في الانتظار - 2010 Ty - Ramon |
...والصديق العابر، كغيمة لا تنقاد إلاّ لرغبة الريح، يحبّ الليل كطقس مقدّس لا يجوز أن نتعامل معه ببرود وحياد. وكانت اللقاءات الليليّة احتفالات يتمّ التحضير لها بالحماسة الأولى التي يتعامل فيها الإنسان، أيّ إنسان، مع موعده الأوّل. ولكنّه لم يكن يُخضع نفسه لمتطلّبات معيّنة واضحة؛ ولذلك كنّا نحن الذين نحيط به نكتشف نوعًا من المزاجيّة مطعّمًا ببعض التناقض يرافق هذه السهرات.
فهو مثلاً لم يكن انتقائيًّا في اختيار الذين يشاركونه الاحتفال بقدر ما كان مصرًّا على انتمائهم إلى طبقة معيّنة أو أن يكون اللقاء في مكان مميّز. ولكنّه في المقابل كان يجد سعادة طفوليّة طاغية في أن يدعو الآخرين إلى أماكن لم يعرفوها من قبل. وكان يستسلم لنوع من الانتشاء حين يراقب عيون أولئك المدعوّين إلى وليمة الأصناف الغريبة في مكان ما كانوا ليختاروه، عجزًا أو جبنًا. لذلك كان يحلو له أن يراقبهم وهم يطلبون الطعام أو الشراب، ويسرع إلى إنقاذهم متى لاحظ أنّهم يواجهون مشكلة أمام النادل الذكيّ، فيساعدهم في إيجاد المخرج اللائق من لائحة الطعام المتعرّجة الطرقات.
ولكنّ صديقي العابر لا يكتفي من الليل بالوليمة، ما لذّ منها وطاب؛ بل كان يبحث باستمرار عن موضوع ما، عن أغنية، عن حوار، عن لفتة ذكيّة، عن مشهد غريب، عن تعليق مفاجئ يطلقه أحد الحاضرين، عن ذكرى تركت أثرًا، عن حلم تحوّل مشروع حياة، عن خبر سياسيّ، عن حكاية طريفة، عن سؤال، عن جواب، عن أيّ حديث يبعد الرتابة والملل واللاجدوى. لذا غالبًا ما كان يقود الاحتفال إلى حيث يعرف أنّه سيجد ما يبحث عنه، إلى جديد يجعله العارف الأوّل...أو المتلقّي الأوّل.
ولكنّي مع نهاية الليل كنت أشعر بأنّ هذا الاحتفال الممتلئ حتّى الثمالة بكلّ ما يمكن أن يقال سيترك وراءه إحساسًا عميقًا بالفراغ. كأنّ الدنيا هدأت فجأة وعاد كلّ شيء إلى مكانه. ولم يكن لديّ الإيمان الذي كان صديقي العابر يحاول التمسّك به بأنّ الشمس التي ستشرق بعد هذا الليل لن توقظنا من حلم الاستمرار والديمومة. وكنت مع كلّ احتفال ليليّ أزداد يقينًا بأنّ هذا اللقاء يحمل في بداياته بذور النهاية، غير أنّني كنت أراقب هذا العبور بمتعة ممزوجة بالمرارة كأنّني أمام مشهد جميل، أعي في عمق أعماقي، أنّ جماله هو في عبوره، ومع ذلك أريده أن يبقى إلى ما لا نهاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق