أنا ووالداي وشقيقتي سميرة التي أهديتها روايتي الأولى
قراءة في رواية "كلّ الحقّ ع فرنسا"
بقلم "سبيريدون الكَندي"
قارئ لم أر صورة وجهه، ولا أعرف إلاّ اسمه الذي يراسلني به وطلب منّي ألاّ أذكره حين سألته أن يسمح لي بنشر رأيه حول روايتي. يقيم في كندا ويحيا على إيقاع الحياة في لبنان، كما هي حال كلّ المغتربين، حتّى الذين يكابرون وينفون ذلك. قد لا يكون الاسم الذي يظهر على شاشة الكمبيوتر هو اسمه، وقد لا تكون الصفات التي يعطيها لنفسه هي صفاته. لكن ما همّني ما دام قارئًا "ضروريًّا"، يحسن قراءة الأسطر وما بينها، مثقّفًا، عشير الكتاب وصديق الطبيعة، وهل من الممكن أن يدّعي أحد "عاقل" هذه الصفات في عصر الجهل والأميّة الفكريّة؟
الصديق القارئ اللبنانيّ الذي ألصق باسمه (المستعار) انتماءه الكَنَدي كأنّه ناقم على وطنه الذي هجّره، قرأ الرواية، وكتب إليّ رسالتين عفوّيتين، لا أخفي أنّهما داعبتا نرجسيّتي. وكاذب كلّ كاتب يدّعي أنّه لا يحبّ أن تكتب المطوّلات في مديح إنتاجه. ولذلك لم أتردّد في استئذانه نشر الرسالتين، وإن كنت تمنّيت عليه صادقة أن يكون ذلك باسمه الكامل فرفض وفضّل التكتّم إيمانًا منه بأنّه لا يستحقّ أن يوضع اسمه بين أسماء الصحافيّين والنقّاد الذين تفضّلوا، مشكورين، بقراءة الرواية والكتابة عنها. وفي هذا هو على خطأ شديد. فقراءته النقديّة تنمّ عن ثقافة واسعة، واطّلاع على الأدب الروائيّ العالميّ والعربيّ، وقدرة على تحليل الأحداث ونفسيّات الشخصيّات، وهي صفات الناقد العالِم.
الرسالة الأولى:
يا صديقتي الفائقة الموهبة
أسارع الى طبع هذه الكلمات القلائل كي لا تظنّي بي الظنون
أعمل جهدي كي أنهي قراءة الرواية قبل انتهاء النهار
يخطر في بالي القول المنسوب الى هارون الرشيد وقد استعان به الياس الخوري لتقديم إحدى رواياته
"ان كنت رأيت ما ذكرت فقد رأيت عجبًا وان كنت ما رأيته فقد وضعت أدبًا"
روايتك مدهشة وتفاصليها
mind boggling
This is a blockbuster of a novel
أعتقد أنّ كتابتها استغرقت ثلاثة اشهر من وقتك ولكن كم استغرق بحثك لتقدّمي هذه التفاصيل الرائعة
وصفك الحسيّ لبعض المواقف واستعمالك التعابير التوراتيّة كمثل أخذها وتمنّى أن يأخذها لذيذة وكذلك استعمال لفظة تلمّظ واعتقد أنّ كثيرين لم يسمعوا بها من قبل أقول هذا وأستدرك أن من أنا وماذا أعرف كي أحكم
سوف أوافيك بكلّ ما أثارت فيّ الرواية من إعجاب فور انتهائي والآن لسان حالي لا يصدّق
أين كانت كلّ هذه الموهبة في القصّ والتوليف الروائيّ؟
******************************************************************
الرسالة الثانية:
بدك تعمليني خياط اعمليني خياط نسواني ع القليلة كنت بنبسط بالدسدسة عند أخذ مقاييس الستات (وهو في ذلك يشير إلى إسبر إحدى الشخصيّات في الرواية والذي استوحيت اسمه من اسم مراسلي المجهول، وكذلك فعلت مع كثير من شخوص الرواية)
مضى أكثر من عشرين ساعة على فراغي نهائيًّا من قراءة الرواية وحالة الحزن التي انتابتني لم تبارحني
أطبع هذه الكلمات وأفكار كثيرة لا تزال تتنازعني
احترت كيف أصنّفها
هل هي ساغا saga تتلو سيرة الماتريرك matriarch نجلا وذريّتها على مدى قرن وأكثر، منذ عام 1905 تاريخ ميلاد أم حبيب لغاية عودة سامي الى كندا في تشرين 2010؟
هل هي رواية بوليسية وفيها حبكة ذكية جدًّا تركت للقارئ أمر الاستنتاج؟ هل انتحرت وردة / روز هل ماتت نتيجة خطأ واذا كانت انتحرت فما هو السبب وهي التي رضيت بوضع ناجي على مدى عشرين عامًا وأحبّته كلّ هذا الحبّ؟
أترك أمر التصنيف وهو هامشيّ لأجزم بأنّ الرواية هي رواية الوطن المشظّى، رواية الوطن التعيس، وحكاية كلّ فرد من أفراد عائلة الست نجلا هي حكاية المعاناة والألم وصعوبة الانتماء والهجرة والتهجير والتشتت.
الحفيد كمال الفلسطيني اللبناني المسلم المسيحي يوافق رؤية جدّتيه اللبنانيّة التي تلوم فرنسا والفلسطينيّة التي تلوم الانكليز
فرنسا وبريطانيا واتفاق سايكس بيكو وفيه من الخبث مؤونة لأجيال وأجيال فكيف تكون فرنسا الأم الحنون ومن أين أتى هذا التعبير.
معها حق نجلا " كل الحق ع فرنسا" ومعها شطارة مريم القصيفي في اختيار هذا العنوان الموفّق لروايتها.
****
أعجبني استعمالك لأصوات الشخصيّات الرئيسيّة والفرعيّة في صيغة المتكلّم
وصف أنطوان للعصفورية وصف شاهد عيان، وليس فيه سوى الحديث المقزّز عن انتزاع الأسنان الذهبيّة والوجبات من اختراع الخيال الخلاّق.
وخيالك خلاّق
زاد الراوية هي مريم القصيفي وأوجيني هي مسز قصيفي أُم مريم فمن هو أنطوان الذي كان موظّفًا في العصفوريّة؟
إذا لم يكن والدك فهو أحد أقاربك الذي مدّك بهذه التفاصيل المدهشة.
ربطت اختفاء المهرّب اللبناني سامي الخوري باغتيال كندي
لله درّك كيف خطر لك هذا؟ هل قرأت شيئًا في مكان ما؟ هل أخبرك أحد جواسيس السي أي أي في لبنان أو الأردن؟
كنتِ في صلب كتابة الرواية عندما قرأت تحقيق سعيد معلاوي في النهار عن ركّاب التيتانيك من كفرمشكي فحبكت الموضوع في الفصل الرابع والثلاثين. قلت لك يومها إنّك رؤيويّة باختيارك اسم زاد وإنّك فنّانة فعلا في ربط صلات القربى فصارت زاد الناجية خالة نجلا الهالكة والتي أوصلت كثيرًا من أفراد عائلتها الى التهلكة وهي التي دفعت طفلتها ابنة الخامسة عشرة الى أحضان الجندي الفرنسي الفاسق
حفيدتها نور المقعدة وأمّها تقول إنّ اعمال زوجها الشريرة ارتدت عليه. سوفوكليس قال قبل ان يرد الامر في التوراة الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون
شادي الحفيد الذي اختفى
وديع الذي قتلته زوجته ووالدها في اميريكا
****
رواية ملحمية بامتياز وفيها شرارات ولهب من لسان المؤلّفة
المحارب في القوات اللبنانية الذي لا يجرؤ على مجابهة عشيق زوجته
زوج نور الذي يدّعي أنّ ابنه ليس ابنه فتجيب نور معك حق لأنّك ما بتعرف تصيب وفي هذه الجملة استعمال التورية المحبب pun.
وصف مدارس الرهبان والراهبات الداخليّة وتأثيرها على الأولاد الابرياء وتشويههم نفسيًّا مدى الحياة، ومراسلك هذا يعرف عن كثب قباحة المدارس الداخليّة ولا تزال العقد معي ولم تنحل. ولم تكن مدرستي مجانية لان الرهبان لا يعلّمون غير الموارنة
لقاء الراوية زاد بسامي ابن ناجي ضربة معلّم متمرّس في فن الرواية وختامها بسفر إبن ناجي هو مسك الختام
اعترفت حضرتك بأن الرواية سوداويّة وفيها موت كثير الا ان ما يحزن أكثر هو الفصل الأخير
وشخصيّة إسبر ليست قطعا الشخصية المحبّبة وإسبر الحقيقيّ لا يحبّ أن يلبس برنيطه ليخفي قرنيه.
جولييت هي بطلة الرواية وهي تجسّد حالات واقعيّة من العيش الذي أعرفه في وطن النجوم ومراسلك هذا يعتبرها الشخصيّة المفضّلة في الرواية كلّها
****
وأخيرًا سؤال بيني وبينك
من هي العائلة التي بنيت روايتك عليها. طبعا أنت موهوبة وعندك خيال رهيب وقادرة على أن تستنبطي شخصيات وأحداثًا لكن الأرضيّة تبقى هي الأساس فمن أين أتى هذا الأساس وكم من شخصيّات الرواية أناس حقيقيّون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق