يحقّ للمخرج اللبنانيّ الشاب سيمون الهبر أن يفتخر بفيلمه الأوّل (وثائقيّ/ إبداعيّ) (2008) الذي حقّق إيرادات ممتازة ونال جوائز سجّل سابقة يهنّأ عليها مخرجه إذ كان السبّاق للتطرّق إلى حرب الجبل من وجهة نظر مسيحيّة تريد أن تنظر لما جرى نظرة نقديّة. مع الإشارة إلى أنّ الفيلم عند بدء عرضه التجاريّ تعرّض لمقصّ الرقابة.
عنوان الفيلم: سمعان بالضيعة، وهي عبارة تعني في لهجتنا اللبنانيّة: الإنسان الذي لا علم له بشيء. وليست هذه حال "سمعاننا" طبعًا لأنّه أدرى الناس بما حدث في الضيعة التي ضاع أهلها في المدينة بعدما تفرّقوا بسبب حرب الجبل (بين الدروز والمسيحيّين) وهو المصطلح التأريخيّ لمرحلة عنيفة من مراحل الحرب اللبنانيّة.
لن أتحدّث عن الفيلم من الناحية الفنيّة، ولكنّي أعرف سمعان الذي كان يوصل الحليب الطازج إلى بيتنا، وكانت هيئته اللافتة التي تجمع بين الغرابة والشاعريّة والإهمال القرويّ تثير الانتباه ولكنّها لم تدفعني طبعًا لرؤية سمعان كما رآه ابن أخيه سيمون وهو الترجمة الفرنسيّة لاسم سمعان.
لا أعتقد أنّ الشابّ سيمون الهبر كان يريد فقط أن يقدّم فيلمًا يعرّف عنه كمخرج واعد درس في لبنان ثمّ في فرنسا، لكنّه أراد من الفيلم أن يصالحه مع عمّه أوّلاً ليستطيع أن يتصالح بعد ذلك مع نفسه وماضيه وقريته ووطنه. فسمعان عاد إلى قريته المهجورة ليقيم مع البقرة والحصان والهرّة، وليكون "الحكواتي" الذي سوف يحكي كلّ مرّة قصّة جديدة عن الحرب والموت والتهجير، لا لأنّه يكذب ولا لأنّه ينسى، بل لأنّ حكايات الحرب لن تنتهي ولا يمكن الإحاطة بالجوانب كلّها ولو لحكاية واحدة منها. فالحادثة نفسها سوف تروى آلاف المرّات ولن تكون أسبابها ونتائجها واحدة عند الرواة المختلفي الانتماءات والمذاهب والطوائف والأحزاب.
قبل أن يكتشف سيمون الهبر الشخصيّة "السينمائيّة" لعمّه، لم يكن يرى في عمّه – ربّما - إلاّ الإنسان الذي قد يحرجه أمام الناس ويجعله يرفض الاعتراف به أو التقرّب منه، وقد يتجاهله إذا التقى به صدفة، وقد يمنعه من الظهور في حضرة أترابه وزملائه، أليست هذه حالنا جميعا في بداية حياتنا حين نريد أن يكون كلّ أهلنا وأقربائنا "أفضل" ممّا هم عليه؟ في مرحلة معيّنة، لا أحد يستطيع تحديدها إلاّ المخرج نفسه، استطاع هذا الشاب أن يرى في عمّه ما هو أبعد من الشَعر الطويل المربوط، أو الحديث مع البقرة، أو الحديث عنها كأنّها زوجته، فنجح بحسّه الفنيّ وموهبته الأكيدة التي نمّاها بالدراسة، في أن يحوّل سمعان إلى شخصيّة نموذجيّة سيبحث الناس عمّن يشبهها كليًّا أو جزئيًّأ.
بعد عرض الفيلم ونشر المقالات التي ترحّب به وتثني عليه، صار كل واحد منّا يبحث عن "سمعانه" الخاصّ الذي يعرفه في هذه القرية أو تلك، وسنحاول جميعًا أن نفهم تصرّفات هؤلاء "السمعانيّين" من الحالمين الثوريّين الراغبين في جعل هذا العالم مكانًا أجمل للعيش، أو المتشبّثين بماض لا يريدون الاعتراف بأنّه لم يعد موجودًا.
حين تقبّل سيمون الهبر شخصيّة عمّه الطريفة، انتهت مهمّة الفيلم كمجموعة من المشاهد السينمائيّة المترابطة ليستمرّ العمل موضوعًا صالحًا للتعليق والمعالجة. ولكن القضيّة ليست هنا، ليست في شخصيّة سمعان أو القيمة الفنيّة للفيلم بل القضيّة كلّ القضيّة هي هذه الذاكرة المتخمة بمشاهد الحرب، والعاجزة عن إفراغ نفسها بسبب مجموعة من العوامل الطائفيّة والحزبيّة ومخاوف من إثارة الفتن والاضطرابات في البلد. فالفيلم اللبنانيّ، أيّ فيلم لبنانيّ، يخضع في الدرجة الأولى لرقابة مخرجه الذاتيّة قبل أن يعمل مقصّ الرقيب في المشاهد والحوار تقطيعًا وتشويهًا. وهذا ما حصل مع سيمون الهبر الذي تحايل على حكاية مقتل جدّه (والد سمعان) وجعلها تبدو كحادثة من حوادث الحرب الأهليّة، في حين أنّها وقعت قبل ذلك، أي في الزمن الذي يجب أن يكون سلميًّا وآمنًا. فلماذا غيّر المخرج زمن حادثة القتل؟ هل ليقول إنّ الحرب الفعليّة كانت قد بدأت منذ زمن ولكنّ أحدًا لم يعر الأمر اهتمامًا أو لم يجرؤ على إعلانه؟ وهل مطلوب من الإبداع الفنيّ وإن بشكل شعريّ مجازيّ أن يتحايل في ما يمتنع التاريخ عن ذكره، وذلك حفاظًا على المصلحة الوطنيّة؟
لن أتحدّث عن الفيلم من الناحية الفنيّة، ولكنّي أعرف سمعان الذي كان يوصل الحليب الطازج إلى بيتنا، وكانت هيئته اللافتة التي تجمع بين الغرابة والشاعريّة والإهمال القرويّ تثير الانتباه ولكنّها لم تدفعني طبعًا لرؤية سمعان كما رآه ابن أخيه سيمون وهو الترجمة الفرنسيّة لاسم سمعان.
لا أعتقد أنّ الشابّ سيمون الهبر كان يريد فقط أن يقدّم فيلمًا يعرّف عنه كمخرج واعد درس في لبنان ثمّ في فرنسا، لكنّه أراد من الفيلم أن يصالحه مع عمّه أوّلاً ليستطيع أن يتصالح بعد ذلك مع نفسه وماضيه وقريته ووطنه. فسمعان عاد إلى قريته المهجورة ليقيم مع البقرة والحصان والهرّة، وليكون "الحكواتي" الذي سوف يحكي كلّ مرّة قصّة جديدة عن الحرب والموت والتهجير، لا لأنّه يكذب ولا لأنّه ينسى، بل لأنّ حكايات الحرب لن تنتهي ولا يمكن الإحاطة بالجوانب كلّها ولو لحكاية واحدة منها. فالحادثة نفسها سوف تروى آلاف المرّات ولن تكون أسبابها ونتائجها واحدة عند الرواة المختلفي الانتماءات والمذاهب والطوائف والأحزاب.
قبل أن يكتشف سيمون الهبر الشخصيّة "السينمائيّة" لعمّه، لم يكن يرى في عمّه – ربّما - إلاّ الإنسان الذي قد يحرجه أمام الناس ويجعله يرفض الاعتراف به أو التقرّب منه، وقد يتجاهله إذا التقى به صدفة، وقد يمنعه من الظهور في حضرة أترابه وزملائه، أليست هذه حالنا جميعا في بداية حياتنا حين نريد أن يكون كلّ أهلنا وأقربائنا "أفضل" ممّا هم عليه؟ في مرحلة معيّنة، لا أحد يستطيع تحديدها إلاّ المخرج نفسه، استطاع هذا الشاب أن يرى في عمّه ما هو أبعد من الشَعر الطويل المربوط، أو الحديث مع البقرة، أو الحديث عنها كأنّها زوجته، فنجح بحسّه الفنيّ وموهبته الأكيدة التي نمّاها بالدراسة، في أن يحوّل سمعان إلى شخصيّة نموذجيّة سيبحث الناس عمّن يشبهها كليًّا أو جزئيًّأ.
بعد عرض الفيلم ونشر المقالات التي ترحّب به وتثني عليه، صار كل واحد منّا يبحث عن "سمعانه" الخاصّ الذي يعرفه في هذه القرية أو تلك، وسنحاول جميعًا أن نفهم تصرّفات هؤلاء "السمعانيّين" من الحالمين الثوريّين الراغبين في جعل هذا العالم مكانًا أجمل للعيش، أو المتشبّثين بماض لا يريدون الاعتراف بأنّه لم يعد موجودًا.
حين تقبّل سيمون الهبر شخصيّة عمّه الطريفة، انتهت مهمّة الفيلم كمجموعة من المشاهد السينمائيّة المترابطة ليستمرّ العمل موضوعًا صالحًا للتعليق والمعالجة. ولكن القضيّة ليست هنا، ليست في شخصيّة سمعان أو القيمة الفنيّة للفيلم بل القضيّة كلّ القضيّة هي هذه الذاكرة المتخمة بمشاهد الحرب، والعاجزة عن إفراغ نفسها بسبب مجموعة من العوامل الطائفيّة والحزبيّة ومخاوف من إثارة الفتن والاضطرابات في البلد. فالفيلم اللبنانيّ، أيّ فيلم لبنانيّ، يخضع في الدرجة الأولى لرقابة مخرجه الذاتيّة قبل أن يعمل مقصّ الرقيب في المشاهد والحوار تقطيعًا وتشويهًا. وهذا ما حصل مع سيمون الهبر الذي تحايل على حكاية مقتل جدّه (والد سمعان) وجعلها تبدو كحادثة من حوادث الحرب الأهليّة، في حين أنّها وقعت قبل ذلك، أي في الزمن الذي يجب أن يكون سلميًّا وآمنًا. فلماذا غيّر المخرج زمن حادثة القتل؟ هل ليقول إنّ الحرب الفعليّة كانت قد بدأت منذ زمن ولكنّ أحدًا لم يعر الأمر اهتمامًا أو لم يجرؤ على إعلانه؟ وهل مطلوب من الإبداع الفنيّ وإن بشكل شعريّ مجازيّ أن يتحايل في ما يمتنع التاريخ عن ذكره، وذلك حفاظًا على المصلحة الوطنيّة؟
هناك تعليق واحد:
أزيك
يارب تكونى بخير
أنا هبتدى من الأخر
فلماذا غيّر المخرج زمن حادثة القتل؟ هل ليقول إنّ الحرب الفعليّة كانت قد بدأت منذ زمن ولكنّ أحدًا لم يعر الأمر اهتمامًا أو لم يجرؤ على إعلانه؟
حاسس أن أنتِ فى الجزء دة بتكلمى عن مصر
خلاص بقى فى بوادر ده ):
يا خوفى ):
عارفه عندنا لم يجرؤ أحد على أعلانه
الذاكرة المتخمة بمشاهد الحرب
دة حقيقى
دة اللى مخلى الناس مش قادرة تنسى مش قادرة تصفى
و قد أية مؤلم انى أبقى رقيب على نفسى قدام أهل بلدى اللى المفروض يفهموا انا قصدى أيه
طب المفروض لكل واحد اشرحله بسياسته و ديانته و طائفته
صدقينى موجوع جدا و انا شايف لبنان كده
فأنا حاسس باللبنانيين اللى عاشوا و شافوا لبنان قبل و بعد
بعيدا عن موضوع البوست
انا من اللى بيحبوا أى فيلم ميوزيكال
بس اللى حببنى فيه أكتر مسرحيات فيروز الغنائية
و أفلامها
يمكن مشفتش فيلم سمعان فى الضيعة
و كويس ان حضرتك شرحتى مقصد الأسم أو المعنى يعنى
انا عارف ان الفيلم مش ميوزيكال
بس هى جت كدة فى بالى
أرجو مكنش بضايق حضرتك
و ارجو مكنش كتبت بسخافة
ربنا معاكى و يوفقك
(:
إرسال تعليق