عندما لفّ ضباب السفر صديقي العابر اكتشفت كيف يمكن البيت أن يكشف عن وجهه الأليف أمامي، رغبة منه في احتضان حزني. كنت نسيت ماذا يعني أن أبقى في المنزل ليلة بعد ليلة بعد ليلة، بلا وعد يدغدغ جسدي بلمسة مرتجفة، وبلا رائحة عطر ترافقني إلى السرير؛ وماذا يعني أن تُهمل ملابس السهرة فيعتق طرازها قبل أن تتاح لها فرصة الخروج من ظلمة الخزانة إلى عتمة غرف اللقاء؛ وماذا يعني أن يصير مقدّمو البرامج التلفزيونيّة السخيفة أصدقائي المحترمين مواعيدهم ووعودهم؛ وماذا يعني أن تتحوّل الأعياد بركًا فارغة تنتظر دموعي.
يمشي الرجل الذي أحبّه على آثار خطواته التي سبقته، ويمرّ على أرصفة الحياة ويتأمّل وجوهه المحفورة على حيطان الشوارع ثمّ يتابع سفره. أمّا أنا عاشقة البيوت فمقيمة في الانتظار واحتمالات اللقاء. أجلس على العتبة أتسوّل رجوعه، وأقف إلى النوافذ ضارعة إلى السماء كي ترسل نجمًا يرشده إلى طريق الوصول.
وفي انتظار عودته سأداعب مقبض الباب الذي لمسه، وأجلس على الكنبة التي استراح في حضنها، وأشرب من الكوب الذي بلّلته شفتاه، وأنظر إلى اللوحة التي استمتعت بمراقبته لها، وأتمدّد على السرير الذي عانقه.
وهذا ما لن يحصل على ما يشبهه في غربة أيّامه وفراغها.
هناك 4 تعليقات:
trop triste
c'est la vie
vie minable
ما دمت تقرأ الشعر وتتذوّق الجمال فهي ليست بائسة إلى هذا الحدّ
إرسال تعليق