أخبرني تلاميذ إحدى المدارس عن صبيّة جميلة من زميلاتهم تصطاد الرجال المتقدّمين في السنّ في أماكن السهر. ويقولون إنّها تخرج ليلاً من المنزل بعد أن تطلب سيّارة تاكسي ولا أحد في المنزل يعرف متى خرجت ومتى عادت. وفي السهرة تتحرّش بالرجال وترافقهم إلى حيث يرغبون. فهل تبحث هذه الفتاة عن زبون أم عن والد؟
ويقول أحد سائقي التاكسي (بناء على خبرته والأحاديث التي يسمعها من زبائنه الصغار مع أصدقائهم): في شهر الامتحانات المدرسيّة، تخفّ الحركة فالتلاميذ مجبرون على البقاء في منازلهم ولو لم يدرسوا، المهمّ أن يسكت الأهل. أمّا عندما تنتهي المدرسة فلا نهدأ من كثرة العمل وخصوصًا في الليل حين يتّصل بنا الأولاد لإيصالهم إلى الملاهي والمطاعم ودور السينما.
خلال عملي التربويّ، اتّصلت بي والدة لتشكو لي همّها قائلة إنّ ابنتها تركت البيت وذهبت لتقيم مع والدها (هما طبعًا منفصلان). والسبب؟ تشاجرت معها حول موعد العودة من السهرة في شارع "مونو" (وهو معلم "سياحيّ" من معالم لبنان حيث الملاهي الليليّة/الصباحيّة). هي تريد العودة عند الثالثة صباحًا وأنا أريدها أن تعود عند الواحدة والنصف. تصوّري يا آنسة: فتاة مثل القمر تعود متأخّرة إلى البيت مع سائق تاكسي غريب. فأجبتها: ولكن يا سيّدتي لم يكن من الداعي أن تتشاجرا فلقد كان في إمكانكما أن تقسما الفرق بينكما، وعلى كلّ حال ما قد يقع عند الساعة الثالثة صباحًا يقع أيضًا عند الواحدة والنصف أو في أيّ وقت من اليوم.
هل قلت لكم إنّ الفتاة في الخامسة عشرة من عمرها؟
****
ولكن ما ذنب الأولاد كي نعتب عليهم وهم إنّما ينفّذون ما يعرفونه من تراثنا اللبنانيّ الممتلئ بأخبار البحث عن الحبّ. ألا تقول فيروز، سفيرتنا إلى النجوم، نقلاً عن الأخوين رحباني، نقلاً عن تراث القرية:
إمّي نامت ع بكّير
وسكّر بيي البوابة
وأنا هربت من الشبّاك
وجيت لعيد العزّابة.
فيروز نفسها بكلّ هالة القداسة التي أحيطت بها، تركت أمّها لتنام، ثمّ تسللّت من النافذة لأنّ والدها أحكم إغلاق البوابّة، وذهبت لتشارك في عيد خاصّ بالعازبين الباحثين عن الحبّ. وهل يفعل أولادنا سوى ذلك: ولماذا ننظر في براءة إلى ما كان يجري في القرى وننظر في شكّ وريبة إلى ما يجري اليوم؟ ربّما تغيّرت "بعض" الأمور: فالأم اليوم تخرج هي أيضًا للسهر في أعياد أخرى، والأب لم يعد يغلق الباب بعدما تبيّن له أنّ الأمر سخيف ولا يجدي نفعًا، وعلى كلّ حال هو أيضًا خارج ليسهر، فلماذا إذًا نترك الأولاد في البيت وبرامج التلفزيون تؤذي الذوق العامّ وتسيء إلى النظر وتعلّم الكسل؟ ألا يقول المثل عندنا: في الحركة بركة، ففي الخروج والسهر والرقص حركات كلّها بركات وفوائد.
أنتم تعرفون ماذا يفعل أولادكم في كلّ لحظة ولكنّكم لا تريدون تصديق ذلك أو الاعتراف به أو تحمّل مسؤوليّة نتائجه:
أولادكم الآن يسرقون من المخازن، ويفتّشون عن المخدّرات والأصدقاء، ويشطّبون أفخاذهم ليستمتعوا بمنظر الدمّ (ويتبادلون الشفرات التي يخبّئونها في هواتفهم المحمولة)، ويمارسون الدعارة من أجل مبلغ زهيد يكفي ثمن كأس وسيكارة، أو يخطّطون للانتحار...ولكن لا تخافوا ولا تشغلوا بالكم، فغدًا في الصفّ سينامون كالأطفال ليعوّضوا عن سهر الليالي وهم يطلبون العُلى.
ويقول أحد سائقي التاكسي (بناء على خبرته والأحاديث التي يسمعها من زبائنه الصغار مع أصدقائهم): في شهر الامتحانات المدرسيّة، تخفّ الحركة فالتلاميذ مجبرون على البقاء في منازلهم ولو لم يدرسوا، المهمّ أن يسكت الأهل. أمّا عندما تنتهي المدرسة فلا نهدأ من كثرة العمل وخصوصًا في الليل حين يتّصل بنا الأولاد لإيصالهم إلى الملاهي والمطاعم ودور السينما.
خلال عملي التربويّ، اتّصلت بي والدة لتشكو لي همّها قائلة إنّ ابنتها تركت البيت وذهبت لتقيم مع والدها (هما طبعًا منفصلان). والسبب؟ تشاجرت معها حول موعد العودة من السهرة في شارع "مونو" (وهو معلم "سياحيّ" من معالم لبنان حيث الملاهي الليليّة/الصباحيّة). هي تريد العودة عند الثالثة صباحًا وأنا أريدها أن تعود عند الواحدة والنصف. تصوّري يا آنسة: فتاة مثل القمر تعود متأخّرة إلى البيت مع سائق تاكسي غريب. فأجبتها: ولكن يا سيّدتي لم يكن من الداعي أن تتشاجرا فلقد كان في إمكانكما أن تقسما الفرق بينكما، وعلى كلّ حال ما قد يقع عند الساعة الثالثة صباحًا يقع أيضًا عند الواحدة والنصف أو في أيّ وقت من اليوم.
هل قلت لكم إنّ الفتاة في الخامسة عشرة من عمرها؟
****
ولكن ما ذنب الأولاد كي نعتب عليهم وهم إنّما ينفّذون ما يعرفونه من تراثنا اللبنانيّ الممتلئ بأخبار البحث عن الحبّ. ألا تقول فيروز، سفيرتنا إلى النجوم، نقلاً عن الأخوين رحباني، نقلاً عن تراث القرية:
إمّي نامت ع بكّير
وسكّر بيي البوابة
وأنا هربت من الشبّاك
وجيت لعيد العزّابة.
فيروز نفسها بكلّ هالة القداسة التي أحيطت بها، تركت أمّها لتنام، ثمّ تسللّت من النافذة لأنّ والدها أحكم إغلاق البوابّة، وذهبت لتشارك في عيد خاصّ بالعازبين الباحثين عن الحبّ. وهل يفعل أولادنا سوى ذلك: ولماذا ننظر في براءة إلى ما كان يجري في القرى وننظر في شكّ وريبة إلى ما يجري اليوم؟ ربّما تغيّرت "بعض" الأمور: فالأم اليوم تخرج هي أيضًا للسهر في أعياد أخرى، والأب لم يعد يغلق الباب بعدما تبيّن له أنّ الأمر سخيف ولا يجدي نفعًا، وعلى كلّ حال هو أيضًا خارج ليسهر، فلماذا إذًا نترك الأولاد في البيت وبرامج التلفزيون تؤذي الذوق العامّ وتسيء إلى النظر وتعلّم الكسل؟ ألا يقول المثل عندنا: في الحركة بركة، ففي الخروج والسهر والرقص حركات كلّها بركات وفوائد.
أنتم تعرفون ماذا يفعل أولادكم في كلّ لحظة ولكنّكم لا تريدون تصديق ذلك أو الاعتراف به أو تحمّل مسؤوليّة نتائجه:
أولادكم الآن يسرقون من المخازن، ويفتّشون عن المخدّرات والأصدقاء، ويشطّبون أفخاذهم ليستمتعوا بمنظر الدمّ (ويتبادلون الشفرات التي يخبّئونها في هواتفهم المحمولة)، ويمارسون الدعارة من أجل مبلغ زهيد يكفي ثمن كأس وسيكارة، أو يخطّطون للانتحار...ولكن لا تخافوا ولا تشغلوا بالكم، فغدًا في الصفّ سينامون كالأطفال ليعوّضوا عن سهر الليالي وهم يطلبون العُلى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق