صحيفة الحياة، الاربعاء، 06 يوليو 2011
دور المرأة العربيّة في الرواية موضوع شائك ومجاله واسع لا تفيه حقّه الصفحات المئة والأربع والأربعون من القطع الصغير، التي ضمها كتاب «المساهمة الروائيّة للكاتبة العربيّة» للروائي والناقد السوري نبيل سليمان. وبدا الكتاب أقرب إلى دليل حافل بأسماء الكاتبات العربيّات، يرشد إلى عناوين أهمّ الروايات التي ساهمن من خلالها في هذا النوع الأدبيّ، مبيّنًا في إشارات خاطفة إلى ما هو قيّم يستحقّ الدارسة وما هو عابر أو يتيم أو مقلِّد، فيغري القارئ بالبحث عن رواية يطالعها بشغف أو يطمئنه إلى أنّه ما دام ليس باحثًا أو دارسًا متخصّصًا فليس في حاجة إلى قراءة بعضها. ليس في هذا الكلام إساءة إلى مجموعة نصوص الكاتب والباحث السوريّ «نبيل سليمان» الصادرة من ضمن منشورات مجلّة «الرافد» الإماراتيّة، بمقدار ما فيه إصرار على عدم تحميل الكتاب ما لم يدّعه. فهو قطعًا ليس دراسة شاملة وافية اتّبع فيها صاحبها منهجًا علميًّا صارمًا يقيس فيه إبداعات المرأة العربيّة في هذا النوع الأدبيّ، وفق عصور وأبواب وموضوعات. إنّما هو اعتراف كامل، وبملء رغبة الكاتب، بأنّ مساهمة المرأة العربيّة أمر شغله طويلًا، فأعطاه ما استطاع من الاهتمام في كتبه وبخاصّة في العقد الأخير، وكذلك في مقالاته طوال سنوات في جريدة «الرأي» الأردنيّة، وتحت عنوان أثير لديه هو: «بنات شهرزاد» (ص6). وما هذا الكتاب إلّا القبلة التي يطبعها على جبين شهرزاد الأمّ، وانحناءة تقدير وحبّ ووفاء أمامها (ص7).
البداية من لبنان مع رائدات الرواية في العقدين الأوّلين من القرن العشرين: أليس بطرس البستاني، لبيبة هاشم، زينب فوّاز، عفيفة كرم، لبيبة صوايا، فريدة يوسف عطيّة. ثمّ بدءًا من العقد الخامس، يتوزّع زخم كتابة الكاتبة للرواية، بحسب تعبير الباحث، من لبنان إلى سورية ومصر. «وعلى أيّة حال، يضيف، جاء ظهور الروائيّة العربيّة إعلانًا عن حدث ثقافيّ وظاهرة أدبيّة، وإن بلجلجة ستطول حتّى سبعينات القرن العشرين» (ص11). هذه «اللجلجة» تتبدّى في أكثر من مظهر لا يتردّد الكاتب في توجيه الأنظار إليها وإعطاء الأمثلة عليها، وإن بشكل سريع لكن من دون أن تفقده السرعة بُعد الرؤية وحسن الرأي. ومن ملامح الاضطراب الذي رافق الرواية «النسائيّة» منذ البدايات حتّى الآن: الأسماء المستعارة التي فرضتها ظروف كانت ولا تزال تمنع المرأة من ممارسة حريّتها في الكتابة خشية أن ينظر إلى روايتها من باب السيرة الذاتيّة؛ انتماء الكاتبات إلى أسر بورجوازيّة مدينيّة؛ الجمع بين الرواية وأنواع تعبيريّة أخرى كالصحافة والشعر والعمل الأكاديميّ والمسرح والقصّة القصيرة؛ تمحور المواضيع حول حريّة الجسد ورغباته؛ دور الدين وانعكاس أوامره ونواهيه على المجتمع؛ التاريخ وما تركه من آثار في تكوين الشخصيّة وصولًا إلى الصراع العربيّ الإسرائيليّ؛ العلاقة مع الهجرة والاغتراب؛ دخول عنصر الثقافة على الرواية كعامل مؤثّر في رسم الشخصيّات النسائيّة. وبقدر ما تبدو هذه العناصر دليلًا على بحث الروائيّة العربيّة عن لغة ومضمون، تشير في الوقت نفسه إلى مواكبتها التغيرات التي تطرأ على الحياة والمجتمع والوطن والأمّة. لكن تبقى المشكلة في اللواتي يبدأن الآن من حيث انتهت أخريات، فتبدو أعمالهنّ ترجيعًا لصدى أزمنة عبرت وغبرت.
يخصّص الكتاب فصلًا لمساهمة المرأة الإماراتيّة في الرواية، من دون أن ينسى الإشارة إلى كونها مساهمة طريّة العود لا تزال تنتظر الوقت كي تثبت نفسها وتؤكّد حضورها، وبعد عرض لبعض الأسماء والعناوين، يلفت الباحث إلى أنّ في هذه الرواية (الإماراتيّة) «ما يمثّل تاريخ الرواية العربيّة ما بين البداية وما هي عليه اليوم: فأغلب الروايات ينادي بما كتبت أليس بطرس البستاني أو لبيبة هاشم، في فجر الرواية العربيّة حتّى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كما في روايات باسمة يونس وآمنة المنصوري وأسماء الزرعوني. بل إنّ لهذه الروايات من الأخطاء الإملائيّة والنحويّة ما يؤخّرها عن بدايات الجدّات. واللافت جدًّا أنّ هذه الأخطاء تطغى في أغلب الروايات الأخرى» (ص87).
أمّا القسم الأخير من الكتاب فأضاء فيه نبيل سليمان على نصوص روائيّات من السعوديّة (أمل الفاران) وفلسطين (إيمان البصير) والجزائر (سارة حيدر) ومصر (سلوى بكر) وسورية (سمر يزبك) والأردن (سميحة خريس) والعراق (صباح خليل متعب) والكويت (ليلى العثمان) واليمن (نادية الكوكباني) وتونس (نجاح محمّد يوسف). وما غياب غيرهنّ من البلدان نفسها، أو سواها من الدول العربيّة، سوى البرهان على الحاجة إلى مزيد من الدراسات الموسّعة تعطي هذا الموضوع ما يستحقّه من قراءة وتحليل ونقد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق