يحتفل تلاميذ لبنان في الأسبوع الأوّل من شهر آذار بعيد المعلّم. وعندما أقول إنّ التلاميذ هم الذين يحتفلون فلأنّهم هم الذين يستمتعون بيوم العطلة، أمّا المعلّم المسكين فيكون في رفقة مئات الأوراق أو الدفاتر التي عليه أن يصحّحها ما دام نال يوم إجازة. وكأن لا يكفي المعلّم ذلك الإحباط حتّى يأتيه من يجبره على الشعور بأنّه أقلّ أهميّة ومستوى من غيره من أصحاب الوظائف والمهن والمراكز، إذ ينظر إليه أهالي التلاميذ اليوم، ومع اقتراب عيده، نظرة غضب لأنّه السبب في إفلاسهم ولأنّه هو الذي يسرق لقمة الطعام من أفواه أولادهم.
فبعد إقرار الزيادة على الرواتب التي سرى مفعولها منذ بضعة أسابيع، أعلنت المدارس الخاصّة أنّها لن تتحمّل أعباء هذا القرار مع ما يفرضه من مفاعيل رجعيّة مكلفة، وستحمّل الأهالي مسؤوليّة دفع هذه الزيادات وإلاّ فليأخذوا أولادهم معهم إلى البيت. فحلّ عيد المعلّم والأهالي ينظرون إلى صاحب العيد في حقد وكره، والتلاميذ يرمقونه في سخرية ولؤم، والإدارات الحكيمة تبتسم في اطمئنان لأنّها رمت كرة الثلج أو النار بين الفريقين اللذين صارا متقاتلين بعد أن كانا متعاونين. ولنتخيّل في هذه الحال أجواء الصفّ: تلاميذ منقسمون بين 8 آذار و14 آذار، تلاميذ يوافقون على الزيادة لأنّ أهاليهم معلّمون ولأنّهم لا يدفعون شيئًا من القسط بحسب قانون يعفي أولاد المعلّمين من دفع الجزء الأكبر من الأقساط، وفي المقابل هناك تلاميذ يكرهون زملاءهم أبناء المعلّمين الذين يتعلّمون على حساب سواهم. وهناك معلّم يشعر بنظرات التساؤل والشكّ في عيون تلاميذه حين يسمعون كلامه عن رسالته التربويّة، وإدارة لا تتدخّل في شؤون الصفّ إلاّ للمطالبة بدفع المستحقّات. أمّا التربية فلا كرسي لها في الصفّ لأنّها لم تدفع القسط المستحقّ.
وفي خضّم هذا التخبّط المريع، يجد المعلّم نفسه، وعلى الرغم من كلّ التضحيات التي يؤمن بأنّه قدّمها، أمام نكات مكتوبة على لوح الصفّ وهي من نوع: الشغل مش عيب، كاد المعلّم أن يكون هبيلا (أهبل) (في ردّ على أحمد شوقي)، أو قد يجد نفسه مدعوًّا إلى حفل عشاء ضخم ومكلف تقيمه المدرسة على شرفه في أفخم الفنادق، وخلال العشاء يلقي رئيس المدرسة كلمة يتحدّث فيها عن تضحيات المعلّم وصعوبة مكافأته ولكنّ الظروف ستجبر الإدارة على صرف الكثير من المعلّمين في آخر السنة. فتخيّلوا معي أيّ عشاء تكريميّ هو هذا العشاء!
ومع أنّ عددًا لا بأس به من المعلّمين تحوّل إلى الصحافة والأدب، نجد أن لا أحد منهم تبنّى قضيّة المعلّم وطالب بتأمين الحدّ الأدنى من الكرامة والأمان له. والإعلاميّ نفسه يعلم كم عانى في عمله كمعلّم وكيف اختلفت نظرة الناس إليه حين انتقل إلى مجال آخر. ويروي أحد المسؤولين الإداريّين في إحدى المحطّات التلفزيونيّة الرائدة، وهو في الوقت نفسه أستاذ جامعيّ، أنّ تلميذًا من تلاميذه هتف مبتهجًا: واو...يعني إنتَ مهمّ إستاذ. ويخبر مذيع في نشرات الأخبار، وهو مدرّس لغة، أنّ أمّهات تلاميذه يطلبن مقابلته لا ليسألوه عن أوضاع أولادهم الدراسيّة كما خيّل إليه في البداية، بل ليتعرّفوا شخصيًّا على المذيع الوسيم الشابّ المشهور، وكان من السهل عليه أن يكتشف أنّ أناقة الأمّهات اللافتة والأسئلة "غير التربوية" لا تدلّ إلاّ على أنّ الإعلاميّ الذي فيه أهمّ من المعلّم. ونضيف نحن: وكذلك الطبيب، والمحامي، والقاضي، ورجل الدين، والمهندس، وضابط الشرطة، والممثّل، والمغنّي، وبطل كرة السلّة الذي ما أن يُدخل الكرة في السلّة حتّى يَدخل في حسابه مبلغ كبير من المال لو علم معلّمه بقيمته لدخل في غيبوبة ما رضي بالخروج منها.
فبعد إقرار الزيادة على الرواتب التي سرى مفعولها منذ بضعة أسابيع، أعلنت المدارس الخاصّة أنّها لن تتحمّل أعباء هذا القرار مع ما يفرضه من مفاعيل رجعيّة مكلفة، وستحمّل الأهالي مسؤوليّة دفع هذه الزيادات وإلاّ فليأخذوا أولادهم معهم إلى البيت. فحلّ عيد المعلّم والأهالي ينظرون إلى صاحب العيد في حقد وكره، والتلاميذ يرمقونه في سخرية ولؤم، والإدارات الحكيمة تبتسم في اطمئنان لأنّها رمت كرة الثلج أو النار بين الفريقين اللذين صارا متقاتلين بعد أن كانا متعاونين. ولنتخيّل في هذه الحال أجواء الصفّ: تلاميذ منقسمون بين 8 آذار و14 آذار، تلاميذ يوافقون على الزيادة لأنّ أهاليهم معلّمون ولأنّهم لا يدفعون شيئًا من القسط بحسب قانون يعفي أولاد المعلّمين من دفع الجزء الأكبر من الأقساط، وفي المقابل هناك تلاميذ يكرهون زملاءهم أبناء المعلّمين الذين يتعلّمون على حساب سواهم. وهناك معلّم يشعر بنظرات التساؤل والشكّ في عيون تلاميذه حين يسمعون كلامه عن رسالته التربويّة، وإدارة لا تتدخّل في شؤون الصفّ إلاّ للمطالبة بدفع المستحقّات. أمّا التربية فلا كرسي لها في الصفّ لأنّها لم تدفع القسط المستحقّ.
وفي خضّم هذا التخبّط المريع، يجد المعلّم نفسه، وعلى الرغم من كلّ التضحيات التي يؤمن بأنّه قدّمها، أمام نكات مكتوبة على لوح الصفّ وهي من نوع: الشغل مش عيب، كاد المعلّم أن يكون هبيلا (أهبل) (في ردّ على أحمد شوقي)، أو قد يجد نفسه مدعوًّا إلى حفل عشاء ضخم ومكلف تقيمه المدرسة على شرفه في أفخم الفنادق، وخلال العشاء يلقي رئيس المدرسة كلمة يتحدّث فيها عن تضحيات المعلّم وصعوبة مكافأته ولكنّ الظروف ستجبر الإدارة على صرف الكثير من المعلّمين في آخر السنة. فتخيّلوا معي أيّ عشاء تكريميّ هو هذا العشاء!
ومع أنّ عددًا لا بأس به من المعلّمين تحوّل إلى الصحافة والأدب، نجد أن لا أحد منهم تبنّى قضيّة المعلّم وطالب بتأمين الحدّ الأدنى من الكرامة والأمان له. والإعلاميّ نفسه يعلم كم عانى في عمله كمعلّم وكيف اختلفت نظرة الناس إليه حين انتقل إلى مجال آخر. ويروي أحد المسؤولين الإداريّين في إحدى المحطّات التلفزيونيّة الرائدة، وهو في الوقت نفسه أستاذ جامعيّ، أنّ تلميذًا من تلاميذه هتف مبتهجًا: واو...يعني إنتَ مهمّ إستاذ. ويخبر مذيع في نشرات الأخبار، وهو مدرّس لغة، أنّ أمّهات تلاميذه يطلبن مقابلته لا ليسألوه عن أوضاع أولادهم الدراسيّة كما خيّل إليه في البداية، بل ليتعرّفوا شخصيًّا على المذيع الوسيم الشابّ المشهور، وكان من السهل عليه أن يكتشف أنّ أناقة الأمّهات اللافتة والأسئلة "غير التربوية" لا تدلّ إلاّ على أنّ الإعلاميّ الذي فيه أهمّ من المعلّم. ونضيف نحن: وكذلك الطبيب، والمحامي، والقاضي، ورجل الدين، والمهندس، وضابط الشرطة، والممثّل، والمغنّي، وبطل كرة السلّة الذي ما أن يُدخل الكرة في السلّة حتّى يَدخل في حسابه مبلغ كبير من المال لو علم معلّمه بقيمته لدخل في غيبوبة ما رضي بالخروج منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق