في بيروت ...قديمًا
لا نستطيع طبعًا ذكر اسم المطعم الذي افتتح مؤخّرًا في بيروت، وفي بيروت يفتتح كلّ يوم مطعم جديد، لكي لا تتحوّل الكتابة حملة إعلانيّة تسوّيقيّة. ولكن لا بدّ من الحديث عن الحالة التي خلقها هذا المطعم والقصص الطريفة التي تنشر حول فكرته وأثاثه والإقبال الشديد عليه.
حين دعاني أحد الأصدقاء، وهو نيّق لا يعجبه العجب، إلى المطعم الجديد ظننت أنّه سيصطحبني إلى واحد من تلك المطاعم الأنيقة المعلّقة فوق أبراج بيروت وفنادقها الراقية، أو تلك التي تمدّ موائدها وصولاً إلى البحر الدافئ، غير أنّني فوجئت بأنّني أقف أمام مطعم يشبه بيتنا ذا الطابع القرويّ: طاولات عتيقة من الفورمايكا أو الخشب لا تختلف عن تلك التي كانت في بيت جدّي، وأغطية ذات زهور صغيرة من النايلون كتلك التي كان يحملها الباعة المتجوّلون في القرى، وكراسي توحي بأنّها عتيقة ومخلّعة وطبعًا هي ليست كذلك، وأدوات زراعيّة، وأطباق لبنانيّة تراثيّة وطبعًا: أراكيل من مختلف النكهات.
ولكن ما أضافه أصحاب المطعم وهم خمسة شركاء من العاملين في حقل المطاعم هو الحكاية.
فعلى لائحة الطعام وعلى الحيطان صور وأخبار عن رجل من المفترض أنّه والد صاحب المطعم. وأمام الباب سيّارة كاديلاك عتيقة كانت للوالد المملوءة حياته مغامرات ونساء وقبضايات وفنّانات وسياسيّين ورحلات، وما إلى ذلك من عناصر التشويق التي تجعل الحكاية قابلة لمزيد من تفاصيل وإضافات لن تبخل بها مخيلة الجالسين حول الموائد العامرة بالطعام الذي عادة ما نتركه في البيت وندفع ثمنه الباهظ في المطعم.
قلت لصديقي مازحة: لو علمت أمّي بأنّنا ندفع هذا المبلغ ثمن صحن اللبنة لما نامت الليل بسبب الإحساس بالغبن. ثمّ تابعتُ بكثير من الجدّ والرغبة في الفهم: نحن نتردّد في دعوتك إلى تناول العشاء تحت العريشة أمام منزلنا القرويّ على اعتبار أنّك تحبّ المطاعم الأجنبيّة ومفارش الموائد ذات الماركات العالميّة، فكيف تبدو مرتاحًا هنا؟ فكان جوابه المختصر: هون غير شي.
نعم، هنا في المطعم، تبدو الأمور مختلفة، وما كان مهملاً في القرية ومرميًّا في الحقول صار أدوات زينة تلفت الانتباه وتدعو أبناء المدينة إلى أن يتفحّصوها وأن يعرفوا أسماءها وطرق استخدامها، وعلى وجوههم إمارات الفرح الطفوليّ باكتشاف أمر غريب. حتّى حكاية الرجل الذي ترك ابنه الوحيد للخوض في عالم المغامرات ولم يترك له سوى طرابيشه النبيذيّة اللون، صارت مجموعة من الحكايات نكتشفها حين نسمع على الطاولات المجاورة أحاديث تحاول أن تكتشف صحّة الحكاية، أو تحاول أن تحلّلها أو تلصق بها ما علق في الذاكرة من حكايات تشبهها.
لا شكّ أنّ من يقف خلف مشروع الحكاية، أكانت حقيقيّة أم متخيّلة، بارع في التسويق ويعرف أنّ الناس على اختلاف أعمارهم يحبّون الحكايات ويحبّون كلّ ما هو جديد، حتّى ولو كان هذا الجديد طربوشًا قديمًا، أو طبقًا تقليديًّا أعطاه أصحاب المطعم اسم الزوجة التي أهملها رجل الحكاية فاهتمّت وحدها بابنها.
أدعوكم إلى زيارة هذا المطعم قبل أن يضجر الناس منه، ويضطر أصحاب المطعم أنفسهم إلى تغيير طبيعة المكان والديكور والحكاية ليجذبوا الزبائن أنفسهم ولكن بـ"إدارة جديدة" وإرادة لا تنثني عن اختراع الحكايات وتسويقها في عالم يبحث كلّ يوم عن فكرة ذكيّة وجديدة.
حين دعاني أحد الأصدقاء، وهو نيّق لا يعجبه العجب، إلى المطعم الجديد ظننت أنّه سيصطحبني إلى واحد من تلك المطاعم الأنيقة المعلّقة فوق أبراج بيروت وفنادقها الراقية، أو تلك التي تمدّ موائدها وصولاً إلى البحر الدافئ، غير أنّني فوجئت بأنّني أقف أمام مطعم يشبه بيتنا ذا الطابع القرويّ: طاولات عتيقة من الفورمايكا أو الخشب لا تختلف عن تلك التي كانت في بيت جدّي، وأغطية ذات زهور صغيرة من النايلون كتلك التي كان يحملها الباعة المتجوّلون في القرى، وكراسي توحي بأنّها عتيقة ومخلّعة وطبعًا هي ليست كذلك، وأدوات زراعيّة، وأطباق لبنانيّة تراثيّة وطبعًا: أراكيل من مختلف النكهات.
ولكن ما أضافه أصحاب المطعم وهم خمسة شركاء من العاملين في حقل المطاعم هو الحكاية.
فعلى لائحة الطعام وعلى الحيطان صور وأخبار عن رجل من المفترض أنّه والد صاحب المطعم. وأمام الباب سيّارة كاديلاك عتيقة كانت للوالد المملوءة حياته مغامرات ونساء وقبضايات وفنّانات وسياسيّين ورحلات، وما إلى ذلك من عناصر التشويق التي تجعل الحكاية قابلة لمزيد من تفاصيل وإضافات لن تبخل بها مخيلة الجالسين حول الموائد العامرة بالطعام الذي عادة ما نتركه في البيت وندفع ثمنه الباهظ في المطعم.
قلت لصديقي مازحة: لو علمت أمّي بأنّنا ندفع هذا المبلغ ثمن صحن اللبنة لما نامت الليل بسبب الإحساس بالغبن. ثمّ تابعتُ بكثير من الجدّ والرغبة في الفهم: نحن نتردّد في دعوتك إلى تناول العشاء تحت العريشة أمام منزلنا القرويّ على اعتبار أنّك تحبّ المطاعم الأجنبيّة ومفارش الموائد ذات الماركات العالميّة، فكيف تبدو مرتاحًا هنا؟ فكان جوابه المختصر: هون غير شي.
نعم، هنا في المطعم، تبدو الأمور مختلفة، وما كان مهملاً في القرية ومرميًّا في الحقول صار أدوات زينة تلفت الانتباه وتدعو أبناء المدينة إلى أن يتفحّصوها وأن يعرفوا أسماءها وطرق استخدامها، وعلى وجوههم إمارات الفرح الطفوليّ باكتشاف أمر غريب. حتّى حكاية الرجل الذي ترك ابنه الوحيد للخوض في عالم المغامرات ولم يترك له سوى طرابيشه النبيذيّة اللون، صارت مجموعة من الحكايات نكتشفها حين نسمع على الطاولات المجاورة أحاديث تحاول أن تكتشف صحّة الحكاية، أو تحاول أن تحلّلها أو تلصق بها ما علق في الذاكرة من حكايات تشبهها.
لا شكّ أنّ من يقف خلف مشروع الحكاية، أكانت حقيقيّة أم متخيّلة، بارع في التسويق ويعرف أنّ الناس على اختلاف أعمارهم يحبّون الحكايات ويحبّون كلّ ما هو جديد، حتّى ولو كان هذا الجديد طربوشًا قديمًا، أو طبقًا تقليديًّا أعطاه أصحاب المطعم اسم الزوجة التي أهملها رجل الحكاية فاهتمّت وحدها بابنها.
أدعوكم إلى زيارة هذا المطعم قبل أن يضجر الناس منه، ويضطر أصحاب المطعم أنفسهم إلى تغيير طبيعة المكان والديكور والحكاية ليجذبوا الزبائن أنفسهم ولكن بـ"إدارة جديدة" وإرادة لا تنثني عن اختراع الحكايات وتسويقها في عالم يبحث كلّ يوم عن فكرة ذكيّة وجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق