وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة تحتار عند الأزمات السياسيّة في ما تبثّه من برامج وأغنيات. فهل دورها في المراحل الدقيقة إلهاء الناس عمّا يجري في غزّة أو لبنان أو اليمن أو العراق، وبالتالي دعوة الناس إلى متابعة الحياة كأنّ شيئًا لا يجري، أو أنّ من واجبها القوميّ العمل على تعبئة شاملة واستنهاض الهمم وبثّ روح المقاومة في الناس تضامنًا مع هذه الجهة أو تلك؟
الاتجاهات السياسيّة لكلّ مؤسّسة إعلاميّة تحدّد بلا شكّ نوع البرامج التي تبثّ والأغنيات التي تذاع واللهجة التي على الإعلاميّين استخدامها في تقديم الأخبار والبرامج السياسيّة عند وقوع أمر طارئ. ولذلك ترى الإذاعات أنّ الأغنيات الوطنيّة ومسرحيّات الأخوين رحباني خير مخرج في هذا الوضع الدقيق، أمّا التلفزيونات التي لم ترغب في الحديث على مدار الساعة عن الأوضاع الدقيقة في الوطن العربيّ فتختار الأفلام الوثائقيّة والبرامج التثقيفيّة لتعرضها على جمهورها في محاولة للهرب من مأزق قد تقع فيه إن اتخذت موقفًا واضحًا. غير أنّ العقل لا يستطيع إلاّ أن يسأل القيّمين عن تلك المؤسّسات عن هذا الميل المفاجئ في اتجاه الثقافة والتاريخ والعلم والموسيقى الكلاسيكيّة والأغنيات الوطنيّة في وقت تبدو فيه أعصاب الناس مشدودة ولا تحتاج إلى مزيد من الشحن "الوطنيّ" أو التعبئة "الثقافيّة" ؟ وأين كانت الثقافة قبل ذلك وهل تتعارض مع الحياة والفرح والسلام؟ وهل الوطن موسم، له بداية ونهاية، وبالتالي لا تذاع الأغنيات التي تتغنّى بأرضه وترابه إلاّ عندما يدقّ ناقوس الخطر وتتساقط القذائف على رؤوس الناس؟ وهل يعرف المسؤولون في الإعلام أنّ الموسيقى الكلاسيكيّة ليست محصورة بالحزن، وأكثرُ ما فيها، وما يبثّ غالبًا منها، وبسبب جهل فاضح، فرحٌ ومجد وانتصار وأعراس واحتفالات؟ وقد أحسنت إذاعة "صوت الشعب" اللبنانيّة صنعًا حين أعطت لبرنامج تثقيفي عن الموسيقى الكلاسيكيّة اسم "ما حدا مات" إذ جرت العادة في لبنان أن تبثّ وسائلُ الإعلام المرئيّة والمسموعة الموسيقى الكلاسيكيّة عند وفاةٍ تفرض الحداد الوطنيّ على البلاد. ومن المعروف أنّ هذا الخيار جاء كمهرب من التزام دينيّ رسميّ في حال بثّت صلوات لهذه الطائفة أو تلك، لأنّ الموسيقى الكلاسيكيّة محايدة وليست محسوبة على طائفة أو دولة أو حزب، وكذلك فيروز والأفلام الوثائقيّة والصور المتحرّكة. أمّا صباح فللفرح، ووديع الصافي فللجنوب وللمغتربين فقط وفي أغنيات محدّدة، وماجدة الرومي وباسكال صقر محسوبتان على فريق 14 آذار، وجوليا بطرس ومارسيل خليفة وأميمة الخليل وأحمد قعبور وخالد الهبر وشيخ إمام لجماعة 8 آذار. ويغيب الآخرون، كلّ الآخرين، في زمن الحروب والموت، كأنّهم أكثر هشاشة من أن يحتلموا خوفنا وغضبنا ويأسنا وأسئلتنا العميقة النابعة من عمق التجربة.
لا شكّ في أنّ المراحل الدقيقة والمصيريّة تتطلّب نهجًا إعلاميًّا خاصًّا، غير أنّه ليس من الثقافة في شيء أن نربط الموسيقى العالميّة الكلاسيكيّة بالموت، والأناشيد الوطنيّة بالحروب، والبرامج العلميّة بالحيرة أمام اتخاذ موقف. ونتساءل بعد ذلك لماذا ترفض ذائقتنا العامّة الثقافة "العاقدة الحاجبين" والمرتدية ثوب الحداد الأسود؟ ولا بأس إن شعرنا بأنّ الحياة مستمرّة وبأن لا خطر على الأمّة إن حكينا عن الحبّ في زمن الحرب، وإن لونّا أحلامنا في زمن الدخان والبارود، وإن كتبنا عن الفنّ في زمن الفتك. فبهذه نستمرّ.
الاتجاهات السياسيّة لكلّ مؤسّسة إعلاميّة تحدّد بلا شكّ نوع البرامج التي تبثّ والأغنيات التي تذاع واللهجة التي على الإعلاميّين استخدامها في تقديم الأخبار والبرامج السياسيّة عند وقوع أمر طارئ. ولذلك ترى الإذاعات أنّ الأغنيات الوطنيّة ومسرحيّات الأخوين رحباني خير مخرج في هذا الوضع الدقيق، أمّا التلفزيونات التي لم ترغب في الحديث على مدار الساعة عن الأوضاع الدقيقة في الوطن العربيّ فتختار الأفلام الوثائقيّة والبرامج التثقيفيّة لتعرضها على جمهورها في محاولة للهرب من مأزق قد تقع فيه إن اتخذت موقفًا واضحًا. غير أنّ العقل لا يستطيع إلاّ أن يسأل القيّمين عن تلك المؤسّسات عن هذا الميل المفاجئ في اتجاه الثقافة والتاريخ والعلم والموسيقى الكلاسيكيّة والأغنيات الوطنيّة في وقت تبدو فيه أعصاب الناس مشدودة ولا تحتاج إلى مزيد من الشحن "الوطنيّ" أو التعبئة "الثقافيّة" ؟ وأين كانت الثقافة قبل ذلك وهل تتعارض مع الحياة والفرح والسلام؟ وهل الوطن موسم، له بداية ونهاية، وبالتالي لا تذاع الأغنيات التي تتغنّى بأرضه وترابه إلاّ عندما يدقّ ناقوس الخطر وتتساقط القذائف على رؤوس الناس؟ وهل يعرف المسؤولون في الإعلام أنّ الموسيقى الكلاسيكيّة ليست محصورة بالحزن، وأكثرُ ما فيها، وما يبثّ غالبًا منها، وبسبب جهل فاضح، فرحٌ ومجد وانتصار وأعراس واحتفالات؟ وقد أحسنت إذاعة "صوت الشعب" اللبنانيّة صنعًا حين أعطت لبرنامج تثقيفي عن الموسيقى الكلاسيكيّة اسم "ما حدا مات" إذ جرت العادة في لبنان أن تبثّ وسائلُ الإعلام المرئيّة والمسموعة الموسيقى الكلاسيكيّة عند وفاةٍ تفرض الحداد الوطنيّ على البلاد. ومن المعروف أنّ هذا الخيار جاء كمهرب من التزام دينيّ رسميّ في حال بثّت صلوات لهذه الطائفة أو تلك، لأنّ الموسيقى الكلاسيكيّة محايدة وليست محسوبة على طائفة أو دولة أو حزب، وكذلك فيروز والأفلام الوثائقيّة والصور المتحرّكة. أمّا صباح فللفرح، ووديع الصافي فللجنوب وللمغتربين فقط وفي أغنيات محدّدة، وماجدة الرومي وباسكال صقر محسوبتان على فريق 14 آذار، وجوليا بطرس ومارسيل خليفة وأميمة الخليل وأحمد قعبور وخالد الهبر وشيخ إمام لجماعة 8 آذار. ويغيب الآخرون، كلّ الآخرين، في زمن الحروب والموت، كأنّهم أكثر هشاشة من أن يحتلموا خوفنا وغضبنا ويأسنا وأسئلتنا العميقة النابعة من عمق التجربة.
لا شكّ في أنّ المراحل الدقيقة والمصيريّة تتطلّب نهجًا إعلاميًّا خاصًّا، غير أنّه ليس من الثقافة في شيء أن نربط الموسيقى العالميّة الكلاسيكيّة بالموت، والأناشيد الوطنيّة بالحروب، والبرامج العلميّة بالحيرة أمام اتخاذ موقف. ونتساءل بعد ذلك لماذا ترفض ذائقتنا العامّة الثقافة "العاقدة الحاجبين" والمرتدية ثوب الحداد الأسود؟ ولا بأس إن شعرنا بأنّ الحياة مستمرّة وبأن لا خطر على الأمّة إن حكينا عن الحبّ في زمن الحرب، وإن لونّا أحلامنا في زمن الدخان والبارود، وإن كتبنا عن الفنّ في زمن الفتك. فبهذه نستمرّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق