سرير جبران خليل جبران في متحفه في بشرّي - شمال لبنان |
(2009)
لو كنت وزيرة للثقافة في أيّ بلد عربيّ لبنيت مستشفى، ودعوت الأدباء والفنّانين والمفكّرين قائلة لهم: تعالوا إليّ يا أيّها المتعبون والمرضى والفقراء وأنا أريحكم وأعالجكم وأطعمكم. تعالوا إليّ يا منكسري القلوب والجوانح والأقلام وأنا أداوي جراحكم، تعالوا إليّ يا أيّها المضطهدون وأنا أحمي ظهوركم وأحترم شيخوختكم وأحني رأسي أمام عبقريتكم.
في العراق شاعر باع مكتبته أيّام صدّام حسين ليأكل، وشاعر عرض كليته للبيع أيّام ما بعد صدّام حسين ليشتري الدواء لوالدته، وفي مصر مات منذ أيّام مفكّر لأنّه لا يملك ثمن العلاج، وفي لبنان يعرض زعماء العالم على بعض فنّانينا مصاريف المستشفى، ويتركون سواهم يموت قهرًا وفقرًا، وفي الأردن تصادر كتبهم، وفي السعوديّة يكتبون لمن هو خارج السعوديّة، وفي سوريا يقيمون في السجون أكثر أيّام حياتهم، ثمّ يخرجون إلى المقابر، وفي سواها ما يشبه ذلك أو ما هو أشدّ هولاً منه.
في العراق شاعر باع مكتبته أيّام صدّام حسين ليأكل، وشاعر عرض كليته للبيع أيّام ما بعد صدّام حسين ليشتري الدواء لوالدته، وفي مصر مات منذ أيّام مفكّر لأنّه لا يملك ثمن العلاج، وفي لبنان يعرض زعماء العالم على بعض فنّانينا مصاريف المستشفى، ويتركون سواهم يموت قهرًا وفقرًا، وفي الأردن تصادر كتبهم، وفي السعوديّة يكتبون لمن هو خارج السعوديّة، وفي سوريا يقيمون في السجون أكثر أيّام حياتهم، ثمّ يخرجون إلى المقابر، وفي سواها ما يشبه ذلك أو ما هو أشدّ هولاً منه.
فلو كنت وزيرة للثقافة، لبنيت مستشفى، وقلت للأدباء والفنّانين والمفكّرين: لا تقلقوا بعد اليوم على صحّتكم في أمّة لا تقيم شأنًا إلاّ لما يدرّ مالاً وفيرًا كالنفط والرقص والسلاح والمخدّرات، وأنتم لستم كذلك، فتعالوا إليّ لأحفظ كرامتكم وأستر آخرتكم وأمنع عنكم عيون الفضوليين وآذان الجواسيس وفضلات التجّار وفلاشات الكاميرات. فأنا لا أستطيع أن أمنحكم الحريّة لتكتبوا، ولا المال لتطمئنّوا، فدعوني على الأقلّ أقدّم لكم مكانًا آمنًا ودافئًا تنامون فيه من دون خوف من رجال الشرطة، أو آلات تسجيل تحصي أنفاسكم الأخيرة.
تعالوا إليّ أيّها المثقّفون البائسون اليائسون ولا تموتوا جوعًا لأنّ الثقافة التي وضعتموها ليست مصنوعة من الطحين أو اللحم أو العشب، ولا تقضوا عطشًا لأنّكم وزّعتم مياه الحياة مجّانًا ولم تتركوا لكم سوى الدمع، أو ألمًا لأنّكم حملتم آلام الناس، أو حسرة لأنّ من تكتبون لهم وعنهم أنكروكم قبل صياح الديك، أو إذلالاً لأنّ الأوسمة والجوائز التي تقدّم إليكم لا تجد من يشتريها في مزاد علنيّ كما يحصل في بلاد العالم، أو خوفًا لأنّكم كتبتم ما لن يرضي أصحاب السلطة، أو ندمًا لأنّكم اخترتم الكلمة لا الخنجر.
لو كنت وزيرة للثقافة لطالبت حكومتي ببناء مستشفى يأتي إليها الأدباء والفنّانون والمفكّرون من كلّ البلاد العربيّة، ولاستدعيت من أجلهم أطباء من كلّ بلاد العالم، ولوضعت في تصرّفهم أفضل الخدمات الطبيّة، ولما تركت واحدًا (أو واحدة) منهم يتعرّض لمذلّة الطلب والمنّة والإحسان. فالمثقّفون عندنا ما عادوا يريدون مسارح أو دور أوبرا أو صالات سينما أو مهرجانات أو معارض أو متاحف أو مكتبات أو جامعات أو صحفًا أو مجلاّت أو جوائز أو أوسمة، بل مستشفى يعالَجون فيها من الأمراض التي سببّتها لهم هموم هذه الأمّة.
لو كنت وزيرة للثقافة لطالبت حكومتي ببناء مستشفى يأتي إليها الأدباء والفنّانون والمفكّرون من كلّ البلاد العربيّة، ولاستدعيت من أجلهم أطباء من كلّ بلاد العالم، ولوضعت في تصرّفهم أفضل الخدمات الطبيّة، ولما تركت واحدًا (أو واحدة) منهم يتعرّض لمذلّة الطلب والمنّة والإحسان. فالمثقّفون عندنا ما عادوا يريدون مسارح أو دور أوبرا أو صالات سينما أو مهرجانات أو معارض أو متاحف أو مكتبات أو جامعات أو صحفًا أو مجلاّت أو جوائز أو أوسمة، بل مستشفى يعالَجون فيها من الأمراض التي سببّتها لهم هموم هذه الأمّة.
وإن أسرعنا في تنفيذ هذه الخطّة سننقذ الكثير من الأدباء والفنّانين والمفكّرين من التحوّل مجرمين أو مجانين، وسننقذ بالتالي أنفسنا من أن نكون مجرّد سلال لمهملات العالم وأوساخه. وإلاّ فسنضطرّ إلى بناء سجن كبير (أكبر من همّنا العربيّ)، أو مصحّة واسعة للأمراض العقليّة (أوسع من أحلام زعمائنا)، أو مقبرة عظيمة (أعظم من رقص مطرباتنا، نعم، فمطرباتنا يغنّين بأجسادهنّ وراقصاتنا يلقين الخطب وهنّ يحملن رؤوس المفكّرين على أطباق من فضّة!!).
أوَتعلمون؟ لسنا مضطّرين إلى بناء سجن أو مصحّة أو مقبرة، فالأمّة العربيّة من محيطها إلى الخليج هي كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق