الثلاثاء، 12 يناير 2010

الوعاء الكبير والوعاء الصغير


1 - قالت الأمّ لابنتها وهي تدعوها لكي تصبر على أخوتها الصغار: الوعاء الكبير يتّسع للصغير.فأجابت الفتاة: الوعاء الكبير، فارغًا فقط، يتّسع للوعاء الصغير.
*****
2 - لا تتّسع بعض العلاقات لأكثر من شخص واحد، استطاع أن يحوّل العلاقة علاّقة ثياب يعلّق عليها الشخصَ الآخرَ كمعطف سميك في أقصى الخزانة، ولا يحتاج إليه إلاّ في أيّام قليلة.
*****
3 - أطلق الفقير النار على معدته لعلّه يصطاد عصفورًا من عصافير بطنه الجائعة فيقدّمه عشاء لصغاره.
*****
4 - ليس العلم في الصغر هو ما يشبه النقش في الحجر بل طريقة التعليم المهينة. فالدرس الذي نذكره أكثر من سواه هو ذاك الذي أنزل الدموع من عينينا وأخفاها في أبعد نقطة في قلبنا.
*****
5 - سئلت الأمّ عن أحبّ أولادها إلى قلبها فأجابت: الصغير حتّى يكبر، والمريض حتّى يشفى، والمسافر حتّى يعود. هل كانت تلك الأمّ تقرأ في عمق قلبها أنّ إخوة الصغير الكبار سيرمونه في بئر حسدهم، وإخوة المريض الأصحّاء سيحسدونه على آلامه، وإخوة المسافر المقيمين في دفء البيت العائليّ سيغارون منه يوم عودته؟
*****
6 - يمضي الواحد منا عمره وهو يحاول أن يستعيد الطفل البريء الذي في داخله فإذا به يستعيد عِقد الطفولة وحرمان الطفولة فتموت فيه البراءة مرّة بعد مرّة بعد مرّة.
*****
7 - قصص الأطفال وُضعت منذ البدء للفقراء. أولاد الأغنياء لهم الفلسفة والعلوم والفروسيّة والموسيقى وآداب المائدة ودروس حسن التصرّف والمسرحيّات الهزليّة. الحكايات التي تروى للأطفال كلمات تعد فقراء الأرض بالجنيّات الصالحات والأمراء المنقذين فينام صغارهم برؤوس ممتلئة أحلامًا وبطون خاوية... وينام الأغنياء مطمئنّين إلى أنّ صغارهم لن يُواجهوا بثورة الجياع.
*****
8 - آثار الزمن على حقائب اليد الجلديّة الأنيقة، على أثاث المنزل الممتلئ حركة وبركة، على وجه عانق الشمس واغتسل بالمطر، على ظهر انحنى من العمل والعطاء، على كتاب انتقل من يد إلى يد، ومن جيل إلى جيل، على كنزة صوفيّة حاكتها الجدّة، على غطاء طاولة مبقّع من حفلة عرس، على شعر أبيض يكلّل وجهًا تسكنه السكينة، على كرسيّ عتيق مركون خلف الباب بعدما كان في شبابه يزيّن صدر الدار، آثار الزمن هذه! لا تمحوها ولا تجدّدوها ولا تعالجوها ولا تخجلوا بها، آثار الزمن هذه تعني أنّ الحياة مرّت من هنا.

*****
9 - يحتفل الناس برأس السنة الصينيّة أو الميلاديّة أو الهجريّة، أمّا أنا فصرت أحبّ الاحتفال برأس المال على طبق من فضّة وبملعقة من ذهب، غير أنّني على ما يبدو تأخّرت على تحقيق ذلك.
*****
10 - أنت لست وحدك أبدًا: هناك يداك ورجلاك وأمعاؤك وقلبك وعيناك وأذناك... ورأسك، خصوصا رأسك، فما دام بين كتفيك فلن تكون وحدك أبدًا.
****
11 - ما هو عذر الأثرياء الذين لا يحوطون أنفسهم بالجمال والنظافة؟ إنّهم حديثو نعمة يخشون أن يعود إليهم الفقر.
*****
12 - الفقر الاختياريّ الذي يبشّر به بعض الناس هو نزهة ترفيهيّة يقوم بها بعض المترفين ليتسلّوا.
*****
13- أنا يا صديقي اخترتك لتكون بيتي، كما تختار العصافير الطليقة الأشجار والسقوف التي ترتاح إليها فتبني فيها أعشاشها، ولن تكون مفروضًا عليّ كبيت السلحفاة.
*****
صحيفة "النهار" - الثلاثاء 12 كانون الثاني 2010

هناك تعليقان (2):

Marcell يقول...

كل يوم بقرا اللي بتكتبيه
وبجي بدي قلك قدي انتي رائعة
وبرجع بخبيها ..

رائعة كتير ..
شكرا ً

:)

ماري القصيفي يقول...

مارسيل، أشكرك بصدق على كلماتك الصادقة واللطيفة، يسعدني أنّك قرّرت أن تكتبي لي رأيك. كلمات الذين يقرأون لنا وتعنيهم كتاباتنا تسعدنا. هذا رأيي أنا على الأقلّ. اشكرك فعلاً

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.