لا شكّ في أنّ الحكومات تغضّ الطرْف عن بؤر الفقر والحرمان التي تنمو كالفطر حول ضواحي المدن، إذ ما من تفسير آخر يبرّر انتشار هذه البؤر في مختلف بلدان العالم، من دون أن تجري محاولات جديّة لمحاربة الفقر فيها ومكافحة الإجرام المتولّد عنه.
ومع ذلك، فلا منطق في كلام فئة من اللبنانيّين تجد الأسباب التخفيفيّة للجريمة البشعة التي راح ضحيّتها في منطقة البقاع عسكريّون من الجيش اللبنانيّ. فهؤلاء المواطنون الغيارى يعتبرون أنّ الدولة اللبنانيّة منذ نشوئها أهملت هذه المنطقة فنما فيها الفقر وتحوّل إجرامًا يدفع الجيش ثمنه اليوم. لا شكّ في أنّ هذا الكلام صحيح ودقيق، ولكن أن يتحوّل المجرمون ضحايا ومساكين يجب أن ننظر إليهم بعين العطف فهذا ما لا يوافق عليه إلاّ ذوو النفوس المريضة والميول المشبوهة.
في مختلف بلاد العالم أحياء ومناطق تحاذر الدولة الاقتراب منها وتقيم مع سكّانها نوعًا من الحلف غير المعلن، فيغضّ كلّ فريق نظره عن أفعال الفريق الآخر ولكن ضمن بروتوكول خاصّ تفرضه ظروف كلّ منطقة، فهناك أحياء المافيا الإيطاليّة، وأحياء عصابات السود، وأحياء الصينيّين، وأحياء المافيا الروسيّة، وأحياء المهاجرين العرب والأميركيّين الجنوبيّين، وما إلى ذلك من المناطق التي ترتبط هويّتها بهويّة من احتلّها وجعلها مربّعًا أمنيًّا خاصًّا به على مثال غابة شيروود لسيّد الخارجين على القانون ومؤسّس دولة المحرومين السير "روبن هود". ولا يشذّ لبنان عن هذه الحال وهو على ما هو عليه من تشرذم وحروب وتجاذبات.
والإشكاليّة في هذا الأمر تظهر حين يضطر أحدنا إلى اتّخاذ موقف من الفريقين: الدولة أو سكّان هذه الأحياء؛ فهل ممنوع على الدولة الحاليّة أن تصحّح ما أهملته الدولة التي أخطأت في حقّهم سابقًا؟ وهل القتلة والسارقون والمغتصبون ضحايا يجب النظر إليهم بعين العطف أم مجرمون تجب محاكمتهم؟ وكيف ستكون حال الدولة حين تستباح سلطاتها كلّ يوم بسبب الظلم والإهمال والفقر وتراكم المشاكل الاجتماعيّة؟
حين نقرأ ما تتناقله الأوساط الإعلاميّة عن الطريقة التي يُصطاد فيها العسكريّون إن في مخيّم نهر البارد أو عند كلّ مداهمة أمنيّة نكتشف أنّ من يطلق النار من بندقيّة متطوّرة نادرة ليس محرومًا بالقدر الذي يتاجر به وليس ثائرًا يطالب بحقّه، ومتى علمنا أنّ ما يجري هو قتل متعمّد، يركّز فيه القاتل على وجه ضحيّته أو على عنقه حتى إذا نجا من الموت عاش معوّقًا مشوّهًا يحمل معاناته طوال حياته، فهمنا أنّ دوامة العنف المغلقة ستطبق على كلّ من فيها أكان مذنبًا أم بريئًا.
الجنود الذين قتلوا في البقاع ليسوا أكثر بحبوحة من قاتليهم، ولا ينعمون بالرفاهية ورغد العيش، وهم من مناطق محرومة في الشمال وجدوا في الانتماء إلى الجيش اللبنانيّ الفرصة لخدمة الوطن وضمان حياة كريمة، ومع ذلك لم يرحمهم أفراد العصابات فقتلوهم بدم بارد ليبقى المكان خاليًا من سلطة الدولة ومربعًا لخيل مغامراتهم وتعديّاتهم وسرقاتهم، وهم في كلّ ذلك مطمئنّون إلى أنّ مواطنين أشاوس سيدافعون عنهم ويجدون لهم ألف عذر وعذر، ويبرّئونهم من السرقة والقتل والتهريب ويحمّلون الدولة المسؤوليّة عن مقتل جنودها، الجنود الذين آمنوا بأنّهم ذاهبون لفرض الأمن وملاحقة المشبوهين وطمأنة الناس فعادوا مضرّجين بدم الشهادة.
ومع ذلك، فلا منطق في كلام فئة من اللبنانيّين تجد الأسباب التخفيفيّة للجريمة البشعة التي راح ضحيّتها في منطقة البقاع عسكريّون من الجيش اللبنانيّ. فهؤلاء المواطنون الغيارى يعتبرون أنّ الدولة اللبنانيّة منذ نشوئها أهملت هذه المنطقة فنما فيها الفقر وتحوّل إجرامًا يدفع الجيش ثمنه اليوم. لا شكّ في أنّ هذا الكلام صحيح ودقيق، ولكن أن يتحوّل المجرمون ضحايا ومساكين يجب أن ننظر إليهم بعين العطف فهذا ما لا يوافق عليه إلاّ ذوو النفوس المريضة والميول المشبوهة.
في مختلف بلاد العالم أحياء ومناطق تحاذر الدولة الاقتراب منها وتقيم مع سكّانها نوعًا من الحلف غير المعلن، فيغضّ كلّ فريق نظره عن أفعال الفريق الآخر ولكن ضمن بروتوكول خاصّ تفرضه ظروف كلّ منطقة، فهناك أحياء المافيا الإيطاليّة، وأحياء عصابات السود، وأحياء الصينيّين، وأحياء المافيا الروسيّة، وأحياء المهاجرين العرب والأميركيّين الجنوبيّين، وما إلى ذلك من المناطق التي ترتبط هويّتها بهويّة من احتلّها وجعلها مربّعًا أمنيًّا خاصًّا به على مثال غابة شيروود لسيّد الخارجين على القانون ومؤسّس دولة المحرومين السير "روبن هود". ولا يشذّ لبنان عن هذه الحال وهو على ما هو عليه من تشرذم وحروب وتجاذبات.
والإشكاليّة في هذا الأمر تظهر حين يضطر أحدنا إلى اتّخاذ موقف من الفريقين: الدولة أو سكّان هذه الأحياء؛ فهل ممنوع على الدولة الحاليّة أن تصحّح ما أهملته الدولة التي أخطأت في حقّهم سابقًا؟ وهل القتلة والسارقون والمغتصبون ضحايا يجب النظر إليهم بعين العطف أم مجرمون تجب محاكمتهم؟ وكيف ستكون حال الدولة حين تستباح سلطاتها كلّ يوم بسبب الظلم والإهمال والفقر وتراكم المشاكل الاجتماعيّة؟
حين نقرأ ما تتناقله الأوساط الإعلاميّة عن الطريقة التي يُصطاد فيها العسكريّون إن في مخيّم نهر البارد أو عند كلّ مداهمة أمنيّة نكتشف أنّ من يطلق النار من بندقيّة متطوّرة نادرة ليس محرومًا بالقدر الذي يتاجر به وليس ثائرًا يطالب بحقّه، ومتى علمنا أنّ ما يجري هو قتل متعمّد، يركّز فيه القاتل على وجه ضحيّته أو على عنقه حتى إذا نجا من الموت عاش معوّقًا مشوّهًا يحمل معاناته طوال حياته، فهمنا أنّ دوامة العنف المغلقة ستطبق على كلّ من فيها أكان مذنبًا أم بريئًا.
الجنود الذين قتلوا في البقاع ليسوا أكثر بحبوحة من قاتليهم، ولا ينعمون بالرفاهية ورغد العيش، وهم من مناطق محرومة في الشمال وجدوا في الانتماء إلى الجيش اللبنانيّ الفرصة لخدمة الوطن وضمان حياة كريمة، ومع ذلك لم يرحمهم أفراد العصابات فقتلوهم بدم بارد ليبقى المكان خاليًا من سلطة الدولة ومربعًا لخيل مغامراتهم وتعديّاتهم وسرقاتهم، وهم في كلّ ذلك مطمئنّون إلى أنّ مواطنين أشاوس سيدافعون عنهم ويجدون لهم ألف عذر وعذر، ويبرّئونهم من السرقة والقتل والتهريب ويحمّلون الدولة المسؤوليّة عن مقتل جنودها، الجنود الذين آمنوا بأنّهم ذاهبون لفرض الأمن وملاحقة المشبوهين وطمأنة الناس فعادوا مضرّجين بدم الشهادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق