Benson |
هل تنجح
المرأة العربيّة في كتابة المقالة اليوميّة؟ فالعُرف السائد بين الناس أنّ النساء
ثرثرات، والمقالة تفرض من الكلام ما قلّ ودلّ، ولكنّ كتابة المقالات تتطلّب في
الوقت نفسه نَفَسًا طويلاً والتزامًا يوميًّا قد لا يتلاءمان مع طبيعة المرأة التي
تفضّل نظم الشعر وتأليف القصص القصيرة والروايات، أيّ الكتابة بمزاجها الخاصّ
بعيدًا عن ضغط رؤساء التحرير وإيقاع الصحيفة السريع والصاخب.
وتظهر مراجعة الصحف اليوميّة والمواقع الإلكترونيّة التي تختار مقالات معيّنة لنشرها أنّ النساء اللواتي يكتبن مقالات يوميّة غائبات، ويسيطر الرجال على هذا المنبر الإعلاميّ وخصوصًا متى تعلّق الأمر بالسياسة والاقتصاد في حين تظهر المرأة في مقالات متفرّقة وقليلة في مجالات الأدب والفنّ. لا غرابة في الأمر إن ربطنا ما يحصل اليوم ببدايات فنّ المقالة التي ارتبطت بالرجال حكمًا، وذلك بسبب القيود التي كانت مفروضة على النساء عند انطلاق الصحف إذ كنّ محرومات من تحصيل العلم، وبالتالي من الكتابة. فالعالم العربيّ لم يعرف المقالة كفنّ أدبيّ قائم بذاته إلاّ مع ظهور الصحف، وقبل ذلك كان هناك ما يشبه المقالة كما في خطب الخلفاء والولاة.
الفرنسيّ "ميشال دي مونتين" (1533- 1592) هو رائد فنّ المقالة بحسب إجماع مؤرّخي الآداب الغربيّة، وهو الذي "اعتزل الحياة العامّة، حيث كان يعمل في المحاماة، وترك بوردو إلى مزارعه الريفيّة سنة 1570، وذلك ليعيش حياة يرفّ عليها الهدوء، وتخصبها القراءة"، بحسب ما ذكره الدكتور "محمّد يوسف نجم" في كتابه "فنّ المقالة"، وهو كتاب مختصر مفيد عن بدايات المقالة عند الغرب والعرب وأنواعها وأسلوبها. ونجد في الكتاب أنّ الأديبة اللبنانيّة "مي (ماري) زيادة" هي المرأة الوحيدة التي يأتي المؤلّف على ذكرها وممّا قاله عن أسلوبها في كتابة المقالة إنّه " يتميّز بالتنوّق في اختيار الألفاظ ذات الجرس المؤثّر، والعبارات الأنيقة الرشيقة، والوضوح الذي ينفي كل لبس وإبهام. وهو ينمّ عن عناية فائقة بالصقل والتهذيب، واحتفال شديد بتوازن العبارات في موسيقى عذبة هادئة".
قد يكون مفيدًا أن نذكّر في هذه المناسبة بأنّ لبنان ومصر كانا رائدي فنّ الصحافة في القرن التاسع عشر، وبأنّ صحف هذين البلدين، ومجلاّتهما في مرحلة لاحقة، استقطبا أكبر الشعراء والأدباء الذين كتبوا مقالات لا تزال حتّى اليوم مرجعًا في أيّ جامعة عربيّة للإعلام تريد أن تعلّم طلاّبها أصول العمل الصحافيّ وفنّ كتابة المقالة. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ أوّل صحيفة سياسيّة شعبيّة ظهرت في لبنان هي "حديقة الأخبار" (1858) لخليل الخوري، وقد أعانه على تحريرها بعض أدباء العصر ومنهم أخوه سليم الخوري وسليم شحادة وسليم الشلفون وميخائيل مدوّر.
*****
تتطلّب الكتابة اليوميّة متابعة يوميّة، ولكن ما كان مطلوبًا من المقالة في العصور السابقة لم يعد يكفي اليوم، وما كان يبهر القارئ في العصور التي انطلق فيها العمل الصحافيّ لم يعد يثير اهتمام أحد في هذا العصر. ولذلك، تجد المرأة نفسها، نعم المرأة تحديدًا، أمام تحديّين اثنين: أن تثبت قدرتها في عالم يسيطر عليه رجال الإعلام، وأن تواكب حركة العصر والمتغيّرات لحظة بلحظة. وهما أمران عسيران إن لم تكن المرأة في حالة جهوزيّة تامّة واستعداد جدّيّ لإعطاء المقالة، كلّ مقالة، حقّها من الأبحاث والاهتمام.
وما لاحظته على مدى أعوام من متابعة الأجواء المحيطة بمقالات تكتبها نساء عربيّات مجموعة أمور أشير إلى بعضها: أوّلاً، نادرًا ما تأتي كاتبة المقالة على ذكر كاتبة سواها (الكاتبة الكبيرة غادة السمّان حالة مميّزة أعود إليها في مقالة خاصّة بها). ثانيًا، لا تعطى اللغة المكانة اللائقة في النصّ بل تأتي في درجة متأخّرة تاركة المجال واسعًا للأفكار والعواطف. ثالثًا: لا تعطى كاتبة المقالة الناجحة حقّها من البروز الإعلاميّ ولا تدعى إلى ندوات حواريّة وبرامج تلفزيونيّة مع أنّ المحاورين والإعلاميّين يسرقون، أو على الأقلّ يستعيرون، أفكارهم من مقالاتها من دون أن يأتوا على ذكر اسمها.
وتظهر مراجعة الصحف اليوميّة والمواقع الإلكترونيّة التي تختار مقالات معيّنة لنشرها أنّ النساء اللواتي يكتبن مقالات يوميّة غائبات، ويسيطر الرجال على هذا المنبر الإعلاميّ وخصوصًا متى تعلّق الأمر بالسياسة والاقتصاد في حين تظهر المرأة في مقالات متفرّقة وقليلة في مجالات الأدب والفنّ. لا غرابة في الأمر إن ربطنا ما يحصل اليوم ببدايات فنّ المقالة التي ارتبطت بالرجال حكمًا، وذلك بسبب القيود التي كانت مفروضة على النساء عند انطلاق الصحف إذ كنّ محرومات من تحصيل العلم، وبالتالي من الكتابة. فالعالم العربيّ لم يعرف المقالة كفنّ أدبيّ قائم بذاته إلاّ مع ظهور الصحف، وقبل ذلك كان هناك ما يشبه المقالة كما في خطب الخلفاء والولاة.
الفرنسيّ "ميشال دي مونتين" (1533- 1592) هو رائد فنّ المقالة بحسب إجماع مؤرّخي الآداب الغربيّة، وهو الذي "اعتزل الحياة العامّة، حيث كان يعمل في المحاماة، وترك بوردو إلى مزارعه الريفيّة سنة 1570، وذلك ليعيش حياة يرفّ عليها الهدوء، وتخصبها القراءة"، بحسب ما ذكره الدكتور "محمّد يوسف نجم" في كتابه "فنّ المقالة"، وهو كتاب مختصر مفيد عن بدايات المقالة عند الغرب والعرب وأنواعها وأسلوبها. ونجد في الكتاب أنّ الأديبة اللبنانيّة "مي (ماري) زيادة" هي المرأة الوحيدة التي يأتي المؤلّف على ذكرها وممّا قاله عن أسلوبها في كتابة المقالة إنّه " يتميّز بالتنوّق في اختيار الألفاظ ذات الجرس المؤثّر، والعبارات الأنيقة الرشيقة، والوضوح الذي ينفي كل لبس وإبهام. وهو ينمّ عن عناية فائقة بالصقل والتهذيب، واحتفال شديد بتوازن العبارات في موسيقى عذبة هادئة".
قد يكون مفيدًا أن نذكّر في هذه المناسبة بأنّ لبنان ومصر كانا رائدي فنّ الصحافة في القرن التاسع عشر، وبأنّ صحف هذين البلدين، ومجلاّتهما في مرحلة لاحقة، استقطبا أكبر الشعراء والأدباء الذين كتبوا مقالات لا تزال حتّى اليوم مرجعًا في أيّ جامعة عربيّة للإعلام تريد أن تعلّم طلاّبها أصول العمل الصحافيّ وفنّ كتابة المقالة. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ أوّل صحيفة سياسيّة شعبيّة ظهرت في لبنان هي "حديقة الأخبار" (1858) لخليل الخوري، وقد أعانه على تحريرها بعض أدباء العصر ومنهم أخوه سليم الخوري وسليم شحادة وسليم الشلفون وميخائيل مدوّر.
*****
تتطلّب الكتابة اليوميّة متابعة يوميّة، ولكن ما كان مطلوبًا من المقالة في العصور السابقة لم يعد يكفي اليوم، وما كان يبهر القارئ في العصور التي انطلق فيها العمل الصحافيّ لم يعد يثير اهتمام أحد في هذا العصر. ولذلك، تجد المرأة نفسها، نعم المرأة تحديدًا، أمام تحديّين اثنين: أن تثبت قدرتها في عالم يسيطر عليه رجال الإعلام، وأن تواكب حركة العصر والمتغيّرات لحظة بلحظة. وهما أمران عسيران إن لم تكن المرأة في حالة جهوزيّة تامّة واستعداد جدّيّ لإعطاء المقالة، كلّ مقالة، حقّها من الأبحاث والاهتمام.
وما لاحظته على مدى أعوام من متابعة الأجواء المحيطة بمقالات تكتبها نساء عربيّات مجموعة أمور أشير إلى بعضها: أوّلاً، نادرًا ما تأتي كاتبة المقالة على ذكر كاتبة سواها (الكاتبة الكبيرة غادة السمّان حالة مميّزة أعود إليها في مقالة خاصّة بها). ثانيًا، لا تعطى اللغة المكانة اللائقة في النصّ بل تأتي في درجة متأخّرة تاركة المجال واسعًا للأفكار والعواطف. ثالثًا: لا تعطى كاتبة المقالة الناجحة حقّها من البروز الإعلاميّ ولا تدعى إلى ندوات حواريّة وبرامج تلفزيونيّة مع أنّ المحاورين والإعلاميّين يسرقون، أو على الأقلّ يستعيرون، أفكارهم من مقالاتها من دون أن يأتوا على ذكر اسمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق