سكينة
صمت
صمت
هدوء
أمان
سكون
من أين يأتي كلّ هذا الضجيج؟ ضجيج الحرب، ضجيج المراهقين، ضجيج الحفّارات والشاحنات، ضجيج السياسيّين والإعلامييّن، ضجيج الأغنيات؟ ضجيج يأكل الأعصاب، يمضغها على مهل، ثمّ يبتلعها ثمّ يجترّها. ضجيج يمزّق الأيّام ويوزّعها شظايا يستحيل إعادة تركيبها.
ضجيج الحرب أكل أعمارنا بحجّة المحافظة على الحريّة فكانت الفوضى التي زرعها الموت، وضجيج التلاميذ في الملاعب والشوارع أكل لغتنا بحجّة تأمين الحريّة لأجيال تعبت من الحرب فكانت الفوضى التي نمّاها الغباء التربويّ، وضجيج الحفّارات أكل الأخضر واليابس بحجّة إعادة الإعمار فكانت الفوضى التي أخافت العصافير والفراشات، وضجيج السياسة والإعلام أكل المنطق فكانت الفوضى التي تولد من رحم نفسها ولا تنجب إلاّ الفوضى، وضجيج الأغنيات أكل اهتراء نفوسنا بحجّة التجديد والتحديث فكانت الفوضى التي اختلط فيها أشباه الأصوات وغاب الجمال.
من يعيدنا إلى الصمت الذي كان؟ من يخلي الشوارع من المارّة المستعجلين؟ من يخنق أبواق السيّارات؟ من يطفئ أجهزة الراديو والتلفزيون؟ من يوقف رنين الهاتف؟ من يسكت الناس عن الهذْر السخيف الساذج الفارغ؟ من يعيد صمت البدايات؟ أين راح الهمس وكيف اختفت الوشوشة؟ أين صوت البحر والنهر والشجر والزهر؟ أين صوت الصمت؟ كيف نسمع ما يجري في دواخلنا ونحن محاطون بكلّ هذا الضجيج؟ كيف نفكّر؟ كيف نحلم؟ كيف نعشق؟ كيف نتفاهم؟ كيف نهدأ؟ كيف نربّي؟
الكلام صراخ، والحبّ قتال، والإصغاء فنّ بائد لا متاحف له. ونحن معبّأون صراخًا ولا نعرف. ولا نكتشف ذلك إلاّ متى قال لنا أحد من خارج حدود ضجيجنا: لماذا لا تهدأون؟ عند ذلك ننتبه إلى أنّنا انجرفنا في دوّامة الضجيج الذي غيّب الجمال عن شعرنا، والفرح عن لغتنا، والمنطق عن أحكامنا، والثقة عن نظرتنا، والأمان عن علاقاتنا. ولم نعد بشرًا. فحين يصير الصراخ وسيلتنا لإثبات الوجود فذلك يعني أنّنا عدنا إلى أدنى مراحل إنسانيّتنا لا بل إلى ما قبل ذلك. فلا يمكن أن تنمو حضارة حيث الضجيج والصراخ. ولا يعقل أن ينتج الصخب إلاّ تساؤلات وشكوكًا تدور في حلقة مفرغة كمثل صوت الآلة الرتيب المتشابه. ربّما لهذا السبب يرتبط الصراخ والبكاء بالجحيم، الجحيم الذي يعني غياب العقل والمنطق والجمال والخير والسكينة. وربّما لهذا السبب يصعب علينا أن نقيم حوارًا مع أهل السماء حيث السكينة والخير والجمال والمنطق والعقل، فنحن، المسكونين بأصوات القذائف وهدير المظاهرات وصراخ الباعة على الطرقات وشتائم السياسيّين وزمامير السيّارات ووقاحة الآليات والمغنّين والمغنيّات، لا يمكننا إلاّ أن نصرخ كأنّنا نولد كلّ لحظة من أرحام أمّهاتنا ونريد أن نعلن أنّنا على قيد الحياة، أو كأنّنا خارجون للتوّ من أرحام الملاجئ ونريد أن نتنفّس. ولذلك لن يعرف العالم كيف يتعامل معنا ما دمنا لم نتخطّ بعد مرحلة الولادة.
ضجيج الحرب أكل أعمارنا بحجّة المحافظة على الحريّة فكانت الفوضى التي زرعها الموت، وضجيج التلاميذ في الملاعب والشوارع أكل لغتنا بحجّة تأمين الحريّة لأجيال تعبت من الحرب فكانت الفوضى التي نمّاها الغباء التربويّ، وضجيج الحفّارات أكل الأخضر واليابس بحجّة إعادة الإعمار فكانت الفوضى التي أخافت العصافير والفراشات، وضجيج السياسة والإعلام أكل المنطق فكانت الفوضى التي تولد من رحم نفسها ولا تنجب إلاّ الفوضى، وضجيج الأغنيات أكل اهتراء نفوسنا بحجّة التجديد والتحديث فكانت الفوضى التي اختلط فيها أشباه الأصوات وغاب الجمال.
من يعيدنا إلى الصمت الذي كان؟ من يخلي الشوارع من المارّة المستعجلين؟ من يخنق أبواق السيّارات؟ من يطفئ أجهزة الراديو والتلفزيون؟ من يوقف رنين الهاتف؟ من يسكت الناس عن الهذْر السخيف الساذج الفارغ؟ من يعيد صمت البدايات؟ أين راح الهمس وكيف اختفت الوشوشة؟ أين صوت البحر والنهر والشجر والزهر؟ أين صوت الصمت؟ كيف نسمع ما يجري في دواخلنا ونحن محاطون بكلّ هذا الضجيج؟ كيف نفكّر؟ كيف نحلم؟ كيف نعشق؟ كيف نتفاهم؟ كيف نهدأ؟ كيف نربّي؟
الكلام صراخ، والحبّ قتال، والإصغاء فنّ بائد لا متاحف له. ونحن معبّأون صراخًا ولا نعرف. ولا نكتشف ذلك إلاّ متى قال لنا أحد من خارج حدود ضجيجنا: لماذا لا تهدأون؟ عند ذلك ننتبه إلى أنّنا انجرفنا في دوّامة الضجيج الذي غيّب الجمال عن شعرنا، والفرح عن لغتنا، والمنطق عن أحكامنا، والثقة عن نظرتنا، والأمان عن علاقاتنا. ولم نعد بشرًا. فحين يصير الصراخ وسيلتنا لإثبات الوجود فذلك يعني أنّنا عدنا إلى أدنى مراحل إنسانيّتنا لا بل إلى ما قبل ذلك. فلا يمكن أن تنمو حضارة حيث الضجيج والصراخ. ولا يعقل أن ينتج الصخب إلاّ تساؤلات وشكوكًا تدور في حلقة مفرغة كمثل صوت الآلة الرتيب المتشابه. ربّما لهذا السبب يرتبط الصراخ والبكاء بالجحيم، الجحيم الذي يعني غياب العقل والمنطق والجمال والخير والسكينة. وربّما لهذا السبب يصعب علينا أن نقيم حوارًا مع أهل السماء حيث السكينة والخير والجمال والمنطق والعقل، فنحن، المسكونين بأصوات القذائف وهدير المظاهرات وصراخ الباعة على الطرقات وشتائم السياسيّين وزمامير السيّارات ووقاحة الآليات والمغنّين والمغنيّات، لا يمكننا إلاّ أن نصرخ كأنّنا نولد كلّ لحظة من أرحام أمّهاتنا ونريد أن نعلن أنّنا على قيد الحياة، أو كأنّنا خارجون للتوّ من أرحام الملاجئ ونريد أن نتنفّس. ولذلك لن يعرف العالم كيف يتعامل معنا ما دمنا لم نتخطّ بعد مرحلة الولادة.
هناك 4 تعليقات:
موضوعك هنا يحمل الكثير من الأفكار ولو كان يدور على محور واحد، غير أنك في الوقت عينه تصيبين فينا مقتلا ف"تتكسر النصالُ على النصالِ". ولعلها علة فينا " أعيت مَن يداويها". " الضجيج".. الضجيج الذي ينتج " اقتراعا بالأقدام" أتذكريني هذه "الأدبية"?? تستهوينا عبارتي " العصيان المدني"، لماذا لآن فيها تكسير كل ما يصادفنا، فترينها حلما عند الكثيرين. نحب الزمامير في الأنفاق(التونالات)... لنا في "الضجيج"أدبيات كثيرة تستحق أطروحة في علم النفس لأكشف خبايا الشخصيات المتضررة من الحروب وضجيجها.
أزاى حضرتك
اولا
أبدأ بأبدأ الأعجاب بالصور الجميلة و الكلمات المضيئة تحتها (:
الكلمات المختفيه من عالمنا العربى ككل و ليس لبنان فقط
أصبح الصوت الهادىء و الرزين دليل على ضعفك
و احترامك للأخرين هو خوف و ليس أخلاق
الكلام صراخ، والحبّ قتال، والإصغاء فنّ بائد لا متاحف له.
هذه الجمله لخصت كل ما نحن فيه
شكرًا لكما مروركما على مدوّنتي والتعليق عليها. يسعدني تبادل الأفكار التي فيها غنى لنا كلّنا ولمن يتابعنا.
في خضم تحضيري لمهرجان الأكل اللبناني وضجيج البعض يلاحقني وخاصة بعض اللبنانيين "اللي بيحبو يشوروا أكتر ما يشتغلو" أصابتني علة وربما نعمة، فسكر الصمغ أذني اليمنى بانتظار عيادة الطبيب. فتذكرت مرارا القول المأثور " نيال الأطرش".
أتعلمين أن الضجيج يمنع الإبداع? هل يكتب الشاعر قصيدة في الضجيج? أو يخلق الفنان لوحة في صخب البشر?? هل تعلمين أن هناك "ضجيجا" ليس بضجيج، كحفيف أوراق الشجر، كالموسيقى المتناغمة، كالعواصفة التي تشعل المشاعر وتنبه الشعور?!
هل كان حوارنا يوما ضجيجا???????????????????
إرسال تعليق