يوم الجمعة دفن منصور الرحباني، يوم السبت صدرت الصحف اللبنانيّة كالعادة طبعًا. بحثت فيها عن وقائع الدفن بعدما تابعته عبر شاشات بعض التلفزيونات المحليّة، فوجدتُ ما يلي:"شيّع لبنان والعرب، أمس، الفنان منصور الرحباني، في جنازة وطنيّة مهيبة غصّت بالشخصيات الثقافيّة والسياسيّة والدينيّة التي التفّت حول أهله في كنيسة مار إلياس ـــــ أنطلياس. وبعد عظة المطران جورج خضر، وخطاب وزير الثقافة تمام سلام ممثلاً رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان الذي منحه «وسام الاستحقاق اللبناني المذهَّب»، وكلمة صاخبة لابنه غدي قوطعت مراراً بالتصفيق، ووري منصور في الثرى إلى جانب أخيه عاصي، داخل تابوت من خشب المسرح الذي منحه حياته".
بهذا الكلمات اختصرت الصفحة الثقافيّة في إحدى الصحف الحكاية كلّها مرفقة بصورة النعش ويبدو خلفه أنجال منصور الرحباني، وغاب الخبر تمامًا عن الصفحة الأولى. وهذا ما وجدته في الصحف الأساسيّة الأخرى التي لم تأت كذلك على ذكر المأتم في الصفحة الأولى، واكتفت إحداها بصورة للنعش من دون أيّ تعليق، بينما احتلّت المكان (كلّ الأمكنة) السيّدتان رايس وليفني بلونيهما المتكاملين في لقطة معبّرة وفي صورة كبيرة الحجم وهما تتبادلان الوثائق بعد التوقيع عليها لمنع تهريب الأسلحة إلى فلسطين. وفي الصفحات الداخليّة، الثقافيّة أو المحليّة، مرّ الخبر كغيره من الأخبار، لا بل أقلّ شأنًا من غيره. ففي الصفحة الإلكترونيّة لإحدى كبريات صحفنا حلّ المأتم في المرتبة التاسعة مباشرة بعد تحقيق عن سِحر صناعة الصابون (يلزمنا صابون كثير لنغسل جهلنا ونكران الجميل، ولم يعد صابون العتب يكفي). وأذكّر بأنّ الصحف في الأيّام التي تلت إعلان الوفاة لم تكن أكثر اهتمامًا برحيل منصور الرحباني، ولولا بعض الإخوانيّات من أصدقاء لهم "مونة" على المسؤولين في الصحف، ولولا أسماء بعض الرسميين من أركان الدولة لما كان لهذا الرجل أن يجد مكانًا أوسع من مدفنه في إنطلياس. ولقد سبق وأشرت في هذه الصفحة (في جريدة البلاد البحرينيّة) إلى غياب خبر نعيه عن الصفحات الأولى بالشكل الذي يستحقّه فنّان مثله. فما الحكاية؟ وما هي الأسباب التي تجعل مقتل فنّانة أو صدور مجلّة أو اغتيال رجل سياسيّ أكثر أهميّة من رحيل منصور الرحباني ونهاية مرحلة من تاريخ لبنان؟ وهل ما يجري في غزّة، على خطورته وعنفه ومأساويّته، يمحو من ذاكرتنا عهدًا من الفنّ والإبداع؟
بهذا الكلمات اختصرت الصفحة الثقافيّة في إحدى الصحف الحكاية كلّها مرفقة بصورة النعش ويبدو خلفه أنجال منصور الرحباني، وغاب الخبر تمامًا عن الصفحة الأولى. وهذا ما وجدته في الصحف الأساسيّة الأخرى التي لم تأت كذلك على ذكر المأتم في الصفحة الأولى، واكتفت إحداها بصورة للنعش من دون أيّ تعليق، بينما احتلّت المكان (كلّ الأمكنة) السيّدتان رايس وليفني بلونيهما المتكاملين في لقطة معبّرة وفي صورة كبيرة الحجم وهما تتبادلان الوثائق بعد التوقيع عليها لمنع تهريب الأسلحة إلى فلسطين. وفي الصفحات الداخليّة، الثقافيّة أو المحليّة، مرّ الخبر كغيره من الأخبار، لا بل أقلّ شأنًا من غيره. ففي الصفحة الإلكترونيّة لإحدى كبريات صحفنا حلّ المأتم في المرتبة التاسعة مباشرة بعد تحقيق عن سِحر صناعة الصابون (يلزمنا صابون كثير لنغسل جهلنا ونكران الجميل، ولم يعد صابون العتب يكفي). وأذكّر بأنّ الصحف في الأيّام التي تلت إعلان الوفاة لم تكن أكثر اهتمامًا برحيل منصور الرحباني، ولولا بعض الإخوانيّات من أصدقاء لهم "مونة" على المسؤولين في الصحف، ولولا أسماء بعض الرسميين من أركان الدولة لما كان لهذا الرجل أن يجد مكانًا أوسع من مدفنه في إنطلياس. ولقد سبق وأشرت في هذه الصفحة (في جريدة البلاد البحرينيّة) إلى غياب خبر نعيه عن الصفحات الأولى بالشكل الذي يستحقّه فنّان مثله. فما الحكاية؟ وما هي الأسباب التي تجعل مقتل فنّانة أو صدور مجلّة أو اغتيال رجل سياسيّ أكثر أهميّة من رحيل منصور الرحباني ونهاية مرحلة من تاريخ لبنان؟ وهل ما يجري في غزّة، على خطورته وعنفه ومأساويّته، يمحو من ذاكرتنا عهدًا من الفنّ والإبداع؟
ثمّة أحاديث بين الناس العاديين عن أنّ منصور الرحباني ذهب فرق عملة، فمن جهة بات آل الرحباني أو بعضهم على الأقلّ محسوبين على فريق 8 آذار، وبالتالي حاذرت صحف 14 آذار من إبراز خسارة لبنان فيه، ومن جهة ثانية انحازت بعض الصحف إلى فيروز وزياد في الصراع على الإرث الرحبانيّ وبما أن ليس لمنصور وأولاده على ما يبدو أنصار يُتّكل عليهم بين الصحافيين وأرباب الصحف غُيّبت الهالة عن هذا المأتم وانحصرت التغطية الإعلاميّة الخجول بما يرفع العتب، ثمّ جاءت القمم العربيّة المتلاحقة والمتنافرة لتلقي بظلّها على قمّة إبداعيّة لا علاقة لها بكلّ هذه الانقسامات والصغائر.
كلّ ذلك يثير الاشمئزاز والقرف، ويجعلنا نيأس من إمكان إنقاذ هذا البلد، فحين تتحوّل التجربة الرحبانيّة سوقًا للمزادات والمزايدات، وتتحوّل الأنظار عن خسارة لبنان بموت منصور الرحباني إلى التفنّن في محاولات معيبة ومهينة - لصانعيها لا لسواهم - لتفتيت هذا الإرث العظيم وتوزيع غنائمه أو لتحليل سبب غياب فيروز عن المأتم، فهذا يعني أنّنا لم نتعلّم شيئًا من الأخوين رحباني و"ضيعان إيّامي معو" سيقول منصور عن هذا الشعب. وفي المناسبة تحيّة إلى السيّدة فيروز التي تغيّبت عن المأتم وحضرت فيه في الوقت نفسه، فهي تعي أنّ وجودها كان سيلهي السخفاء والفضوليين (وما أكثرهم) عن حزن المناسبة وسيكون محور الأحاديث والنظرات، وهذا ما اكتشفته هي عبر السنوات في صلاتها أيّام الجُمع العظيمة، حين نسي الناس المسيح المصلوب وأهملوه وانشغلوا بالتصفيق لمن تصلّي أمامه معتبرين أنّها تؤدّي دورًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق