الأحد، 7 أغسطس 2016

من يوميّات الفيسبوك (7 آب 2016)


2011
استدعى الرقيب الصحافيّة وقال لها: ما هذا الذي تكتبينه يا ستّ؟ وهل تظنّين أنّ الصحيفة ملك أبيك كي تكتبي فيها ما تريدين وكما يحلو لك؟
طبعًا حاولت الصحافيّة أن تفتح فمها لتستوضح الأمر، غير أنّ الرقيب الذي ما اعتاد أن يناقشه أحد أو يطرح عليه أيّ صحافيّ سؤالاً غير السؤال الوحيد المقرّر في المنهج الرسميّ للصحافة العربيّة:
"كيف حالك سيّدي الرقيب؟"
وهو سؤال كُتبت في الإجابة عنه ملايين المقالات ونشرت ملايين الأبحاث، ولولا الأزمة الاقتصاديّة العالميّة لكانت المطابع تضخّ الآن ملايين الأطنان من الورق في إعطاء المزيد من الأجوبة على هذا السؤال.
وهكذا تابع السيّد الرقيب خطابه المونولوغيّ الذي يذكّرنا بالمسرح اليونانيّ العريق:
ما هذه المقالات التي تكتبينها كلّ يوم وتعبّرين فيها عن آرائك في كلّ ما يجري حولك؟
وهل الصحيفة منبرك الخاص كي تعلني من فوقه عمّا تحبّين ومن تعشقين وماذا تريدين وماذا يزعجك وبماذا تنصحين وكيف ترين الأمور؟
وهل صحيفتنا صندوق بريد توجّهين منه الرسائل في كلّ الاتجاهات: الدولة والمعارضة والفنّانين والأدباء والتلاميذ والاقتصاديّين؟
وماذا يعني قرّاءنا الأعزّاء من أحببتِ وما هي مواصفات الحبيب وما هي مشاكلكما وكيف تتعاملان مع بعضكما وما إلى ذلك من مشاهد حياتكما الخاصّة؟
وماذا يهمّنا في صحيفتنا إن أعجبك الطقس وإن علقت في ازدحام السير وإن أزعجك التلوّث وإن أخافك الوباء وإن كانت الحرب على الأبواب، أو ما هي نسبة المطالعة في عالمنا العربيّ الرائع أو ما هو واقع الحريّة فيه؟
نحن يا آنسة صحيفة لها قرّاؤها المحترمون الذين لا تعنيهم مشاكل الآخرين ولا يحبّون أن يعرفوا أسرار غيرهم، ولا يقرأون النصوص التي تفضح خفايا النفوس.
ألا تشفقين على الأشجار التي صارت ورقًا كي يكتب عليها الناس ما يفيد البشريّة وما قلّ ودلّ من الحكم المتوارثة، فإذا بك تحمّلينها مقالات وقصائد وقصصًا وروايات ودراسات عن مشاعرك ورغباتك ونظرتك للفنّ والشعر والدين والسياسة والبيئة؟
صحيفتنا يا آنسة ليست ملكًا خاصًا لأحد، وليست مكانًا لمعالجة الأمراض النفسيّة والاجتماعيّة، وليست مؤسّسة خيريّة لحلّ المشاكل، وليست دارًا للمسنّين، وليست ملتقى للشبّان، وليست ناديًا فكريًّا للتبشير بآراء أحد، وليست وسيلة لإعلام الناس بما لا يعلمونه، وليست مدرسة لتربية القرّاء وتعليمهم.
كانت الصحافيّة طوال هذا الوقت واقفة تتلقّى سيل الأسئلة والتساؤلات الوجوديّة وتحاول الابتعاد قدر الإمكان عن المجال الجويّ الذي امتلأ برذاذ لعابه، وتنظر في الوقت نفسه إلى عنقه المنتفخة من فرط الاحتقان والغضب وحمل المسؤوليّات الجسام والدهون طبعًا، وهي تفكّر:
الآن فهمت لماذا سمّى أحمد فارس الشدياق الصحيفة جريدة! لأنّ المسؤول فيها يجيد أن يجرُد عنها كلّ ما كان يجب أن تكون عليه.

************

2012

أنا امرأة الضوء والهوى لا الأضواء والأهواء

***
أفعال ناقصة - قصّة قصيرة من مجموعتي نساء بلا أسماء 2008
من الماء يخرج كلّ حيّ، وعندما يخرج الماء من الحيّ لا يبقى الحيّ حيًّا. يموت. تنطفئ فيه النار.
غريب! تخرج الماء من النار، فتخمد النار وتذوي. أليس مفترضًا أن تدخل المياه على النار حتّى تنطفئ النار؟
من البركان عادة تخرج المياه والنيران معًا. هو لم يكن بركانًا. كان مضطربًا وحارًّا. لكنّها لم تنظر إلى ما يجري، ولو لمرّة، على أنّه انفجار بركان. أيكون زلزالًا؟ لا. الزلزال يغيّر معالم الأشياء، ويبدّل صورها، ويخلق عوالم جديدة. هل يكون الأمر مجرّد هزّة أرضيّة في أدنى سلّم المقاييس، فينفجر قسطل مياه هنا، ويتصدّع بناء قديم هناك، ثمّ تعود الأمور إلى طبيعتها؟ ربّما.
هي. كانت بناء قديمًا. هذا أمر تعرفه جيّدًا.
كانت المياه تخرج منه، فيتعب ويغيب، ويكره أن تلامسه أصابعها، أو تحضنه ذراعاها.
يبتعد فجأة، يلبس الشورت والتي شيرت – لا وقت كافيًا للاغتسال – ويخفي عاره. كأنّ العار أن تراه وقد سالت ماؤه وخفّ وهج رجولته واختفت نيرانه.
يمدّ رجليه على الطاولة التي أمام الكنبة.
يحبّ أن يلتقيا على الكنبة. يقول.
يبعد ناظريه عنها. يتناول الريموت كونترول ويضيء التلفزيون. يكفي أن يكون هو قد انطفأ. تفكّر. ينظر ولا يرى. عيناه غائبتان. شفتاه ملتصقتان إحداهما بالأخرى، لا بشفتيها اللتين انتهت وظيفتهما بقبلة واحدة لدى استقبالها.
يتعب كثيرًا. يتثاءب. يتوجّه إلى المطبخ متمهّلًا كي لا يصطدم بشيء. يأتي بقنينة مياه باردة. بعد أن يشرب، ينتبه. يسألها إن كانت تريد أن تشرب. تشكره ولا تشرب. يترك القنينة على الطاولة فترشح ماء على الخشب. ينظر إلى شاشة هاتفه الخلويّ ليرى إن كان أحد قد اتّصل به. الهاتف كان مخنوق الصوت لئلّا يلهيه. التلفزيون صامت كذلك. تحاول أن تحدّثه، لا يجيب، يرفع صوت الهاتف. يشكو من تعب شديد. يقول إنّه سيرى الطبيب. لا يجوز أن يتعب شاب في عمره من مرّة واحدة.
بالطبع لن يرى الطبيب. يطلب منها أن تتّصل بسيّارة تاكسي لتنقلها إلى منزلها. إذا نامت عنده لن يغفو عميقًا ولديه باكرًا عمل مهمّ. وتعبه لا يسمح له بقيادة السيّارة. يعتذر. يسألها إذا كانت تسامحه. تجيب: بالطبع. تحاول أن تقبّله قبل أن تصل السيّارة. يسبقها ويدير لها خدّه، ثمّ يغلق الباب على مهل.
في الطريق إلى المنزل، تستعيد بداية المشهد.
تسترجع في ذاكرتها وجسدها تفاصيل اللقاء الذي تنتظره دائمًا. تتذكّر كيف كلّمها على التلفون بصوت حنون وملحّ. كان مشتاقًا ومثارًا على نحو مثير. لم تستطع أن ترفض. ألغت كلّ شيء وذهبت. هي التي تقسم بعد كلّ لقاء أنّها لن تذهب إليه ولو ركع عند قدميها. وكانت تعرف أنّه لن يركع.
ذهبت لأنّها تعرف أنّه لن يركع.
ذهبت لأنّها تخاف أن يذهب هو. تخاف من رفضها له أكثر ممّا تخاف من رفضه لها، لأنّ رفضها بالنسبة إليه يعني كبرياء وعنادًا لا يقبل بهما، في حين أنّ لرفضه أسبابًا أخرى كالعمل والتعب والمواعيد. وردّ فعله على رفضها سيكون عنيفًا. وصارت تعرف أنّها وصلت إلى مرحلة من حياتها لا تسمح لها بتحمّل هذا العنف، فتهرب منه إلى اللامبالاة.
استقبلها على الباب عاريًا. كان مستعدًّا. هو دائم مستعدّ. مستعدّ ومستعجل. لم يترك لها الفرصة لإلقاء التحيّة أو لوضع حقيبة يدها على كرسيّ تعرف أنّها موجودة دائمًا قرب الباب. وقعت الحقيبة على الأرض. لم تحسن التقدير. اعتقدت أنّ الكرسي أقرب ممّا هي عليه.
المكان غارق في الظلمة، وأضواء المنازل المواجهة هي التي تجعلهما يكتشفان موقعهما. لم يضئ النور، فتذكّرت الأفلام التي تدمن مشاهدتها، وكيف كانت اليد تمتدّ في هدوء لتطفئ ضوءًا صارخًا في زاوية الغرفة. ولكنّها كانت تأتي في العتمة وتبقى في العتمة وتذهب في العتمة. وكان ممكنًا أن تكون واحدة أخرى سواها دخلت ثمّ خرجت.
تعجبها فكرة أن ترسل واحدة أخرى لتلعب دورها. تعلّمها كلّ الخطوات، تخبرها أدقّ التفاصيل، وتضع لها العطر نفسه. هل سيكتشف يومًا من هي المرأة التي معه؟ تتذكّر أنّها قرأت مرّة أنّ الأزواج الذين أمضوا أعوامًا طويلة من العمر معًا من دون أن يفترقوا، لا يعرفون تفاصيل معيّنة ومهمّة عن شركاء حياتهم.
ولكنّ فكرة واحدة تقذف بها إلى الواقع: ماذا لو بقيت تلك الأخرى مكانها. الأخرى، وبما أنّها ستكون شخصين في الوقت نفسه ستقوم بضعف ما تقوم به هي وحدها. تشعر بخوف وتطرد الفكرة وتتذكّر من جديد:
مشى بها إلى الكنبة وهو يتكلّم. المياه هي التي تتكلّم وشفتاه عاجزتان عن اللحاق بسرعة تدفّق المياه من مجاريها الجوفيّة. كان يقول شوقه وحاجته. يحكي عن رغبته وحبّه. هي جميلة. هي الأجمل. هي الأكثر إثارة. هي لا تصلح إلّا للحبّ، قال. فتألّمت.
كانت المياه تغلي، والبخار يتصاعد، وعليها أن تساعده على إخراج المياه قبل أن تحرق داخله. توسّل إليها أن تفعل. وأخبرها كم اشتاق إلى يديها تداعبان جسده.
استسلم كهرّ بعد الشبع، ارتمى على الكنبة، أغمض عينيه ووضع يديه خلف رأسه.
تعرف ماذا عليها أن تفعل. حفظت الأمثولة منذ زمن. هو أستاذها وستنجح في الامتحان.
تملك مفاتيح جسده، وتعرف المفتاح لكلّ باب. وتعرف متى تقرع قبل الدخول ومتى تقتحم الأبواب بلا استئذان، ومتى تخرج ليغلق الباب وراءها. تحفظ غيبًا قاموس هذه اللغة، تتلو أفعالها كمن يتلو صلاة مسائيّة، وتردّد مفرداتها في هدوء وحذر كأنّها تتلفّظ بكلماتها الأولى.
... وكان يغيب.
كانت تعرفه، وكان يعرف أنّها تعرفه جيّدًا. وهذا ما كان يطمئنه، ويرضي صمته وسكوته الدائمين. دائمان؟ إلّا حين تضطرب المياه في باطن الجبل منتظرة لحظة التفجّر سيلًا لا يرغب إلّا في مجرى، أيّ مجرى في أيّ أرض. وكانت حاضرة. هي التي تعرف. هي التي ترضى. هي التي تنتظر. هي التي تقول إنّ الأرض لا تملك قرار ريّها. وهي لا تستطيع إلّا أن تكون أرضًا منتظرة.
الطريق إلى بيتها قصير. طلبت من سائق التاكسي أن يقوم بجولة أخرى في الطرقات الخالية من السيّارات.
هو ينتظر الآن اتّصالها الهاتفيّ لتسأله إن كان سعيدًا بلقائهما، إن كان مرتاحًا، إن كان يرغب في رؤيتها غدًا. وإذا عادت إلى منزلها الآن فستتصل حتمًا، ولن تستطيع إلّا أن تتّصل. وهي تريد الليلة أن تمنع نفسها عن سماع البرودة التي ستلسعها عبر أسلاك الهاتف، البرودة التي تأتي بعد انطفاء النار، وتؤذي أكثر. وشكرت عجزها عن شراء هاتف نقّال.
صوت المطر على زجاج السيّارة يخدّر أعصابها، وذكريات الساعة الماضية ساهمت في ارتخائها على المقعد الخلفيّ. تغمض عينيها، على عكس ما تفعله حين تكون معه: دائمة الانتباه، تراقبه لترصد إشارات رغبته. ولا تغمض عينيها كما تفعل العاشقات في الأفلام السينمائيّة حين يستسلمن لدفق مشاعرهنّ.
كانت تنظر وتصغي، وتأخذ الدور الذي يرسمه لها، وتنصاع لرغباته المجنونة، وتقوم بما لم تكن تتخيّل أنّ عاشقين يفعلانه في خلوتهما. وكانت الشخص الثالث في لقاءاتهما. تجلس بعيدًا. تراقب. تتعلّم. تُسكِت رغبتها وتمحو أحلامها الساذجة.
تتذكّر كيف يبدو أمامها في صورة مختلفة، ويصدر أصواتًا جديدة، ويتمتم بكلمات لا يقولها عادة، لا قبل ولا بعد. أمّا هي فكانت ترى وتسمع وتحفظ كلّ ذلك في قلبها.
وها هي تستعيده الآن، في السيّارة المتهادية خوفًا من الانزلاق. أليس ذلك ما تفعله بعد كلّ لقاء؟ استعادة كلّ ما رأته وسمعته وحفظته. ثمّ ينتابها غضب مفاجئ، غضب يفاجئها في كلّ مرّة، عليه وعلى نفسها. على أنانيّته ولامبالاته، وعلى تخاذلها وجبنها وتعلّقها الأبله به.
وتقسم، وتعد بأن تتغيّر وتقسو وتطالب بحقوقها، بأبسط حقوقها، بجزء من حقوقها. وكما في كلّ مرّة، تغرورق عيناها بالدموع لأنّها تعرف كم هي مستعدّة لفعل أيّ شيء من أجله، لا من أجله ربّما، بل من أجل وجوده في حياتها، وجود رجل لم تعرف سواه ولم تعد تملك الرغبة في معرفة سواه. وتقنع نفسها بأنّه سيتغيّر، لن يبقى هكذا. سيفتح عينيه يومًا ويراها.
لدى استعادة فيلم لقائهما القصير، تصفعها تلك الاحتياطات التي كان لا يهمل جزءًا منها مهما تكن إثارته شديدة – هو يقول شوقه – واستعجاله واضحًا: النظافة إلى درجة الهوس. كلّا. ليست النظافة. القرف. كان شديد القرف، ولا تعرف إن كان ذلك معها فقط أو مع سواها من النساء اللواتي تشعر بوجودهنّ في حياته، وترفض التأكّد من ذلك أو من قرفه منها، أو من شوقه إليها، أو من معنى وجودها في حياته.
ما تعرفه أنّه لم يضع يده عليها إلّا متسرّعًا أو محتاجًا، ولم يسمح لها باستعمال أيّ غرض من أغراضه الخاصّة. في المقابل كان يطلب منها أن ترتّب المكان قبل رحيلها، وألّا تترك أثرًا، وأن تضع المحارم الورقيّة التي استعملتها في حقيبة يدها. كان عليها ألّا تنسى شيئًا عنده. كأنّها لن تعود. كأنّها لم تأتِ.
تكاد تبكي، ولكنّها تضحك، تضحك في صمت وهي تتذكّر صورة واحدة تطفو فوق أمواج ذكرياتها لتستقرّ أمام قصر الرمال على شاطئ حياتها، صورة قنينة المطهّر. لم يكن هناك موسيقى، ولا شمبانيا، ولا شموع، بل قنينة للتطهير، موجودة دائمًا على الطاولة التي يمدّ عليها رجليه عندما يتعب، عندما ينتهي.
هي المشهد الختاميّ وعاملة التنظيف التي تزيل الآثار فلا يبقى منها شيء، لا من جسدها ولا من رائحتها على يديه، خاصّة على يديه اللتين لا يتوقّف عن اشتمام رائحتهما، قبل أن يسرع – وهي تعرف – بعد خروجها إلى حمّام ساخن يأخذ وقتًا أطول من لقائهما.
سألها السائق ماذا تريد أن تفعل الآن. عادت من عالمه إلى عالمها. اعتذرت منه وطلبت أن يوصلها إلى منزلها.
لمَ اعتذرت من السائق؟ لمَ يسهل عليها الاعتذار ولو لم تكن ارتكبت خطأ؟
لن تحلّل الآن هذه المسألة. نظرت إلى الساعة. لقد تأخّر الوقت، وعليها بعدُ أن تستحمّ وتأكل وتتناول حبوبها المهدّئة للأعصاب.

***

استيقظتُ اليوم وأنا مصابة بالتعقّل! أتمنّى أن تكون الأزمة عابرة وإلّا قضى عليّ الضجر
***

ثمار بطنها وثمار فكري (من مجموعتي أحببتك فصرت الرسولة - 2012)
ثمار بطنها أولاد يؤرجحون عمرك بين الأمل والملل 
تعطيك إيّاهم الحياة 
وهي تذكّرك في كلّ لحظة بأنّهم ليسوا منك ولك 
بل ودائعُ عندك يؤخذون منك مهما اعترضت ورفضت 
وثمارُ فكري كتب تحكي للأطفال حكايات 
وتروي سيَر الرجال ليتعلّم منها الأولاد
أوزّعها للناس ولا أترك منها 
ولو نسخةً واحدة عندي
*** 
ثمار بطنها فاكهة الحبّ الحلال 
وثمار فكري محرّمات تلاحقها محاكم التفتيش
ثمار بطنها مباركة 
وثمار فكري تلاعب اللعنة 
وتستفز شياطين الشعر 
وتشاكس الممنوع 
فماذا تختار يا رجل الاشتهاء؟ 
***
في عينيها هناءة القانعات الراضيات الآمنات
وفي عينيّ استفهام يرتسم علامات 
تتعلّق بالسماء 
وتحاول أن تقف على الأرض 
في صدرها حليب الخصب المحيي 
وفي صدري نار آكلة ملتهمة
في بطنها أجنّة آمنة تنتظر موعد الولادة 
وفي رأسي أفكار متوثّبة لا تطيق الأسر 
فمن تختار يا رجل الحيرة؟
***
حاولت أن أكونها 
تلك المرأة التي هي على صورتي ومثالي 
وحاولت المرأة التي هي بعضُ أنَاي أن تكونني 
حاولنا فعلاً
حاولت أن ألقّح بطني ببذار الخصب 
ألتقطها من أفكاري المتراكمة المتزاحمة 
فضاقت أحشائي عمّا يدور في رأسي 
وحاولت المرأةُ التي هي أناي الأخرى 
أن تلقّح عقلها بصور الأجنّة المرسومة على جدران بطنها 
فوجدت خيالها ممتلئًا أطفالاً وأولادًا 
من مختلف الأعمار والألوان والجنسيّات والأشكال 
وفشلنا وصار عليك أن تختار 
فمن تختار يا صاحب الأبوّة المعلّقة؟
***
أنا وهي لن نلتقي 
يا صديق الآلام والأشجان 
ويا عشير العصافير والأشجار
لأنّنا وجها ميداليّة الحبّ التي علّقتها الحياة فوق صدرك 
فحين تعرض (أنت) وجهها للناس أختبئ أنا فيك 
وحين تختار (أنت) أن تكون معي تختفي هي
فكيف ظننت أنّ في إمكانك أن توفّق بين وجودي ووجودها؟ 
ومن أين لك هذا الإيمان 
بأنّ الحياة ستمنحك ما حرمت منه سائر البشر؟ 
وكيف ظننت أنّك قادر على توليد الخصب في كلتينا 
لننجب لك ذريّة صالحة من الأطفال والكتب؟
************

2014

هل سأل الملاك جبرائيل مريم، بعدما وافقت على أن تكون أمًّا عذراء لابن الله، إن كانت تقبل أن تكون بعد ثلاث وثلاثين سنة أمًا حزينة تندب ابنها؟
***

سأحذف كلّ اللايكات عن صفحتك 
لأعيد قراءتك 
لأستعيد دهشة الإعجاب الأولى
لأنعديَ منك شعرًا
لأعيّد معك عيد ميلادنا
***

تعال نعلن ثورةً حمراء قميصُك الأزرقُ رايتُها البيضاء
***

على صفحتك عطرٌ نسائيّ رخيص، وشعرةٌ من رأس امرأة ليس في رأسها سوى فكرةِ أن تسرقك منّي، وأحمرٌ وقح لشفتين غبيّتين...
كنت أعرف، كنت أعرف أنّ تلك القصيدة التي لم تعجبني لا يمكن أن تكون عنّي...
************
2016


يا ربّ اغفر لي قسوتي على نفسي حين أحاسبها.
فأنتَ قبلي اخترت صديقًا خائنًا اسمه يهوذا، وصديقًا جبانًا اسمه بطرس، وصديقًا يحبّ المال اسمه متّى

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.