شارل أيّوب |
لأنّنا في ديارنا ولسنا غرباء
حضرة الاستاذ شارل أيوب،
رئيس التحرير...
لا شكّ أن جريدة
"الديار" الجديدة نسبيًا على ساحة الصحافة، قد أثبتت وجودها، وركّزت أقلام
محرّريها ومراسليها مداميك على طريق ثورة الاعلام المكتوب. ولهذا، نحن القرّاء نعذر
الهفوات التي ترتكب، والتجارب التي تقومون بها بغية الوصول الى شكل ومضمون يرضيان
رئيس التحرير ومحرري الجريدة "ومحرريها"...
ومع ذلك، اسمح لنا بهذه
الملاحظات والاسئلة:
اولاً: إن شكل الجريدة
وتنظيم أخبارها يتغيّران كلّ يوم تقريبًا، ما يوقعنا في الفوضى ولا يقودنا الى
التنويع المثمر. وهذا يجعلني اقترح أن تكتبوا "طريقة الاستعمال" كلّ صباح، وفي الصفحة الأولى لا الأخيرة.
ثانيًا: إنّ مقالاتك يا أستاذ
شارل تميل إلى الوجدانية، وتكاد تغرق في الشعر وفورة العاطفة، وإن تابعت على هذا
النحو فستصل الى ما يشبه كتابات حسين عبد الله. وهذا الأسلوب يتنافى في رأيي مع
عمل وكتابات رئيس تحرير الجريدة.
هذا بالإضافة الى بعض الغموض
في الأسلوب أحيانًا، وكأنّ بعض المقالات لا تخضع لمراقبة أدبيّة ولغويّة.
ثالثًا: هل تريد أن تأكل
العنب أم قتل الناطور؟
فإن كنت تريد أكل العنب،
فأكل العنب يكون حبّة حبّة "وبسلامة
فهمك". أما إن كنت راغبًا في قتل الناطور، فها أنت قد بدأت بالشدّ على
"خوانيقه" وهو يكاد يقضي على يديك، ونحن لا نريد لك ذلك...
إنّ المسيح يا أستاذ شارل أتى
للمرضى لا للأصحاء. وأنت باعترافك تحت سنديانة "الديار" بانتمائك لفكر
انطون سعاده صرت تتوجّه للأصحاء لا للمرضى.
برغم تقديري لصراحتك لا بل
لجرأتك التي تكاد تكون استشهاديّة في هذه الامة اسمح لي أن ألومك على هذا التسرع.
قبلاً، كان الناس يقرأون
"الديار" ويعجبون بجرأتها، فصاروا ـ إن قرأوها ـ يثورون لوقاحتها. كانوا
يتأثرون بأفكارك لأنّها أفكارهم، وبثورتك لأنّها ثورتهم، ثم صاروا يستغربون
ويستنكرون لأنّك تسرّب أفكارًا يسارية هدّامة.
إن الكثيرين ممن أعرفهم
تخلّوا عن قراءتها بعد اعترافك بالانتماء الفكري إلى فكر سعاده. لقد كان بإمكانك
زرع ما تريد في رؤوس قرائك ولكنك تسرّعت!!
رابعًا: وفي الإطار نفسه،
ألا تلاحظ ان نسبة رسائل القوميين تلفت الانتباه، وكأنهم صاروا قراء الجريدة
الوحيدين... وليس هذا المطلوب. صحيح انهم وجدوا في "الديار" منبرًا حرًا
ورحبًا لم يتوفّر لهم منذ زمن، ولكنّي لم أقرأ رسالة ذات شأن لقارئ يعلن انتماءه
الى فكر سعادة متأثرًا بمقالات تحت السنديانة مثلاً، كلّهم يرحبّون بك، كلّهم اتّخذ من
الجريدة وسيلة للمناقشة ولعرض أفكار بعضهم البعض ومعارضتها... قل لهم ـ عن لساني ـ
إن ما يفعلونه خطير ومثير لشماتة الآخرين.
ومع ذلك، إنّ باب "رسائل
ومواقف" باب مهم فلا تهملوه إن من حيث التنويع والمواضيع، وإن من حيث التصحيح
والطباعة.
خامسًا: أين الصفحة الثقافية
يا أستاذ شارل؟ أين المندوبون ينقلون آخر ما تنتجه دور النشر في العالم العربيّ ـ
إن كانت الحركة مجمّدة في لبنان؟ وأين أخبار المعارض والندوات؟ لمَ تشاركون في
مؤامرة "تجهيلنا" ؟ أم أنكم تعتقدون انّ المعدة الخالية الفارغة في لبنان
لا تتلاءم مع الرأس الممتلئ؟
لتكن الصفحة الثقافية غنية
ويومية، ولا يوجد أكثر من الأدباء وخريجي الجامعات والأساتذة ممّن يتمنّون إدارة هذه
الصفحة، وقسم كبير منهم يتحلّى بالوعي والانفتاح ويريد المشاركة في هذه النهضة
التي تعملون لها.
أتصدّق اني أقرأ باهتمام
شديد ـ وعذرًا للمقارنة ـ في جريدة "النهار" الصفحتين الثقافيتين واحتفظ
بهما.
أين الاستاذ نبيل فياض
ومقالاته المهمة ذات المعلومات الجديدة؟
سادسًا: كيف تريدنا أن نفسر
غياب أقلام مهمة عن الصفحات السياسية؟ أين مقالات نبيل بو منصف وقد مرّت له آراء
غاية في الأهمية والعمق؟ ولماذا مقالات جورج بكاسيني بدأت تميل إلى الوجدانية
وتبتعد عن التحليل المنطقي، وهذا ما دفع به إلى التطرف فلم ير بيتًا مصابًا إلاّ
للأستاذ جورج بشير؟
أين المحرّر الديبلوماسي؟ أين
السفير العربي صديق ابراهيم جبيلي، هل نُقل إلى عاصمة أخرى في الشرق الأقصى مثلاً
فتعذّر على الأستاذ جبيلي اللحاق به؟ في جريدة "السفير" ـ وعذرًا
للمقارنة مرة ثانية ـ نقرأ مجموعة من التحليلات السياسية المتنوعة ما يؤكّد انّ اتصالات على مستوى عالٍ يقوم بها المحلّلون والصحفيون.
"المانشيت" عندكم
غنيّة، فلماذا لا تكون التحليلات كذلك؟ وبالمناسبة ألا تلاحظ أن كثافة أسطر عناوين
المانشيت مزعجة بعض الشيء؟
سابعًا: الملحق الأسبوعيّ غني
ومهم، ولكنّه متعب في بعض مقالاته ودراساته الطويلة. فالسطور قريبة من بعضها جدًّا،
ولا عناوين صغيرة ضمن الموضوع، وهذان أمران متعبان للنظر والفهم.
أستاذ شارل...
لم تعد " الديار"
ملكًا لواحد أحد، وهي ليست وقفًا لدير أو إقطاعيّة لعائلة... صارت ملكًا لنا، لأنّك
جعلتها كذلك. وهذا أمر مهمّ يُسجّل لك في تاريخ الصحافة الحديثة على الأقل. قد نجد
ما نعترض عليه عند غيرها من الجرائد والمجلاّت، ولكنّنا لا نتدخل، ولا نفكّر بإرسال
ملاحظة، لأنّ ثمة حاجزًا من الغربة...
فاعذر إذًا هذه الملاحظات...
إنّنا في ديارنا ولسنا غرباء.
مي م. الرّيحاني
جريدة "الدّيار" الخميس 3 أيّار1990
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق