التنوّع ضمن الوحدة |
(2009)
أخشى أن تأتي في وقت أقرب ممّا كنت أتوقّعه اللحظة التي أنظر فيها إلى رفوف المكتبات حيث تتّكئ على بعضها آلاف الروايات العربيّة، وأشعر أنّني أمام آلات نسخ عملاقة تقذف من أحشائها آلاف النسخ لرواية واحدة.
فالموضوعات التي تتناولها الرواية العربيّة، والنسائيّة منها في شكل أكثر وضوحًا، لا تكتفي بالدوران حول محاور واحدة، بل تقلّد بعضها في الصياغة والمفردات والأخطاء اللغويّة والفجاجة والمباشرة وتغييب البعد الفنيّ تحت حجاب سميك من السرد الممّل الغارق في تفاصيل الحياة اليوميّة الرتيبة. فإذا كانت الحياة عند العرب لا تقدّم جديدًا بحسب ما يشكو منه أبطال هذه الروايات وبطلاتها، فمن أين تنبع إذًا كلّ هذه الروايات "الجديدة"؟ وإذا كانت الحريّة مصادرة في أكثر هذه الدول بحسب اعتراف الروائيّين أنفسهم، وإذا كان الكاتب يحاذر في نصّه التعرّض لعشرات الموضوعات المحرّمة، فكيف تكون النتيجة إذًا كميّة هائلة من الكتب التي صارت تُقرأ فعلاً من عناوينها، ولا ضرورة للدخول في عوالمها المستنسخة؟
لا تسمح هذه العجالة بالتوسّع في مقارنة نقديّة بين مجموعات من الروايات، وخصوصًا تلك التي تصدر في بلد واحد، فالأمر يحتاج إلى دراسة تحليليّة شاملة تعطي السابقين حقّهم وتعيد المقلدّين إلى مكانتهم الصحيحة، وهذا كلّه ليس الآن مجاله. ولكن لا بدّ من تذكير الأدباء بأنّ القارئ المتابع ليس غبيًّا أو ساذجًا، والقارئ العابر ليس مقياس النجاح وبالتأكيد ليس ضمانة النجاح العلميّ الثابت غير المتحوّل في اتجاه كاتب آخر أو روائيّة أخرى، وبأنّ الناقد ليس هو الحكم العادل ما دام ينقاد خلف عشيرة أو حزب أو تيّار أو صداقة أو علاقة عمل.
عندما أقوم بجولة عبر الإنترنت على المقالات النقديّة في الصفحات الثقافيّة العربيّة أعجب لهذا الصبر العجيب الذي يملكه كتّاب هذه المقالات. وأسأل نفسي إن كان لا يزال سيادة الناقد، بعد كلّ الأعوام من العمل النقديّ، مقتنعًا بما يكتبه. ولكنّ هؤلاء النقّاد مطمئنّون إلى أن اثنين فقط يقرأان النصّ: المصحّح في الجريدة، وصاحب الكتاب، ولهما يقول: قفا نبك لأنّ غيركما لن يعنيه الموضوع. ولذلك يستطيع الناقد أن يكتب النصّ النقديّ نفسه مستبدلاً بعض الكلمات ليكون قد قام بواجبه، وأنا شخصيًّا أعذره وأجد له الكثير من الأسباب التخفيفيّة، أوّلها أنّ أكثر الكتب يتشابه بشكل رتيب وممّل، ثانيها أنّه لا يستطيع أن يثير عليه حفيظة كلّ الكتّاب لأنّهم لن يتقبّلوا رأيه الصريح، ثالثها أنّه لم يتعلّم النقد، بل تعب من الشعر والرواية والمسرح فتحوّل إلى التعليق على الشعر والرواية والمسرح.
يتعامل بعض الروائيّين مع الكتابة كما يتعامل مع آخر صيحات الموضة في الأزياء أو مع أحدث طراز للسيّارات، يكفي أن يتمّ الإعلان عن الجديد منها حتّى يتبّناه أكان ذلك ملائمًا ولائقًا أم لا. ولعلّ اللجان التي تمنح جوائز للروايات العربيّة مدعوّة كي تعلن في مطلع كلّ عام عن الموضة الروائيّة لهذه السنة، وعلى هذا الأساس سيتمّ اختيار الأفضل منها. غير أنّي أجزم أنّ موضوعين سيبقيان أثيرين على قلوب اللجان والروائيّين وأصحاب دور النشر والجماهير الغفيرة والغفورة: الجنس والدين، ثمّ الجنس والدين، ثمّ الجنس والدين. وفي أكثر الأحيان ستتم حياكتهما في حبكة واحدة تجعل رجل الدين يمارس جميع أنواع التجارب الجنسيّة العنيفة والغريبة، وهكذا نحصل على تركيبة مربحة يهاجمها الجميع ويشتريها الجميع، ويحصد صاحبها الجوائز، ثمّ تتحوّل فيلمًا سينمائيًّا يثير جدلاً، ما يثير طبعًا فضول الناس فيتدفّقون لمشاهدته.
سؤال لا بدّ منه: إذا كان الكبت ولّد هذه الكميّات الهائلة من الروايات الجريئة الفجّة، فماذا ستنجب الحريّة إذًا؟
فالموضوعات التي تتناولها الرواية العربيّة، والنسائيّة منها في شكل أكثر وضوحًا، لا تكتفي بالدوران حول محاور واحدة، بل تقلّد بعضها في الصياغة والمفردات والأخطاء اللغويّة والفجاجة والمباشرة وتغييب البعد الفنيّ تحت حجاب سميك من السرد الممّل الغارق في تفاصيل الحياة اليوميّة الرتيبة. فإذا كانت الحياة عند العرب لا تقدّم جديدًا بحسب ما يشكو منه أبطال هذه الروايات وبطلاتها، فمن أين تنبع إذًا كلّ هذه الروايات "الجديدة"؟ وإذا كانت الحريّة مصادرة في أكثر هذه الدول بحسب اعتراف الروائيّين أنفسهم، وإذا كان الكاتب يحاذر في نصّه التعرّض لعشرات الموضوعات المحرّمة، فكيف تكون النتيجة إذًا كميّة هائلة من الكتب التي صارت تُقرأ فعلاً من عناوينها، ولا ضرورة للدخول في عوالمها المستنسخة؟
لا تسمح هذه العجالة بالتوسّع في مقارنة نقديّة بين مجموعات من الروايات، وخصوصًا تلك التي تصدر في بلد واحد، فالأمر يحتاج إلى دراسة تحليليّة شاملة تعطي السابقين حقّهم وتعيد المقلدّين إلى مكانتهم الصحيحة، وهذا كلّه ليس الآن مجاله. ولكن لا بدّ من تذكير الأدباء بأنّ القارئ المتابع ليس غبيًّا أو ساذجًا، والقارئ العابر ليس مقياس النجاح وبالتأكيد ليس ضمانة النجاح العلميّ الثابت غير المتحوّل في اتجاه كاتب آخر أو روائيّة أخرى، وبأنّ الناقد ليس هو الحكم العادل ما دام ينقاد خلف عشيرة أو حزب أو تيّار أو صداقة أو علاقة عمل.
عندما أقوم بجولة عبر الإنترنت على المقالات النقديّة في الصفحات الثقافيّة العربيّة أعجب لهذا الصبر العجيب الذي يملكه كتّاب هذه المقالات. وأسأل نفسي إن كان لا يزال سيادة الناقد، بعد كلّ الأعوام من العمل النقديّ، مقتنعًا بما يكتبه. ولكنّ هؤلاء النقّاد مطمئنّون إلى أن اثنين فقط يقرأان النصّ: المصحّح في الجريدة، وصاحب الكتاب، ولهما يقول: قفا نبك لأنّ غيركما لن يعنيه الموضوع. ولذلك يستطيع الناقد أن يكتب النصّ النقديّ نفسه مستبدلاً بعض الكلمات ليكون قد قام بواجبه، وأنا شخصيًّا أعذره وأجد له الكثير من الأسباب التخفيفيّة، أوّلها أنّ أكثر الكتب يتشابه بشكل رتيب وممّل، ثانيها أنّه لا يستطيع أن يثير عليه حفيظة كلّ الكتّاب لأنّهم لن يتقبّلوا رأيه الصريح، ثالثها أنّه لم يتعلّم النقد، بل تعب من الشعر والرواية والمسرح فتحوّل إلى التعليق على الشعر والرواية والمسرح.
يتعامل بعض الروائيّين مع الكتابة كما يتعامل مع آخر صيحات الموضة في الأزياء أو مع أحدث طراز للسيّارات، يكفي أن يتمّ الإعلان عن الجديد منها حتّى يتبّناه أكان ذلك ملائمًا ولائقًا أم لا. ولعلّ اللجان التي تمنح جوائز للروايات العربيّة مدعوّة كي تعلن في مطلع كلّ عام عن الموضة الروائيّة لهذه السنة، وعلى هذا الأساس سيتمّ اختيار الأفضل منها. غير أنّي أجزم أنّ موضوعين سيبقيان أثيرين على قلوب اللجان والروائيّين وأصحاب دور النشر والجماهير الغفيرة والغفورة: الجنس والدين، ثمّ الجنس والدين، ثمّ الجنس والدين. وفي أكثر الأحيان ستتم حياكتهما في حبكة واحدة تجعل رجل الدين يمارس جميع أنواع التجارب الجنسيّة العنيفة والغريبة، وهكذا نحصل على تركيبة مربحة يهاجمها الجميع ويشتريها الجميع، ويحصد صاحبها الجوائز، ثمّ تتحوّل فيلمًا سينمائيًّا يثير جدلاً، ما يثير طبعًا فضول الناس فيتدفّقون لمشاهدته.
سؤال لا بدّ منه: إذا كان الكبت ولّد هذه الكميّات الهائلة من الروايات الجريئة الفجّة، فماذا ستنجب الحريّة إذًا؟
***
ملاحظة: أنا معنية كسواي بهذا الكلام، قارئة وكاتبة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق