على بطاقة الدعوة كتب الشاعر (أو الناشر بالنيابة عنه) إنّه يتشرّف بدعوتنا إلى حفلة توقيع كتابه. طبعًا المدعوون هم المحرّرون في الصفحات الثقافيّة، والإعلاميّون (وهي تسمية لبنانيّة تعني كلّ من ظهر على الشاشة ولو للتبصير والتنجيم) وأقرباء الشاعر وبعض المعجبين بشخصه الكريم، فضلاً عن شعراء سبق له وشارك في احتفالات توقيع كتبهم. وكما تراني يا جميل أراك.
بعض دور النشر تفرض على الأدباء هذه الحفلات وخصوصًا إذا كانوا في بداية مشوارهم الأدبيّ أو إذا كان أحدهم من النجوم التلفزيونيّة التي تستقطب الشريحة الكبرى من النساء والصبايا اللواتي يهرعن للوقوف إلى جانبه والتقاط الصور معه.
يحلو لي في مواسم معارض الكتب أن أقف متفرّجة على هذه الحفلات التي توحي لي بأنّني أمام سوق نخاسة من النوع المهذّب. وكنت أتابع بنظراتي بعض الأشخاص وهم يرمون الكتب التي وقّع لهم عليها الكاتب في سلّة المهملات بعدما قاموا بدورهم الاجتماعيّ وحرّكوا عجلة الاقتصاد في سوق الكتب الشحيح الموارد، والذي لا ينتعش إلاّ في مواسم المعارض، جاذبة المتنزّهين والضجرين والعجزة.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها في هذه العجالة: ما الذي يدفع أدباء ميسورين إلى هذه الحفلات المهينة نظرًا لتصرّفات الضيوف فيها؟ لماذا يخترق قارئ ما الصفوف المتراصّة ليحظى بتوقيع ذيّل به الكاتب عبارة سخيفة سبق وكتبها للعشرات قبله؟ ولماذا لا نسمّي الأشياء بأسمائها ونقول إنّ الحفلة هي حفلة بيع كتب يعود ريعها إلى جيبي الكاتب والناشر والمطلوب هو جمع مبلغ من المال يشجّع الكاتب على كتابة المزيد من الكتب؟
رفضت في مناسبتين أن أرضخ لطلب دار النشر فأدعو إلى حفلة توقيع كتابيّ. قلت للناشر الصديق: أنا لا أعرف كيف أكذب على هؤلاء الناس فأكتب لهم عبارات محضّرة سلفًا وفي ازدحام المدعوين قد أوزّعها على غير مستحقّيها. وأنا في طبيعتي البشريّة الضعيفة أحتاج إلى بعض الوقت كي أفكّر في ما أكتبه في صدق لكلّ قارئ وصحافيّ وشاعر (الصدق يعني احتمال الهجاء قبل المديح).
طبعًا لم تكن هذه الحجج تقنع الناشر الذي يحسب الأمور بطريقة مختلفة. وتبيّن أنّ الحقّ معه فالقرّاء الذين كانوا يتابعونني عبر الصحف لم يشتروا الكتابين وحجّتهم الوحيدة أنّني لم أدع إلى حفلة توقيع ليروني خلالها ويتعرّفوا إليّ.
Alphonso Bresmez |
حسنًا أيّها القرّاء الأعزّاء، عند إصدار كتابي الجديد سأدعو الراغبين منكم في شرائه إلى حفلة عظيمة أوقع فيها نسخًا من كتابي العظيم على أرجلكم لتعودوا إلى البيت وكلّ واحد منكم يلعن الساعة التي قبل فيها المجيء إلى حفلة "توقيع" تقيمها امرأة غاضبة. وليضرب الناشر رأسه في حائط عنادي ورغبتي في الفقر الاختياري...ففي كلّ الأحوال لن أنال جوائز على إبداعي وخصوصًا جائزة نوبل. على كلّ حال أرجو ألاّ يحصل ذلك، لأنّني سأحمل عند ذلك همّ التفكير في الفستان الذي سأرتديه إلى هذه المناسبة العظيمة التي سأرفع فيها اسم لبنان عاليًا كما تفعل عادة ملكات الجمال، ثمّ يتبيّن أنّ كلّ ما رفعنه هو الأنف والصدر والمؤخّرة والفستان والرصيد في المصرف، وهذا بالطبع ما أعجز عن تحقيقه.
هناك تعليقان (2):
في الحقيقة لست من الناشرين و لا أقترب من أن أكون.. أي أنني لم أحضر حفل توقيع كتابٍ من قبل, حضرت محاضرات و ندوات و طاولات مستديرة لكتّاب و شعراء و غيرهم (و للمفارقة حضرت أغلبها منذ بدأت إقامتي في الغرب).
لست من حيث المبدأ ضد فكرة حفل التوقيع كمناسبة للإعلان عن الكتاب و لتواصل الكاتب مع جمهوره (إن كان يرغب طبعاً) و قد تكون فرصة للمناقشة و تبادل وجهات النظر, خصوصاً أنه سيكون هناك من قرأ الكتاب قبل وضعه في التداول في السوق. و طبعاً أعني ذلك كطقس ثقافي, كنشاط فكري... ليس كفرصة لكي تَرى و تُرى و لكي تلتقط الصور و تقوم بالواجب و كأنك في عزاءٍ أو فرح.
تحية
الندوات والطاولات المستديرة وتبادل الرأي والنقاش أمور حيويّة وأساسيّة في عالم الكتب والثقافة، غير أنّ ما رأيته وأراه في حفلات التوقيع (في لبنان على الأقل) لا يمتّ بصلة إلى تبادل الفكر بل هو أقرب إلى تبادل الزيارات الاجتماعيّة
إرسال تعليق