأسفي لأنّي وضعت لآلئ قليلة ورثتها أمام من داس عليها وطمرها في الوحل والقذارة...
ومع ذلك أعترف بأسفي على مشاريع كثيرة وأفكار مجنونة وأحلام كبيرة ستبقى في البال إلى أن تجد فسحة إبداع وحريّة وشجاعة...
***
هل أكتب بمرارة وسخط؟
نعم بمرارة وسخط... وأنا أرى إلى الصدور المعلّق فوقها أوسمة باسم التربية وفيها قلوب لا تعرف الرحمة... وأنظر إلى الصورة الإعلاميّة المبهرجة لمدارس مهرّجة... واللائحة تطول...


الاثنين، 17 ديسمبر 2018

أجواء ميلاديّة -2 : شجرة الميلاد (2010)

من احتفالات عيد الميلاد في القدس

أيّة شجرة ميلاد هي الأجمل؟
هل هي ذات الزينة المنطبعة بلون الحزب أو التيّار؟ أم هي تلك المملوءة فراشات؟ أم هي تلك التي توزّعت على أغصانها الخضراء البلا حياة عصافير بلا أصوات؟ أم هي تلك التي ارتدت حلّة زهريّة لأنّ فتاة صغيرة ولدت للعائلة؟ أم هي تلك الذهبيّة المشعّة كعرش ملك أعجميّ؟
يتنافس الناس بين بعضهم وينافس كلّ واحد نفسه. إذ لا يجوز أن تشبه زينة الشجرة تلك التي عند الجيران ولا تلك التي استعملت العام الفائت. فالواجب الدينيّ يقضي (على ما يبدو) بأن يكلّف المرء نفسه أكثر من طاقته كي تصير الشجرة هي الهدف في حدّ ذاته، إلاّ إذا اعتبرناها وسيلة ولكن لكي تتيح لصانعها أن يتباهى بها أمام جيرانه وأصدقائه وعائلته.
ومصمّمو شجرات الميلاد مصمّمون كذلك على تحدّي أنفسهم، فلا يجوز أن تستعاد الزينة بين عام وآخر أو أن تتشابه وإلاّ اعتُبر الأمر إهانة لمستوى العائلة الاجتماعيّ، وإهانة لذكاء المصمّم وإبداعه.
الطابة الواحدة أيًّا يكن لونها أغلى من ثمن الخبز طيلة الأسبوع.
النجمة فوق الشجرة أغلى من كيلو بندورة.
الملاك المبشّر الجميل فوق المغارة أغلى قنينة غاز.
الخروف على باب المغارة أغلى من كيلو اللحم.
الطفل يسوع في مزوده الصغير أغلى من غطاء صوف لطفل لا حيوان يمنحه الدفء.
ولكن ما يلفت الانتباه في موضوع هذا السباق لتأمين أجمل شجرة للعيد هو أنّ المسيح الرجل ينظر إلى المسيح الطفل ويقول له: هنيئًا لك، يتسابقون لتحضير مكان ولادتك لأنّك لا تتكلّم، أمّا أنا فيتسابقون لإعداد صليبي لأنّني بالحقّ نطقت.

الأحد، 9 ديسمبر 2018

متى الغفران المسيحيّ؟ (2009) - (من سلسلة الموارنة مرّوا من هنا)

منحوتة من خشب الأرز للفنّان رودي رحمة - غابة الأرز - لبنان


أربعة أسباب قد تدفع زعيمًا لبنانيًّا لمصالحة عدوّه أكان هذا العدو شخصًا أم دولة:

السبب الأوّل: الرغبة في الغفران والتعالي فوق الإساءة مهما كان حجمها، وهذان الأمران ينبعان من التزام دينيّ يجعل الإنسان الملتزم في داخل هذا الزعيم يتصرّف بوحي إيمانه وانسجامًا مع التزامه.

السبب الثاني: وضع مصلحة الطائفة التي ينتمي إليها هذا الزعيم – وما من زعيم لبنانيّ لا يمثّل طائفة – فوق كلّ اعتبار، وهذا يعني تخطّي المشاعر الشخصيّة والاعتبارات الذاتيّة من اجل إنقاذ الطائفة من تداعيات هذه العداوة.

السبب الثالث: وضع مصلحة البلد في سلّم أولويّات هذا الزعيم، فينسى (أو لعلّه يتناسى) حقده وغضبه، ويترفّع عن الثأر الشخصيّ (أو لعلّه يؤجّله) إذا كان في ذلك خلاص الوطن.

أمّا السبب الرابع فيكمن في طبيعة بشريّة لا يتخطّاها إلاّ القدّيسون والأبطال الشهداء وهو الخوف على الذات من مصير قاتم ينتظر هذا الزعيم إن استمرّ على عدائه شخصًا أو دولة لا قدرة له على الانتصار عليهما. فأيّ سبب من هذه الأسباب جعل الزعيمين اللبنانيين وليد جنبلاط وسعد الحريري يعلنان استعدادهما لزيارة سوريا متى سمحت الظروف؟ فالزعيمان المذكوران لا يزالان يعتبران أنّ النظام السوريّ مسؤول عن مقتل والد كلّ منهما، وأنّ كمال جنبلاط ورفيق الحريري راحا ضحيّتي النفوذ السوريّ والرغبة في الهيمنة على لبنان. ومع ذلك يعلنان أنّ لبنان لا يستطيع الاستمرار في عدائه للجارة الشقيقة.

فإذا كان الغفران المنبثق من التزام دينيّ هو الذي يجعل هذين الزعيمين يتخطّيان اغتيال والد كلّ منهما، فلماذا لا يتعلّم الزعماء المسيحيّون الغفران منهما بعدما عجز دينهم المسيحيّ القائم على الغفران عن تعليمهم ذلك؟ وإذا كانت مصلحة الطائفتين الدرزيّة والسنيّة تفرض على زعيميهما تناسي الماضي والارتفاع فوق مآسيه لإعلان عهد جديد من العلاقات السياسيّة مع دولة مجاورة هي امتداد لطائفتيهما، فلماذا لم يتعلّم زعماؤنا المسيحيّون ذلك من العهد الجديد في إنجيلنا، وفيه دعوة كي نكون حكماء كالحيّات وودعاء كالحمام؟ وإذا كانت مصلحة البلد كما يعبّر الزعيمان الدرزي والسنيّ تقضي بمصالحة سوريا، فلماذا لا يتّعظ زعماؤنا المسيحيّون الحريصون على مصلحة البلد كما يعلنون في كلّ مناسبة ويصالح الواحد منهم أخاه قبل أن يقدّم قربانه على مذبح الربّ، وبدل أن يحوّلوا البلد أضحية على مذبح أنانيّاتهم؟ أمّا إذا كان الزعيمان اللبنانيّان خائفين على نفسيهما ومصير زعامتهما، وهما اللذان يتمتّعان بوحدة طائفتيهما المتكتّلتين حولهما وباتصالات عربيّة وعالميّة تجعلهما مطمئنّين ولو إلى حين إلى إمكان تأجيل أيّ حكم بحقّهما، فهل يعني ذلك أنّ زعماءنا المسيحيّين لا يزالون مقتنعين بأنّ مسيحيي لبنان لا يزالون محور اهتمام العالم وأنّ شعرة من رؤوسهم لن تسقط كي لا يسقط استقرار المنطقة وأنّ لبنان لا يطير إلاّ بجناحيه المسيحيّ والمسلم وأنّ الله لن يتخلّى عن كنيسته ولو تخلّوا هم عنها؟

المسيحيّون في لبنان يحسدون أبناء الطوائف الأخرى على زعمائهم: يحسدون الطائفة الشيعيّة على نبيه برّي، رجل السياسة، الذي كسر نظام الجامعة اليسوعيّة وحقّق لفتاة متفوّقة تستحقّ كلّ تكريم ومساعدة في تحقيق حلمها في الدراسة الجامعيّة، وعلى تكامله مع السيّد حسن نصر الله الذي يملك الذراع العسكريّة التي لا تلوى؛ ويحسدون الطائفة السنيّة على سعد الحريريّ الذي وضع ثروته في خدمة أبناء الطائفة، وبعلاقاته الدوليّة والعربيّة وفّر لهم غطاء يحميهم من تقلّبات الطقس السياسيّ؛ ويحسدون الطائفة الدرزيّة على وليد جنبلاط المدعوم من مشايخ الطائفة، والذي يعرف متى يزور الأمير طلال أرسلان ومتى يستقبل وئام وهّاب. أمّا المسيحيّون، الموارنة تحديدًا الذين يفوق عدد قادتهم الروحيّين والزمنيّين عدد الأتباع، فما عادوا ينتظرون من زعمائهم إلاّ المجازر العسكريّة بهدف توحيد السلاح، وتضييع الهويّة بحجّة الانفتاح مرّة على الشرق ومرّة على الغرب، و"الزحفطونيّة" من اجل الوصول إلى أقرب كرسي.
***
النهار - الأربعاء 22 تمّوز 2009

السبت، 24 نوفمبر 2018

النّاقد أصدرت عددها ال 84 والوداع



النّاقد أصدرت عددها ال 84 والوداع
رياض الرّيّس: لا بكائيّة وإقرار بالتّعب

عدد أخير من مجلّة "النّاقد" صدر أمس في بيروت ليطوي سبع سنوات من عمرها، حمل الرّقم 84 (حزيران 1995). وقبل العناوين كتب ناشرها رياض الرّيّس تحت عنوان "وفي السّنة السّابعة استراح" ما نجاريه فيه وهو إن لا رثاء ولا وقوف على تجربة، بل تأمّلات وأمثولة أشياء جميلة حين تموت:
"كلّ الأشياء الجميلة لا بدّ لها من نهاية. و"النّاقد" واحد من هذه الأشياء الجميلة.
بهذا العدد تودّع "النّاقد" قرّاءها وكتّابها، بعد سبع سنوات سمان كاملة، كانت حافلة بكلّ ما هو راق وخلّاق ومثير للقلق، وحافز للمواهب ومستفزّ للعواطف، ومحرّض على الجدل، ومتحدّ لقمع أي قلم، والدّاعي إلى روابط الصّداقة الثّقافيّة بين كلّ مبدع وصاحب رأي، المعادي للحجر على الأقلام والآراء، المتصدّي لأي مصادرة وكلّ رقابة.
و"النّاقد" الّتي صدرت سبع سنوات كاملة، على امتداد 84 شهرًا واتساع 84 عددًا وحملت أسماء 1063 كاتبًا من 19 بلدًا عربيًّا و159 فنّانًا ورسّامًا من كلّ قطر عربيّ وراجعت نقديًّا 623 كتابًا، لم تتوقّف أو تحتجب فيها شهرًا واحدًا أو تتأخّر عددًا واحدًا، حرصت على الصّدور بانتظام لا سابقة له بين المجلّات الثّقافيّة في العالم، وعلى الاستمرار تحت كلّ الظّروف ورغم كلّ الصّعوبات، ماليّة أو سياسيّة أو رقابيّة أو اغترابيّة (...).
بهذا العدد الأخير من سنتها السّابعة، تريد "النّاقد" أن تأخذ نفسًا طويلًا، وتستريح. تريد أن تعيد تنظيم صفوفها وتقييم تجربتها ومراجعة حساباتها، سعيًا وراء صيغة جديدة، في الشّكل الصّحافيّ والمضمون الثّقافيّ والتّوجّه السّياسيّ، تتناسب مع المتغيّرات الثّقافيّة والسّياسيّة والفكريّة الّتي تواجه العالم العربيّ، الّتي تحمل في جوانبها كلّ ما هو مقلق على المصير العربيّ، أمة وثقافة وكيانًا. صيغة تستطيع من خلالها أن تتصدّى وهي على أبواب القرن الحادي والعشرين، لجحافل الظّلام الزّاحفة إليها بألف هويّة مزوّرة وتحت ألف ادّعاء كاذب ومن ألف اتّجاه مغاير، لتلغي شخصيّة هذه الأمّة وتزوّر تاريخها وتشوّه نضالها وتقضي على أحلامها وتئد طموحاتها، تارة بالسّلام وتارة تحت راية التّطبيع، وطورًا باسم النّظام العالميّ الجديد وشرق اوسطيّته – ودائمًا باسم الدّين.
من أجل هذا كلّه، اختارت "النّاقد" عن وعي أن تغيب عن قرّائها وكتّابها. لذا لن تدخل "النّاقد" في بكائيّة على فراقهم. ولن تدخل في لزوم ما لا يلزم في تفسير أسباب هذا التّوقّف، سوى الإقرار إنّ مظاهر التّعب والتّململ قد بدأت تلوح على صفحاتها، وإنّها في حاجة إلى التّواري والانكفاء لفترة زمنيّة قد تطول أو تقصر، تستطيع في غضونها أن ترتّب أوضاع بيتها، حتّى لا تتعرّض للتّشوّه والابتذال، ولتحافظ على أهمّ ما عندها: جرأتها واستقلاليّتها وديموقراطيّتها وعروبتها وعلمانيّتها. وبهذه الأقانيم الخمسة تؤكّد صيرورتها واستمراريتها.
إنّ هذا العدد ليس آخر صيحة لها في وادي الثّقافة العربيّة. وأسباب غيابها اليوم، لا تختلف كثيرًا عن الأسباب الّتي كانت المسوّغ لصدورها واستمرارها. وإن كان ل"النّاقد" أن تزهو في ختام مسيرتها الحاليّة، فلا شيء جدير بأن تزهو به مثل نجاحها في تصدّيها الدّائم للقوى الّتي تستميت في الدّفاع عن التّخلّف وقيمه. وإن كان لها أن تتباهى، فهو إنّها كانت في زمن الرّدّة، أرضًا حرّة في أوطان مختصة بصنع الأغلال وتفريخ المروّجين لها.
وإذا حظيت "النّاقد" بثقة المبدعين العرب، من قرّاء وكتّاب، وخاصّة الأجيال الجديدة منهم، فلأنّها كانت مجلّة مضيئة في عصر الظّلمات.
اللّهم هبنا حسن الختام".
وفي هذا العدد الأخير كتب في المقال: أنسي الحاج، أنيس صايغ، يحيى أبو زكريّا، زياد منى، حسن حنفي، عبد الواحد لؤلؤة، سليم مطر كامل، فاضل الرّبيعي، عبدالله أبو حيف، نوال السّعداوي، يوسف بزي، يحيى جابر، ورسالة من ابرهيم سلامة إلى محمود درويش،
في الشّعر: فاضل العزّاوي، شوقي بغدادي، صلاح حسن، سامر أبو حواش.
في القصّة: محمد زفاف، صالح القاسم، مصطفى الحاج حسين، مصطفى نصر، كفايتي سعيد.
في النّقد: علي محافظة، عماد العبدالله، محمود حيدر، جورج طراد، ابرهيم محمود، جلال خوري، صباح الخرّاط زوين، ابرهيم صموئيل، مي م. الرّيحاني، كريم أبو حلاوة وعلي ديوب، ميرفت سيوفي، أحمد بزون، خالد زيادة، سلمان زين الدّين.
في الأبواب والزّوايا: رياض نجيب الرّيّس، محمّد كمال اللّبواتي، ثائر دوري، مأمون صافيا، طلال شاهين، رضوان أبو فخر، أحمد نزار صالح، حسام أسعد، خيريّة السّقّة، ديزي الأمير. إلى قائمة للكتّاب والفنّانين في "النّاقد" في سبع سنوات، وفهرس للسّنة السّابعة.
الغلاف بدفتيه صور ل 24 غلافًا من المجلّة، والرّسوم من فادي يازجي، محمود حسو، باسم الرّسّام، أسامة المعلا، كريم الحاج، ميسون صقر، سعد حاجو، محمّد نصراللّه، سحر برهان، كاظم خليل، أكرم القطريب وريم الجندي.
مي م. الريحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" الثّلثاء 20 حزيران 1995

رشيد الضّعيف إلى كواباتا: إلى أين يصل الأمر الذّاتيّ؟ (1995)



رشيد الضّعيف إلى كواباتا: إلى أين يصل الأمر الذّاتيّ؟
يقول رشيد الضّعيف في الصّفحة 184 من كتابه: "عزيزي السّيّد كواباتا". (1): "لماذا أبدو كأنّني بريء زجّ به في غابة من الدّم والظّلم والتّدمير؟
ألأنّ الاتّحاد السّوفياتي انهار، واختفى أفق الأحزاب الشّيوعيّة".
هل كان علينا أن ننتظر ذاك الانهيار واختفاء ذلك الأفق حتّى نقرأ كتابًا لرشيد الضّعيف عن رشيد الضّعيف؟ سؤال مفروض على من يقرأ هذه السّيرة الذّاتيّة في رسالة طويلة إلى السّيّد ياسوناري كواباتا (نال جائزة نوبل للآداب في 1968).
لا شكّ في إنّ هذا التّغير في النّظام العالميّ الجديد يلف بقسوة وقوّة جيلًا كاملًا من الأدباء والفنّانين، وخاصّة بعد أن وجد هؤلاء أنفسهم أمام مشكلات معلّقة لم تجد لها حلولًا بعد. ولذلك بدأنا نقع على كتابات عديدة عن هذه المرحلة من التّجارب الحزبيّة، وفيها محاولة لفهم ما حدث كما فيها الكثير من النّقد الذّاتيّ. والأكيد إنّ رشيد الضّعيف وضع ـ للمرّة الأولى ربّما ـ أمام المرآة الّتي تعكس صورته وحيدًا، دون خلفيّة اجتماعيّة وعاد إلى هذا المفرد وجوده كإنسان بمعزل عن الدّور الحزبيّ الّذي يقوم به.
يقول الكاتب في الصّفحة 151 عن لسان من كان مثاله الأعلى في الحزب: "إنّه يلزمنا وقت طويل بعد، لنستطيع تصفية حساباتنا مع وعينا البورجوازي الصّغير. قالها بالجمع، لأنّ الفرد ليس شيئًا يذكر، ليس سوى شبكة من العلاقات الاجتماعيّة".
نعم، هذا الفرد لم يكن شيئًا يذكر، ولكن اللّقاء الّذي تمّ صدفة في شارع الحمراء، بين رشيد الضّعيف وهذا المناضل السّابق سيغيّر المقولة: "كان يسير رافعًا رأسه، قليلًا، ينظر إلى البعيد، يمسك بيديه الاثنين سبحة على مستوى أعلى بطنه. وقامته تستقيم على رغم كرش صغير، وشاربه أكثر سوادًا من شعر رأسه الّذي ابيضّ كلّه. ولحية محلوقة بتأنٍّ فائق.
كان لحظتها بالتّأكيد لا يزال خارجًا من عند الحلّاق، وأشيك ما فيه بدلته... بدلة ما زالت خارجة من المصبغة، مكويّة لمناسبة نادرة.
ويبتسم.
كأنّ شيئًا لم يكن.
يبتسم خفيفًا خفيفًا، ويشخص إلى الأمام، في البعيد، فوق رؤوس النّاس بقليل، كأنّه في حذر دائم من أن تفاجئه كاميرا التّاريخ، في هيئة غير تاريخيّة، فتنقل للأجيال صورة مشوّهة عنه"(ص 186).
ويتابع الكاتب: "كأنّه بريء من هذا الزّلزال الّذي دام خمسة عشر عامًا. كأنّه لم يردّد أبدًا في محاضراته وخطاباته في كلّ المناسبات، وفي المقاتلين خاصّة بأنّه "ممنوع علينا الهزيمة" وبأنّنا "مجبورون على النّصر". وبلغت به الوقاحة إلى حدّ صار يفاخر في ما بعد، بعدما استقال من نشاطه الحزبيّ، بنظافة كفّه من أي نقطة دم". (ص 187).
هذه الإدانة للرّموز الحزبيّة ما كانت لتكون بهذه القسوة لولا انهيار المتّكأ الّذي كان هو الأمان والطّمأنينة، وبسقوطه كشف الكثير من الخداع. يصرخ الضّعيف ويقول: "أكرهه يا سيّد كواباتا" ولا يسمّيه بالاسم، لأنّه أوّلًا رمز لكثيرين و"لأنّنا عندنا لا نذكر اسماء أعدائنا". (ص 7).
سقط نظام وحلّ نظام جديد إذن، والمعترضون كثيرون، فلماذا لم ينتحر أحد منهم كما فعل كواباتا؟
ياسوناري كواباتا، أديب ياباني ينتمي إلى جيل ما قبل الحرب العالميّة الأخيرة، نال جائزة نوبل للآداب في 1968 ، وانتحر في 1972 بعد محاولات فاشلة عديدة، وهو الشّخصيّة الّتي يتوجّه إليها رشيد الضّعيف في رسالة طويلة. ويبرّر الضّعيف اختياره هذا بقوله: "أنا متأكّد من إنّك لا ترى في النّدرة ما يدعو إلى الرّيبة، بخلاف آخرين كثيرين، فلذلك وقع اختياري عليك" (ص9).
ويعود في الصّفحة 18 ويقول له: "وها أنذا أمسك بيديك لأريك أنحاء الوطن خاصّة إنّني أحببت اسمك كما بلغنا نحن العرب، فأصواته في لغتنا هينة، بسيطة، سيّالة، توحي الألفة. ثمّ ألست أنت الّذي كتبت رواية المعلّم، حيث انعصر قلبي، من شدّة ما تعاطفت مع المعلّم العجوز الّذي أحببت أن أرى في طريقته في اللّعب، حكمة اليابان وتاريخها العريق (أقصد القديم)... ثمّ تمنّيت أن أؤلّف مثلك رواية أتكلّم فيها عبر حدث عاديّ عن الصّدام بين هواء العصر، أقصد الحداثة المتحدّية المنذرة، وأهل الأرض، أقصد التّقليد" (ص18).
ولكن، ألا أسباب أخرى وراء هذا الاختيار؟ إنّ كواباتا من جيل ما قبل الحرب العالميّة الثّانية، أي جيل ما قبل الهزيمة، وأفراده عرفوا اليابان في عزّ مجدها، يوم كانت امبراطوريّة الشّمس المشرقة. هذا الجيل لم يحتمل هزيمة بلاده، فكثر فيه المنتحرون.
ورشيد الضّعيف من جيل ما قبل الحرب، عرف لبنان في عزّ مجده، يوم كان ملجأ للهاربين من "أنظمتهم الرّجعيّة أو البرجوازيّة الصّغيرة المتذبذبة الّتي تخاف من التّغيير الثّوريّ الجزري" (ص 143). وهو من جيل ما قبل هذا النّظام العالميّ الجديد، لا بل كان على الطّرف المقابل له. وها هو اليوم يحاول التأقلم مع الوضعين الجديدين عبر انتحار روائيّ، عبر موت ما، يريده بطل الرّواية "لكنّه أمر مستحيل، فلست أنا الّذي وضع النّواميس، ولست أنا الّذي جعل أن تجري المياه في مجاريها أو أن تفيض. وإنّ ما نسمّيه نحن العرب في لغّتنا: "سنّة الحياة"، لست أنا الّذي أستنها" (ص 224).
الموت عنصر أساسيّ في القصّة بدءًا بالصّفحات الأولى. إضافة إلى العنوان الّذي هو مطلع رسالة إلى رجل منتحر.
الموت هو الجوهر، يقول رشيد الضّعيف: "سأمضي مباشرة إلى الجوهر، وهو أمر يهمّك بقدر ما يهمّني. وما المبادرة الأخيرة الّتي قمت بها في حياتك سوى الدّليل الأبلغ". وفي ذلك إشارة إلى انتحار الكاتب اليابانيّ (ص 22).
والمرض اقتراب من الموت (ص 224)، والموت هو اللاشيء" (ص 206) بمعنى إنّ الموت لا يخيف ولا يرهب "كان الموت فترتها رجائي، كان الرّاحة المطلقة". ثمّ يقول: "الألم يهوّن عليك الموت بل يحوّله إلى حاجة ضروريّة، إلى حلم" (ص 207)، ويعترف رشيد الضّعيف بأنّه لم يتألّم كما كواباتا وإلّا لكان انتحر وتاليًا لا أحد من هؤلاء المعترضين على هذا النّظام الجديد لم يتألّم ما فيه الكفاية وألّا لانتحر عدد كبير منهم احتجاجًا صارخًا.
ومقابل هذا الموت تظهر الذّاكرة وكأنّها الحركة الدّائمة الّتي لا تعرف راحة: "لم يبق إلّا الذّاكرة" يقول الكاتب في الصّفحة 24، وذاكرته لا تنسى أيّ شيء ولو شاء لاستعاد بها لون كلّ نهار مرّ عليه. والذّاكرة "نعمة عظيمة". لا تحفظ فقط كلّ ما يخصّها ويعنيها مباشرة بل هي ذاكرة جماعيّة ترث كلّ شيء بدءًا باللّغة. ورشيد الضّعيف لا يملّ من تذكير القارئ بهذه اللّغة المتوارثة. ففي كلّ مرّة يستعمل تعبيرًا موروثًا وتقليديًّا يلفت الانتباه إليه بعبارة يضعها، مستطردًا، بين قوسين: "والحرب ما كادت أن تضع أوزارها (لاحظ هذه العبارة يا سيّد كواباتا: "وضعت الحرب أوزارها" وسترى كم عندنا، في العربيّة، من عبارات كثيرة مثلها، جميلة إلى الأبد)..." (ص 10).
لماذا هذه الإشارة إلى اللّغة التّقليديّة، والكاتب كما سبق وأشرنا يتمنّى أن يؤلّف رواية تتكلّم عن الصّدام بين الحداثة والتّقليد؟ هل هي ردّة فعل تجاه تيّارات سياسيّة ـ أدبيّة تريد الانتفاض على اللّغة وإعادة صوغها من جديد، بمفردات وتعابير جديدة؟
الرّفيق المناضل ـ في الرّواية ـ كان معجبًا بكتابات رشيد الضّعيف عن الثّورة والشّهداء، وهذا الإعجاب يعود إلى كون هذه الكتابات تمسك "بمفصل رئيسيّ من مفاصل الواقع وهو إنّ الثّورة تغيّر الواقع الاجتماعيّ تغييرًا جذريًّا، وتدخلنا عتبة التّاريخ. إنّها التّحوّل الدّيناميكي نحو الأفضل دائمًا. ثمّ إنّ تغيّر الواقع يعني أيضًا تغيّر البنى الفوقيّة للمجتمع ومن بين هذه البنى: اللّغة" (ص 196).
أنكاية في هذا الرّفيق المتخاذل يتشبّث الضّعيف بهذه اللّغة كما وصلته، ويلفت الانتباه كلّ مرّة إلى الموروث منها، وحين لا يفعل فلئلّا يفسد على القارئ انسياب قراءته (ص 151)؟ أم هي العودة إلى الذّات المفقودة تلك الّتي تجعله يذكّرنا بأنّه عربيّ: "نحن العرب"، "عندنا في العربيّة"....؟
قد تكون هذه الرّواية من أفضل ما كتبه رشيد الضّعيف، ولكن إشارة إلى إنّه ليس أوّل شيوعيّ لبنانيّ يشير إلى هؤلاء الثّوريّين "المنحرفين" عن خطّ الثّورة ـ ولم يدّع هو بالطّبع ذلك ـ ، وكثيرون قبله ـ عبر مقالات وقصائد ـ عبّروا عن الخيبة والصّدمة إلى حدّ الفجيعة ممّا آلت إليه أوضاع الحزب، بل إنّ بعضهم وضع علامات الاستفهام حول العقيدة نفسها. وتبقى المرارة لرؤية رفاق الطّريق يتحوّلون من مثال أعلى إلى مثار للإشمئزاز والكره أقسى من أي شيء آخر: "القهر من المشاعر القاسية جدًّا يا سيّد كواباتا، وإنّ الموت بالقهر هكذا، أصبحت من الموت وحسب" (ص 222).
أوليست هي الصّرخة نفسها الّتي أطلقها يحيى جابر في مقالته: "كنت شيوعيًّا ": "لماذا يتحوّل الرّفاق إلى أصدقاء؟
كم أنا مفجوع!
أنا يتيم الأحزاب والأفكار، على مائدة اللّئام من الرّفاق" ؟(2).
مي م. الرّيحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" الأربعاء 26 نيسان 1995

(1) عزيزي السّيّد كواباتا، رشيد الضّعيف، منشورات مختارات.
(2) نجوم الظّهر، يحيى جابر، دار رياض الرّيّس للكتب والنّشر.





مصروعة، عوّاد، يحيى جابر: الزّواج المختلط، الحرب، الاقتصاد (1995)



مصروعة، عوّاد، يحيى جابر
الزّواج المختلط، الحرب، الاقتصاد
لبنان بلد يضم سبع عشرة طائفة، ومع ذلك قليلة هي الكتابات الأدبيّة الّتي عالجت موضوع العلاقات الاجتماعيّة بين هذه الطّوائف بعيدًا عن الإنشاء والشّعر ولغة التّعايش، ونادرًا نجد كتابًا يعالج وضع الزّواج بين أبناء هذه الطّوائف. والنّصّ المسرحيّ الّذي كتبه يحيى جابر: "إبتسم أنت لبناني"، يعيد، ربّما، طرح السّؤال بطريقة أخرى. فجابر يرى المشكلة ما عادت طائفيّة بقدر ما هي إقتصاديّة، ولو أتيح لبطليّ مسرحيّته وضع إجتماعيّ مريح لما انتهى بهما الأمر إلى الانفصال.
عودة قليلًا إلى الوراء، نجد إنّ الانفصال كان نهاية كلّ رواية تناولت علاقة بين اثنين ينتميان إلى طائفتين.
ومن المفيد التّوقّف عند اثنتين من الرّوايات تناولتا هذا الموضوع هما رواية "ضحيّتان" لجورج مصروعة كتبها سنة 1942 حين كان في معتقل "الميّة والميّة"، والثّانية رواية  "طواحين بيروت" الّتي كتبها توفيق يوسف عوّاد حين كان سفيرًا للبنان في طوكيو سنة 1969.
في "ضحيّتان" وداد المسيحيّة الجبليّة وخالد المسلم البيروتيّ يتحابّان ويقرّران الزّواج.
وداد نشأت في أسرة مارونيّة عريقة مع أخيها حبيب، وكان أبوها عين أعيان قريته الصّغيرة، ينعم بثقة النّاس ومحبّتهم واحترامهم، لما اشتهر به من الاستقامة ومتانة الأخلاق" (ص15)، ولكن هذه الثّقة لم تصل إلى حدّ يوافق معه النّاس على زواج ابنته بمسلم.
خال وداد الخوري حاضر دائمًا، تستنجد به أخته عند كلّ أمر طارئ، وهو يتوسّط "لدى سيّدنا البطريرك" (ص16) ليجد عملًا حكوميًّا لحبيب ابن أخته، ويقاطع العائلة حين يتقرّر زواج وداد وخالد.
وفي المقابل نرى أبا خالد "من التّجّار المعروفين في بيروت، اشتهر بالحكمة والاستقامة حتّى أصبح بين التّجّار المرجع الأخير لفضّ المشكلات وإرسال القول الفصل في معضلات الأمور" (ص42).
وأبو خالد لم يكن "قاسيًا فظّ الطّباع، بل كان رحيمًا يملأ الحنان بردتيه، ولكن كان غيورًا على سمعته في بيئته وبين أصدقائه الكثر، فهو يؤثر كبت نفسه والتّنازل عن حقوقه، حتّى لو ظلم أبناءه، يؤثر الألم في بيته على أن تناله ألسنة النّاس بسوء، أو أن تلوك إسمه أفواه المتشدّقين. لا شيء في نظره يضارع السّمعة الحسنة في هذه الحياة. فلو اضطرّ أن يضحّي بكلّ شيء في سبيل المحافظة على هذه السّمعة، لما تردّد لحظة في الإقدام على التّضحية" (ص45).
هذا الوالد يقع تحت سيطرة أخيه الشّيخ، رجل الدّين المتزمّت، هناك الخوري وهنا الشّيخ يلقيان بظلّهما فوق العائلتين، ويفرضان على أفرادها قيود المجتمع.
أبو خالد يوافق بعد معارضة عابرة على زواج ابنه بوداد، ولكنّه يرفض، وبإصرار، زواج ابنته جمال وحبيب أخي وداد، هذا الأمر هو الّذي سيبعد وداد عن حبيبها لأنّها ترفض أن تفعل ما لا تسمح عائلة خطيبها لابنتها أن تفعله، كما ترفض بناء سعادتها على حساب سعادة أخيها.
يفترق الحبيبان، وفي قلب كلّ منهما حسرة ألم، تمرض وداد وتموت ويترك خالد لبنان وينعزل في قرية من قرى البرازيل، ويقع الإثنان ضحيّة الجهل والتّعصّب.
في هذه الرّواية اسم خالد يفضح مذهبه، تسأل وداد أخاها بعد إن فرح لمعرفته بأنّها في حالة حبّ: "ألا تريد أن تعرف قبل كلّ شيء اسم الرّجل الّذي أحبّه؟".
-         وماذا يهمّني اسمه؟ يكفي أن تخبريني أنّه شهم، كريم الخلق. بل يكفي أن تقولي: "أحبّه" لأعتقد إنّ فيه جميع الصّفات الطّيّبة.
-         لعلّ ذكر اسمه يغيّر رأيك، يا حبيب، فهذا الإسم يدلّك على أشياء كثيرة لم تخطر في بالك بعد، ويوقظ التّنبّه لصعوبات مهمّة ويذكّرك بأنّ لنا عادات وتقاليد لا يدوسها غير السّفهاء المارقين (ص63).

الأخ هنا، حبيب، يلعب دورًا مساعدًا، إنّه شابّ متمرّد الذّهن يقف إلى جانب أخته ويساعدها في حلمها بالزّواج بمن تحبّ، بل يواجه والده ويقنعه ويواجه سكّان القرية ويزرع أفكار التّحرّر والوعي بينهم، ويرغب في الزّواج بأخت صهره العتيد، جمال.
في المقابل، نرى جابر أخا تميمة، بطلة "طواحين بيروت" عدوّها الأوّل وقاتل صديقتها العزيزة ماري. هذا الرّجل يدّعي المحافظة على الشّرف والدّين، ولكنّه لا يتردّد في سرقة والده ومعاشرة المومسات وإدمان المخدّرات، والاعتداء على أخته من أبيه المقيم في أفريقيا.
وكذلك نرى "طوني" في مسرحيّة "ابتسم، أنت لبنانيّ"، يقول لروز، أخته الّتي تريد الزّواج بمسلم:
"شوفي أنا خيّك طوني من هلّق بقلّك. لا أختي ولا بعرفك يلّلا بكرا بتصيري الحجّة روز" (ص9 – مجلّة النّاقد العدد الخامس والسّبعون، أيلول 94).
أليست هذه المخاوف نفسها أقلقت والد وداد في "ضحيّتان" فقال: "فكّري بكلّ هذا يا وداد. وفكّري أيضًا بأيّامك المقبلة. وبالبيئة الّتي ستذهبين إليها وتصبحين من أهلها. ولما ينتظرك فيها من عادات غير عاداتك. وحياة لا تعلمين من خفاياها شيئًا" (ص75).
أليس مريعًا هذا الجهل "لحياة لا نعلم من خفاياها شيئًا" وكأنّنا لا نعيش جنبًا إلى جنب في وطن التّعايش هذا؟
إنّ هذه الأعمال الأدبيّة اختارت عمدًا أبطالها من المثقّفين الجامعيّين لمواجهة الحالة الطّائفيّة. ففي "ضحيّتان" وداد المسيحيّة المارونيّة وخالد المسلم البيروتيّ يدرسان الطّبّ. وفي "طواحين بيروت"، هاني الرّاعي المسيحيّ المارونيّ يدرس الهندسة في جامعة القدّيس يوسف وتميمة نصّور الشّيعيّة الجنوبيّة طالبة جامعيّة أيضًا، أمّا روز بطلة "إبتسم، أنت لبنانيّ" المسيحيّة، المارونيّة على ما بدا لي، فتعمل في حقل التّرجمة وزوجها، عبدالله، الشّيعيّ الجنوبيّ صحافيّ.
هؤلاء المثقّفون لم تنفعهم ثقافتهم في مواجهة تحدّيات المجتمع الدّينيّة والحياتيّة فانكسروا أمامها، فكيف الحال مع طبقات المجتمع الأقلّ ثقافة ووعيًا؟
وإذا أخذنا هذه النّصوص بحسب تسلسلها الزّمنيّ، نرى تطوّرًا تصاعديًّا في معالجة الحالة الطّائفيّة. ففي "ضحيّتان" لم يستطع البطلان أن يحوّلا حبّهما الّذي عجز عن مواجهة التّحدّيات إلى عمل مثمر، فالنّهاية كانت فشلًا على أكثر من صعيد، لأنّ هذه الطّاقة على الحبّ لم تتحوّل إلى إنتاج إيجابيّ على صعيد آخر، فالبطلة ماتت من المرض العضال، والبطل ترك الوطن إلى مجاهل البرازيل، مرخيًا شعر رأسه ولحيته.
في "طواحين بيروت" لم ينجح الحبّ في مواجهة التّحدّيات أيضًا. ولكنّه تحوّل إلى مجال عطاء آخر، فإنّ تميمة التحقت بالمقاومة الفلسطينيّة، تعمل في سبيل قضية آمنت بها، قالت لهاني في رسالتها الأخيرة: "سأحارب تحت كلّ سماء ضدّ كلّ الشّرائع والتّقاليد الّتي ارتضاها المجتمع وأطعنها بيدي" (ص269). ومنذ اللّحظة الّتي انطلقت فيها تميمة إلى مهمّتها خرس اسم تميمة نصّور، لأنّ شخصًا آخر سيولد وهو إنسان لا يقدر على تصوّر النّهاية السّلبيّة، بل يريد كتابة نهاية أخرى مختلفة وأكثر إشراقًا.
أمّا هاني فانطلق مشاركًا في التّظاهرات الّتي ملأت شوارع بيروت تطالب بالسّلاح لمحاربة إسرائيل، و"شقّ لنفسه بين الجموع وقد شرعوا بمسيرتهم، يدور بينهم في كلّ ناحية باحثًا عن أصحابه. ولاح له أحمد عدنان فناداه، ثمّ لميا شارون، وقفز الثّلاثة إلى الفيات مندفعين في الطّريق الفرعيّة إلى قلب المدينة المشتعل" (ص267).
نصّ يحيى جابر مختلف، فبطلاه أوّلًا تحدّيا كلّ الصّعوبات الّتي واجهت أبطال الرّوايتين السّابقتين، ثمّ عاشا الحرب الّتي أنذر توفيق يوسف عوّاد بوقوعها، وتزوّج عبدالله الشّيعيّ روز المسيحيّة. وهذا ما لم يستطعه الأبطال الآخرون. ولكن هذا الزّواج لم يصمد أمام تحدّيات من نوع آخر.
"عبده (بهدوء وجدّيّة): روز... أنا بحبّك.
روز: عن جدّ؟ صرلك زمان ما قلتها.
عبده: بحبّك أكثر لمّا بقبض المعاش كامل.
روز: ليه ما بتنسى المصاري وإنت عم تحبني.
عبده: لمّا بكون مهبّر، منتوف، بحسّ كلّ الرّجال أحسن منّي، بشكّ بكلّ شي، بشكّ فيكِ... بغار"(ص15- النّاقد).
المشكلة الآن إذن اقتصاديّة، تتفاقم رويدًا رويدًا، وتجبر الزّوجين على التّخلّي عن الجنين الّذي حملته روز لأن لا مكان له في الغرفة الصّغيرة، بيتهما الضّيّق في "بناية شقق مفروشة يسكنها مستأجرون ومهجّرون وتقع في شارع الحمراء في مدينة بيروت" (ص4).
ولكن، هل تغيب الطّائفيّة فعلًا عن أجواء هذا المنزل؟ صحيح عبده (عبدالله) يستنكر اتّهام روز له بأنّه طائفيّ ويسألها: "أنت مصدّقة إنّو هيدا بلد طائفيّ؟
روز: لكان شو؟
عبده: يا غشيمة... ثلاث ارباع الإسلام بالبلد أصلن نصارى وثلاث ارباع النّصارى أصلن مسلمين".
ويبدأ عبدالله بذكر العائلات من جذور دينيّة مختلفة عن حاضرها. ولكن عندما يبدأ الشّجار بين الزّوجين ماذا يحصل؟       
"عبده: قايلك ألف مرّة، بكره الأعياد وساعتها، بغبّ على قلبي. إنّو على شو هالفرح؟
روز: مبيّن بعيد الفطر بتطلع ع الضّيعة ويتنعجق بالمعمول والسّنيورة.
عبده: اتركي السّنيورة عا جنب. بطلع عالضّيعة لأقرأ الفاتحة على روح إمّي وبيّي.
روز: وبتسحبني معك.
عبده: يا ما طالع ع نويل عند أختك عا برمّانا!
روز: أختي أرملة لحالها مع ولادها.
عبده: آخر مرّة عملتوني بابا نويل ونزلتوني بالدّاخون وكسرت إجري وعالفصح نفس المعمولات، وكمان يلّلا يا عبدالله فقّش بهالبيض فقّش.
روز: ما إنتو بتفقشو حيدر.
عبده: ما تجيبي سيرة حيدر... قصّرت بشي عيد؟ إبن أختك لمّا عمّدو ما قبلتِ إلّا بلاك وصليب مدهّب... الله يحرسه.
روز: إبن خيّك جبنالو سنسال ما شاء الله لمّا طهّروه"(ص16).
إذن إنّ تفاقم المشاكل الإقتصاديّة يدفع الزّوجين إلى الشّجار "القلّة بتولّد النقار"، ومن جملة ما يقوله الزّوجان هذا الحديث المليء بالدّلالات الدّينيّة، وهما العلمانيّان اللّذان تزوّجا مدنيًّا في قبرص: "أبو عبده: يا حجّة قومي شوفي إبنك عبده. بدّو ياخد وحدي من أهل الذّمّة ومش بس ما أسلمها رايح فيها عا قبرص، لا إبني ولا بعرفو"(ص9).
ولكن يحيى جابر يعود في آخر النّصّ إلى إنّ السّبب اقتصاديّ حين تعلن روز بعد قرار الإنفصال: "وأنا بحبّك... بس الحبّ بدّو مطرح"(ص24). ونحن نسأل: ما الّذي منع عبدالله من الإقامة في الضّاحيّة الجنوبيّة لبيروت، أليس خوفه على زوجته المسيحيّة؟ وما الّذي منعه من الإقامة في الأشرفيّة. أليست لهجته الجنوبيّة؟ أوليس خوفه من الوضع الطّائفيّ المتأزّم هو الّذي منعه من الإقامة في عاليه؟ ما الحلّ إذن؟ في أن يعود عبدالله إلى الجنوب. ولكنّها عودة مختلفة عن عودة تميمة نصّور في "طواحين بيروت" إنّها عودة الإخوة اليتامى، في حين تعود روز إلى أختها الأرملة، وكأنّهما يقولان: ليس لنا إلّا عائلاتنا نعود إلى حضنها بعدما خرجنا منها في محاولة للتّحرّر من ضغوطها.
في العدد الصّادر في 15 كانون الأوّل 1968 نشرت جريدة "لوريان" خلاصة التّحقيق الّذي قامت به مجلّة "اوثلوك" في كلّيّات الجامعة الأميركيّة، حين طرحت هذين السّؤالين على الطّلّاب:
-         هل أنت مع الزّواج أو ضدّه بين أبناء الطّوائف المختلفة؟
-         هل أنت مع الزّواج المدنيّ أو ضدّه (طواحين بيروت، ص109).
وأذكر، في مرحلة من مراحل الحرب اللّبنانيّة إنّ إحدى الإذاعات أجرت استفتاء مماثلًا، وسألت طلّابًا جامعيّين عن هذا الموضوع. سئلت إحدى الفتيات عن رأيها فاستنكرت وصاحت إنّها لا تقبل، هي الشّيعيّة، بالزّواج برجل سنّي، وراحت تعدّد الأسباب الشّرعيّة والدّينيّة الّتي تحرم ذلك. هذه الفتاة ترفض الزّواج برجل ذي مذهب غير مذهبها، فكيف يخطر على بالها إنّ السّؤال هو عن الزّواج بطائفة  أخرى لا مذهب آخر؟
إنّ النّصوص الأدبيّة اتّفقت على أنّ هذا الزّواج مصيره الفشل، وإذا كان الأديب هو أكثر من مؤرّخ لأحداث واقعيّة، إذا كان الأديب رؤيويًّا كما يقال عنه، فهل هذا يعني أنّ الزّواج بين أبناء الطّوائف المختلفة ما زال مغامرة وخيمة العواقب، لا يجوز الخوض فيها بعد؟ أو نصّ يحيى جابر "يبشّرنا" بأنّنا – وإن تخطّينا عقبة الطّائفيّة – لم نحلّ كلّ مشاكلنا، والأزمة الاقتصاديّة لا تقلّ أذى وإساءة إلى كرامة الإنسان. وإذا كانت الأولى تضع المجتمع في خانات متجاورة قد لا يضغط بعضها على بعض، فالثّانية تقسم المجتمع طبقات يعلو بعضها أكتاف بعض ويضغط عليها ويولّد الكثير من الظّلم والحرمان.
وهل كتب علينا ألا نخلص من مشكلة حجر عثرة أمام السّعادة والحبّ، حتّى نقع في مشاكل أخرى تصيبنا في كرامتنا ومصير أولادنا، أو الأدب لا يرى في حياتنا إلّا الجانب السّيئ ولا ينقل إلينا إلّا صور الفشل والتّخاذل؟
ميّ م. الرّيحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" الأربعاء 19 تمّوز 1995













مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.