حزينًا ومكسور الصوت، هكذا يكون صديقي حين يغوص في عوالمه الداخليّة باحثًا عن الأجوبة التي تريح. ولكنّ ذلك غالبًا ما كان يدفعني إلى الندم، فأروح في محاكمة صارمة لا عدالة عندها ولا أحكام تخفيفيّة، أتّهم فيها نفسي بالتسبّب عمدًا، وعن سابق تصوّر وتصميم، في دفع هذا الرجل الجميل إلى مطارح سحيقة، تترك على وجهه خطوطًا تشبه علامات الاستفهام.
وحين كان يغيب في غيابه، كنت أكتشف في نفسي شوقًا ملحًّا إلى صوت الحياة يتفجّر من حنجرته، وأعد نفسي بالتوقّف عن طرح الأسئلة، والامتناع عن إثارة الموضوعات الغامضة، والتخلّي عن رغبة لا تفارقني عادة في جرّه إلى حوار لا نعرف إلى أين يقودنا. أقرّر في كلّ مرّة ن اكتفي بالحديث عن الطقس والتلفزيون والسياسة، لكنّ المهم ألّا ينكسر الصوت وألّا تذبل النظرة وألّا تهدأ نبضات الكلام.
رحلته الداخليّة قد تطول أيّامًا، يعود منها غالبًا وهو تعب. إنّما حصل في مرّات كثيرة أن عاد متوهّجًا ومشعًّا كخاتم الخطوبة. وكان عند ذلك ينطلق مدافعًا عن مواقف اتّخذها، ومستعيدًا كلمات قالها، ومبشّرًا بأفكار خطرت على باله. كأنّما رحلته تلك زادته قناعة بخياراته الفكريّة وميوله العاطفيّة ورغباته العطشى دائمًا إلى إرواء ظمئها.
أمّا عندما يرزح تحت ثقل الإحساس بالخطأ الذي ارتُكب، فكان يعمل جاهدًا كي يصفح – عن نفسه أو عن الآخر – ثمّ يكتشف أنّ النسيان أسهل بكثير. ولكنّي أعترف بأنّه غالبًا ما أجبر نفسه على اختيار الحلّ الأكثر صعوبة. وهنا فرادته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق