في انتظار غودو
1 - الشجرة العارية التي جلس عند جذعها أستراغون وفلاديمير بطلا مسرحيّة "في انتظار غودو" هي ما كان ينتظره الرجلان لو نظرا ورأيا. كان الرجلان موعودين بالمنتظَر الذي كان يعطي إشارات متباعدة إلى أنّه آت حتماً، ومع مرور الوقت، كان الانتظار يتحوّل مكانًا آمناً يخشى الرجلان الخروج منه لئلا يقعا في الفراغ، وصار الانتظار العقيم بديلاً من الشجرة التي كان ممكناً أن تكون خضراء مثمرة ظليلة لو انشغل المنتظران بتقليب تربة أرضها وتشذيب أغصانها وريّها، وهي التي لا تزال تحمل في نسغها بعض حياة. وهل يمكن أن تكون الشجرة استعادت الحياة في الفصل الثاني من المسرحيّة بعدما روتها أخبار الرجلين وحكاياتهما، عوضاً عن الماء، بالكلمات/ الأسئلة/ الشعر؟ وهل الرواية نوع من الريّ؟
*****
2- انتظار القطار أوصل القطار في مسرحيّة "المحطّة" للأخوين رحباني، ربّما لأنّ المنتظِر (بكسر الظاء) كان مستعداً للسفر، ولأنّ من بشّر بوصول القطار يتجوّل على الطرق مبشّراً بالحلم، مؤمناً به، يسبقه، ولأنّ القطار المنتظَر (بفتح الظاء) يحمل لا بدّ أكثر من مسافر، وينتظره أكثر من منتظِر.
*****
3 - عنصران أساسيّان نصل إليهما إذاً: الحركة والجماعة. عند بيكيت جمود وعند الرحبانيّين حركة (الحركة بركة). عند بيكيت رجلان قد يكونان رجلاً ومرآته، لو كان معه امرأة لانتظرا طفلاً وكوّنا مجتمعًا وهذا ما لا يؤمن به بيكيت، وعند الرحبانيّين قرية وعيد ولصوص ومتسوّلون وزوجات أي كلّ ما يمكنه أن يكوّن مجتمعًا (الجنّة بلا ناس ما بتنداس).
*****
4 - من الأدب الغربيّ، وصلت إلينا حكايات الأطفال حيث تنتظر المرأة وصول المخلّص: سندريلاّ انتظرت الساحرة الطيّبة ولم تتعلّم خياطة الملابس، ذات الجديلة انتظرت كي يطول شعرها ولم تتعلّم حياكة حبل، الأميرة النائمة انتظرت قبلة الأمير ولم تفعل شيئاً لأنّها في كلّ بساطة كانت... نائمة. ولعلّ هذا ما يميّز شخصيّة شهرزاد التي أتى خلاصها من رأسها وقراءاتها ومخيّلتها. في حكايات غربيّة أخرى أمير/ضفدع ينتظر الحبّ، ومارد قبيح ينتظر قبلة تزيل عنه السحر الأسود وتعيده شاباً وسيماً.
*****
5 - الشرق ينتظر المسيح المخلّص، المهدي المنتظر، عودة الراحلين في قمصان جديدة هي الأجساد المنتظِرة من يحلّ فيها لتنطلق في رحلة الانتظار من جديد. في الشرق مجتمع كامل ينتظر نجمًا يقود الرعاة المساكين والبدو الهائمين، عيونهم إلى السماء دومًا فضاعت الأرض.
*****
6 - في معجم ألفاظنا اليوميّة ترد كلمة الانتظار في شكل لم نعد نعيره اهتماماً: غرف الانتظار، انتظار المولود، انتظار الشفاء، انتظار الموت، انتظار قرع الجرس في المدرسة، انتظار وصول المسافر، انتظار راتب آخر الشهر، انتظار سيّارة التاكسي، انتظار الإشارة الخضراء، انتظار النادل في المقهى، انتظار نتائج الامتحان، انتظار الحبّ، انتظار عطلة نهاية الأسبوع، انتظار عطلة الصيف، انتظار جائزة نوبل... كأنّنا لا نفعل إلاّ الانتظار.
*****
Inbox (0) - 7: علبة البريد هي التي تغيّرت، الانتظار لا يزال كما كان مذ اختبرته أوّل امرأة. لم تعد علبة البريد أمام الباب، بل في غرفة النوم قرب السرير. ليس ثمّة خوف اليوم من أن ترصد الجارات الحسودات توقّف ساعي البريد أمام منزل الفتاة حاملاً رسالة من حبيب غائب، أو في أن تلتقط عيونهنّ دمعة عالقة على هدبها حين تعرف أن لا رسالة لها. صارت الرسائل تصل بسرعة البرق ومن دون صخب الرعد، ولكن الانتظار لا يزال كما كان، تختلط فيه المشاعر وتولد خلاله الأحلام وتموت الرغبات. لا تزال المرأة تنتظر، على رغم ثورتها وتحرّرها، أن يرسل إليها الرجل إشارة أو رسالة. ولا يزال الوجع كما هو حين تبقى علبة البريد فارغة.
*****
8 - بينيلوب لم تستقبل أوليس زوجها الذي انتظرته طويلاً، كان ذلك الذي وصل رجلاً آخر أغرمت به، وصودف أنّه كان زوجها.
*****
9- أنا في انتظارك "ملّيت" (ملأت) أيّامي بسواك، فنسيت أنّني كنت أنتظرك.
*****
* صحيفة النهار - الثلاثاء 3 تشرين الثاني 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق