الجمعة، 5 يناير 2018

الفصل الثالث من روايتي "كلّ الحقّ ع فرنسا"

 
كتبي عند الأصدقاء في البقاع

حين لاحظت نجلا النظرات المتبادلة بين الكولونيل الفرنسي ووردة أيقنت أنّها وجدت الطريق المناسب لإخراج حبيب من السجن بل فكّرت في أنّ حبيب سيواصل عمله في التهريب تحت أنظار الفرنسيّين والدرك ولن يجرؤ أحد على توقيفه أو تفتيشه. فحبيب ابنها البكر، وعليه تراهن كي تخرج من بؤرة الفقر قرب النهر الملوّث لتقيم على أعلى تلّة في سهل البقاع. وعلى وردة أن تفهم ذلك وتساعد على تحقيقه. أليس حبيب التلميذ المفضّل عند سامي الخوري أشهر المهرّبين في لبنان وأكثرهم حذقًا وبراعة مع أنّه أصغرهم سنًّاً؟ وماذا يضير وردة إن سايرت الكولونيل كي توقعه في شباكها وتجعله يغضّ الطرف عن أعمال أخيها الذي هو رجل العائلة وإن كان لا يزال في أوّل صباه ولكنْ أمامه مستقبل ومال وجاه؟
نظرات الكولونيل إلى وردة جعلتها تفتخر بنفسها، وأضيف إلى هذا الفخر كبرياء ساذج سببه أنّها تلميذة الراهبات وتجيد تكلّم الفرنسيّة وعليها بطبيعة الحال أن تكون المترجمة بين الكولونيل الأشقر ذي الوجنتين الحمراوين وأفراد عائلتها الغارقين في سمرة داكنة لوّنتهم بها شمس السهل الحارقة وثبّتها هواؤه الجافّ. ولكن حين أومأت نجلا لزوجها وأولادها كي يخرجوا من الغرفة التي تكاد تكوّن البيت كلّه ليخلو الجوّ لوردة والكولونيل، وبقيت هي تتظاهر بالانشغال بتحضير القهوة في زاوية يضيئها مصباح خفيف، وحين فهم الكولونيل ماذا يعني اسم وردة في لغته الفرنسيّة وسأل الفتاة إن كانت تسمح له بأن يناديها باسمها الفرنسيّ، وحين وافقت وردة مبتهجة كأنّها صارت للتوّ سيّدة فرنسيّة أنيقة، وحين تحوّلت وردة ابنة البقاع "روز" حبيبة الكولونيل، حين حصل كلّ ذلك في بضع لحظات، واللحظات دائمًا قصيرة ومصيريّة، كان مستقبل عائلة كبيرة مكوّنة من والدين وصبيين وستّ بنات يشقّ طريقه من سهل البقاع إلى رحاب الدنيا عبر طرق ودروب لم تخطر لعاقل. ولكن من قال إنّ العقلاء يعرفون كلّ شيء؟ ومن كان يمكنه أن يعلم أنّ زيارة تحقيق روتينيّة يقوم بها ضابط فرنسيّ لعائلة الشابّ اللبنانيّ الموقوف ستوقظ رغبات كانت نائمة؟ ومن قال إنّ هزّة رأس خفيفة من وردة التي صارت روز لن تهزّ عالم أسرتها بأسره وبمباركة من الأمّ التي كانت توكل إليها أن تهزّ السرير لأخوتها واحدًا تلو الآخر، كونها بكر العائلة والمسؤولة عن كلّ فرد منها في غياب الوالدين في السهول والكروم، وفي حضورهما كذلك؟ 
وعندما كانت نجلا وهي تقاوم الموت تلعن فرنسا وكلّ شي طلع منها، كانت بناتها، ما عدا روز، يسترجعن ذلك النهار البارد من عام 1940 حين أجبرتهنّ والدتهنّ على الوقوف خارج الدار، تلسع أبدانهنّ الصغيرة رطوبة النهر الصاخب، وفي قلوبهنّ حقد على وردة التي تجلس كالأميرة في دفء الغرفة. جولييت لم تكن ولدت بعد، وكاميليا كانت في حوالى الخامسة من عمرها ولا تذكر شيئًا، لكنّهما كانتا تحفظان أحداث هذا اليوم لكثرة ما استعادت ملفينا وسعاد ولبنى تفاصيله أمامهما. أمّا روز التي كانت بردت ذكراها منذ سنة فحضرت الآن بقوّة في الغرفة حيث كان الجميع يتذكّرها من دون أن يأتي أحد على ذكرها.
بعد اللقاء الأوّل بين وردة الصغيرة والكولونيل الكبير خرج حبيب من السجن، وخرجت روز من البيت. هربت مع الكولونيل وزغردت أمّها أمام الدار ليسمع الجيران أنّها صارت حماة الفرنسيّ الذي صار يسهر كلّ ليلة في منزلها، رغم أنف الوطنيّين والحاسدين. أمّا في بيروت، حيث أمضت روز ليلتها الأولى بين ذراعي حبيبها وهي سعيدة لأنّها تخلّصت من حياتها البائسة، فكان ثمّة شعور بالحريّة يداعب مخيّلة كثيرين، ويعدهم بعالم جميل لا فقر فيه ولا جوع ولا انتداب، في حين خاف كثيرون من مستقبل قد لا يشبه حاضرًا يأنسون إليه ويلائم ما كانوا به يحلمون.
***
كيف حلّت هذه اللذة مكان الخوف في جسد روز؟ وكيف استطاعت من الدرس الأوّل أن تكتشف ماذا تحبّ أن تفعل وكيف تحبّ أن تشعر؟ حين صارت في الغرفة مع الكولونيل الذي وعدها بالزواج ما أن تصل الموافقة من القيادة ارتخت أعصابها المشدودة وشعرت بالأمان، كأنّ العالم كلّه يبارك هذا اللقاء ولم يعد ما ستفعله عيبًا أو حرامًا. أغمضت عينيها وهو يقبّلها في عنقها خلف أذنها واستسلمت وإن كان قلبها يخفق بسرعة. كان الكولونيل هادئًا ومتمهّلاً في ما يفعله، ومع ذلك كانت خائفة. خائفة لأنّها تجهل ماذا سيحدث، وماذا يجب أن تفعل. حاولت أن تتذكّر ما علّمتها إيّاه أمّها عن الليلة الأولى فشعرت بالخجل وأبعدت الصورة ومحت الكلمات. فلا شيء ممّا قيل لها يشبه ما يجري. فقط تلك المياه التي تسيل منها ذكّرتها بما كان يحدث معها حين كانت تقرأ روايات تحرّك جسدها وتذيبه بين طيّات الكتاب. وكانت عندذاك تتلفّت حولها لترى إن كان أحد شعر بما يجري معها ومنها.
الآن يحدث الأمر نفسه، فكّرت وردة. ولكنّه أجمل وأقوى ولن تخشى أن يعرف أحد لأنّها لم تعد تهتمّ إلاّ بما يحدث معها، لقد بدأ جسدها يستسلم لإرادته الخاصة ولم يعد يمتثل لأمرها حين أرادت أن تصرخ به: تمهّل، ماذا تفعل بي؟
تحرّر جسدها منها، نال استقلاله عنها وقرّر أن يحلّق في السماء التي فتحت له ذراعيها. وذراعا الكولونيل كانتا تلتصقان بجسمها الصغير كجناحين قويّين، تحملانها إلى السرير، وصوته يهمس لها بكلمات اعتادت أن تقرأها بصوتها لا أن تسمعها بصوت رجل. كان الأمر كلّه جديدًا وجميلاً ودافئًا ورطبًا. مخيف، لكنّه جديد وجميل ودافئ ورطب. فاحت رائحة الجسمين المنصهرين، فداخت وردة. خلع عنها الكولونيل ملابسها البسيطة، قبّل ظهرها وفخذيها وقدميها الصغيرتين، مدّ يده بهدوء إلى ثدييها الطفلين، عصر شفتيها، وهي لا تمانع ولا تشارك. تترك جسدها يتصرّف كما يحلو له، لم تمنعه ولم تشجّعه. تركته يسيل بين اليدين القويتين والشفتين الرطبتين واغتسلت بالكلمات التي صارت كلمة واحدة هي اسمها يردّده الرجل لعلّه يستحضر كلّ لذّتها وشغفها وأحلامها ورغباتها في هذه اللحظة. وكأنّ الاسم السحريّ الذي نقلها من السهل إلى بيروت وصار اسمها نقلها هذه المرّة من الانصياع إلى الطلب، من التنفيذ إلى المشاركة، من الاستسلام إلى الرغبة، وحين كان الكولونيل يردّد اسمها مرّة بعد مرّة ويخبرها وهو متقطّع الأنفاس بما يشعر به، كانت الوردة تفتح وريقاتها اليانعة للحياة ثمّ تلتفّ بجذعها الطريّ على الرجل الذي يرسمها امرأة جديدة باسم جديد وتطلب منه أن يؤلمها أكثر، أن يشعلها أكثر، أن يمتصّ كلّ ما فيها من رحيق كي تصير له وحده، كي تصير امرأته الجديدة. وحين أخذها الكولونيل صرخت روز من الألم، ثمّ ابتسمت وعيناها الجميلتان المفتوحتان تستعيدان المشهد. ابنة الخامسة عشرة صارت امرأة مقتنعة بأنّ الحياة وإن لم تسمح لها بأن تكون طفلة ومراهقة صالحتها أخيرًا.
مضت أسابيع على وجود روز مع الكولونيل الذي راح يؤجّل موعد الزفاف مرّة بعد أخرى، ونجلا التي لحقت بابنتها لتطمئنّ إلى سير الأمور ولتعود بالأخبار إلى الجيران الحاسدين وأهل زوجها الشامتين، بدأت تشعر بالعجز أمام رجل لا تفهم لغته ولا تثق بالكلمات المترجمة على لسان ابنتها التي صارت تحبّ أن تمارس الحبّ كما لم تقرأ عنه في أيّة رواية فرنسيّة من تلك التي كانت تحصل عليها خلسة عن أخويها ونكاية بالراهبات، هل كانت تعلم أنّ تلك الروايات تحمل اسمها؟ لكن لم يطل الوقت حتى اكتشفت روز أنّ الرجل متزوّج وأنّه سيعود قريبًا إلى بلاده، وأنّها لن تعود إلى بلدتها إلاّ بعد أعوام على رحيلها عنها، ولن يكون لحكايتها نهاية سعيدة كتلك التي داعبت مخيّلتها وهي تقرأ روايات زهريّة من لون اسمها.
عادت نجلا إلى بيتها وحيدة، لكنّها كانت تحمل الكثير من الأخبار عن العرس الخياليّ الذي أقامه الكولونيل لابنتها، وحين راحت تعتذر من الجميع لأنّها لم تدعهم إلى العرس كانت حجّتها الوحيدة أنّ العريس اضطرّ إلى اتخاذ تدابير أمنيّة مشدّدة حرصًا على سلامة الضبّاط الكبار ورجال الدولة الذين كانوا مدعوّين إلى الإكليل. ولم تنس أن تؤكّد لجيرانها وأهل زوجها أنّ العروسين سيقيمان حفلة استقبال كبيرة خاصًّة بأهل العروس حين يعودان من شهر العسل في فرنسا حيث سافرا لينالا بركة والدَي العريس. طبعًا لم يصدّق أحد كلمة من ذلك، فلم يعودوا إلى هذه السيرة كأنّ وردة لم توجد، على الأقلّ أمام نجلا وزوجها وأولادهما. أمّا بعيدًا عنهم، فكانت حكاية وردة تتحوّل حكايات يتسلّى بها الكبار ويشمتون، وتداعب أحلام الصبايا اللواتي يتمنّين لو كانت لهنّ جرأة تلك الفتاة ليخضن مغامرة من هذا النوع مهما كانت نتيجتها. وفي سرّهنّ حسدن وردة على أمّها التي سمحت لها بالهرب.
في الوقت الذي كان فيه الكولونيل على متن سفينة تعيده إلى زوجته وأطفاله، كانت روز تقف جامدة على المرفأ الذي اكتشفت بعد وقت طويل وخلال إحدى رحلاتها السياحيّة أنّ هندسته تشبه مرفأ في غرب فرنسا أعادها حين وقفت أمامه إلى الماضي ما عكّر عليها صفو تلك الرحلة.
عيناها عاجزتان عن البكاء. هكذا بقيت طوال حياتها. ومعدودون أولئك الذين رأوها بعد ذلك دامعة أو متأثّرة، حتّى صارت مضرب المثل حين يريد أحد أن يصف حالة القسوة التي يصاب بها إنسان ما: "متل الستّ روز ما في شي بيهزّها". حتّى في مأتم والدها رفضت روز البكاء أمام الناس وقالت لنفسها: "سيقولون إنّك تبكين على حالك وتندبين حظّك. لا تتركي لهم هذه الفرصة".
لكنّ اليد التي هزّت روز يومذاك على المرفأ لم تكن غريبة تمامًا، كانت يدَ ضابط فرنسيّ آخر امتدّت نحوها وجذبتها إلى حيث أخذ الرجل جسمها في مقابل المأوى والطعام والحماية قبل أن يسلمها إلى يد أخرى. ومن يد إلى يد، كانت روز التي تركت بيتها ولها من العمر خمسة عشر عامًا تكتسب خبرةً في التعامل مع جسدها، وذكاءً في علاقاتها مع الرجال الذين أخذت تنظر إليهم على أنّهم رجل واحد مهما اختلفت أعمارهم ومهنهم، وبراعةً في فنون الحبّ والطعام والشراب والأزياء والموسيقى، حتّى صار حضورها لافتًا في أوساط الضبّاط الفرنسيين واللبنانيّين، وصار سهلاً عليها أن تجد عملاً يعطيها الاستقلال الذي وضعته هدفًا نصب عينيها. ولن تعود إلى بلدتها قبل أن يتحقّق ذلك. ستعود يومًا. وستكون في سيّارة كبيرة، وعلى رأسها قبعة يزنّرها شريط عريض أصفر يلمع تحت شمس السهل، وتتطاير أطرافه مع الهواء. وسيركض الأطفال لاستقبال السيّارة، وتهرع النساء لمعانقتها وهن يتحسّسن بشرتها الناعمة ويحسدنها على ملابسها الأنيقة، ويقف الرجال على الرصيف، تحت صف القناطر المحاذي للطريق العام، وفي يد كلّ منهم سيكارة، يتطاير دخانها مع الهواء،وأفكارهم شاردة وعيونهم زائغة.
غير أنّ تفاصيل بسيطة وقفت دائمًا حاجزًا يمنع روز من الاسترسال في حلمها، فمخيّلتها بقيت عاجزة عن تغيير بيت أهلها الفقير الضيّق البارد، وبقي والدها عاجزًا عن الوقوف في وجه أمّها، وأمّها عاجزة عن مقاومة ضعفها تجاه حبيب، وحبيب عاجزًا عن البقاء خارج السجن إلاّ لمدة تسمح له بالنوم مع زوجته وتركها حبلى تنتظر يوم خروجه من السجن وخروج طفل آخر من بطنها.
ويبقى الآخرون، كلّ الآخرين، الجوقة التي تغيم ملامح من فيها ولا يبقى من أفرادها إلاّ خيالات لا عمل لها سوى ملء الفراغ.
تقلّبت روز في عدد من الوظائف: سكرتيرة، بائعة في متجر للألبسة النسائيّة، مرافقة لسيّدة ثريّة، مترجمة في شركة تجاريّة، ومع كلّ عمل علاقة جديدة تحاول أن تروي فيها ظمأ جسدها إلى الحبّ وتشبع رغبتها في الانتقام وتحقّق حلمها في أن يكون لها بيت لا يشاركها فيه أحد. واكتشفت أنّها تحبّ الجنس وأنّها تحبّ جسدها وأنّها تحبّ الرجال. ولم تمنع نفسها عن شيء أو عن أحد. وحين كانت والدتها تزورها لتأخذ منها ما تستطيع الحصول عليه من مال، كانت روز تنتبه مرّة بعد مرّة إلى أنّها ورثت عن أمّها شبق جسدها ورغباته التي لا تعرف الشبع، وحين زارتها نجلا وهي حامل في شهرها الرابع، ابتسمت روز بلؤم وقالت لها: المفروض أن أكون أنا العروس والحبلى. هذه المقارنة بأمّها كانت تقلق روحها من جهة، وتثير سخريتها من جهة أخرى. فهي لم تكن تريد أن تشبه أمّها، ولكنّها في الوقت نفسه تشمت بنجلا التي صارت أسيرة أخبار ابنتها عن المغامرات والجنس والمال والمجتمع الجديد الذي تركه الفرنسيّون خلفهم يوم رحلوا. وهكذا راحت صورة الأمّ تبهت في نظر أولادها لتسطع صورة الستّ روز التي كانت ترسل لكلّ واحد منهم حاجته من الملابس والمال ثمّ صارت تدفع مصاريف المدارس عن الفتيات الصغيرات، بنات أخويها وأخواتها اللواتي كانت تحلم لهنّ بحياة لا تشبه حياتها أو حياة أمّها وشقيقاتها، ولم تكن لتحدس أنّ أحدًا من أولاد أخوتها لن يتابع الدراسة ولن يدخل إلى الجامعة.
قبع جميع من في البلدة ينتظر زيارة الستّ روز، بعدما تحدّث العائدون من بيروت عمّا آلت إليه أوضاعها وعن المنزل الجديد الذي تقيم فيه في ضاحية بيروت الشماليّة، المحاطة بأشجار الرمّان والتين والزيتون، والتي كان يلجأ إليها الراغبون في الابتعاد عن صخب المدينة.
 ولم تكن المرأة غافلة عن الحكايات التي راحت تنسج حولها حين يجتمع الناس حول المواقد، أو يسهرون تحت الدوالي، أو يعملون في الكروم. وكانت ترتسم على زاوية فمها ابتسامة ماكرة وهي تكتشف كيف تحوّلت ومن دون أيّ تخطيط منها موضوعًا لأحاديث الرجال ومثيرة لغيرة النساء ومثالاً تحاول فتيات كثيرات تقليده. ولم ترغب ولو للحظة واحدة في تصحيح معلومة أو تصويب خطأ في تاريخ أو اسم. كانت تريد أن تصير الحكاية، والحكايات لا تقرّر مصائرها ومسيرتها. فليحكِ الناس ما يريدون. هذا شعارها الذي بقي خاتمة كلّ حوار تريد روز أن تضع له نقطة نهائيّة. فيفهم محدّثها أنّ عليه ألاّ يعود إلى هذا الحديث مرّة أخرى.
مرّ الكثير من الأحداث والرجال في حياة روز قبل أن تلتقي الرجل الذي جعلها تلتزم به دون سواه. لم يكن أجمل من غيره، ولم يكن أغنى من سواه، وكان متزوّجًا. ولكن متى كانت هذه الأمور تقف عائقًا أمام رغبة الستّ روز (عهدذاك كان الناس ينادونها دوموازيل روز، ومع الوقت صارت الستّ) في الحصول على رجل، فكيف إذا كانت هذه المرّة عرفت الحبّ كما لم تتخيّل أنّها ستعرفه؟ كانت في تلك المرحلة موظّفة لا بأس بمركزها في السفارة الأميركيّة في بيروت كونها تجيد اللغتين الفرنسيّة والعربيّة. وكان هو يأتي من وقت لآخر لتصريف بعض الأعمال. ومن اللقاء الأوّل في أحد المقاهي المشرفة على البحر، عرفت وردة أنّ هذا الرجل سيكون آخر رجل في حياتها. وحين كانت تصارح نفسها بحقيقة مشاعرها كانت تقول:
"وهل كان الآخرون رجالاً؟"
كان ذكيًّا وطريفًا وكريمًا ولا يحبّ الثرثرة والكلام الفارغ. وكان يعرف ماذا يريد. وحين مارسا الحبّ للمرّة الأولى في شقّتها الأنيقة، بكت وردة وتمنّت لو يعود الزمان إلى الوراء.
عرفت أنّه لن يترك زوجته وأولاده من أجلها، وعرفت أنّها لن تطلب منه ذلك. وكانت ستكتفي بما بينهما ما دام يأتي كلّ يوم لرؤيتها، وما دام كلّ الناس يعرفون أنّه في شبه انفصال عن زوجته وأنّه لا ينام معها، وأنّ الأولاد سيكبرون وقريبًا يتحرّرون من والدهم ويحرّرونه منهم. ولم تكن تعلم أنّها ستكتشف معنى الحبّ بعدما كانت حسمت أمرها في الابتعاد عن الرجال والانصراف إلى تجميع ثروة تمنحها الاستقلال التام، وأنّها ستنتصر طيلة عشرين عامًا على الحروب والخوف ثمّ التهديد بالخطف أو الموت في انفجار كونها في سفارة مركزها في الغربيّة وهي مجبرة على التنقّل يوميًّا بين شطرَي العاصمة وإن أمضت مرغمة بضع ليال عند شقيقتها ملفينا، كما ستنتصر على أقاويل الناس واستغلال أخويها وزوجتيهما وأخواتها وأزواجهنّ لها، غير أنّها لن تحتمل أن يغدر بها من تحبّه. ليس مرّة ثانية، ليس بعد كلّ ما مرّت فيه، ليس بعد أن أمضت نصف عمرها مع رجل لم تطلب منه إلاّ أن يحبّها.
روز ذكيّة، تعلّمت من علاقاتها السابقة أنّها تحتاج إلى أكثر من الحبّ كي تبقي ناجي إلى جانبها. كان عليها أن ترتبط به بطريقة ما، فكان مشروع المطعم الأجنبيّ الراقي وسيلة تضمن بها بقاءه معها فيعملان معًا ويبقيان معًا مهما كلّفها الأمر. وبالفعل وضعت روز ما جمعته خلال عملها في هذا الاستثمار ولم تطلب منه إلاّ أن يقدّم وقته وأفكاره. كانت تعلم أنّه قادر على ذلك، وأنّها لن تقبل أن يقدّم مالاً في مقابل حصّتها لأنّه يحتاج إلى كلّ قرش لإسكات زوجته عن علاقتهما، وتأمين مستقبل أولاده وأقساطهم في المدارس الراقية والجامعات الخاصّة. فليأخذوا كلّ مالها وليتركوه لها. وهكذا ارتفعت اللافتة فوق المطعم تحمل اسميهما معًا وتفرض علاقتهما على مجتمع لم يكن بعد مستعدًا لقبول علاقة علنيّة من هذا النوع. ولكنّ المجتمع يعتاد بسرعة على المتغيّرات متى عجز عن مقاومتها أو ليريح نفسه من عناء تصحيحها، فحقّق المشروع نجاحًا لافتًا. فلكلّ من الشريكين علاقاته الاجتماعيّة، حتّى أنّ أخاها حبيب اعتمده المطعم الوحيد لعقد الصفقات ولقاء التجّار الذين لا يريد أن يدعوهم إلى أيّ مكان غريب، وروز وشريكها لن يشيا به.
المطعم صغير وحميم، رغبت روز في أن يكون ذا طابع فرنسيّ نكاية بمطبخ أمّها التي كانت تتباهى بأنواع المأكولات اللبنانيّة التي تحسن تحضيرها، ونكاية بماضيها الذي ظنّ أنّه أحنى رأسها. لن يذهب ما تعلّمته روز على يد الفرنسييّن هدرًا، وستحارب ذكراهم بسلاحهم، بأطباقهم ونبيذهم وموسيقاهم ومفروشات تحمل بصماتهم. عالمها الأميركيّ الذي أحاط بها في السفارة الأميركيّة لم يلائم طبعها النيّق المتطلّب، كانت تقول في نفسها سأستفيد من علاقاتي مع الأميركيين وممّا تعلّمته من الفرنسيّين لآخذ أموال اللبنانيّين. لقد غيّر الفرنسيّون شخصيّتها، وبقدر ما كانت ترفض الحديث عن علاقتها بهم، كانت ملابسها وعطورها تشي بأنّها لم تستطع أن تكره ما علّموها إيّاه. وناجي لم يزعجه ذلك. هو له ماض وحاضر يفرضهما عليها، فهل يضيق صدره بماضيها بعدما وهبته حاضرها ومستقبلها؟
ليلة ابتلعت وردة قنينة الديمول لم تكن تعرف أنّها لن تموت مباشرة، وحين كانت تستيقظ من غيبوبتها وتصرخ من الآلام التي تحرق أحشاءها كانت تشعر بالذكريات تعود كلّها دفعة واحدة فتكتشف كم هي عاجزة عن فعل أيّ شيء. حتّى عن الموت. على الأقلّ في الموعد الذي حدّدته لنفسها.
مرّت أعوام على روز بين وداع الكولونيل واللقاء بناجي. عادت خلالها مرّات كثيرة إلى بيت أهلها قرب النهر، وكانت الزيارة الأولى يوم ولدت شقيقتها التي اختارت لها هي اسمها الأجنبيّ جولييت. ولكنّها لم تعد كما كانت تحلم وتتخيّل، فلا سيّارة كبيرة ولا قبّعة، ولا مشاهد لافتة في استقبال حاشد. ثم صارت تأتي في الأعياد والأعراس والمناسبات العائليّة كما تفعل كلّ فتاة تريد زيارة أهلها. فقصّتها بعد البحث والتدقيق لن تكون فريدة من نوعها، وليس فيها ما يعيب. على كلّ حال حتّى ولو كان الأمر كذلك فلن يرجمها بحجر من كان بيته من زجاج. وبيوت اللبنانيّين بعد كلّ احتلال أو استعمار أو انتداب تصبح من زجاج شفّاف رقيق سريع الانكسار، فمن يجرؤ على اتّهام من ومن يخوّن من؟ عادت وردة كأنّ شيئًا لم يكن. كأنّ من طبيعة الحياة أن تهرب فتاة مراهقة مع رجل غريب، وتقيم معه من دون زواج، وتبقى معه حتّى بعدما عرفت أنّه متزوّج ولن يطلّق امرأته من أجلها، ثمّ أن يتركها لسواه، وأن تعمل في العاصمة وأن تقيم في منزلها الخاصّ ثمّ تعود إلى بيتها كأنّ كلّ ما فعلته زيارة صلاة لأحد الأديرة. ولكنّ الأمور تصبح عاديّة ومشروعة متى أراد الناس ذلك. والناس عهدذاك قرّروا أن "ما حدا أحسن من حدا، وما حدا فوق راسو خيمة، والله يستر على جميع الناس". وهكذا انطفأت حكاية وردة والكولونيل الفرنسي لأنّ كثيرين كانت لهم مصلحة في ذلك، ولا أحد يريد نبش الدفاتر العتيقة. ومن الأكيد أنّ وردات كثيرات سوى هذه الوردة عبث بهنّ هواء غريب وأسقط أوراقهنّ الطريّة.
ولكنْ ثمّة نقص في حكاية جولييت. من هو هذا الكولونيل الفرنسيّ؟ ما اسمه؟ هل عرف أحد عنه شيئًا بعد رحيله؟ هل هو من أعلم روز بأنّه متزوّج أم هي اكتشفت ذلك؟ وكيف بقيت معه نحو سنة قبل رحيله؟ هل أحبّته فعلاً؟ ألم ترغب في اللحاق به إلى فرنسا أو السؤال عنه بعد ذلك؟ تحار الممرّضة أمام أسئلة زاد وترغب في التهرّب منها مختلقة كلّ مرّة عذرًا مختلفًا، قبل أن تسألها مستغربة:
"كيف يخطر على بالك مثل هذه الأسئلة؟"
وتتابع:
"أنا لم أكن ولدت حين حصل ذلك، والآخرون انشغلوا مع الوقت بأنفسهم ولم يعد الأمر يعنيهم وصرنا كلّنا نريد أن نطوي الصفحة وننسى ونترك لوردة الفرصة كي تنسى وتتابع حياتها فكيف تريدين منّا أن نهتمّ بما جرى لذلك الرجل؟ ثمّ إن شقيقتي لا تسمح لأحد بالتدخّل في شؤونها. أقمت عندها أعوامًا ولم أجرؤ على أن أثير معها هذه الحكاية. ربّما وردة سعت خلف الفرنسيّ. من يعلم ماذا تفعل وردة في سفراتها وحياتها؟"
صحيح، تقول زاد لنفسها. معها حقّ جولييت في أمرين: الأوّل أنّ الذين وقعوا ضحايا يفضّلون النسيان علمًا بأنّ من مصلحتهم أن يتذكّروا ويفهموا ويتعلّموا. ولكنّ التنظير سهل، "ومن يأكل العصي ليس كمن يعدّها". ومن يكتب سيرة أحد لا يعنيه إن كان حفره في عمق الشخصيّات يؤلم أصحابها لأنّ هاجسه التوصّل إلى ما خلف الكلمات المرويّة. والأمر الثاني هو أنّ لروز حياة خاصّة لا يعرف الجميع مختلف جوانبها. فمن الممكن أن تكون التقت الكولونيل في باريس أو في بيروت أو في أيّ مكان آخر. وربّما نسيته. وجولييت لا تملك الأجوبة عن تساؤلات زاد التي صارت تنافس والدتها في الحديث مع الممرّضة الضيفة، وفي حين كانت أوجيني تفضّل أن تحكي مع صديقتها الممرّضة وتشكو لها متاعبها الصحيّة، كانت زاد تريد أن تسمع تفاصيل الحكاية الغريبة. والمرأة ذكيّة تعرف كيف تساير الأمّ الأكبر منها سنًّا فتحمل إليها عيّنات مجّانيّة من الأدوية وتقيس ضغط دمها، وتغري الابنة الأصغر منها بسيل من الحكايات لا يبدو أنّه سينقطع قريبًا.

(الكولونيل)
"أحببت روز على عكس ما يظنّ كثيرون. صديقي فرنسوا وحده يعرف كم أحببتها وكم كان من الصعب عليّ أن أتركها خلفي على المرفأ، وهو الوحيد الذي أستطيع الكلام معه عنها مع أنّه لا يعرفها. ولكن ماذا كان في إمكاني أن أفعل؟ كانت صغيرة وجميلة وذكيّة وبدت في ذلك المنزل كأنّها في غير موقعها. تليق بها حياة الأميرات فكيف أتركها خادمة في بيت فقير تهتمّ بالأصغر منها من أخوتها وأخواتها وهي تحتاج إلى من يرعاها ويهتمّ بها ويدلّلها؟ أنا فعلت ذلك وروز لا تستطيع أن تنكر هذا الأمر مهما كرهتني وحقدت عليّ. علّمتها كلّ شيء، اشتريت لها كلّ ما كانت تتمنّى الحصول عليه، أخذتها إلى كلّ مكان سمعت عنه وحلمت بزيارته. بعدما علمت أنّني متزوّج وعندي أطفال ولا أستطيع الزواج بها  لم تتركني لتعود إلى بيتها، بقيت معي، وتركتني أحبّها كما كنت أفعل. كلّ ما طلبته منّي هو أن أنقل عملي إلى بيروت وألاّ أعود إلى السهل أبدًا. قد يكون شعورها تغيّر نحوي، غير أنّها لم تمنع نفسها عنّي، ولم ترفض هداياي. كنت آخذها برغبة مزدوجة، كأنّي أقوم بذلك نيابة عنّي وعنها، وكانت تتألّم أحيانًا غير أنّني لم أستطع إلاّ أن أحبّها بتلك الطريقة. ربّما كنت في داخلي أنتقم منها لما هي عليه، لأنّني أحببتها، لأنّها ليست زوجتي، لأنّها هربت معي وجعلتني أعتاد ممارسة الحبّ معها. خضت معارك كثيرة لكن أصعب ما واجهني في حياتي هو تركي روز على المرفأ وحيدة بلا يد تسند خوفها وتبدّد حيرتها.
حين عدت إلى البيت، اكتشفت زوجتي أنّني لم أعد أنا نفسي، هجرتني بعد وقت وهي تقول لي إنّ الرجل الذي تزوّجته مات في تلك البلاد البعيدة، وأنا رجل آخر لا تعرفه ولا تحبّه. هي لا تفهم أنّ كلّ الجنود يعودون إلى بلادهم أشخاصًا آخرين، فأن تكون أنت المحتلّ أرض غيرك لا يعني أنّك الأقوى أو أنّك لن تكون ضحيّة بطريقة أو أخرى. عشت بعد سنوات مع سيّدة جزائريّة ظننت أنّني سأجد معها الدفء الشرقيّ الذي وجدته في لبنان، غير أنّها كانت قد تشرّبت بأبشع ما عند الفرنسيّات فهجرتها. عدت إلى لبنان الجميل بعد أعوام كثيرة على رحيلي عنه، كان ذلك في بداية السبعينات الذهبيّة للبنان وكنت سائحًا يريد أن يعيد اكتشاف البلاد التي أتى إليها شابًا وعسكريًّا يفرض سلطته على الناس. رحت إلى بلدتها، مررت أمام بيت روز ورأيت أخاها نجيب وقد غزا الشيب رأسه، ولم أكلّمه، أكلت في المطعم الذي يشرف على النهر، سألت أحد الموظّفين عن أهل روز، فقال لي إنّه من الجنسيّة السوريّة ولا يعرف الكثير عن أهل المنطقة، مررت مرّة ثانية أمام بيتها، فرأيت صبيّة تخرج منه وتتوجّه إلى السوق، لحقت بها على مهل كأنّني أتنزّه، حاولت أكثر من مرّة أن أكلّمها لأسألها عن أهل البيت الذي خرجت منه، ولكنّي لم أجرؤ على ذلك خشية أن تنقل الحديث إلى أهلها وأسيء مرّة ثانية إلى روز التي قد تكون تزوّجت وعندها عائلة وأولاد لا تريدهم أن يعرفوا شيئًا عن ماضيها. ولكن يجب أن أعرف شيئًا ما، فقد تكون مطلّقة مثلي أو أرملة وقد نستعيد ما كان بيننا. سألت صاحب الدكّان الذي اشترت منه الصبيّة الأغراض. بدا الرجل فخورًا وهو يكلّمني أمام متجره، ولم يدعني إلى الدخول حتّى تأكّد من أنّ جميع المارّين في الزقاق وأصحاب الدكاكين من جيرانه قد رأوه برفقة سائح فرنسيّ. ومع أنّ الكلمات الفرنسيّة التي يعرفها قليلة استطعت أن أفهم منه بعض الأمور خصوصًا أنّني لم أخبره أنّني كنت في الجيش هنا في بلاده قبل أن تنال استقلالها،بل قلت له إنّي صديق حبيب الذي تعرّفت إليه في فرنسا وأرغب في زيارته. صديق حبيب؟ كم تبدو العبارة سخيفة حين أتذكّر كيف أقنع حبيب عائلته بأنّني آخذ منه المال للتغطية على نشاطه في التهريب! طبعًا أخذت بعض المال لرشوة الضباط في المنطقة بعدما انتقلت إلى بيروت. من أين آتي بالمال لذلك ومصاريف صارت كثيرة: عائلة في فرنسا وروز في لبنان التي لا أريد حرمانها من شيء؟   
صداقة حبيب لم تطمئن الرجل الذي كان في البداية مرحّبًا ثمّ تردّد في الإجابة عن أسئلتي فحبيب في السجن في الأردن وروز التي عندها مطعم في منطقة جونيه وحدها تستطيع أن تفيدني عن إمكان الاتصال به، فالآخرون لن يجرؤوا على الحديث معي لأنّني أجنبيّ وقد أكون محقّقًا في قضايا تتعلّق بالخواجه حبيب الذي له فضل على الجميع هنا، ولن يقول لي أحد شيئًا عنه، وإن كنت صديقه فعلاً فالستّ روز ستكون على علم بأمري، ثمّ أضاف وهو يتظاهر بالانشغال بأمر ما ليعلمني بأنّ الحديث انتهى:
(على كلّ حال الستّ روز لا تحبّ الفرنسيّين وقد تكون زيارتك لها بلا فائدة).
وعلى غير عادة اللبنانيّين في الضيافة - والدة روز كانت تعدّ لي ولرفاقي مائدة عارمة مع أنّهم كانوا فقراء-، لم يقدّم إلي صاحب الدكان شرابًا أو حلوى.
إن سألني أحد ماذا تغيّر في لبنان بعد أكثر من ثلاثين عامًا على رحيلنا عنه فلن أستطيع أن أفيده بالكثير من المعلومات مع أنّني طبعًا لاحظت أنّ أماكن كثيرة لا تزال كما كانت في حين تغيّرت أماكن أخرى بشكل واضح ولولا سائق التاكسي الذي أوصاه بي أحد موظّفي الفندق لما كنت عرفت أين أنا. إذًا لم يكن من السهل أن أعطي تقريرًا مفيدًا عن التغيّرات فأنا لم أكن أفتّش عن آثار أو أماكن للهو والسهر، ولم أكن مؤرّخًا أو صحافيًّا يقارن بين لبنان ما قبل الاستقلال ولبنان بعده، كنت وحيدًا، وأريد أن أجد روز التي أمضيت معها عامًا كاملاً، وأن أحاول إقناعها، إن كانت حرّة، بأن تذهب معي إلى فرنسا كما كانت تتمنّى.
أمام المطعم الذي وصلت إليه بعد جهد، وجدت امرأة أنيقة تترجّل من سيّارتها وترتمي بين ذراعي رجل طويل القامة يستقبلها ويقبّلها ويدخل معها إلى المكان الذي ترتفع فوق مدخله الأنيق لوحة كبيرة عليها اسمان باللغة الفرنسيّة: اسمها كما أطلقته عليها واسم آخر توقّعت أن يكون للرجل الذي استقبلها. لم أدخل، لم أسع للكلام معها. بدت سعيدة وعاشقة وحرّة وواثقة من نفسها. لم أعرف كيف أشعر. ثلاثون عامًا ولم تتغيّر عليّ كأنّها لا تزال في ذلك العمر. انتبهت في تلك اللحظة فقط إلى أنّني صرت عجوزًا، ولا أدري كيف فكّرت في أنّها قد تعود معي. ولكنّ الرحلة إلى لبنان لم تذهب هدرًا فلقد تأكّدت من أنّني ما زلت أحبّها، وأنّها لا تكرهني. فاسمها الفرنسيّ الذي أعطيتها إيّاه وحافظت عليه يؤكّد ذلك".



ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.