السبت، 24 نوفمبر 2018

النّاقد أصدرت عددها ال 84 والوداع



النّاقد أصدرت عددها ال 84 والوداع
رياض الرّيّس: لا بكائيّة وإقرار بالتّعب

عدد أخير من مجلّة "النّاقد" صدر أمس في بيروت ليطوي سبع سنوات من عمرها، حمل الرّقم 84 (حزيران 1995). وقبل العناوين كتب ناشرها رياض الرّيّس تحت عنوان "وفي السّنة السّابعة استراح" ما نجاريه فيه وهو إن لا رثاء ولا وقوف على تجربة، بل تأمّلات وأمثولة أشياء جميلة حين تموت:
"كلّ الأشياء الجميلة لا بدّ لها من نهاية. و"النّاقد" واحد من هذه الأشياء الجميلة.
بهذا العدد تودّع "النّاقد" قرّاءها وكتّابها، بعد سبع سنوات سمان كاملة، كانت حافلة بكلّ ما هو راق وخلّاق ومثير للقلق، وحافز للمواهب ومستفزّ للعواطف، ومحرّض على الجدل، ومتحدّ لقمع أي قلم، والدّاعي إلى روابط الصّداقة الثّقافيّة بين كلّ مبدع وصاحب رأي، المعادي للحجر على الأقلام والآراء، المتصدّي لأي مصادرة وكلّ رقابة.
و"النّاقد" الّتي صدرت سبع سنوات كاملة، على امتداد 84 شهرًا واتساع 84 عددًا وحملت أسماء 1063 كاتبًا من 19 بلدًا عربيًّا و159 فنّانًا ورسّامًا من كلّ قطر عربيّ وراجعت نقديًّا 623 كتابًا، لم تتوقّف أو تحتجب فيها شهرًا واحدًا أو تتأخّر عددًا واحدًا، حرصت على الصّدور بانتظام لا سابقة له بين المجلّات الثّقافيّة في العالم، وعلى الاستمرار تحت كلّ الظّروف ورغم كلّ الصّعوبات، ماليّة أو سياسيّة أو رقابيّة أو اغترابيّة (...).
بهذا العدد الأخير من سنتها السّابعة، تريد "النّاقد" أن تأخذ نفسًا طويلًا، وتستريح. تريد أن تعيد تنظيم صفوفها وتقييم تجربتها ومراجعة حساباتها، سعيًا وراء صيغة جديدة، في الشّكل الصّحافيّ والمضمون الثّقافيّ والتّوجّه السّياسيّ، تتناسب مع المتغيّرات الثّقافيّة والسّياسيّة والفكريّة الّتي تواجه العالم العربيّ، الّتي تحمل في جوانبها كلّ ما هو مقلق على المصير العربيّ، أمة وثقافة وكيانًا. صيغة تستطيع من خلالها أن تتصدّى وهي على أبواب القرن الحادي والعشرين، لجحافل الظّلام الزّاحفة إليها بألف هويّة مزوّرة وتحت ألف ادّعاء كاذب ومن ألف اتّجاه مغاير، لتلغي شخصيّة هذه الأمّة وتزوّر تاريخها وتشوّه نضالها وتقضي على أحلامها وتئد طموحاتها، تارة بالسّلام وتارة تحت راية التّطبيع، وطورًا باسم النّظام العالميّ الجديد وشرق اوسطيّته – ودائمًا باسم الدّين.
من أجل هذا كلّه، اختارت "النّاقد" عن وعي أن تغيب عن قرّائها وكتّابها. لذا لن تدخل "النّاقد" في بكائيّة على فراقهم. ولن تدخل في لزوم ما لا يلزم في تفسير أسباب هذا التّوقّف، سوى الإقرار إنّ مظاهر التّعب والتّململ قد بدأت تلوح على صفحاتها، وإنّها في حاجة إلى التّواري والانكفاء لفترة زمنيّة قد تطول أو تقصر، تستطيع في غضونها أن ترتّب أوضاع بيتها، حتّى لا تتعرّض للتّشوّه والابتذال، ولتحافظ على أهمّ ما عندها: جرأتها واستقلاليّتها وديموقراطيّتها وعروبتها وعلمانيّتها. وبهذه الأقانيم الخمسة تؤكّد صيرورتها واستمراريتها.
إنّ هذا العدد ليس آخر صيحة لها في وادي الثّقافة العربيّة. وأسباب غيابها اليوم، لا تختلف كثيرًا عن الأسباب الّتي كانت المسوّغ لصدورها واستمرارها. وإن كان ل"النّاقد" أن تزهو في ختام مسيرتها الحاليّة، فلا شيء جدير بأن تزهو به مثل نجاحها في تصدّيها الدّائم للقوى الّتي تستميت في الدّفاع عن التّخلّف وقيمه. وإن كان لها أن تتباهى، فهو إنّها كانت في زمن الرّدّة، أرضًا حرّة في أوطان مختصة بصنع الأغلال وتفريخ المروّجين لها.
وإذا حظيت "النّاقد" بثقة المبدعين العرب، من قرّاء وكتّاب، وخاصّة الأجيال الجديدة منهم، فلأنّها كانت مجلّة مضيئة في عصر الظّلمات.
اللّهم هبنا حسن الختام".
وفي هذا العدد الأخير كتب في المقال: أنسي الحاج، أنيس صايغ، يحيى أبو زكريّا، زياد منى، حسن حنفي، عبد الواحد لؤلؤة، سليم مطر كامل، فاضل الرّبيعي، عبدالله أبو حيف، نوال السّعداوي، يوسف بزي، يحيى جابر، ورسالة من ابرهيم سلامة إلى محمود درويش،
في الشّعر: فاضل العزّاوي، شوقي بغدادي، صلاح حسن، سامر أبو حواش.
في القصّة: محمد زفاف، صالح القاسم، مصطفى الحاج حسين، مصطفى نصر، كفايتي سعيد.
في النّقد: علي محافظة، عماد العبدالله، محمود حيدر، جورج طراد، ابرهيم محمود، جلال خوري، صباح الخرّاط زوين، ابرهيم صموئيل، مي م. الرّيحاني، كريم أبو حلاوة وعلي ديوب، ميرفت سيوفي، أحمد بزون، خالد زيادة، سلمان زين الدّين.
في الأبواب والزّوايا: رياض نجيب الرّيّس، محمّد كمال اللّبواتي، ثائر دوري، مأمون صافيا، طلال شاهين، رضوان أبو فخر، أحمد نزار صالح، حسام أسعد، خيريّة السّقّة، ديزي الأمير. إلى قائمة للكتّاب والفنّانين في "النّاقد" في سبع سنوات، وفهرس للسّنة السّابعة.
الغلاف بدفتيه صور ل 24 غلافًا من المجلّة، والرّسوم من فادي يازجي، محمود حسو، باسم الرّسّام، أسامة المعلا، كريم الحاج، ميسون صقر، سعد حاجو، محمّد نصراللّه، سحر برهان، كاظم خليل، أكرم القطريب وريم الجندي.
مي م. الريحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" الثّلثاء 20 حزيران 1995

رشيد الضّعيف إلى كواباتا: إلى أين يصل الأمر الذّاتيّ؟ (1995)



رشيد الضّعيف إلى كواباتا: إلى أين يصل الأمر الذّاتيّ؟
يقول رشيد الضّعيف في الصّفحة 184 من كتابه: "عزيزي السّيّد كواباتا". (1): "لماذا أبدو كأنّني بريء زجّ به في غابة من الدّم والظّلم والتّدمير؟
ألأنّ الاتّحاد السّوفياتي انهار، واختفى أفق الأحزاب الشّيوعيّة".
هل كان علينا أن ننتظر ذاك الانهيار واختفاء ذلك الأفق حتّى نقرأ كتابًا لرشيد الضّعيف عن رشيد الضّعيف؟ سؤال مفروض على من يقرأ هذه السّيرة الذّاتيّة في رسالة طويلة إلى السّيّد ياسوناري كواباتا (نال جائزة نوبل للآداب في 1968).
لا شكّ في إنّ هذا التّغير في النّظام العالميّ الجديد يلف بقسوة وقوّة جيلًا كاملًا من الأدباء والفنّانين، وخاصّة بعد أن وجد هؤلاء أنفسهم أمام مشكلات معلّقة لم تجد لها حلولًا بعد. ولذلك بدأنا نقع على كتابات عديدة عن هذه المرحلة من التّجارب الحزبيّة، وفيها محاولة لفهم ما حدث كما فيها الكثير من النّقد الذّاتيّ. والأكيد إنّ رشيد الضّعيف وضع ـ للمرّة الأولى ربّما ـ أمام المرآة الّتي تعكس صورته وحيدًا، دون خلفيّة اجتماعيّة وعاد إلى هذا المفرد وجوده كإنسان بمعزل عن الدّور الحزبيّ الّذي يقوم به.
يقول الكاتب في الصّفحة 151 عن لسان من كان مثاله الأعلى في الحزب: "إنّه يلزمنا وقت طويل بعد، لنستطيع تصفية حساباتنا مع وعينا البورجوازي الصّغير. قالها بالجمع، لأنّ الفرد ليس شيئًا يذكر، ليس سوى شبكة من العلاقات الاجتماعيّة".
نعم، هذا الفرد لم يكن شيئًا يذكر، ولكن اللّقاء الّذي تمّ صدفة في شارع الحمراء، بين رشيد الضّعيف وهذا المناضل السّابق سيغيّر المقولة: "كان يسير رافعًا رأسه، قليلًا، ينظر إلى البعيد، يمسك بيديه الاثنين سبحة على مستوى أعلى بطنه. وقامته تستقيم على رغم كرش صغير، وشاربه أكثر سوادًا من شعر رأسه الّذي ابيضّ كلّه. ولحية محلوقة بتأنٍّ فائق.
كان لحظتها بالتّأكيد لا يزال خارجًا من عند الحلّاق، وأشيك ما فيه بدلته... بدلة ما زالت خارجة من المصبغة، مكويّة لمناسبة نادرة.
ويبتسم.
كأنّ شيئًا لم يكن.
يبتسم خفيفًا خفيفًا، ويشخص إلى الأمام، في البعيد، فوق رؤوس النّاس بقليل، كأنّه في حذر دائم من أن تفاجئه كاميرا التّاريخ، في هيئة غير تاريخيّة، فتنقل للأجيال صورة مشوّهة عنه"(ص 186).
ويتابع الكاتب: "كأنّه بريء من هذا الزّلزال الّذي دام خمسة عشر عامًا. كأنّه لم يردّد أبدًا في محاضراته وخطاباته في كلّ المناسبات، وفي المقاتلين خاصّة بأنّه "ممنوع علينا الهزيمة" وبأنّنا "مجبورون على النّصر". وبلغت به الوقاحة إلى حدّ صار يفاخر في ما بعد، بعدما استقال من نشاطه الحزبيّ، بنظافة كفّه من أي نقطة دم". (ص 187).
هذه الإدانة للرّموز الحزبيّة ما كانت لتكون بهذه القسوة لولا انهيار المتّكأ الّذي كان هو الأمان والطّمأنينة، وبسقوطه كشف الكثير من الخداع. يصرخ الضّعيف ويقول: "أكرهه يا سيّد كواباتا" ولا يسمّيه بالاسم، لأنّه أوّلًا رمز لكثيرين و"لأنّنا عندنا لا نذكر اسماء أعدائنا". (ص 7).
سقط نظام وحلّ نظام جديد إذن، والمعترضون كثيرون، فلماذا لم ينتحر أحد منهم كما فعل كواباتا؟
ياسوناري كواباتا، أديب ياباني ينتمي إلى جيل ما قبل الحرب العالميّة الأخيرة، نال جائزة نوبل للآداب في 1968 ، وانتحر في 1972 بعد محاولات فاشلة عديدة، وهو الشّخصيّة الّتي يتوجّه إليها رشيد الضّعيف في رسالة طويلة. ويبرّر الضّعيف اختياره هذا بقوله: "أنا متأكّد من إنّك لا ترى في النّدرة ما يدعو إلى الرّيبة، بخلاف آخرين كثيرين، فلذلك وقع اختياري عليك" (ص9).
ويعود في الصّفحة 18 ويقول له: "وها أنذا أمسك بيديك لأريك أنحاء الوطن خاصّة إنّني أحببت اسمك كما بلغنا نحن العرب، فأصواته في لغتنا هينة، بسيطة، سيّالة، توحي الألفة. ثمّ ألست أنت الّذي كتبت رواية المعلّم، حيث انعصر قلبي، من شدّة ما تعاطفت مع المعلّم العجوز الّذي أحببت أن أرى في طريقته في اللّعب، حكمة اليابان وتاريخها العريق (أقصد القديم)... ثمّ تمنّيت أن أؤلّف مثلك رواية أتكلّم فيها عبر حدث عاديّ عن الصّدام بين هواء العصر، أقصد الحداثة المتحدّية المنذرة، وأهل الأرض، أقصد التّقليد" (ص18).
ولكن، ألا أسباب أخرى وراء هذا الاختيار؟ إنّ كواباتا من جيل ما قبل الحرب العالميّة الثّانية، أي جيل ما قبل الهزيمة، وأفراده عرفوا اليابان في عزّ مجدها، يوم كانت امبراطوريّة الشّمس المشرقة. هذا الجيل لم يحتمل هزيمة بلاده، فكثر فيه المنتحرون.
ورشيد الضّعيف من جيل ما قبل الحرب، عرف لبنان في عزّ مجده، يوم كان ملجأ للهاربين من "أنظمتهم الرّجعيّة أو البرجوازيّة الصّغيرة المتذبذبة الّتي تخاف من التّغيير الثّوريّ الجزري" (ص 143). وهو من جيل ما قبل هذا النّظام العالميّ الجديد، لا بل كان على الطّرف المقابل له. وها هو اليوم يحاول التأقلم مع الوضعين الجديدين عبر انتحار روائيّ، عبر موت ما، يريده بطل الرّواية "لكنّه أمر مستحيل، فلست أنا الّذي وضع النّواميس، ولست أنا الّذي جعل أن تجري المياه في مجاريها أو أن تفيض. وإنّ ما نسمّيه نحن العرب في لغّتنا: "سنّة الحياة"، لست أنا الّذي أستنها" (ص 224).
الموت عنصر أساسيّ في القصّة بدءًا بالصّفحات الأولى. إضافة إلى العنوان الّذي هو مطلع رسالة إلى رجل منتحر.
الموت هو الجوهر، يقول رشيد الضّعيف: "سأمضي مباشرة إلى الجوهر، وهو أمر يهمّك بقدر ما يهمّني. وما المبادرة الأخيرة الّتي قمت بها في حياتك سوى الدّليل الأبلغ". وفي ذلك إشارة إلى انتحار الكاتب اليابانيّ (ص 22).
والمرض اقتراب من الموت (ص 224)، والموت هو اللاشيء" (ص 206) بمعنى إنّ الموت لا يخيف ولا يرهب "كان الموت فترتها رجائي، كان الرّاحة المطلقة". ثمّ يقول: "الألم يهوّن عليك الموت بل يحوّله إلى حاجة ضروريّة، إلى حلم" (ص 207)، ويعترف رشيد الضّعيف بأنّه لم يتألّم كما كواباتا وإلّا لكان انتحر وتاليًا لا أحد من هؤلاء المعترضين على هذا النّظام الجديد لم يتألّم ما فيه الكفاية وألّا لانتحر عدد كبير منهم احتجاجًا صارخًا.
ومقابل هذا الموت تظهر الذّاكرة وكأنّها الحركة الدّائمة الّتي لا تعرف راحة: "لم يبق إلّا الذّاكرة" يقول الكاتب في الصّفحة 24، وذاكرته لا تنسى أيّ شيء ولو شاء لاستعاد بها لون كلّ نهار مرّ عليه. والذّاكرة "نعمة عظيمة". لا تحفظ فقط كلّ ما يخصّها ويعنيها مباشرة بل هي ذاكرة جماعيّة ترث كلّ شيء بدءًا باللّغة. ورشيد الضّعيف لا يملّ من تذكير القارئ بهذه اللّغة المتوارثة. ففي كلّ مرّة يستعمل تعبيرًا موروثًا وتقليديًّا يلفت الانتباه إليه بعبارة يضعها، مستطردًا، بين قوسين: "والحرب ما كادت أن تضع أوزارها (لاحظ هذه العبارة يا سيّد كواباتا: "وضعت الحرب أوزارها" وسترى كم عندنا، في العربيّة، من عبارات كثيرة مثلها، جميلة إلى الأبد)..." (ص 10).
لماذا هذه الإشارة إلى اللّغة التّقليديّة، والكاتب كما سبق وأشرنا يتمنّى أن يؤلّف رواية تتكلّم عن الصّدام بين الحداثة والتّقليد؟ هل هي ردّة فعل تجاه تيّارات سياسيّة ـ أدبيّة تريد الانتفاض على اللّغة وإعادة صوغها من جديد، بمفردات وتعابير جديدة؟
الرّفيق المناضل ـ في الرّواية ـ كان معجبًا بكتابات رشيد الضّعيف عن الثّورة والشّهداء، وهذا الإعجاب يعود إلى كون هذه الكتابات تمسك "بمفصل رئيسيّ من مفاصل الواقع وهو إنّ الثّورة تغيّر الواقع الاجتماعيّ تغييرًا جذريًّا، وتدخلنا عتبة التّاريخ. إنّها التّحوّل الدّيناميكي نحو الأفضل دائمًا. ثمّ إنّ تغيّر الواقع يعني أيضًا تغيّر البنى الفوقيّة للمجتمع ومن بين هذه البنى: اللّغة" (ص 196).
أنكاية في هذا الرّفيق المتخاذل يتشبّث الضّعيف بهذه اللّغة كما وصلته، ويلفت الانتباه كلّ مرّة إلى الموروث منها، وحين لا يفعل فلئلّا يفسد على القارئ انسياب قراءته (ص 151)؟ أم هي العودة إلى الذّات المفقودة تلك الّتي تجعله يذكّرنا بأنّه عربيّ: "نحن العرب"، "عندنا في العربيّة"....؟
قد تكون هذه الرّواية من أفضل ما كتبه رشيد الضّعيف، ولكن إشارة إلى إنّه ليس أوّل شيوعيّ لبنانيّ يشير إلى هؤلاء الثّوريّين "المنحرفين" عن خطّ الثّورة ـ ولم يدّع هو بالطّبع ذلك ـ ، وكثيرون قبله ـ عبر مقالات وقصائد ـ عبّروا عن الخيبة والصّدمة إلى حدّ الفجيعة ممّا آلت إليه أوضاع الحزب، بل إنّ بعضهم وضع علامات الاستفهام حول العقيدة نفسها. وتبقى المرارة لرؤية رفاق الطّريق يتحوّلون من مثال أعلى إلى مثار للإشمئزاز والكره أقسى من أي شيء آخر: "القهر من المشاعر القاسية جدًّا يا سيّد كواباتا، وإنّ الموت بالقهر هكذا، أصبحت من الموت وحسب" (ص 222).
أوليست هي الصّرخة نفسها الّتي أطلقها يحيى جابر في مقالته: "كنت شيوعيًّا ": "لماذا يتحوّل الرّفاق إلى أصدقاء؟
كم أنا مفجوع!
أنا يتيم الأحزاب والأفكار، على مائدة اللّئام من الرّفاق" ؟(2).
مي م. الرّيحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" الأربعاء 26 نيسان 1995

(1) عزيزي السّيّد كواباتا، رشيد الضّعيف، منشورات مختارات.
(2) نجوم الظّهر، يحيى جابر، دار رياض الرّيّس للكتب والنّشر.





مصروعة، عوّاد، يحيى جابر: الزّواج المختلط، الحرب، الاقتصاد (1995)



مصروعة، عوّاد، يحيى جابر
الزّواج المختلط، الحرب، الاقتصاد
لبنان بلد يضم سبع عشرة طائفة، ومع ذلك قليلة هي الكتابات الأدبيّة الّتي عالجت موضوع العلاقات الاجتماعيّة بين هذه الطّوائف بعيدًا عن الإنشاء والشّعر ولغة التّعايش، ونادرًا نجد كتابًا يعالج وضع الزّواج بين أبناء هذه الطّوائف. والنّصّ المسرحيّ الّذي كتبه يحيى جابر: "إبتسم أنت لبناني"، يعيد، ربّما، طرح السّؤال بطريقة أخرى. فجابر يرى المشكلة ما عادت طائفيّة بقدر ما هي إقتصاديّة، ولو أتيح لبطليّ مسرحيّته وضع إجتماعيّ مريح لما انتهى بهما الأمر إلى الانفصال.
عودة قليلًا إلى الوراء، نجد إنّ الانفصال كان نهاية كلّ رواية تناولت علاقة بين اثنين ينتميان إلى طائفتين.
ومن المفيد التّوقّف عند اثنتين من الرّوايات تناولتا هذا الموضوع هما رواية "ضحيّتان" لجورج مصروعة كتبها سنة 1942 حين كان في معتقل "الميّة والميّة"، والثّانية رواية  "طواحين بيروت" الّتي كتبها توفيق يوسف عوّاد حين كان سفيرًا للبنان في طوكيو سنة 1969.
في "ضحيّتان" وداد المسيحيّة الجبليّة وخالد المسلم البيروتيّ يتحابّان ويقرّران الزّواج.
وداد نشأت في أسرة مارونيّة عريقة مع أخيها حبيب، وكان أبوها عين أعيان قريته الصّغيرة، ينعم بثقة النّاس ومحبّتهم واحترامهم، لما اشتهر به من الاستقامة ومتانة الأخلاق" (ص15)، ولكن هذه الثّقة لم تصل إلى حدّ يوافق معه النّاس على زواج ابنته بمسلم.
خال وداد الخوري حاضر دائمًا، تستنجد به أخته عند كلّ أمر طارئ، وهو يتوسّط "لدى سيّدنا البطريرك" (ص16) ليجد عملًا حكوميًّا لحبيب ابن أخته، ويقاطع العائلة حين يتقرّر زواج وداد وخالد.
وفي المقابل نرى أبا خالد "من التّجّار المعروفين في بيروت، اشتهر بالحكمة والاستقامة حتّى أصبح بين التّجّار المرجع الأخير لفضّ المشكلات وإرسال القول الفصل في معضلات الأمور" (ص42).
وأبو خالد لم يكن "قاسيًا فظّ الطّباع، بل كان رحيمًا يملأ الحنان بردتيه، ولكن كان غيورًا على سمعته في بيئته وبين أصدقائه الكثر، فهو يؤثر كبت نفسه والتّنازل عن حقوقه، حتّى لو ظلم أبناءه، يؤثر الألم في بيته على أن تناله ألسنة النّاس بسوء، أو أن تلوك إسمه أفواه المتشدّقين. لا شيء في نظره يضارع السّمعة الحسنة في هذه الحياة. فلو اضطرّ أن يضحّي بكلّ شيء في سبيل المحافظة على هذه السّمعة، لما تردّد لحظة في الإقدام على التّضحية" (ص45).
هذا الوالد يقع تحت سيطرة أخيه الشّيخ، رجل الدّين المتزمّت، هناك الخوري وهنا الشّيخ يلقيان بظلّهما فوق العائلتين، ويفرضان على أفرادها قيود المجتمع.
أبو خالد يوافق بعد معارضة عابرة على زواج ابنه بوداد، ولكنّه يرفض، وبإصرار، زواج ابنته جمال وحبيب أخي وداد، هذا الأمر هو الّذي سيبعد وداد عن حبيبها لأنّها ترفض أن تفعل ما لا تسمح عائلة خطيبها لابنتها أن تفعله، كما ترفض بناء سعادتها على حساب سعادة أخيها.
يفترق الحبيبان، وفي قلب كلّ منهما حسرة ألم، تمرض وداد وتموت ويترك خالد لبنان وينعزل في قرية من قرى البرازيل، ويقع الإثنان ضحيّة الجهل والتّعصّب.
في هذه الرّواية اسم خالد يفضح مذهبه، تسأل وداد أخاها بعد إن فرح لمعرفته بأنّها في حالة حبّ: "ألا تريد أن تعرف قبل كلّ شيء اسم الرّجل الّذي أحبّه؟".
-         وماذا يهمّني اسمه؟ يكفي أن تخبريني أنّه شهم، كريم الخلق. بل يكفي أن تقولي: "أحبّه" لأعتقد إنّ فيه جميع الصّفات الطّيّبة.
-         لعلّ ذكر اسمه يغيّر رأيك، يا حبيب، فهذا الإسم يدلّك على أشياء كثيرة لم تخطر في بالك بعد، ويوقظ التّنبّه لصعوبات مهمّة ويذكّرك بأنّ لنا عادات وتقاليد لا يدوسها غير السّفهاء المارقين (ص63).

الأخ هنا، حبيب، يلعب دورًا مساعدًا، إنّه شابّ متمرّد الذّهن يقف إلى جانب أخته ويساعدها في حلمها بالزّواج بمن تحبّ، بل يواجه والده ويقنعه ويواجه سكّان القرية ويزرع أفكار التّحرّر والوعي بينهم، ويرغب في الزّواج بأخت صهره العتيد، جمال.
في المقابل، نرى جابر أخا تميمة، بطلة "طواحين بيروت" عدوّها الأوّل وقاتل صديقتها العزيزة ماري. هذا الرّجل يدّعي المحافظة على الشّرف والدّين، ولكنّه لا يتردّد في سرقة والده ومعاشرة المومسات وإدمان المخدّرات، والاعتداء على أخته من أبيه المقيم في أفريقيا.
وكذلك نرى "طوني" في مسرحيّة "ابتسم، أنت لبنانيّ"، يقول لروز، أخته الّتي تريد الزّواج بمسلم:
"شوفي أنا خيّك طوني من هلّق بقلّك. لا أختي ولا بعرفك يلّلا بكرا بتصيري الحجّة روز" (ص9 – مجلّة النّاقد العدد الخامس والسّبعون، أيلول 94).
أليست هذه المخاوف نفسها أقلقت والد وداد في "ضحيّتان" فقال: "فكّري بكلّ هذا يا وداد. وفكّري أيضًا بأيّامك المقبلة. وبالبيئة الّتي ستذهبين إليها وتصبحين من أهلها. ولما ينتظرك فيها من عادات غير عاداتك. وحياة لا تعلمين من خفاياها شيئًا" (ص75).
أليس مريعًا هذا الجهل "لحياة لا نعلم من خفاياها شيئًا" وكأنّنا لا نعيش جنبًا إلى جنب في وطن التّعايش هذا؟
إنّ هذه الأعمال الأدبيّة اختارت عمدًا أبطالها من المثقّفين الجامعيّين لمواجهة الحالة الطّائفيّة. ففي "ضحيّتان" وداد المسيحيّة المارونيّة وخالد المسلم البيروتيّ يدرسان الطّبّ. وفي "طواحين بيروت"، هاني الرّاعي المسيحيّ المارونيّ يدرس الهندسة في جامعة القدّيس يوسف وتميمة نصّور الشّيعيّة الجنوبيّة طالبة جامعيّة أيضًا، أمّا روز بطلة "إبتسم، أنت لبنانيّ" المسيحيّة، المارونيّة على ما بدا لي، فتعمل في حقل التّرجمة وزوجها، عبدالله، الشّيعيّ الجنوبيّ صحافيّ.
هؤلاء المثقّفون لم تنفعهم ثقافتهم في مواجهة تحدّيات المجتمع الدّينيّة والحياتيّة فانكسروا أمامها، فكيف الحال مع طبقات المجتمع الأقلّ ثقافة ووعيًا؟
وإذا أخذنا هذه النّصوص بحسب تسلسلها الزّمنيّ، نرى تطوّرًا تصاعديًّا في معالجة الحالة الطّائفيّة. ففي "ضحيّتان" لم يستطع البطلان أن يحوّلا حبّهما الّذي عجز عن مواجهة التّحدّيات إلى عمل مثمر، فالنّهاية كانت فشلًا على أكثر من صعيد، لأنّ هذه الطّاقة على الحبّ لم تتحوّل إلى إنتاج إيجابيّ على صعيد آخر، فالبطلة ماتت من المرض العضال، والبطل ترك الوطن إلى مجاهل البرازيل، مرخيًا شعر رأسه ولحيته.
في "طواحين بيروت" لم ينجح الحبّ في مواجهة التّحدّيات أيضًا. ولكنّه تحوّل إلى مجال عطاء آخر، فإنّ تميمة التحقت بالمقاومة الفلسطينيّة، تعمل في سبيل قضية آمنت بها، قالت لهاني في رسالتها الأخيرة: "سأحارب تحت كلّ سماء ضدّ كلّ الشّرائع والتّقاليد الّتي ارتضاها المجتمع وأطعنها بيدي" (ص269). ومنذ اللّحظة الّتي انطلقت فيها تميمة إلى مهمّتها خرس اسم تميمة نصّور، لأنّ شخصًا آخر سيولد وهو إنسان لا يقدر على تصوّر النّهاية السّلبيّة، بل يريد كتابة نهاية أخرى مختلفة وأكثر إشراقًا.
أمّا هاني فانطلق مشاركًا في التّظاهرات الّتي ملأت شوارع بيروت تطالب بالسّلاح لمحاربة إسرائيل، و"شقّ لنفسه بين الجموع وقد شرعوا بمسيرتهم، يدور بينهم في كلّ ناحية باحثًا عن أصحابه. ولاح له أحمد عدنان فناداه، ثمّ لميا شارون، وقفز الثّلاثة إلى الفيات مندفعين في الطّريق الفرعيّة إلى قلب المدينة المشتعل" (ص267).
نصّ يحيى جابر مختلف، فبطلاه أوّلًا تحدّيا كلّ الصّعوبات الّتي واجهت أبطال الرّوايتين السّابقتين، ثمّ عاشا الحرب الّتي أنذر توفيق يوسف عوّاد بوقوعها، وتزوّج عبدالله الشّيعيّ روز المسيحيّة. وهذا ما لم يستطعه الأبطال الآخرون. ولكن هذا الزّواج لم يصمد أمام تحدّيات من نوع آخر.
"عبده (بهدوء وجدّيّة): روز... أنا بحبّك.
روز: عن جدّ؟ صرلك زمان ما قلتها.
عبده: بحبّك أكثر لمّا بقبض المعاش كامل.
روز: ليه ما بتنسى المصاري وإنت عم تحبني.
عبده: لمّا بكون مهبّر، منتوف، بحسّ كلّ الرّجال أحسن منّي، بشكّ بكلّ شي، بشكّ فيكِ... بغار"(ص15- النّاقد).
المشكلة الآن إذن اقتصاديّة، تتفاقم رويدًا رويدًا، وتجبر الزّوجين على التّخلّي عن الجنين الّذي حملته روز لأن لا مكان له في الغرفة الصّغيرة، بيتهما الضّيّق في "بناية شقق مفروشة يسكنها مستأجرون ومهجّرون وتقع في شارع الحمراء في مدينة بيروت" (ص4).
ولكن، هل تغيب الطّائفيّة فعلًا عن أجواء هذا المنزل؟ صحيح عبده (عبدالله) يستنكر اتّهام روز له بأنّه طائفيّ ويسألها: "أنت مصدّقة إنّو هيدا بلد طائفيّ؟
روز: لكان شو؟
عبده: يا غشيمة... ثلاث ارباع الإسلام بالبلد أصلن نصارى وثلاث ارباع النّصارى أصلن مسلمين".
ويبدأ عبدالله بذكر العائلات من جذور دينيّة مختلفة عن حاضرها. ولكن عندما يبدأ الشّجار بين الزّوجين ماذا يحصل؟       
"عبده: قايلك ألف مرّة، بكره الأعياد وساعتها، بغبّ على قلبي. إنّو على شو هالفرح؟
روز: مبيّن بعيد الفطر بتطلع ع الضّيعة ويتنعجق بالمعمول والسّنيورة.
عبده: اتركي السّنيورة عا جنب. بطلع عالضّيعة لأقرأ الفاتحة على روح إمّي وبيّي.
روز: وبتسحبني معك.
عبده: يا ما طالع ع نويل عند أختك عا برمّانا!
روز: أختي أرملة لحالها مع ولادها.
عبده: آخر مرّة عملتوني بابا نويل ونزلتوني بالدّاخون وكسرت إجري وعالفصح نفس المعمولات، وكمان يلّلا يا عبدالله فقّش بهالبيض فقّش.
روز: ما إنتو بتفقشو حيدر.
عبده: ما تجيبي سيرة حيدر... قصّرت بشي عيد؟ إبن أختك لمّا عمّدو ما قبلتِ إلّا بلاك وصليب مدهّب... الله يحرسه.
روز: إبن خيّك جبنالو سنسال ما شاء الله لمّا طهّروه"(ص16).
إذن إنّ تفاقم المشاكل الإقتصاديّة يدفع الزّوجين إلى الشّجار "القلّة بتولّد النقار"، ومن جملة ما يقوله الزّوجان هذا الحديث المليء بالدّلالات الدّينيّة، وهما العلمانيّان اللّذان تزوّجا مدنيًّا في قبرص: "أبو عبده: يا حجّة قومي شوفي إبنك عبده. بدّو ياخد وحدي من أهل الذّمّة ومش بس ما أسلمها رايح فيها عا قبرص، لا إبني ولا بعرفو"(ص9).
ولكن يحيى جابر يعود في آخر النّصّ إلى إنّ السّبب اقتصاديّ حين تعلن روز بعد قرار الإنفصال: "وأنا بحبّك... بس الحبّ بدّو مطرح"(ص24). ونحن نسأل: ما الّذي منع عبدالله من الإقامة في الضّاحيّة الجنوبيّة لبيروت، أليس خوفه على زوجته المسيحيّة؟ وما الّذي منعه من الإقامة في الأشرفيّة. أليست لهجته الجنوبيّة؟ أوليس خوفه من الوضع الطّائفيّ المتأزّم هو الّذي منعه من الإقامة في عاليه؟ ما الحلّ إذن؟ في أن يعود عبدالله إلى الجنوب. ولكنّها عودة مختلفة عن عودة تميمة نصّور في "طواحين بيروت" إنّها عودة الإخوة اليتامى، في حين تعود روز إلى أختها الأرملة، وكأنّهما يقولان: ليس لنا إلّا عائلاتنا نعود إلى حضنها بعدما خرجنا منها في محاولة للتّحرّر من ضغوطها.
في العدد الصّادر في 15 كانون الأوّل 1968 نشرت جريدة "لوريان" خلاصة التّحقيق الّذي قامت به مجلّة "اوثلوك" في كلّيّات الجامعة الأميركيّة، حين طرحت هذين السّؤالين على الطّلّاب:
-         هل أنت مع الزّواج أو ضدّه بين أبناء الطّوائف المختلفة؟
-         هل أنت مع الزّواج المدنيّ أو ضدّه (طواحين بيروت، ص109).
وأذكر، في مرحلة من مراحل الحرب اللّبنانيّة إنّ إحدى الإذاعات أجرت استفتاء مماثلًا، وسألت طلّابًا جامعيّين عن هذا الموضوع. سئلت إحدى الفتيات عن رأيها فاستنكرت وصاحت إنّها لا تقبل، هي الشّيعيّة، بالزّواج برجل سنّي، وراحت تعدّد الأسباب الشّرعيّة والدّينيّة الّتي تحرم ذلك. هذه الفتاة ترفض الزّواج برجل ذي مذهب غير مذهبها، فكيف يخطر على بالها إنّ السّؤال هو عن الزّواج بطائفة  أخرى لا مذهب آخر؟
إنّ النّصوص الأدبيّة اتّفقت على أنّ هذا الزّواج مصيره الفشل، وإذا كان الأديب هو أكثر من مؤرّخ لأحداث واقعيّة، إذا كان الأديب رؤيويًّا كما يقال عنه، فهل هذا يعني أنّ الزّواج بين أبناء الطّوائف المختلفة ما زال مغامرة وخيمة العواقب، لا يجوز الخوض فيها بعد؟ أو نصّ يحيى جابر "يبشّرنا" بأنّنا – وإن تخطّينا عقبة الطّائفيّة – لم نحلّ كلّ مشاكلنا، والأزمة الاقتصاديّة لا تقلّ أذى وإساءة إلى كرامة الإنسان. وإذا كانت الأولى تضع المجتمع في خانات متجاورة قد لا يضغط بعضها على بعض، فالثّانية تقسم المجتمع طبقات يعلو بعضها أكتاف بعض ويضغط عليها ويولّد الكثير من الظّلم والحرمان.
وهل كتب علينا ألا نخلص من مشكلة حجر عثرة أمام السّعادة والحبّ، حتّى نقع في مشاكل أخرى تصيبنا في كرامتنا ومصير أولادنا، أو الأدب لا يرى في حياتنا إلّا الجانب السّيئ ولا ينقل إلينا إلّا صور الفشل والتّخاذل؟
ميّ م. الرّيحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" الأربعاء 19 تمّوز 1995













نبيل خوري "الرّقم الصّغير" المدينة قبل أن تكون المتهدّمة (1995)



نبيل خوري "الرّقم الصّغير"
المدينة قبل أن تكون المتهدّمة
معه حقّ، نبيل خوري، في قوله عن روايته "الرّقم الصّغير" (1) أنّها بقيت، بعد أكثر من ثلاثين سنة على كتابتها، "شاهدًا على فترة معيّنة من حياة بيروت، وشاهدًا على أسلوب نسيت كيف أكتبه" (ص 7).
والرّواية هذه، الصّادرة عن "دار رياض الرّيّس للكتب والنّشر"، كتبت في مطلع السّتّينات، ونشرت في مجلّة "الحسناء" وتنشر اليوم لأنّها "شاهد حيّ على أحداث وقضايا وهموم لتلك الفترة"، تقول دار النّشر.
ماذا في الرّواية؟
هي رواية اجتماعيّة تختصر الصّراعات آنذاك بنوعين: صراع القرية والمدينة والصّراع من أجل الحرّيّة. وهما مترابطان لأنّ البحث عن الحرّيّة يبدأ أوّلًا بالنّزوح عن القرية إلى المدينة. وهناك محاولات إثبات الوجود، وإن كانت النّتيجة الّتي تصل إليها الرّواية إنّ الإنسان في بيروت يتحوّل إلى "رقم صغير" تافه وضائع بين الأرقام الصّغيرة مثله.
يكاد الصّراع بين المدينة والقرية يكون العنوان الأساسي لكثير من كتابات تلك المرحلة، وتكاد أسباب النّزوح إلى المدينة ـ عدا الدّراسة والعمل ـ تختصر في ثلاثة: البحث عن حرّيّة الحبّ والجنس، والخروج من دائرة سياسة المختار والنّاطور إلى السّياسة الأوسع معنى والأكثر اتصالًا بالعالم الخارجيّ، وثالثًا، الخروج من الدّائرة الدّينيّة ذات اللّون الواحد إلى مجتمع المدينة حيث تتعدّد الطّوائف والمذاهب، وتتغيّر صورة اللّه المتوارثة.
واستمرّ الصّراع في كتابات أخرى، وأعني بها تلك الّتي تتعامل مع بيروت فقط، إذ لبست بيروت القديمة صورة القرية حيث الجميع يعرف بعضهم البعض الآخر، وتصارعت مع بيروت الجديدة الّتي هي المدينة الجديدة. وهكذا أخذ الأدباء يتذكّرون بيروت القديمة/ القرية ويأسفون لطغيان بيروت الجديدة/ المدينة عليها.
وكما في أكثر هذه الكتابات فالمدينة هي مركز الحرّيّة المفسدة، وسبب الشّرور والأنانيّة والجريمة، حين إنّ القرية هي مركز الصّفاء والطّهر والنّقاء، فيها كلّ الخير وكلّ السّلام وكلّ المحبّة. ولكن هذه النّتيجة لا تصل إليها الشّخصيّات القصصيّة إلّا من تجربة مريرة في بيروت/ المدينة، يعودون بعدها إلى القرية (أو إلى ذواتهم) عودة الابن الضّال، اكتشف خطأه.
وإذا كان توفيق عوّاد في قصّة من مجموعته "الصّبيّ الأعرج" وعنوانها "المقبرة"، يصوّر القرية أنّها مصدر الشّرّ إذ تهرب الفتاة الّتي اعتدى عليها المختار، فإنّه في "طواحين بيروت" يصوّر المدينة أنّها المكان الّذي يهرس الجميع ويذيب وجودهم.
نبيل خوري لا يبتعد عن حقيقة القرية المزدوجة، هي الملجأ يوم التّعب والاضطراب العاطفيّ أو الفكريّ، وفي المقابل تحارب الحبّ وتأسر "سعاد"، الحبيبة الأولى، في سجن التّقاليد والعادات، وتقتل "ليلى" الّتي حاولت الهرب من أسرها(ص 87). وإذا هربت ابنة القرية فلتعمل خادمة أو على الأكثر راقصة في ملهى حقير(ص 87). نعم، هذا ما تقدّمه بيروت إلى بنات القرى.
والكاتب، في إعادة نشر هذه الرّواية، يعيش حنينًا آخر، إلى بيروت السّتينات، بيروت الّتي صارت قرية الكثيرين من الجيل السّابق، الّذين، حين يعدّدون أسماء الحانات والمقاهي، ويتذكّرون الوجوه الّتي غابت، ويعملون على إعادة إحياء الأمكنة الّتي ماتت، والتّاريخ الّذي انقضى. وهذا ما كان يفعله القرويّون في بيروت، الهاربون من قرية لا يتوقّفون عن رثائها والبكاء على أطلال ذكرياتهم فيها، دون أن يرغبوا في العودة إليها عودة حقيقيّة وصادقة.
"فؤاد"، بطل الرّواية، شاب ضائع بين القرية والمدينة، وكذلك متردّد الاختيار بين "فتاة محافظة... عاشت في ظلّ التّقاليد، وفتاة حرّة... خرجت على التّقاليد". فيقول في الصّفحة 119: "هل يحتمل، وهو الّذي عاش مع نساء كلّهنّ يرزحن تحت أعباء الماضي أن يعيش مع زوجة عرفت غيره؟"
ولكن هل يستطيع أن يعيش وامرأة ساذجة. لا تفهم من الدّنيا إلّا ما تعلّمته في المدرسة. ومن محاضرات والدتها المصون... مستحيل أيضًا.
هل يتزوّج فتاة لبنانيّة؟
أو فتاة أجنبيّة؟
اللّبنانيّة لن تفهمه...
والأجنبيّة لن تقبل أن تفهمه...".
في هذه الأجواء المتناقضة، تتطوّر أحداث الرّواية لتصل في نهايتها إلى حلّ شديد الرّومنطيقيّة، شديد المثاليّة. إلى بعد الفشل في العلاقة بالمرأة الأجنبيّة. والفشل مع اللّبنانيّة الّتي حاولت أن تكون متحرّرة (بعدما لاحقتها شرطة الآداب)، وبعدما وقف على صخرة الرّوشة يفكّر بالانتحار، التقى فتاة تريد أن تلقي بنفسها في البحر. وحين اكتشف إنّها حامل ووحيدة، قرّر الزّواج بها، لأنّه اكتشف "أنّ الحياة، كلّ الحياة تختصر بكلمة واحدة هي العطاء" (ص199).
في الرّواية إذن رجل وحيد. هو المحور، وحوله مجموعة من الشّخصيّات، بعضها أنثويّ كالأمّ، وجون المرأة الأجنبيّة، وسعاد ابنة القرية، وسميرة ابنة المدينة، إلى مجموعة من بنات اللّيل الأجنبيّات، وأخيرًا، الفتاة الّتي ستكون الزّوجة، وهي بلا اسم لأنّها تمثّل حالة أكثر ممّا تمثّل شخصًا. والشّخصيّتان الذّكوريّتان هما الوالد، رجل القرية المثالي، ومايك الأجنبيّ، السّكّير الّذي يضرب زوجته جون.
كلّها شخصيّات تبحث عن دور لها في الحياة، والمجتمع يسيء إلى هذا الدّور ويعطّله. فالسّارق يعطّل عمل الوالد في الأرض، والشّرطة تمنع سميرة عن التّمتّع بالحرّيّة المعطاة لها ضمن عائلتها، والتّقاليد تمنع سعاد عن تغيير نمط حياتها وهي الأرملة الصّغيرة في السّنّ. والبطل عاجز عن تغيير مجرى الأحداث لأنّه أساسًا لا يعرف ماذا يريد حائر بين التّقاليد والتّحرير، بين الوطن والغربة، بين القرية والمدينة.
لغة الرّواية سلسة، وحبكتها القصصيّة بسيطة، ولكنّها وقعت أحيانًا في ما أسمّيه اللّامنطق القصصيّ. ومن ذلك، عدم اتّصال المستشفى بالشّرطة حين وصلت إليها جريحة أجنبيّة الجنسيّة، مطعونة في كتفها، في زمن السّتّينات، عهد الدّولة والنّظام. ومن ذلك أعطي مثلًا آخر لا أعرف هل مقصود للدّلالة على التّحوّل الّذي طرأ على شخصيّة البطل. ففي الصّفحة 63، نقرأ إنّ فؤادًا لا يعرف البكاء "وقال له الطّبيب عندما استشاره إنّ هناك خطأ، منذ ولادته، في تركيب شرايين الدّمع في عينيه. إنّه يبكي داخل عينيه لا خارجهما" (ص 63) ثمّ نقرأ "أحسّ بدمعة تترقرق من عينيه لتغرق وجهه"(ص 187).
وفي الكتاب بعض الأخطاء المطبعيّة كمثل ورود كلمة حتّى عوض عن كلمة متى "حاول أن تتذكّر أنّها انتهت... أو على الأصحّ حتّى بدأت" (ص184). وكلمة الصّدقة بدل الصّدفة (ص 132). وكثير من الأخطاء في وضع علامات الوقف من نقاط  وفواصل، وأخطاء من نوع "لولا بعضًا من حياء" (ص 32) والصّحيح لولا بعض... ، واستعمال عبارة "حظ سعيد" (ص 63) بمعنى التّمنّي.
"الرّقم الصّغير" رواية الذّكريات، رواية عن بيروت الّتي لا نعرفها، نحن أبناء المدينة المهدّمة. وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة، لا نجد إنّ هذه الرّواية شاخت، بل حافظت على مراهقة مشدودة بين العقل والعاطفة، مراهقة محبّبة لا يعيبها أنّها لم تنضج بعد.
ميّ م. الرّيحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
جريدة "النّهار" السّبت 28 كانون الثّاني 1995

(1)             "الرّقم الصّغير"، نبيل خوري، "دار رياض الرّيّس للكتب والنّشر" ـ الطّبعة الأولى  ـ  كانون الثّاني 1995.



يوسف سلامة على هدي أسلوبه حين يسخر يحترم القارئ (1995)



يوسف سلامة على هدي أسلوبه
حين يسخر يحترم القارئ
مرّة هو ي. س. ومرّة هو ي. سلام، ومرّة هو ياسين ياسين. وفي كلّ المرّات هو يوسف سلامة في مونولوغ حميم.
ويوسف سلامة هو نفسه إن في بيروت أو في السّويد أو في أميركا، ساخر لاذع لا يعرف الرّحمة، ومراقب حادّ النّظرة، إقتصاديّ وأديب يجمع منطق العلماء ولغة الأدباء. وصفه دقيق وجملته سريعة وافية لا تتركنا لاهثين وراءها.
وفي نصوص "عود الكبريت" (1) ـ آخر ما صدر ليوسف سلامة ـ سيجد القارئ هذه الشّخصيّات كلّها، وسيزور معها كلّ هذه الأمكنة، وسينتقل بين نص وآخر من الدّولار وعلاقته باللّيرة اللّبنانيّة إلى بابا نويل، إلى صيد العصافير، إلى أميركا ونظامها الاقتصاديّ الحرّ، إلى القلقشندي... وفي وسط الكتاب تمامًا، النّصّ الّذي أعطى عنوانه للكتاب: عود الكبريت، وهما كلمتان مأخوذتان من تلك العبارة الّتي أطلقها يوسف وهبي، في مسرحيّة "ماريوس" عن مارسيل بانيول: "شرف البنت زي عود الكبريت ما يولعش إلّا مرّة واحدة".
وفي "عود الكبريت" حديث طويل عن الأدب الأروتيكي، ونماذج مترجمة من هذا الأدب القديم: الغزل بين أنانا ودوموزي (مقطع من قصيدة سومريّة)، وبركة الزّنبق (أبيات باقية من قصيدة مفقودة 1580 ق. م.)، وعشاق أخيل (مقطع من قصيدة لسوفوكليس 496 – 406 ق. م.)، ومقاطع من نشيد الإنشاد، وأموريس (قصيدة للشّاعر الرّومانيّ أوفيد 43 ق. م. _ 17 م.). والكاماسوثرا (للنّاسك الهنديّ مالاناغا)، ومقطع من ألف ليلة وليلة.
يقول يوسف سلامة: "تكاد مراجع الأدب الأروتيكي في اللّغة العربيّة تكون شبه معدومة. فالرّقابة في بلادنا لا تميّز بين الأدب المبنيّ على شهوة الحبّ وبين البورنوغرافيا والدّعارة المبنيّة على الكلام البذيء. كلّه عند العرب صابون. كلّ كلام عن الجنس كلام مشبوه قبل سماعه، وكلّ كتاب عن الحبّ الجسديّ كتاب ممنوع من الصّرف والنّحو قبل قراءته" (ص 68).
ويتابع: "صدر من مدّة عن إحدى دور النّشر كتاب "الرّوض العاطر في في شذا الخاطر" للشّيخ التّونسي عمر بن محمّد النّغزاوي الّذي عاش وكتب مخطوطه في القرن السّادس عشر".
"في الغرب اعتبر هذا الكتاب اكتشافًا مهمًّا يوم عثر عليه في الجزائر ضابط في الجيش الفرنسيّ منتصف القرن التّاسع عشر... أمّا عندنا فصودر الكتاب في لغّته الأصل، ومنع من الدّخول. ويروى إنّ أحد المحقّقين في إصداره طلب من دار النّشر عنوان المؤلّف في تونس ورقم هاتفه" (لاحظوا السّخرية اللّاذعة... ).
ويقول الكاتب: "ثمة لغط شائع في معظم دول العالم إنّ مراجع الأدب الأروتيكي غير موجودة. وإنّها إذا ما وجدت فهي صعبة المنال، لكن الواقع هو العكس تمامًا. فالمراجع متوافرة بغزارة في المكتبات الجامعيّة والمؤسّسات العامّة، وموضوعة في تصرّف القارئ".
ويتابع الكاتب معدّدًا أسماء هذه المكتبات والمؤسّسات في جولة وافية. ويذكر عددًا من أسماء الأدباء والأديبات الّذين اهتمّوا بهذا الأدب وكتبوا فيه، لافتًا الانتباه إلى بعض الرّموز الّتي تشير إلى أسماء الأعضاء التّناسليّة عند الرّجل والمرأة.
وينتهي هذا الفصل بترجمات عن النّصوص الإنكليزيّة للنّصوص "الأوليّة للتّراث الأروتيكي" و"هذا التّراث عالم قائم بذاته، إذ تحتاج دراسة نصوصه إلى المعرفة المعمّقة لأكثر من عشرين لغة. وإلى عمر أطول من سنيّ المرء الباحث في ثنايا هذا التّراث".
ويلفت يوسف سلامة نظر القارئ إلى أنّه لا يمتهن حرفة التّرجمة، ويقول: "وإنّي بنيت ما فهمته من النّصّ الإنكليزي في نقله إلى العربيّة على قولين مأثورين: أوّلهما للإمام الدّينوري إذ قال: "أبلغ الكلام ما سابق معناه لفظه" والثّاني، مثل شعبيّ شائع "جود من الموجود". ألا يفرح القارىء حيث يجد إنّ الكاتب - وبأمانة علميّة محترمة – لا يخدعه بل يحترمه ويثق به ؟
في الصّفحة 68 من الكتاب عبارة إنّ الأدب الأروتيكي هو أدب الرّوح والجسد معًا. ولكن يوسف سلامه لا يحصر أدب الرّوح والجسد في الأدب الأروتيكي فقط، فهو حين ينتقل بنا من عالم بابا نوبل (هو هو هو - ص 127) إلى العالم الأميركي (أميركا أميركا - 133) ألا يعمل على التّأليف بين عالم الرّوح وعالم المادّة؟ والانتقال من الحديث عن الطّيور (دع الشّحرور يغنّي – ص 39 – لا طيور في سماء بيروت – ص 43) إلى البحث في تقلّبات سعر الدّولار (ص 107)، ألا يعني إنّ الإنسان لا يحيا بسماع زقزقة العصافير فقط ولا تشبعه رؤيتها تطير في سماء بلاده المستباحة؟ إنّ الكاتب حريص على ألا يغلب اتّجاهًا على آخر، بدونهما معًا كيف ينسجم الإنسان مع الطّبيعة والوجود، وكيف يتكامل؟
النّكتة اللّاذعة لا تغيب عن صفحات الكتاب، يطعّمها الكاتب بالكلمة العاميّة حين تدعو الحاجة، فتزداد العبارة قربًا من قارئها. تباعده وتدعوه إلى ابتسامة سخيّة. وقد تفرقع أحيانًا في ضحكة صاخبة: "كلّ أسبوعين تقصّ زوجتي شعر "سكوبي"، وتحمّمها بالماء الفاتر وبشامبو خاصّ بالكلاب. في يوم ممطر، اقترحت عليها مازحًا قصّ شعري بعد الانتهاء من قصّ شعر "سكوبي". فقبلت، وسلّمت أمري لقدري رغم إنّه لاحظ أنّها لا تعرف كيف تتكتك بالمقصّ. مع الوقت، خاصّة في الأيّام الماطرة، تقبّلت فن زوجتي وأعجبت به. وهي لا تزال تمارسه عليّ وعلى "سكوبي" أكثر من دزينة مرّات في كلّ سنة.
في السّنة الأولى لنكبتي المريحة سألني سامي (الحلّاق في بيروت) عن الحلّاق الّذي قرطم شعري. قلت له إنّه حلّاق سويدي ماهر. فصحّح القرطمة وسكت.
في السّنة الثّانية سألني عن الحمار الّذي جزّ شعري وكدوشه فاعترفت (ص 38).
وفي مكان آخر:
"اسمه القديس نقولا. الولي نقولا. الحاج نقولا.
هوهو
بابا نويل من عندنا !
بلدي وليس شغل برّه
وهو فوق ذلك، مستقيم الرّأي متأمّل !" (ص128).
أمّا الفصل الأكثر تعبيرًا عن الواقع الثّقافيّ في العالم العربيّ اليوم - وبيروت منه وفيه - فهو "شمس الأصيل" (ص 59). يبدأ الكاتب بلهجة خطابيّة يدعو فيها "مخاطبه" إلى الإنصات وعدم المقاطعة ليخبره عن وضع "الكلمة" اليوم وما آل إليه وضع أصحابها والمعتدين عليها. ومن كلامه: "أمّا في اللّقاءات الشّعريّة فكانت أعداد الذّواقين قليلة على رغم الإعلانات والعزومات، والصّور والتّطبيل والتّزمير المسبق. وكان الحضور في الأمسيات الّتي تشرّفت بحضورها يتضاءل تدريجًا، خاصّة في الفسحات الّتي كان الشّاعر يستغلّها لشرب جرعة ماء والتقاط أنفاسه بين قصيدة وأخرى وكثيرًا ما وجد الشّاعر نفسه وحيدًا في القاعة وهو يلقي آخر قصيدة في جعبته (ص 64).
... ويقرّر الكاتب الصّمت، لكنّه لا يصمت طويلًا "فالحيّ لا يسكت إلّا في القبر". وفتح دكّانًا جديدًا... "دكانًا للحوار، لاعتقادي – يقول الكاتب – إنّ الحقائق، بأشكالها المختلفة لا تظهر ولا تموت ولا تتجدّد، إلّا من خلال الحوار" (ص 65) "فإن كان عندك أفكار معلّبة فالق بها في بحرنا الملوّث وشاركنا في الأخذ والعطاء".
هل يجد هذا المكان زبائن أو سيصيبه الإفلاس لقلّة الرّاغبين في الحوار؟ يبدو إنّ يوسف سلامة متفائل على رغم ما يسمعه ويقرأ عنه من تعدّ على الحرّيّات وقمع للأفكار، ولا يسعنا إلّا ان نتفاءل معه.
ماري م. الرّيحاني
(الاسم المستعار لماري القصّيفي)
                                                              جريدة "النّهار" الخميس 16 شباط 1995

(1)             عود الكبريت، مقالات ونصوص عن دار نلسن – السّويد، والإهداء إلى بدر الحاج.

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.