السبت، 14 نوفمبر 2009

الفنّ بين الفرديّة والمجتمع



قالت الممثّلة الأميركيّة الراحلة كاثرين هيبورن في إحدى المقابلات: كنت أفضّل أن أكون رسّامة عظيمة أو كاتبة كبيرة. التمثيل فنّ قاصر المشكلة فيه أنّه يتطلّب أن تتعاون مع آخرين. أعتقد أنّ الاعتماد على الذات أكثر إرضاء لي من أن أكون جزءًا من آلة كبرى.
ويوافق على هذا الكلام النقّاد ومؤرّخو الفنّ السابع الذين يؤكّدون أنّ الممثّلة الأميركيّة القديرة عشقت السينما ولكنّها كرهت الجانب الجماهيريّ، معتبرة أنّ في ذلك تذلّلاً للناس، وهي بالفعل لم تكن تهتمّ سواء أحبّها الناس أم كرهوها.
في المقابل، اعتبرت المخرجة المسرحيّة والممثّلة نضال الأشقر أنّنا في بلادنا العربيّة نفشل في العمل الجماعيّ وننجح في الأعمال الفرديّة، لذلك، بحسب رأيها، نجحنا مثلاً في الشعر والرواية والرسم ولم ننجح في المسرح والموسيقى السيمفونيّة والأفلام.
من نافل القول أنّ كلا القولين الصادرين عن كبيرتين، كلّ في مجالها ومكانها، صحيح ومتكامل بشكل واضح. ففي الولايات المتحدة حيث أثبتت "الآلة الكبرى"، كما سمّتها، قدرتها على جزّ كلّ ما يعترض طريقها من أعشاب ضارّة وطوّعت الفرد ليكون عنصرًا بسيطًا من مجموعة كبيرة، يحتاج المرء إلى فسحته الخاصّة حيث يعبّر كما يريد ويكتب ما يريد ويفكّر كما يريد. أمّا عندنا، حيث تطغى النزعة الفرديّة ونجد صعوبة في التعاون مع الآخر، فنحتاج إلى إعادة نظر في موروثاتنا الفكريّة والاجتماعيّة ومعالجة مشاكلنا النفسيّة كي نستطيع أن ننتج عملاً ناجحًا تتضافر فيه الجهود ولا يلغي أحد دور أحد.
عندنا في لبنان فنّان موهوب اسمه جورج خبّاز، اعترف له الفنّان القدير دريد لحّام بالموهبة وأعلن أنّه سيتعاون معه في عمل مسرحيّ. عندما أراقب أعمال خبّاز أكتشف أنّه يصعب عليه التعامل مع أحد، ففي مسرحيّاته هو الكاتب والمنتج والمخرج والممثّل ومؤلّف الأغنيات وملحّنها، ولذلك فثمّة ثغرة في كلّ وظيفة من هذه الوظائف. وينطبق هذا التوصيف على باسم فغالي، الذي يقوم بكلّ المهمّات لأداء أدواره، وكذلك على مقدّمي البرامج الحواريّة الذين يرفضون الاستعانة بمعاونين أو مستشارين بل يفرضون شروطهم بالاكتفاء بموظّفين يلبّون أوامرهم.
لا نزال إبداعيًّا نعيش في العصر الجاهليّ ونكتب قصيدة قائمة على أبيات متفرّقة لا رابط بينها إلاّ الوزن والرويّ والقافية. ولم نتعلّم بعد أن نكون أجزاء مترابطة ومتعاونة من منظومة واحدة. وإذا كان كلام كاترين هيبورن يصحّ في الرسم والكتابة في لحظة الإبداع فإنّ التسويق والعرض والبيع والتصحيح والتوجيه والإعلان والنشر مهمّات لا يقوم بها الرسّام أو الكاتب في الولايات المتحدّة وسواها من بلدان العالم المتمدّن بل يكلها إلى متخصّصين.
وإلى حين نتعلّم التعاون وقبول الآخر لنصير قصيدة منسجمة ذات وحدة عضويّة سنبقى طويلاً بيوتًا متفرّقة وقبائل متناحرة.

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.