Robert Wayt Smith |
أشياء
كثيرة كنت أريد أن أقولها لك ولم أفعل.
كنت
أريد أن أكتب إليك عن السأم حين لا تكون موجودًا
وعن
الحزن الذي يلفّني حين تغيب
وعن
الغضب الذي يجلدني بسياطه لحظة تبتعد.
كنت
أريد أن أخبرك عن مشاوير لم نقم بها،
عن
عري جسدينا الخجول على شاطئ ممتلئ عراة لا يقيمون وزنًا لأجسادهم الثقيلة،
عن
الصمت الذي يرافق نزهاتنا في فيء أشجار لا عمر لها،
عن
أشخاص لم نلتقِ بهم بعد.
كنت
أريد أن أتحدّث عن أصدقائك الذين لا يجمع بينهم إلّا العلاقة بك، وكيف تتنوّع
شخصيّاتهم وكيف تسهل معرفة دواخلهم، وكيف أنّهم لا يشبهونك في شيء.
كنت
أريد أن أكتب إليك الكلمات التي لم أكتبها لأحد، لكنّ خيبة الأمل سبقتني ومحت ما
لم يُكتب بعد.
كنت
أريد أن أكتب إليك عن الأفلام والكتب والإعلانات، وعن المسارح الغائبة، وعن
التلفزيون المهيمن، وعن السفر والضجر، وعن الصور والأغنيات.
غير
أنّ المكان بدأ يضيق والوقت بدأ ينفد. وبات عليّ أن أكتب إليك، أنت قارئي الأوّل،
الكلمات الأخيرة:
نحن
في عصر وبلد لا تغيّر فيهما الكلمات شيئًا، ولا تحدث فرقًا، ولا ترفع اسمًا، ولا
تحطّم آخر.
نحن
في عصر وبلد، يغيب فيهما الكاتب عن أذهان قرّائه بأسرع من لمح البرق ومرور
النيازك، ثمّ يموت وحيدًا وفقيرًا في المستشفى الحكوميّ.
نحن
في عصر وبلد لا يجد فيهما أقرب أصدقائك الوقت كي يشتري الجريدة ويقرأ ما تكتبه،
ولا يشتري زملاؤك كتابك إلّا إذا أجبرتهم على ذلك بدعوتهم إلى حفلة توقيع تجاريّة.
نحن
في عصر وبلد راتب الخادمة فيهما أعلى من راتب صحافيّة أمضت أكثر من عشرين سنة في
العمل.
نحن
في عصر وبلد يُجري فيهما أحدهم مقابلة معك مع أنّه لا يعرف عنك شيئًا، ولم يقرأ
كتبك، ولم يطّلع على زاويتك الأسبوعيّة في الجريدة.
نحن
في عصر وبلد تقول فيهما المؤسّسة الصحافيّة لكاتب فيها: عليك أنت أن تشكرنا وتدفع
لنا لأنّنا ننشر ما تكتبه.
نحن
في عصر وبلد تتساوى فيهما الكتابة الأدبيّة مع الشعارات الهوجاء التي يشوّه بها
صبيان الأزقّة الحيطان، ويقدّر الناس عرق الراقصة في الملهى ويشمئزّون من عرق
العامل في المعمل.
نحن
في عصر وبلد يُطلب فيهما منّا الثرثرة في المقاهي وإقامة العلاقة العامّة والخاصّة
لا الصمت والتفكير.
نحن
في عصر وبلد اقتحم العهر فيهما الأمكنة واحتلّ الأفكار، وتسلّل إلى التربية
والسياسة والفنّ والثقافة وأماكن العبادة، وصار ينظّم شؤون حياتنا ويقود تجمّعاتنا
ويرسم خطط مستقبلنا.
نحن
في عصر وبلد ينشر فيهما الكتّاب صورهم على الغلف لأنّها أجمل من كلماتهم.
ومع
ذلك، وفي هذين العصر والبلد، كان ثمّة مكان لنا، نلتقي فيه ونمارس الحريّة والكلام
والعشق والفراق والأحلام.
وفي
هذا المكان تحديدًا، المكشوف للعلن والسريّ الحميم في الوقت نفسه، النهاريّ النشر
والليليّ الكتابة والقراءة، كنت أكتب إليك وعنك ومن أجلك وبسببك. ولم يغيّر في
الأمر شيئًا أنّك أحيانًا القارئ الناقد المشاكس، وأنّك مرّات العابر المجهول
الغريب، وأنّك غالبًا الرجل الجميل الصديق، وأنّك دائمًا الحبيب الشاعر العارف.
لماذا
أكتب هذا الآن؟
ربّما
لأنّ ما يجري في هذا العصر وفي هذا البلد يجعلنا نكتب كلّ مرّة كأنّنا نكتب للمرّة
الأخيرة.
(2005)
هناك تعليقان (2):
صدقتِ سيدتي ...
نحن نكتب ولا نُبالي بما يحدث بعد ...
وتُدمَى أحبارنا ولا يعرف أحبابنا ما بنا إلا فيما بعد ...
حنين ...
كلماتك جميلة حنين! تنمّ عن وجع حقيقيّ! شكرًا على المرور والإضافة
إرسال تعليق