سهل البقاع 2012 |
بحمدون 2012 |
بزمّار 2012 |
بشرّي 2012 |
محميّة الباروك |
(2009)
حين وضع الشاعر اللبنانيّ عبد الجليل وهبي كلمات: جنّات ع مدّ النظر، وغنّاها وديع الصافي، لم يكن أحد في لبنان أو في العالم سمع بالكلمات التالية: التصحّر والجفاف والتغيّر المناخيّ والاحتباس الحراريّ وثقب الأوزون، ولم تكن هذه المصطلحات البيئيّة تعني أيّ شيء، بل كان معجم ألفاظ الطبيعة الذي تختصره الأغنية التي أشرنا إليها يدور حول الكلمات التالية: جنّات، طيور، القمر، أزهار، غصون، وديان، جبال، مروج، أنهار.
في ذلك الزمان الجميل كان عندنا: جنّات ع مدّ النظر/ ما بنشبع منها نظر/ وطيور ع نغماتها/ بينام وبيصحى القمر/ أزهار زيّنها الغوى/ بجفونها سحر الهوى/ وغصون تعبّها الهوا/ من كتر ما بتحمل ثمر...
في ذلك الزمان الجميل كان عندنا: جنّات ع مدّ النظر/ ما بنشبع منها نظر/ وطيور ع نغماتها/ بينام وبيصحى القمر/ أزهار زيّنها الغوى/ بجفونها سحر الهوى/ وغصون تعبّها الهوا/ من كتر ما بتحمل ثمر...
حديث الساعة في لبنان، حين يريد الناس الابتعاد عن السياسة، يتمحور حول الشحّ وهدر المياه وانخفاض نسبة الأمطار وتأخّر موسم الثلوج وتغيّر طبيعة لبنان وانحسار الجبال واحتراق المساحات الخضراء وتلوّث البحر وجفاف الأنهار وتحوّلها أنابيب صرف صحيّ وموجات البعوض وتلال النفايات. وينهي الناس أحاديثهم بعبارات من مثل: الله ينجينا من الأعظم، ضيعان هالبلد، ما في موسم سياحيّ هذه السنة. والغريب في هذه الأحاديث أنّ المتحدّثين أنفسهم، وهم لبنانيّون فخورون بالعبقريّة اللبنانيّة (الناجحة على صعيد الأفراد والمدمّرة على صعيد الجماعة)، لا يشعرون ولو للحظة بأنّهم مسؤولون عن أيّ شيء من ذلك. كأنّ من سبّب كلّ هذه الخسائر في الثروات الطبيعيّة والتشوّهات البيئيّة والتغيّرات المناخيّة غزاة من كواكب أخرى، أو وحوش استيقظت من عصور سحيقة القِدم والتهمت كلّ شيء، أو شعوب ترتدي ملابس الإخفاء هاجمت أرضنا وحوّلتها جحيمًا لا من القُبل كما في أغنية لمحمد عبد الوهاب بل من الحرّ والرطوبة والقذارة. فاللبنانيّون أبرياء من الحرب والخطف والفساد والرشوة وبيع الأملاك وتلويث الطبيعة والمتاجرة بالآثار، وبالتالي سُجّلت الدعاوى ضدّ مجهولين ولم نعلم حتّى الساعة من فعل كلّ ذلك بنا.
كان اللبنانيّون خلال الحرب متى التقوا وأرادوا التهرّب من نقاش موضوعيّ عقلانيّ واضح حول أسباب تقاتلهم يختصرون الأمر بعبارة: لعن الله من كان السبب. وفي بال كلّ واحد منهم مسبّب يختلف عن الآخر. الآن، الجميع يلعن من يحرق الأشجار، ومن يجرف الجبال، ومن يسرق رمال البحر، ومن يبني منشآت غير شرعيّة على الممتلكات البحريّة العامّة، ومن يلوّث المياه، وهم يعلمون بأنّهم مساهمون في طريقة أو أخرى بذلك، كما فعلوا خلال الحرب، إن لم يكن بالتصرّف فبالصمت والتواطؤ. والطريف في أمر اللبنانيّين إقبالهم الشديد على توزيع رسائل إلكترونيّة تتضمّن أفلامًا وصورًا تمثّل أجمل مشاهد طبيعيّة التقطت في العالم، وكثر يحتفظون على أجهزة الكمبيوتر بهذه المشاهد المصحوبة بموسيقى هادئة يلجأون إليها لتخفيف التوتّر والاستمتاع بالطبيعة الخلاّبة، ولم يصلني حتّى اليوم أيّ فيلم فيه مشاهد من لبنان في واقعه الحاليّ أو من أيّ بلد عربيّ. وإذا كان اللبنانيّون صاروا يبحثون عن الخضرة والمياه والطيور على شبكة الإنترنت أو التلفزيون فكيف هو الحال مع شعوب لا تملك ما نملكه من تنوّع طبيعيّ؟
لا يسع المرء حيال اضمحلال هذه "الجنّات" التي كانت على "مدّ النظر" سوى التساؤل: إلى متى سيمتدّ مسلسل الخسائر العربيّة القريبة زمنيًّا، بعدما امتلأ تاريخنا بدموع الخسائر التاريخيّة: فلسطين أرض الأنبياء، لبنان الوديان والجبال، عراق ما بين النهرين، وهل من الممكن أن تتّعظ شعوب البلدان الأخرى كي لا يصيبها ما أصاب جيرانها؟
لا يسع المرء حيال اضمحلال هذه "الجنّات" التي كانت على "مدّ النظر" سوى التساؤل: إلى متى سيمتدّ مسلسل الخسائر العربيّة القريبة زمنيًّا، بعدما امتلأ تاريخنا بدموع الخسائر التاريخيّة: فلسطين أرض الأنبياء، لبنان الوديان والجبال، عراق ما بين النهرين، وهل من الممكن أن تتّعظ شعوب البلدان الأخرى كي لا يصيبها ما أصاب جيرانها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق