لن أشطب عن هويّتي ديني أو مذهبي، لا لأنّني أكثر إيمانًا من غيري، ولا لأنّني أكثر التزامًا من سواي، ولا لأنّني أرفض الدولة المدنيّة وأعارض ما تقوم به رموز المجتمع المدنيّ، بل لأنّني أريد أن أحمل هويّة تعبّر عنّي، وهويّتي الدينيّة تفعل ذلك مهما حاولت التنكّر لهذا الواقع، أو الادّعاء بعكسه. وأريد أن يحترم الآخر قراري ومذهبي في الحياة بمقدار ما أحترم قراره ومذهبه.
فما معنى أن أشطب دينًا "لم أختره"، بحسب تعبير بعض الناس، وأبقي على اسمي واسم والدي ووالدتي وبلدتي ووطني ورقم سجلي، مع العلم أنّني لم أختر أيّا من ذلك ولم يكن لي رأي فيه؟ وما معنى أن أشطب مذهبي عن ورقة رسميّة وأنا أعرف جيّدًا بأنّني أحمل هذا المذهب في اسمي ومخاوفي وكلماتي وتاريخي وحضارتي وحكايات طفولتي؟ وما الفائدة من شطب كلمة عن ورقة والإبقاء على سائر الرموز كالملابس التي تعلن عن انتماء لابسيها، والوظائف والمناصب المرهونة لطائفة دون أخرى، والبلدات المحسوبة على مذهب دون سواه، والشعارات التي تفضح حامليها؟ وهل يكون حلّ الطائفيّة بأسلوب النعامة التي تخفي رأسها، وهل نخاف من بعضنا إلى حدّ أن نخبّئ عن بعضنا انتماءاتنا؟ لماذا لا يكون الحلّ في أن يفتخر كلّ واحد بالإرث الحضاريّ الذي يحمله، وأن يشهر كلّ إنسان اقتناعاته أمام الآخر، أيّا تكن هذه الاقتناعات، وأن يعلن هويّته بكلّ أبعادها الجنسيّة والعائليّة والمذهبيّة والدينيّة والقرويّة (أو المدينيّة) والحزبيّة والوطنيّة؟
فإذا كنّا سنشطب كلّ ما يعبّر عنّا وما "قد" يفضح انتماءنا أو يعرّضنا لموقف سلبيّ، فمن المفروض أن نلغي أشياء كثيرة قد تشكّل تهديدًا لنا أكثر من شطب المذهب عن الهويّة. فالخلاف اليوم مثلًا ليس بين المسيحيّين والمسلمين، بل بين المسيحيّين والمسيحيّين والمسلمين والمسلمين، وفي داخل العائلات والقرى والأحزاب، فهل نشطب كلّ ذلك كي لا نثير الحساسيّات وكي ننعم بحياة آمنة لا مشاكل فيها ولا حروب؟
لا أعرف إن كان شطب الانتماء الدينيّ عن الهويّة سيمنع القتل والتصفيات بحسب الديانة أو المذهب أو الحزب أو القرية. ولا أعرف كذلك إن كان سيحقّ لأحدهم أن يحصل على وظيفة في الدولة لكفاءته لا لانتمائه. ولكن الناس سيجدون دائمًا ما يتقاتلون من أجله أو بسببه: الدين والجنس والعِرق واللون والأرض والعِرض والسلطة والحبّ. "ع مزارع الأرض الناس/ ع حجار/ بيتقاتلوا"، يؤكّد الأخوان رحبانيّ. ولهذا لم ينجُ آلاف اللبنانيّين من الموت خلال الحرب اللبنانيّة حين تحايلوا على الأسماء والانتماءات، فـ"مارون" صار في المناطق ذات الغالبيّة الإسلاميّة أو الدرزيّة "موني"، و"محمّد" صار في الجهة المقابلة "ميدو"، والمسيحيّ الاشتراكيّ قتل أسوة بابن طائفته الكتائبيّ، والمسلم الذي كان يحارب إلى جانب "الأحرار" ويخدم في القدّاس مع جيرانه المسيحيّين، لم يجد مع تقدّم العمر إلّا الصوم في رمضان خلاصًا لنفسه القلقة من جرائم الحرب التي ارتكبها.
لن يصلح شطب المذهب وضع البلد، ولن يسجّل الدعاة إليه هدفًا في ملعب رجال الدين، ولن يلغي الطائفيّة، مع التذكير بأنّ السود في الولايات المتحدة لم ينالوا الحريّة مع صدور قوانين إلغاء العبوديّة، وبقي مايكل جاكسون أسود يحلم بالبياض الناصع، والذين قتلوا في معارك 1860 في جبل لبنان لم تكن معهم هويّات تفضح دينهم، والقنّاص اللبنانيّ كان يسجّل أعدادًا لا وجوهًا وإلّا لكان ربّما تردّد قبل أن يطلق النار على أخيه.ولن تجدي نفعًا محاولة أن نفهم كيف يُطلب، في زمن واحد وبلد واحد، الاعتراف بالمثليّة الجنسيّة وإخفاء الهويّة الدينيّة.
هناك تعليق واحد:
bonssoir MARIE
ce que tu avais écrit en septembre 2009 est faisable meme en fevrier
2011et restera encore valable en fevrier 2022...les libanais ne changeront pas...et les laches chretiens qui sont conduits comme des moutons de panurges diront "on changera de religion et on sera musulmans "quelle honte !!! ce n est pas parce que je souséstime l'islam pas du tout ...mais je regarde avec dedain ce député qui l a dit ...et qui ...tres facilement méprise sa religion !!! ya 7abaza lawou yakra2 makalatouki ya MARIE kay yta3allam kayfa yakoun 2ben 2assel ....merci
إرسال تعليق