الجمعة، 29 أكتوبر 2010

يا ريتك بتفلّ دقيقة (إلى الذين يحاربون مرض السرطان)






حاجي ساكن بعينيّ
بوجّي وشعري وإيديّي
يا ريتك بتفلّ دقيقة
ت إسترجع لوني فيّي
ت إتذكّر صوت الضحكة
وكلماتي شو كانت تحكي
وهمس الدعسة عالطرقات
بليالي الشتي والبرد
وقت اللي بتفضى الساحات
وبتغفى الزهرة العنيدة
اللي كان بدّا تسهر بعد

عم تحتّل عروقي ودمّي
مرّات بشوفك دوايي
ومرّات بتتحوّل سمّي
ما بشوفك إلاّ قدّامي
نايم ع مخدّة أحلامي
يا ريتك بتفلّ دقيقة
بلكي بترجعلي إيّامي

قبلك كان عمري ألوان
كلّ يوم بلون وعنوان
ومن وقت اللي قالوا إسمك
بهوني لحظة، بهوني يوم
ابيضّ الليل، وطار النوم
وصرت العنوان الكبير
ب دفتر عمري الزغير
يا ريتك بتفلّ دقيقة
وما حدا يقلّي الحقيقة
وإنسى إنّك ساكن فيّي
بوجّي وشعري وعينيّ
وبرجفة خوف بإيديّي
يا ريتك بتفلّ دقيقة
يا ريتك بتفلّ دقيقة

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

رجل وامرأة وشيطان

كتبت المرأة في نعي زوجها:
مات متمّمًا واجباته مع الجميع إلاّ معي
أليس غريبًا ألاّ تكون "مرحومًا" إلاّ وأنت ميت؟

في مسبح لبنانيّ رائد
يسمح للعاملات الآسيويّات بالدخول إلى حرمه،
رفضت الخادمة الفيليبينيّة السباحة
في حوض واحد مع الخادمة السري لانكيّة

ما دامت الرفيقة بريجيت باردو تقتل الصرصار وتدلّل الحمار،
فسيبقى التمييز قائمًا.

انتظار الحبّ يملأك حياة،
انتظار الحبيب يتلف أعصابك

شكا الرجل لعشيقته معاناته مع زوجته،
وحين حاولت أن تدلي برأيها،
صرخ بها:
أرجوك لا تتدخّلي في شؤوننا العائليّة
ولا تقلّلي من احترام زوجتي
الحالم مبتسم، والمفكّر متجهّم

دمج ذوي الحالات الخاصّة في المدارس
لا يعني
تعيين المشلول أستاذًا للرياضة
والأعمى معلّم رسم
والأصمّ مدرّس موسيقى
والأبكم خطيبًا
وبالتأكيد لا يعني
تعيين المصاب بقصور ذهنيّ مديرًا.
مشهد عبثيّ:
استيقظ الرجل الأصوليّ المتعصّب
على ضجيج صباحيّ صادر من عند جاره
المنتمي إلى طائفة أخرى تحتفل بعيدها الكبير
وصاح به مؤنّبًا:
يا رجل! اليوم عيد
ألا تحترم الأعياد؟
ألا تتركنا ننام؟
آنية الزهر المكسورة والمرمّمة
لم تعد تصلح للأزهار الطبيعيّة
بل المجفّفة البلا عطر أو حياة.
ألا تشبه علاقة مصابة بخيبة العمر؟
عند الألم أنت وحدك
فإن كان الآخر حبيبك
فلن تلقي عليه ثقل ما أنت فيه
وإن كان عدوّك
فلن تدعه يفرح
بما أنت فيه
سيّد المنابر إن خلا قلبه من المحبّة
صار سيّد المقابر

حين أسمع صفّارة سيّارة الإسعاف
أحبّ أن أتخيّل
أنّ الحالة الطارئة فيها
هي ولادة طفل
تستعجل أمّه احتضانه
كلّما اجتمع رجل ذكيّ وامرأة ذكيّة
كان شيطان الشعر ثالثهما

عندما تموت علاقة ما
انتقل إلى سواها
ولو مع الشخص نفسه
فأنت لست الله
كي تحيي العظام وهي رميم
أن تكون وحيدًا أفضل بما لا يقاس
من أن تكون برفقة من يذكّرك
في كلّ مناسبة
بأنّه ضحّى بالكثير
ليبقى معك
أكثر العلاقات يشبه ثوبًا عتيقًا
اعتدنا عليه ونرتاح ونحن نرتديه
وإن كنّا نعلم
بأنّه لا يصلح لاستقبال الضيوف
أو للخروج من المنزل.
ثوب قديم باهت
ومع ذلك
لا نستبدله بآخر
لأنّنا نعرف أن تغييره
يتطلّب نمط حياة آخر
لا نملك الشجاعة لاختياره واختباره.
****
جريدة النهار
الثلثاء -26 تشرين الأوّل 2010

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

أصحابك يا طفل زغير (أغنية للأطفال)


أصحابك يا طفل زغير
عم بيغنّوا من بكّير
واحد بيقول يا ألله
والتاني بيصرخ يلاّ
طلع الضوّ
لازم نطير.

الْعصافير غطّوا وطاروا
بين شجرة وشجرة احتاروا
واحد عم بيسأل عنّك
والتاني زعلان منّك
قال إنّك
ما عدت زغير.

يا لبَعدَكْ نايم نعسان
قوم شوف ولاد الجيران
واحد بينادي خيّو
والتاني ناطر بيّو:
تأخّرنا
شو بدّو يصير؟



ما بينطر الأوتوكار
شو ما عملت وشو ما صار
لا تتغنّج عليّ
وتقلّي بعد شويّي
ع الصفّ
تأخّرت كتير.

الجمعة، 22 أكتوبر 2010

الخوري فرنسيس الحاج: من حقّه أن يفتخر


لا أذكر أموراً كثيرة عن مدير المدرسة عهدذاك، فلم أكن من التلاميذ المشاغبين الذين يرسلون معاقبين إلى حضرة المدير، ولم أكن من البارعين في لفت الانتباه كي أفرض وجودي على حرم مكتبه. ولكنّي أذكر جيّداً مناسبتين اثنتين كان المدير يزورنا خلالهما في الصفّ: الأولى عند توزيع دفاتر العلامات، وهي ليست الذكرى المفضّلة إجمالاً، والثانية هي عندما كان المدير يدخل إلى الصفّ عندما يغيب أحد المدرّسين ليشرح درساً واحداً يستعيده بلا ملل، هو قاعدة كتابة الهمزة.
في الواقع إنّ المدرسة هي المطبوعة في ذاكرتي عبر مشاهد كثيرة كوّنت ما صار عليه كلّ واحد من خرّيجيها. وأعتقد أن صاحب تلك المؤسسة التربويّة لن يمانع في الحديث عن مدرسته التي هي على صورته ومثاله. وأعتقد كذلك أنّ ما جعلني أؤمن لاحقاً بدور النشاطات الثقافيّة في العمليّة التربويّة هو تمسّك "الرابطة اللبنانيّة" في تلك المرحلة بخطّ تربويّ رؤيويّ، سبق بزمن بعيد ما طالبت به المناهج الجديدة. وإذا كان هذا الأمر متوقّعاً من مؤسسات تربوية كبيرة يقف خلف نجاحها جمعيّات ورهبانيات، فإنّ نجاح شخص واحد في تحقيق ذلك هو ما يسجّل للخوري فرنسيس الحاج.
من تلك المدرسة أذكر استراحة الغداء التي رافقتها دائماً المسرحيّات الرحبانيّة والأغنيات الفيروزيّة. وأعرف أنّ علاقتي بهذا العالم الجميل بدأت من ذلك الملعب المسقوف حيث كنّا ملزمين بتناول الطعام بهدوء في جوّ موسيقيّ مميّز قبل أن ننتقل إلى اللعب.
ومن تلك المدرسة، أذكر أيضاً المسرحيّات الفولكلوريّة التي طبعت حفلات آخر السنة بطابع فنّي راق ومختلف عمّا كنّا نسمع به في المدارس المحيطة بنا.
وأذكر كذلك إصرار المدير على توزيع كتب المطالعة على التلاميذ، بمعدّل كتاب في كلّ أسبوع. وأعي الآن أنّ هذه الكتب شكّلت الخميرة المباركة في ثقافتي لاحقاً.

لا أعرف ما آلت إليه الأمور اليوم في المدرسة، ولكنّ الذين أعرفهم من خرّيجيها برعوا في المجالات التي توجّهوا إليها، أيّاً تكن اختصاصاتهم. وبهذا يستطيع الخوري فرنسيس الحاج أن يفتخر، وعلى هذا يشكره تلاميذه.

الخميس، 21 أكتوبر 2010

كن هادي

عربة زهور
سيّارة الموت

هادي

دعمًا لمؤسّسة "كُن هادي" للتحذير من مخاطر القيادة،

وتذكيرًا بعدد الذين قضوا على الطرقات بسبب حوادث السير،
ولأنّ مجلس الوزراء بحث هذا الموضوع في جلسته التي عقدت البارحة

ولأنّ لبنان يُقتل فيه ما بين 600 إلى 700 شخص من جرّاء هذه الحوادث

هذه التحيّة إلى "هادي جبران" الذي قتل في حادث سير
وحوّل والداه موته مؤسّسة تحمل قضيّة إنقاذ الآخرين

عبر حملات التوعية

زوروا الموقع:
كن هادي وامشي على مهلك
كن هادي بتوصل ما بتهلك
كن هادي ولا تلوّع أهلك
من قلبو هادي بيندهلك
بيصرّخلك وبيحكيك
كن هادي الله يخلّيك

من حقّك تسهر وتشرب
من حقّك ترقص ت تتعب
من حقّك تتسلّى وتلعب
بس إمّك ليش ت تتعذّب
خيفانة، صوتا يناديك
كن هادي الله يحميك

كلّ شِبر بندر تربّيت
تِقلَك شمع وزهر وزيت
شو بتنفع كلمة يا ريت
لمّا بتغيب من البيت
وبيضلّو بيّك يبكيك
كن هادي الله يهديك

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

يحبّني

أحدنا في الآخر
أحدنا والآخر

نحو الآخر


يحبّني! يقولُ
ويمضي إلى شؤونِه
وأغرقُ أنا في تساؤلٍ
عن معاني الحبّ
عن سرِّ شجونِهْ
وأقولُ في نفسي
أم له أقول:
أتراه يحبّني
أم يحبُّ واحدةً
من نسجِ ظنونِهْ؟
وهل أنا المجنونةُ
أم هي عدوى جنونِهْ
تدفعُني للسُكنى في أفكارِه
وللإبحارِ في دمع عيونِهْ؟
يحبّني! يقولُ
ويعبرُ بين الأحرفِ
هاربًا منّي
ومن يدي التي تمتدّ
رغمَ البُعدِ
لتلمسَ في السرِّ
يديهْ
ومن رغبتي في أن أكون
قربَه
معه
لديهْ

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

شو طابخين اليوم؟ (صور الطبيعة ليارا الهبر)




إلى يارا ابنة شقيقتي (التي تدرس الهندسة الزراعيّة)
     صحيح أنّ المسيح في الكتاب المقدّس يقول: لا يهمّكم ما تأكلون، وملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، وأنّه يؤنّب مرتا: تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد. ولكنّ المسيح نفسه قام إلى مائدة الطعام التي أعدّتها مرتا حين انتهى من كلامه، وشارك الناس في الأكل والشرب معترفًا بأنّه أكول شرّيب، ثمّ اجترح العجائب ليأكل الناس خبزاً وسمكاً وقبل موته وقيامته احتفل مع تلاميذه حول مائدة الفصح. فالأكل إذًا حاجة طبيعيّة لا يعرف قيمتها إلاّ المحرومون إياها أيّ الفقراء والمرضى... وعارضات الأزياء. ومع ذلك فالباحثون عن اختصاصات جامعيّة، يضعون الزراعة في آخر قائمة خياراتهم، علمًا أنّ السؤال الأوّل الذي يطرحونه على أمّهاتهم حين يدخلون إلى بيوتهم: شو طابخين اليوم؟ وإن كانوا في المطعم سألوا: ما هو الصحن اليوميّ؟
     الجوع على الأبواب: التغيّرات المناخيّة خطيرة، والمياه تندر، والأراضي الزراعيّة تقلّ مساحاتها، والدول تتاجر بلقمة العيش وتحتكر إنتاجها الزراعيّ ثمّ تتلفه كي لا يهبط سعره. ومع ذلك تتجاهل أجيال المستقبل حاجات العالم الغذائيّة في الأعوام المقبلة. وفي وقت يتسابق الكثيرون إلى الطبّ والهندسة والديكور والإعلام والمحاماة، نجد شحًّا في أعداد المتوجّهين إلى الهندسة الزراعيّة، وينسى خرّيجو المدارس أنّ الإنسان إن لم يجد ما يأكله فلن ينفعه طبيب أو مهندس أو محام أو صحافيّ على أهميّة هذه التوجّهات المهنيّة وحاجة المجتمع إليها شرط ألاّ يصاب بالتخمة بها. حجّة التلاميذ الأولى أن لا أرض خالية تصلح للزراعة، والجواب البسيط: متى جاع الإنسان زرع أسطح البنايات وأصص الزهر وأحواض الشرفات، وإلاّ صار من أكلة لحوم البشر، والشاطر هو من يسبق لأنّ البقاء للأقوى. أنظمة كثيرة انهارت بسبب الرغيف، وملوك كثر أعدموا بذريعة الفقر مع أنّ الفقراء لا قدرة لهم على الثورة، ولكن هي حجّة الراغبين في الحكم يتسلّقون بواسطتها أكتاف المحرومين ليحتلّوا قصور الحاكمين. ومع أهميّة الزراعة والثروة الحيوانيّة لا يزال التلامذة، حيث لا إرشاد مهنيًّا محترفًا، بعيدين عن هذه الرؤية، وهو أمر لا نستغربه عندما نسمع جواب أحد المرشدين التربويين، وهو يحاول أن يكون طريفًا، لتلميذ سأله عن الهندسة الزراعيّة: وظيفة تطعمك خضارًا لا خبزًا.

     يفتّش العلماء عن أساليب لإطعام الناس، ولكن غالبًا ما تتفتّق قرائح السياسيين المتحالفين مع أرباب التجارة وأسياد المافيات عن أساليب تهدف إلى التخلّص من الجائعين لا من الجوع لأنّ ذلك أكثر ربحًا وأسرع وقتًا ولا يهمّ إن كان غير إنسانيّ. وما انتقال خبراء البيئة وعلماء التغذية من أسلوب إلى أسلوب إلاّ الدليل على أنّ الحاجة إلى الطعام هي أمّ الاختراعات كلّها منذ فجر الإنسانيّة، وستبقى كذلك: فالسلاح للصيد، والنار للشي، والسكين لتقطيع اللحوم والحروب للتسابق على الماء والكلأ. ودليلنا الآثار التي تركها البشر وهي موزّعة ما بين الفائدة والفنّ. فنجد أواني تحضير الطعام ومعدّات الحراثة والحصاد إلى جانب الحليّ، وطبيعيّ ألاّ يستطيع الإنسان أن ينصرف إلى التفنن في ما يفعل ما دام يشعر بالجوع. ومن غير المنطقيّ أن يتوجّه أكثر التلاميذ اليوم إلى الكماليّات على حساب الضروريّات أو إلى الجماليّة على حساب النفعيّة. فمع ازدياد عدد سكّان الكرة الأرضيّة، وأمام التغيّرات المناخيّة، بات من الضروريّ أن يدرس الإنسان كيف يحافظ على بقائه عبر تأمين الغذاء في الدرجة الأولى، ولم يعد جائزًا هدر الوقت والمال والمياه على مزروعات لم يعد يلائمها الطقس في غياب رؤية زراعيّة جديدة، وهي حال اللبنانيّ الذي لا يزال أسير تقاليد تسيء إلى البيئة ولا تنفع الإنسان، في وقت بدأت مجتمعات متطوّرة ترشيد المواطنين إلى نوع من الاكتفاء الذاتيّ عبر زراعات بسيطة تستخدم أساليب الزراعة العضويّة والمائيّة والمنزليّة. ولم يعد غريبًا أن يستغني بعض الناس في المدن الكبرى عن غرس الزهور ليزرعوا مكوّنات صحن من السَلطة.

     أكتب هذا الكلام وفي بالي أنّ سعر كيلو البندورة وصل إلى خمسة آلاف ليرة لبنانيّة وأنّ طلاّبًا يخسرون سنة على الأقلّ من أعمارهم وهم يضيّعون الوقت في جامعات تعطيهم شهادات العطالة عن العمل، علمًا أنّ عدد الذين يتقدّمون لاختبارات الدخول إلى كليّات الزراعة ضئيل بالنسبة إلى سواها. فالرهان إذًا على أولئك الذين اختاروا الزراعة وما يتعلّق بها، والأمل معقود عليهم ليزرعوا لنا فنأكل وإلاّ أكلنا أصابعنا ندمًا. فشكرًا لمزارعي الغد ومزارعاته ولكلّ الدارسين في مجالات تهتمّ بتأمين الغذاء وحفظ المياه لأنّهم اختاروا النصيب الصالح، فالمطلوب الآن واحد وهو أن يأكل الجميع. صحيح أنّهم قد لا ينجحون في جعل لبنان إهراء الشرق مرّة ثانية بعدما ضربه الاهتراء على مختلف الصعد ولكنّهم على الأقلّ سيساعدوننا على تأمين خبزنا ولو كفاف يومنا.
*****
جريدة النهار - الثلثاء 12 تشرين الأوّل 2010

الأحد، 10 أكتوبر 2010

أوّل الطريق لسليمان بختي





ألا يزال للثقافة والفنون قيمة ودور في مجتمعنا، وفي بلادنا؟ كيف يمكن ان تخرج المدينة والجمهورية الى واحات الضوء ورحاب المعرفة وآفاق الحرية وأمان الحضارة؟ وما هو التفسير المقنع لغياب الجهود والامكانات في هذا المجال وسيطرة حال من اللامبالاة الذهنية مفتعلة من جذورها الاجتماعية والاخلاقية وبلا معايير أو حسن متابعة او التزام؟
الثقافة مجال معنوي حيوي تظهر آثاره في الوعي والسلوك والموقف من الحياة.
ولعل سيطرة حال اللامبالاة مردها الى تأثير المادة والفساد والضغط الاقتصادي وخصام الوسائل والغايات كما نجدها في الاحوال الطائفية القائمة على شحن الغرائز وتغييب العقل والانسان. كل ذلك يؤدي الى تغير المناخ الطبيعي وترديه في علاقة الانسان بالمكان، والانسان بالآخر، والى قفل قنوات التواصل بين المنتج الثقافي (الكتاب واللوحة والمسرحية والاغنية والرقص والمعارض...) ويؤدي بدوره الى تهديم الجسور بين الناس والرؤى، وتاليا الى سيادة رقم الزيف وثقافة الرياء وفضاء الخواذ.
معها حق ماري القصيفي حين وصفت هذه الجمهورية بانها فروع شارع المتنبي في مقالتها في "النهار". كان ميشال ابو جودة، رحمه الله، يصف هذه الجمهورية بـ"الجمهورية المشرشحة وكل من يدخلها يخرج منها بنصيب".
ولكن ليست حياة البشر مجرد حياة عابرة في مجتمع، انما هم ينتجون المجتمع ليعيشوا فيه بقناعة وانسجام على قول عالم الاجتماع غودلبير. ثمة سؤالان في هذا الاطار: أولهما، هل تستطيع الثقافة ان ترفع هذا الثقل وان تمضي قدما وتحقق دورها في الوعي الاجتماعي والتغيير من دون دعم المؤسسات العامة والخاصة في المدينة، ومن دون فاعلية المجتمع؟
ان الثقافة قضية لا تترك لمغامرات الافراد ومبادراتهم، بل هي قضية المجتمع برمته. واذا كانت الثقافة أقامت الجسر بين الانسان والطبيعة فلا بد من تقوية هذا الجسر ودعمه واستمراره لانه صناعة انسانية بامتياز، والتعبير الأمثل عن وجود الكائن البشري وافلامه وانجازاته وصراعه التاريخي. والسؤال الثاني: أي مجتمع نعيش فيه وقد تمادت فيه الفردانية والامنية والتوحش، و غاب تاليا كل هم ثقافي حضاري اجتماعي تغييري؟ واذا حصل في تاريخنا حتى اصبحنا على ما نحن عليه من وضاعة الحال وفقر الخيال وضعف الحيلة والتسطح والتهميش؟ هناك قيم لا انسانية تسود الوجود وتهيمن عليه، قيم مضادة لهوية الانسان الحضارية، ما السبيل للخروج من هذا الافق المغلق؟
أول الطريق استعادة حواسنا وحقيقتنا وانسانيتنا. أول الطريق بناء العلاقة النقدية العقلانية الواعية مع المدينة ومظاهرها وفضائها التاريخي والانساني والحضاري. أول الطريق يبدأ من خطاب الروح في علاقتها بالجمال والذوق والفن والثقافة والحق والخير. أول الطريق يبدأ من معنى هويتنا باعتباره ولادة متجددة واضافة الى الحياة واستحقاق نبدعه كل يوم.
فهل نبادر قبل ان يبلغ العجز آخر، كما يقول التوحيدي، ونخسر رأسمالنا البشري ونخسر المكان ونفقد المعنى الحقيقي لوجودنا؟!
*****
سليمان بختي - جريدة النهار

السبت، 9 أكتوبر 2010

نامي منيح (تهويدة للأطفال)






نامي منيح
نامي منيح
لا تخافي من صوت الريح
صوت الريح سافر لبعيد
رح نحكي أحلى حكاية
عن بكرا لعندِك جايي
بُكرا حامل سحر جديد
أحلامِك ملّيها زهورْ
ألعاب، غناني وعصفورْ
يزقزق ع سطوح القرميد

تغطّي منيح
تغطّي منيح
صلّي وقولي كل شي منيح
صلّي كرمال الإنسان.
دفيانة اللعبة حدّك
لون الأحمر ع خدّك
شو بيشبه زهر الرمّان
لا تقولي مش نعسانة
عيونك صارت دبلانة
الفِرخة نامت والصيصان

تغطّي منيح
ونامي منيح
ديك الحيّ بكّير بيصيح
تيوعّي الشمس من النوم
لِمْ بتصيري صبيّة
وبتغنّي هالغنيّة
لا تنسي شو عملنا اليوم
غنّينا، ركضنا، لعبنا،
رسمنا، زرعنا وتعبنا
خِلص اليوم، يلاّ ع النوم.

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

ما الذي يبقيني في هذا الوطن؟(2)

المنارة - بيروت
القاع - البقاع

الأرز

حمّانا

عمّيق

يبقيني في هذا الوطن عجزي عن مغادرته. ولعلّني في أعمق مكان من داخلي أحسد الذين لم يعجزوا وغادروا واستقرّوا حيث هم وإن بقي حنين ما يلتفّ حول قلوبهم يؤرق سكينتها ويحلمون في عزّ نومهم الهانئ بالوطن الذي أجبرتهم ظروفه على الرحيل عنه.
لربّما أنا عاجزة عن احتمال هذا الحنين، الحنين نفسه الذي أشعر به وأنا هنا أراقب كيف يتغيّر هذا الوطن ليصير ما لم أبق من أجله.
لا نحن الباقين هنا مرتاحون، ولا الذين هاجروا مرتاحون من همّ هذا الوطن الذي يلاحقون أخباره في الصحف وعبر القنوات الفضائيّة ورسائل المقيمين. كلّ واحد منّا مشدود إلى نقيضين وإن صار العالم قرية كونيّة صغيرة: أن يكون غريبًا في وطنه أو مواطنًا في مغتربه. وفي الحالين ينقصه شيء. هي حال المهاجرين من بلادهم إلى أيّة جنسيّة انتموا، ومنذ بدأ الإنسان رحلة البحث عن مكان يتّسع لأحلامه وطموحه ويؤمّن له الاستقرار ويحفظ له الكرامة ويساعده على حماية إنسانيّة قد يفقدها إن بقي حيث هو. كثيرة أسباب الهجرة، درسناها مذ كنّا على مقاعد الدراسة، وتفنّن واضعو كتب التاريخ والجغرافيا في تبريرها والتأكيد على فائدتها. وفي كلّ مرّة يؤتى فيها على ذكر الهجرة وأسبابها ونتائجها يحلم المعلّم بالرحيل ويرحل التلاميذ خلف تأشيرات دخول إلى بلدان تتيح لهم تحقيق أحلامهم.
أنا الباقية في هذا الوطن، أحلم كملايين المواطنين سواي، بأن يأتي يوم أرتاح فيه من هذا الانفصام في داخلي بين الحلم بمكان جميل وهانئ وآمن ومنظّم أرحل إليه ولا أعود، وبين البقاء في هذا البلد الذي تفترسه البشاعة والمخاوف والهواجس والفوضى. وهذه معاناة يوميّة: فيوم في ازدحام السير الخانق يجعلني أتمنّى الرحيل، ويوم في جبل ساكن يطمئنني إلى أنّني خيرًا فعلت بأن بقيت. ويوم في إتمام معاملة رسميّة يجعلني ألعن الساعة التي بقيت فيها في هذا البلد، ويوم من المشي في جبل الباروك يجعلني شامتة بكلّ الذين هاجروا ويقبعون وحيدين في بيوتهم التي لا يزورها أحد. ويوم في وادي قنّوبين يطمئنني إلى أنّني كنت أمينة لالتزامي بهذا الوطن ولحظة عند حاجز أمنيّ تعيدني إلى الندم لأنّني لم أرحل يوم كان الرحيل متاحًا.
الجحيم هو هذا الشرخ، هذا التقلّب بين يوم من النزعة الوطنيّة التي تجعلني أختار هذا الـ "لبنان" بحسناته وسيّئاته، ويوم من النقمة على كلّ ما صار يمثّله هذا الـ "لبنان" من خبث ورياء ونميمة وبشاعة وإذلال. حتّى صار كلامنا نفسه مقسومًا بين مقدّمة تشتم الوطن، وصلب موضوع يحاول فهم ما جرى له، وخاتمة تريد أن تكون سعيدة بهذا الكيان الذي كوّن من مشوار قلم على دروب الورق.
خلال الحرب، كانت الأمّهات يجبرن أنفسهنّ على تشجيع أولادهنّ على السفر لئلاّ يُساقوا إلى التدريب العسكريّ تفرضه ميليشيات حاكمة، ثمّ إلى الاقتتال والمعارك العبثيّة. وكان الآباء يفضّلون مليون مرّة أن يوصلوا أولادهم إلى المرفأ أو إلى المطار على أن يوصلوهم إلى المستشفيات أو المدافن. الحرب علّمت الآباء والأمّهات أنّ أولادهم ليسوا لهم، فليكونوا للحياة إذًا ولو بعيدًا عنهم، لا للأحزاب والزعماء والإعاقة والإهانة والموت.
أنا اليوم أمام احتمالات الحرب كما تنذر بها الصحف وتهدّد بها الأحزاب والتيّارات، قرأت الصحف الصادرة في البلد، وزرت المواقع الإلكترونيّة التي تموّلها الدول بالمال ويمدّها السياسيّون بالمعلومات، وشكرت الذين هاجروا حاملين خميرة من هذا الوطن لعلّهم يعيدون تكوينه بعد طوفان نحن مقبلون عليه. هم سفينة نوح لبنانيّة حملوا أجمل ما في البلد وأبهاه وأثمنه وخبّأوه في صدورهم وابتعدوا به في فُلك آمن إلى حيث حفظ الكرامة وضمان السلامة في انتظار لبنان الجديد. ونحن الذين بقينا هنا، حملة المفاتيح، نواطير البيوت المهجورة، كان علينا أن نبقى، خوفًا من مغامرة الرحيل أو التزامًا بأمان البقاء في ما اعتدنا عليه، ليس مهمًّا. ولكن كان علينا أن نبقى لنكون العشب النابت بين شقوق الحيطان المشتاقة في انتظار عودة أهل الدار ليزرعوا الأحواض منتورًا وحبقًا وياسمين.

الخميس، 7 أكتوبر 2010

ما الذي يبقيني في هذا الوطن؟(1)

المعاملتين
كفريّا

وسط المدينة

بيروت
"صيّف يا صيف ع جبهة حبيبي"

رائحة النفايات، الجرذان البهلوانيّة على الأسلاك الكهربائيّة، والكهرباء مقطوعة، سيول المياه المبتذلة تتدفّق في عرض الشوارع من مجارير الصرف الصحيّ التي تتلف الصحّة، شتائم السائقين المستعجلين للوصول إلى أعمالهم والنوم فوق مكاتبهم، زمامير الموتوسيكلات قبل صياح الديك، تشفيط السيّارات بعد منتصف الليل قبل الاصطدام بأحدهم وقتله، صحف الصباح الصفراء الملأى برسائل التهديد والوعيد وسيناريوهات الحرب، الفساد في الإدارات الرسميّة، الشهادات المزوّرة، المدارس التي تخرّج عاطلين عن العمل، نقابة أصحاب المولّدات المتحكّمة بأعصابنا التي تشرقط من الغيظ، المياه التي نشربها ونحن واثقون من أنّنا نشرب موتنا البطيء، الأدوية التي نبتلعها على مدار الساعة ونعرف أنّها فاسدة أكثر من أخلاقنا، مافيات الأدباء والشعراء والقيّمين على الثقافة، الشبّان المتسابقون ليكونوا ضبّاطًا ولا أحد يريد أن يكون جنديًّا، الفتيات الراغبات في التحرّر من سلطة الوالد ويرضين بتسلّط الصديق لأنّه أغنى من الوالد، الأبنية القبيحة المتلاصقة الباهتة الزجاجيّة الخانقة المنغلقة على نباتات اصطناعيّة وورود مجفّفة، المسابح الخاصّة الأنيقة التي احتكرها الأغنياء والمجّانية التي لوّثها الفقراء، المرضى الذين يموتون في المستشفيات لأسباب غامضة ولا أحد يريد التحقيق في أسباب موتهم، الأعراس الضخمة التي تليها خيانات وطلاقات وفضائح، المأكولات الفاسدة، التعليم المسيّس، التاريخ المختلف عليه، الجغرافيا المنهوشة من كلّ صوب، الأطباء المغرورون، القضاة المشكوك في أحكامهم، رجال الإكليروس المتحزّبون لغير المسيح، علماء الدين العالمون بكلّ شيء إلاّ بجوهر الدين، الأمّهات المستقيلات من الأمومة، والأزواج المستقيلون من الرجولة، والأطفال المملوؤون حقدًا شربوه مع حليب الرضاعة، الصحافيّون الذين يعجزون عن الإجابة على سؤال من أين لك هذا،...وأبشع من ذلك كثير يطالعني كيفما التفت ونظرت، ومع ذلك لم يخطر لي أن أعيش خارج هذا الوطن. ربّما لأنّني أملك نوعًا من الفضول يجعلني راغبة في متابعة حلقات هذا المسلسل لحظة بلحظة ومعرفة نهايته.
باقية نكاية بكلّ الذين يريدون منّي أن أهاجر، أو أنتحر، أو أيأس، أو أسكت. باقية لا لأنّني متعلّقة بالتراب، فما من تراب حتى للمدافن، ولا لأنّني مرتبطة بالأرض، فأنا لا أملك شبر أرض يعطيني الأمان، ولا لأنّني موعودة بوظيفة مرموقة فأنا صرت أقرب إلى سنّ التقاعد. باقية لأنّني أؤمن بأنّ الوطن ليس فندقًا يقدّم خدمات ونغادره حين يقصّر معنا، وليس مقهى يقدّم جلسة ممتعة ونغادره عندما يزعجنا الجالس إلى الطاولة المجاورة، وليس صالة سينما نختار فيها عرضًا ممتعًا ومقعدًا مريحًا وننصرف إن شعرنا بالملل، وليس مسبحًا نقصده في الصيف ونغادره في الشتاء، أو منتجعًا جبليًّا نزوره في الشتاء ونرحل عنه في الصيف، وليس محجّة نقصدها مرّة في العمر لنتمّم واجبًا.
إنّه التزام لا إلزام، ولا لزوم لمن لا ينظر إلى هذا الوطن من هذه الزاوية.

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

الخوف عليك يا ممتلئة ضجيجًا






الأحد صباحاً: تتذكّرين بيتًا من الشعر للياس أبو شبكة: أسمع في الوادي رنين الجرس/ يذيب روح الله في المتعبين. تفكّرين: أنا تعبة. تبحثين عن الرنين صبيحة الأحد فلا تجدينه، تقتحم أذنيك أصوات كثيرة تجعلك لا تعرفين متى وضع قندلفت الكنيسة تسجيل صوت الجرس وهو الحلّ البديل الذي ابتدعه المسيحيّون بعدما هاجر شبّان كانوا يتبارون في قرع الجرس. لا تعرفين كم الساعة وإن كان القدّاس قد اقترب موعده أو فات. تحاولين الدخول إلى عالمك الداخليّ لعلّك تجدين الصمت الذي انتظرته طوال الأسبوع فتجدين أنّ داخلك يحتاج، كي يتطهّر من الضجيج المتراكم، إلى أكثر من هذه الهنيهات الصباحيّة المفترض أن تكون أقلّ صخبًا. حتّى صوت أناملك على لوحة المفاتيح في جهاز اللابتوب يبدو إزعاجاً في غير أوانه. ولكنّك تحتاجين إلى الكتابة، لا لأنّك تعتاشين منها، بل لأنّها دواؤك الذي أدمنته.
جارك يصلح موتور سيّارته ويستعين بقاموس من الشتائم يوزّعها بحسب ما يصادفه من صعوبات تقنية لا خبرة له فيها، صوت الراديو عند العمّال في المباني التي تشاد، الدرّاجات النارية توصل طعام الفطور إلى منازل ترغب ربّاتها في الاستمتاع بكسل العطلة، الجنود أنهوا خدمتهم الليليّة ويغادرون إلى بيوتهم بسيّاراتهم السريعة القديمة وهم يستمعون إلى أغنيات حديثة لا كلمات فيها ولا نوطّات، بل نطنطات تتضاعف بشاعتها عند الوصول إلى مطبّات وضعتها البلديّة لتخفيف السرعة، فصارت حاجزاً طيّاراً يفاجئ السائقين عشرات المرّات في النهار فتزعق أصوات الفرامل وتضيع منك بعض كلمات من أغنيات سخيفة. يفاجئك تغريد عصفور نجا حتّى اللحظة من بندقيّة قنّاص، فترغبين في الاستسلام لصوته يشاركك بحثك عن السكينة وفجأة يوقظك من حلمك صوت رصاصة تنطلق من بندقيّة صيّاد يكمن تحت الدالية، مستفيداً من غياب الدولة صباح الأحد وهي تستريح في اليوم السابع من تنظيم الوطن، ويصمت العصفور صمتاً نهائيّاً لا أحد إلاّك يعيره اهتماماً. تلاحظين صوت مضخّة المياه عند جار آخر تعيد ملء الخزان على السطح كلّما نقص، وصوت الهاتف يرنّ عند جيران آخرين ولا أحد يجيب، وصوت العربة يجرّها عامل التنظيفات الغريب، تنظرين إلى الساعة أمامك على الشاشة فتجدين أنّها لم تتجاوز الثامنة صباحاً. عيناك تريدان الراحة، فأنت لم تنامي ليلة البارحة، بسبب حماوة ليلة السبت بحسب جون ترافولتا: من أحد المنازل المجاورة استمعت إلى نشرات الأخبار، نتفاً نتفاً بحسب سرعة أصابع جارك على آلة التحكّم. انتقلت إلى غرفة أخرى في المنزل لتهربي من صراخ السياسيين ومحاولات مقدّمي النشرات الإخباريّة تلوين أصواتهم بما يلائم مواقفهم فتذكّرت مذيعي الحرب ومذيعاته: عرفات حجازي، جاك واكيم، سعاد قاروط العشّي، وقلت في نفسك كأنّنا في نسخة جديدة لحرب قديمة. في المنزل إلى الجهة الأخرى، بدأت حفلة الزجل، تعرفين أنّ الشعر فيها قليل والموسيقى هي الباقية، رداء جميل فوق جسم مريض. عند منتصف الليل، وحين خيّل إليك أنّ الهدوء قد يحلّ أخيراً، تجمّعت أمام منزل آخر أفواج الساهرين الذين تبدأ أعمارهم من سنّ الثالثة عشرة. كانوا يصخبون ويتحدّثون على هواتفهم ليستعجلوا من تأخّر منهم، تصرخ بهم واحدة: بكّير، بعد ما بلّشت السهرة. تصطفّ عشرات السيارات من تلك الرباعيّة الدفع التي تخيف ولا تخاف، تنتظم في موكب واحد وإلى السهرة در. في غيابهم وصلتك أصوات الطبل والزمر من سهرة عرس في نادٍ يشرف على منزلك من تلّة استراتيجيّة، صرت تميّزين سبتاً بعد آخر الأغنيات التي تطلب أكثر من سواها وتقرّرين أن تسألي عمّن يؤدّيها، فأنت لا تعرفين أسماء المغنين والمغنيات الجدد لأنّ الزمن توقّف بك عند فيروز وصباح ووديع الصافي وسلوى القطريب. يطير النوم من عينيك، تحاولين أن تفكّري بإيجابيّة فتقولين لنفسك: إفرحي مع الفرحين، الآن صار في إمكانك أن تنامي وتستمتعي بصبيحة الأحد الهادئة. قبل الفجر توقظك أصوات العمّال وهم يتوضؤون للصلاة، ومع شروق الشمس يصل الجيل الشابّ الذي كان ساهرًا على مصلحة البلد، وتتذكّرين أنّ سيناريو صبيحة الأحد سيتكرّر. وما بين صلاة الفجر وموعد القدّاس ستكونين قد أدّيت واجبك المدينيّ من سبحة الشتائم التي لن تساعدك حتمًا على إدخال السكينة إلى داخلك الممتلئ ضجيجاً.
تحت الدوش الصباحيّ، تجدين بعض هدوء كنت تصلين إليه عبر صوت فيروز الذي صار يذكّرك بصراع عائليّ تمنّيت لو لم تتابعي أخباره. لا صوت إلاّ المياه الآن، تبدأين بها حارّة لتطهّرك، ثم تحوّلينها شيئًا فشيئًا باردة لتهدّئ ثورتك قبل أن يصير الخوف منك لا عليك، قبل أن تنفجري فتتطاير أشلاؤك سيّارات محرتقة وجرّافات هادرة وحفّارات لئيمة وشاحنات عسكريّة وأبواق مسيّسة وهواتف راقصة وتلفزيونات وقحة وأغنيات سخيفة، وتسألين نفسك وأنت تحت رذاذ حمّامك الصباحيّ قلقة من أن تنقطع المياه فجأة: ما الذي يبقيك حيث الضجيج، في هذا البلد الذي فيه الحركة بلا بركة والكلام فجور يجرّ الويل وعظائم الأمور أمّا صمته البليغ فيقيم هانئاً بين القبور.
* جريدة النهار - الثلثاء 5 تشرين الأوّل 2010

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.