من المنطقيّ أن تضع الأزمة الاقتصاديّة الخليج العربيّ أمام تساؤلات جديّة عن قدرته على مواجهة التحديّات على مختلف مستوياتها، فإذا القينا نظرة إلى المستقبل القريب ووجدنا العالم قد وضع يده على مصادر جديدة للطاقة، لا بدّ من التساؤل: هل سيبقى الخليج مقصدًا للتجارة والإعلام؟
أطرح هذا السؤال وفي بالي الهجمة اللبنانيّة، على سبيل المثال، على الخليج، وتحديدًا على جانب واحد على الأقلّ من جوانب الخلجنة، وهو الأغنية. فبعد تسابق محموم للغناء باللهجة الخليجيّة وصولاً إلى أكثرها محليّة، يبدو السؤال مشروعًا إن كانت هذه الفورة تهدف فعلاً إلى البحث عن أساليب فنيّة جديدة ولغة جديدة وإيقاع جديد أم هو مجرّد بحث عن مموّل ومنتج وسوق ومستمع يملك القدرة الشرائيّة.
لقد بدا الأمر في مرحلة الفورة الاقتصاديّة كأنّ كلّ ما يصدر في الخليج جميل ورائع ويستحقّ الاهتمام والتبنّي، من الصحافة إلى الرواية إلى المسلسل التلفزيونيّ إلى الأغنية إلى أنواع الطعام إلى العطر إلى ما كلّ ما يتّصل بخصوصيّة هذه المملكة أو تلك الإمارة. ولم يكن ثمّة مجال للغربلة في ظلّ الثروة الاقتصاديّة وحاجة سائر شعوب المنطقة إلى أسواق. أمّا الآن فيبدو الأمر كلّه أمام استحقاقات مهمّة ودقيقة، لا أعرف فعلاً إلى أيّ حدّ يعيها الخليجيّون ويرسمون الخطط لمواجهتها. فمع تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة ووصولها إلى دول الخليج، وبدء ترحيل العمّال والموظّفين غير الخليجيّين بعد الاستغناء عن خدماتهم، وهو أمر مفهوم ومتوقّع، لا بدّ من ترقّب ما ستؤول إليه الأمور وكيف ستستطيع "الخلجنة" أن تقاوم انفكاك الناس عنها. إذ لا يغيب عن بال المفكّرين الخليّجيّين أنّ الحركة العمرانيّة والمؤسّساتيّة والخدماتيّة قامت على تضافر جهود كثيرين من خارج أبناء الخليج، وتطبّعت بطبعهم وتبنّت أساليبهم من دون أن يترافق ذلك مع فكر خليجيّ واضح يحدّد الأطر العامّة لهذه الإنجازات أو يضع بصمته عليها، فأتت هجينة من كلّ لغة ولون ولم تصبّ في بوتقة واحدة.
وقد يكون من الأهميّة بمكان أن نسأل إن كان هناك هويّة خليجيّة واحدة جامعة يصحّ أن يحملها كلّ أبناء الخليج أيًّا تكن دولهم وممالكهم وإماراتهم. وإن كانت الخلجنة السعوديّة هي نفسها الكويتيّة أو الإماراتيّة أو البحرينيّة أو القطريّة؟
في بالي وأنا أطرح هذه التساؤلات ما كنت أسمعه من اللبنانيّين قبل الأزمة وما صرت أسمعه بعده. وحين أقول اللبنانيّين لا أقصد أن أحصر الأمر بهم بقدر ما أنقل ما أنا شاهدة عليه كوني لبنانيّة، وأكاد أجزم أنّ الأمر يصح على غيرهم ممّن استفاد من البحبوحة الخليجيّة وممّن بدأ يخشى على مصيره بعد الأزمة العالميّة.
فقبل أشهر كانت العبارة الأكثر تداولاً: لقد حوّل العرب الصحراء جنّة. اليوم صارت: إمبراطوريّة قامت على رمل لا على صخر. وأنا حين أسمع ذلك من مدراء أو موظّفين أو عمّال أعطي الأمر أهميّة لأنّ ما يقوله الناس عفو الخاطر ومن دون دراسات وإحصاءات مؤشّر معبّر لا يجوز التغاضي عنه. ولعلّ الفضائح التي بدأت تنتشر في وسائل الإعلام الغربيّة والعربيّة عن ممارسات شاذّة في أكثر من عائلة حاكمة دليل على تغيّر ما لا بدّ من ترقّب نتائجه.
خلال الحكم العثمانيّ، توجّه الناس إلى مصر بحثًا عن الحريّة والعمل، وبقي من آثار تلك المرحلة صحف ودواوين وأفلام وأقلام ومسرح. وحين ازدهر لبنان قبل الحرب توجّه المضطهدون في بلدانهم إليه طمعًا بالحريّة والعمل، وكانت النتيجة حركة ثقافيّة أنتجت عقائد ومهرجانات ومسرحيّات وأغنيات ودور نشر. وقبل وقت تحوّل الناس إلى الخليج بحثًا عن الأمن والعمل، والسؤال الآن هل ستكون النتيجة مجرّد أبراج تلعب فيها الرياح أم ثمّة ما سيبقى للمستقبل عن مرحلة ازدهار لا بدّ من أن تنتقل إلى مكان آخر انصياعًا لحركة التاريخ وتغيّرات الأزمنة وتحوّل المصالح؟
أطرح هذا السؤال وفي بالي الهجمة اللبنانيّة، على سبيل المثال، على الخليج، وتحديدًا على جانب واحد على الأقلّ من جوانب الخلجنة، وهو الأغنية. فبعد تسابق محموم للغناء باللهجة الخليجيّة وصولاً إلى أكثرها محليّة، يبدو السؤال مشروعًا إن كانت هذه الفورة تهدف فعلاً إلى البحث عن أساليب فنيّة جديدة ولغة جديدة وإيقاع جديد أم هو مجرّد بحث عن مموّل ومنتج وسوق ومستمع يملك القدرة الشرائيّة.
لقد بدا الأمر في مرحلة الفورة الاقتصاديّة كأنّ كلّ ما يصدر في الخليج جميل ورائع ويستحقّ الاهتمام والتبنّي، من الصحافة إلى الرواية إلى المسلسل التلفزيونيّ إلى الأغنية إلى أنواع الطعام إلى العطر إلى ما كلّ ما يتّصل بخصوصيّة هذه المملكة أو تلك الإمارة. ولم يكن ثمّة مجال للغربلة في ظلّ الثروة الاقتصاديّة وحاجة سائر شعوب المنطقة إلى أسواق. أمّا الآن فيبدو الأمر كلّه أمام استحقاقات مهمّة ودقيقة، لا أعرف فعلاً إلى أيّ حدّ يعيها الخليجيّون ويرسمون الخطط لمواجهتها. فمع تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة ووصولها إلى دول الخليج، وبدء ترحيل العمّال والموظّفين غير الخليجيّين بعد الاستغناء عن خدماتهم، وهو أمر مفهوم ومتوقّع، لا بدّ من ترقّب ما ستؤول إليه الأمور وكيف ستستطيع "الخلجنة" أن تقاوم انفكاك الناس عنها. إذ لا يغيب عن بال المفكّرين الخليّجيّين أنّ الحركة العمرانيّة والمؤسّساتيّة والخدماتيّة قامت على تضافر جهود كثيرين من خارج أبناء الخليج، وتطبّعت بطبعهم وتبنّت أساليبهم من دون أن يترافق ذلك مع فكر خليجيّ واضح يحدّد الأطر العامّة لهذه الإنجازات أو يضع بصمته عليها، فأتت هجينة من كلّ لغة ولون ولم تصبّ في بوتقة واحدة.
وقد يكون من الأهميّة بمكان أن نسأل إن كان هناك هويّة خليجيّة واحدة جامعة يصحّ أن يحملها كلّ أبناء الخليج أيًّا تكن دولهم وممالكهم وإماراتهم. وإن كانت الخلجنة السعوديّة هي نفسها الكويتيّة أو الإماراتيّة أو البحرينيّة أو القطريّة؟
في بالي وأنا أطرح هذه التساؤلات ما كنت أسمعه من اللبنانيّين قبل الأزمة وما صرت أسمعه بعده. وحين أقول اللبنانيّين لا أقصد أن أحصر الأمر بهم بقدر ما أنقل ما أنا شاهدة عليه كوني لبنانيّة، وأكاد أجزم أنّ الأمر يصح على غيرهم ممّن استفاد من البحبوحة الخليجيّة وممّن بدأ يخشى على مصيره بعد الأزمة العالميّة.
فقبل أشهر كانت العبارة الأكثر تداولاً: لقد حوّل العرب الصحراء جنّة. اليوم صارت: إمبراطوريّة قامت على رمل لا على صخر. وأنا حين أسمع ذلك من مدراء أو موظّفين أو عمّال أعطي الأمر أهميّة لأنّ ما يقوله الناس عفو الخاطر ومن دون دراسات وإحصاءات مؤشّر معبّر لا يجوز التغاضي عنه. ولعلّ الفضائح التي بدأت تنتشر في وسائل الإعلام الغربيّة والعربيّة عن ممارسات شاذّة في أكثر من عائلة حاكمة دليل على تغيّر ما لا بدّ من ترقّب نتائجه.
خلال الحكم العثمانيّ، توجّه الناس إلى مصر بحثًا عن الحريّة والعمل، وبقي من آثار تلك المرحلة صحف ودواوين وأفلام وأقلام ومسرح. وحين ازدهر لبنان قبل الحرب توجّه المضطهدون في بلدانهم إليه طمعًا بالحريّة والعمل، وكانت النتيجة حركة ثقافيّة أنتجت عقائد ومهرجانات ومسرحيّات وأغنيات ودور نشر. وقبل وقت تحوّل الناس إلى الخليج بحثًا عن الأمن والعمل، والسؤال الآن هل ستكون النتيجة مجرّد أبراج تلعب فيها الرياح أم ثمّة ما سيبقى للمستقبل عن مرحلة ازدهار لا بدّ من أن تنتقل إلى مكان آخر انصياعًا لحركة التاريخ وتغيّرات الأزمنة وتحوّل المصالح؟