يظنّ الناس أنّ الأوساخ والميكروبات والحشرات وما تنشره من أمراض وأوبئة وروائح كريهة توجد في الأماكن التي تبدو فيها الأوساخ والنفايات ظاهرة للعيان. غير أنّني أعتقد بغير ذلك تمامًا. فأنا أقول إنّ أقلّ الأماكن نظافة ونقاوة هي حيث لا نتوقّع. فالمطبخ مثلاً أكثر اتّساخًا بكثير من الحمّام، وهذه لا بدّ من أن تكون حقيقة علميّة وإن كنت لا أملك إلاّ البراهين البسيطة لإثباتها.
فمن الطبيعيّ والمتوقّع أن يعمل الإنسان الذي يحترم أبسط قواعد النظافة على تنظيف المرحاض ومغطس الاستحمام والمغسلة وكلّ ما يتعلّق بأمور الحمّام من أغراض ومناشف وسلّة نفايات وما إلى ذلك. وهذا ناتج طبعًا عن قناعة عند الإنسان تقول إنّ بيوت الخلاء أماكن غير نظيفة وغير طاهرة وتحتاج إلى عناية على مدار الساعة. وهذا أبسط الإيمان. ولكن يميل الإنسان عفويًّا إلى الإهمال في المطبخ إذ يعتبر نفسه في تعامل مع مواد يراها ولا يأنف منها، يشمّها فيرغب فيها، يتذوّقها فيتلذّذ بها. ولذلك تستهلك أدوات التنظيف في الحمّامات أسرع بكثير ممّا تستهلك في المطابخ وهذا ينطبق على البيوت على مختلف مستوياتها الاجتماعيّة وكذلك على الفنادق والمستشفيات والمطاعم.
يمكن التأكّد في سهولة من صحّة هذه النظريّة عبر إحصاء بسيط لعدد المرّات التي ينظّف فيها الحمّام في مقابل عدد المرّات التي ينظّف فيها المطبخ جيّدًا وليس بمجرّد مسح عابر لما تناثر من بقايا وفتات. ولكن ليس هذا هو المقصود فقط! إذ في الإمكان تطبيق هذه النظريّة على مختلف مجالات الحياة، فنجد، حيث لا نتوقّع، ما لا يجب أن نجده، والعكس صحيح.
فالكفر والعهر يختبئان في يسر وسهولة بين رجال الدين ونسائه، والفساد يوجد أكثر ما يوجد بين رجال السياسة، والجهل يتباهى في أوضح صورة بين القيّمين على التربية والتعليم، والإجرام يندسّ في أبشع مظاهره بين الأطباء والممرّضين والمسؤولين عن مختبرات الأدوية، والتنابذ والتقاتل أشهر من أن يعرّف عنهما في أوساط الشعراء والفنّانين، والأميّة منتشرة بين حملة الشهادات العالية وأساتذة الجامعات، والخيانة هي القاعدة بين المتزوّجين، والاعتداءات هي القانون الذي يحكم تعامل الآباء مع أولادهم، وشريعة الغاب هي السائدة في بلاد الأديان السماويّة.
الأمثلة أكثر من أن تحصى، ما يجعلنا ننتبه إلى ضرورة التنظيف حيث لم نكن نظنّ أنّ هناك أوساخًا، وإلى واجب التعقيم حيث كنّا نظنّ أن لا ضرورة للمطهّرات، وإلى رشّ المبيدات في سرعة حيث كنّا نظنّ أنّ الطهارة نفسها تقيم هنا، وإلى رجم الشيطان حيث كان من المتوقّع أن تستقبلنا الملائكة.
من طبيعة الغبار أنّه يتسلّل إلى أصعب الأماكن، ومن طبيعة الميكروبات أنّها غير مرئيّة، وهذا ما تنبّه إليه الإعلانات عن المنظّفات والمطهّرات وتحذّر منّه ربّات البيوت ( كأنّ الرجال لا علاقة لهم بالنظافة). ومن طبيعة الجهل كذلك أن يتسلّل إلى العقول بأسرع من العلم وهو يعتمر قبعة الإخفاء كي لا يراه الذين يرون. فما هي وسائل دفاعنا وما هو المبيد الفعّال؟
في انتظار تأمين ذلك، أو اختراعه، فلنتناول طعامنا ونسهر وننام في الحمّام لأنّه أشدّ نظافة من مطابخنا السياسيّة وصالوناتنا الأدبيّة وغرف نومنا العصريّة.
فمن الطبيعيّ والمتوقّع أن يعمل الإنسان الذي يحترم أبسط قواعد النظافة على تنظيف المرحاض ومغطس الاستحمام والمغسلة وكلّ ما يتعلّق بأمور الحمّام من أغراض ومناشف وسلّة نفايات وما إلى ذلك. وهذا ناتج طبعًا عن قناعة عند الإنسان تقول إنّ بيوت الخلاء أماكن غير نظيفة وغير طاهرة وتحتاج إلى عناية على مدار الساعة. وهذا أبسط الإيمان. ولكن يميل الإنسان عفويًّا إلى الإهمال في المطبخ إذ يعتبر نفسه في تعامل مع مواد يراها ولا يأنف منها، يشمّها فيرغب فيها، يتذوّقها فيتلذّذ بها. ولذلك تستهلك أدوات التنظيف في الحمّامات أسرع بكثير ممّا تستهلك في المطابخ وهذا ينطبق على البيوت على مختلف مستوياتها الاجتماعيّة وكذلك على الفنادق والمستشفيات والمطاعم.
يمكن التأكّد في سهولة من صحّة هذه النظريّة عبر إحصاء بسيط لعدد المرّات التي ينظّف فيها الحمّام في مقابل عدد المرّات التي ينظّف فيها المطبخ جيّدًا وليس بمجرّد مسح عابر لما تناثر من بقايا وفتات. ولكن ليس هذا هو المقصود فقط! إذ في الإمكان تطبيق هذه النظريّة على مختلف مجالات الحياة، فنجد، حيث لا نتوقّع، ما لا يجب أن نجده، والعكس صحيح.
فالكفر والعهر يختبئان في يسر وسهولة بين رجال الدين ونسائه، والفساد يوجد أكثر ما يوجد بين رجال السياسة، والجهل يتباهى في أوضح صورة بين القيّمين على التربية والتعليم، والإجرام يندسّ في أبشع مظاهره بين الأطباء والممرّضين والمسؤولين عن مختبرات الأدوية، والتنابذ والتقاتل أشهر من أن يعرّف عنهما في أوساط الشعراء والفنّانين، والأميّة منتشرة بين حملة الشهادات العالية وأساتذة الجامعات، والخيانة هي القاعدة بين المتزوّجين، والاعتداءات هي القانون الذي يحكم تعامل الآباء مع أولادهم، وشريعة الغاب هي السائدة في بلاد الأديان السماويّة.
الأمثلة أكثر من أن تحصى، ما يجعلنا ننتبه إلى ضرورة التنظيف حيث لم نكن نظنّ أنّ هناك أوساخًا، وإلى واجب التعقيم حيث كنّا نظنّ أن لا ضرورة للمطهّرات، وإلى رشّ المبيدات في سرعة حيث كنّا نظنّ أنّ الطهارة نفسها تقيم هنا، وإلى رجم الشيطان حيث كان من المتوقّع أن تستقبلنا الملائكة.
من طبيعة الغبار أنّه يتسلّل إلى أصعب الأماكن، ومن طبيعة الميكروبات أنّها غير مرئيّة، وهذا ما تنبّه إليه الإعلانات عن المنظّفات والمطهّرات وتحذّر منّه ربّات البيوت ( كأنّ الرجال لا علاقة لهم بالنظافة). ومن طبيعة الجهل كذلك أن يتسلّل إلى العقول بأسرع من العلم وهو يعتمر قبعة الإخفاء كي لا يراه الذين يرون. فما هي وسائل دفاعنا وما هو المبيد الفعّال؟
في انتظار تأمين ذلك، أو اختراعه، فلنتناول طعامنا ونسهر وننام في الحمّام لأنّه أشدّ نظافة من مطابخنا السياسيّة وصالوناتنا الأدبيّة وغرف نومنا العصريّة.
هناك تعليق واحد:
جميل .. على الحقيقة والمجاز
إرسال تعليق