تتباهى أبرشيّة بيروت للموارنة بإنجاز أكبر جرس في الشرق الأوسط، علّق فوق قبّة كاتدرائيّة مار جرجس في وسط بيروت. لا أدري لماذا كلّما سمعت بخبر عن أعلى مئذنة أو أكبر مسجد شعرت بأنّ الكلام موجّه إلى المسيحيّين، وكلّما سمعت خبرًا عن أكبر كنيسة أو أكبر جرس شعرت بأنّ المقصودين فيه هم المسلمون، فأنا لا أؤمن بأنّ الله يعنيه هذا الأمر أو ذاك خصوصًا متى كان على حساب الفقراء والمرضى والمضطهدين.
اللافت في موضوع الجرس الأكبر هو موقعه الجغرافيّ، أيّ في الشرق، فإلى أيّ شرق يشير القيّمون على تعليق الجرس، وبالمقارنة مع أيّ جرس آخر تبيّن لهم أنّه الأكبر، هل مع أجراس الكنائس في الدول العربيّة ذات الطابع الإسلاميّ، أم مع أجراس كنائس إيران وتركيا وشمال إفريقيا؟ أم هو الأكبر بالمطلق ومن دون قياس؟
أمّا موقعه في وسط العاصمة التي لا تعرف تاريخ الموارنة فيها ولا دورهم ولا مساهماتهم فأمر يحتاج وحده مقالات ومقالات، وبخاصّة متى عرفنا أنّ الناس الذين يعنيهم أمر الصلاة في كنائس بيروت يجدون صعوبة في الوصول إليها وركن سيّاراتهم بالقرب منها، فمن سيأتي إلى الكنيسة الكاتدرائيّة مثلاً عندما يقرع الجرس؟ الضيوف الأجانب والمصطافون العرب أم الشبّان المتسكّعون في المقاهي والملاهي، الذين لا نجد وجوههم في مجلّة الرعيّة التي تواكب نشاطات راعي الأبرشيّة، صورًا تلتقط كلّ حركة، وعظات لا تدع مناسبة تفوتها؟
الأمر الثاني هو توقيت الإعلان عنه والاحتفاء به أي في المرحلة التي ترتفع فيها أعداد المسيحيّين الذين يبيعون أراضيهم وممتلكاتهم ويرحلون عن هذا الشرق الذي يشهد تناقصًا مخيفًا في أعداد مسيحيّيه. فبدل العمل على تثبيت المسيحيّين في بلدانهم وأحيائهم وأراضيهم، وبدل بناء أكبر مستشفى أو أكبر جامعة أو أكبر مدرسة في مناطق الجبل التابعة لأبرشيّة بيروت نفسها والتي يهجرها أهلوها طوعًا بعدما هُجّروا منها قسرًا، وبدل مساعدة الناس على تحمّل أعباء الحياة (أقساط مدرسيّة، تأمين عمل، تأمين تدفئة، استشفاء...) نجد المطرانيّة تحتفل بالجرس الأكبر الذي نتمنّى ألاّ تقرع مطرقته دقّات الحزن على ما آل إليه الوضع المسيحيّ!
ولمزيد من المعلومات حول هذا الجرس وكلفته إليكم هذا التقرير الذي أعدّته لصحيفة "النهار" مي عبّود أبي عقل:
قريباً، تقرع كاتدرائية مار جرجس المارونية الجرس الاكبر في الشرق الاوسط. فبعد 11 عاماً على عودة الحياة الى اعرق صرح كنسي في وسط بيروت، اثر الانتهاء من اعمال الترميم التي خضعت لها على مدى اربع سنوات بسبب الخراب والتهديم اللذين طاولاها خلال الحرب اللبنانية، ها هي تستعد لتدشين البرج الكبير الذي سيحضن جرسا ضخما يبلغ وزنه 2,660 طناً.
منذ اسابيع، قدم فريق خاص من المهندسين والفنيين الفرنسيين للاشراف على تركيب هذا الجرس الضخم، وهو يأتي في اطار مشروع ترميم الكاتدرائية الكبير والمتكامل الذي بدأ عام 1996 ويتألف من ثلاث مراحل:
1- ترميم الكاتدرائية بحد ذاتها وانشاء بيت الكاهن، وقد انتهت.
2- انشاء البرج الذي يحمل الجرس، وهي قيد التنفيذ.
3- انشاء متحف التراث الماروني الذي يضم الآنية المقدسة والمخطوطات الكنسية، مستقبلا.
وفي لقاء مع "النهار"، اوضح رئيس كهنة الكاتدرائية المونسنيور اغناطيوس الاسمر ان "انشاء برج وفي قلبه جرس هو تقليد قديم. ففي الماضي عندما كانت الكنيسة تتسلم السلطة، كانت كل الكاتدرائيات التي تقام في العواصم الكبرى في العالم فيها برج للمراقبة ويحوي جرسا. ونحن اتبعنا هذا التقليد في بيروت المدينة- العاصمة، واقمنا هذا البرج الذي يطل على كل المدينة، وفي قلبه الجرس، وعلى رأسه الصليب".
البرج والصليب
يرتفع البرج على علو 70 مترا، وتبلغ مساحة قاعدته 64 مترا مربعا. ويمكن الصعود في داخله اما بواسطة الدرج الذي يعد 308 درجات، اما بواسطة مصعد كهربائي. وهو ملبس بالحجر الرملي الذي يتناسق وهندسة الكاتدرائية وحجرها، ويغطي جدرانه لغاية القبة التي تعلوه. وستلبس حفته بالسيراميك، وتوضع عليها اشارات تدل الى اتجاه بعض العواصم في العالم. ويمكن الدخول اليه حتى ارتفاع 50 مترا، وسيكون مفتوحا امام الناس، ويعتبر مزارا سياحيا في اطار برامج السياحة الدينية، يمكن ان يزوره الحجاج الذين يقصدون الكنيسة للصلاة والتبرك، مثلما يجري في الخارج.
ويعلوه صليب كبير من الحديد، يضاء ليلا بطول سبعة امتار ونصف المتر، يراه القاصي والداني، و"يذكر كل انسان بآلة فدائه التي من عليها خلص المسيح الانسان بدمه المهراق عليه" على ما يؤكده المونسنيور الاسمر.
الجرس
اما الجرس فيزن 2,660 طنين، وسمي باسم "مريم والدة الاله"، لأن العذراء هي حامية وشفيعة كل المدن الكبرى مثل باريس وبرلين وستراسبور وغيرها... ويدق كهربائيا على نغمة "دو" ثلاث مرات في اليوم: السادسة صباحا وقت صلاة التبشير الملائكي، والثانية عشرة ظهرا والسادسة مساء لدعوة المؤمنين الى الصلاة والقداس. صنعته شركة "كورنيل هافارد" في فيل ديو في منطقة النورماندي الفرنسية، من مادة البرونزالصلبة، ويمدح شرقا- غربا بحسب الاصول. وبلغت كلفته مع البرج نحو 5 ملايين دولار قدمها محسنون ومتمولون موارنة.
يذكر ان الكاتدرائية تضم قبتين تحوي احداهما على ثلاثة اجراس والثانية على جرسين من النحاس اوصي عليهما ايضا من فرنسا، وتتميز جميعها بتناسب الوزن مع النوطات الموسيقية. وجعل كل جرس على اسم قديس ويدق على نوطة محددة: مار جرجس (900 كلغ-فا)، مار مارون (625 كلغ- سول)، مار شربل (430 كلغ- لا)، القديسة مارينا ( 360 كلغ- سي)، والقديسة رفقا (250 كلغ- دو)، وهي تدق في مواقيت القداديس وفي الآحاد والاعياد.
الكاتدرائية
ويذكر عضو المجلس الرعوي للكاتدرائية المحامي رشيد جلخ ان "اول امر فكر فيه المطران بولس مطر، عندما تسلم زمام رعاية ابرشية بيروت المارونية عام 1996، خلفا للمطران خليل ابي نادر الذي استقال آنذاك بداعي بلوغه السن القانونية، هو ترميم كاتدرائية مار جرجس المارونية، نظرا الى ما كانت في حاجة اليه من جراء الحرب وايام المحنة التي مرت فيها بيروت. وشاء كذلك اتمام ملحقات الكاتدرائية، كما هي الحال في كاتدرائيات كبريات مدن العالم، عنيت بذلك بناء سكن الاكليروس الذي يؤمن الخدمة الروحية للكاتدرائية، الى جانب برج يركز فيه جرس كبير".
وبالفعل هذه الكاتدرائية التي دشنها للمرة الاولى المطران يوسف الدبس في 18 اذار 1894 يوم عيد الشعانين، بعد عشرة اعوام على بدء العمل بتشييدها، رممت مرة اولى في عامي 1953 و1954، ثم دشنت مجددا في 24 نيسان 2000 الذي صادف "اثنين الفصح" وادرج هذا الحدث يومها في قائمة الاحتفالات العالمية لليوبيل الخلاصي لمناسبة مرور الفي عام على ولادة السيد المسيح. وتقوم على العقار 327، وتبلغ مساحتها 3237 مترا مربعا، وهي مدرجة في قائمة الجرد العام للابنية الاثرية بموجب القرار رقم 36 تاريخ 26 آذار 2002. وسيتم تدشين البرج بعد نحو ثمانية اشهر في مناسبة مهمة قد تكون زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنان في الخريف المقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق