إلى يارا ابنة شقيقتي (التي تدرس الهندسة الزراعيّة)
صحيح أنّ المسيح في الكتاب المقدّس يقول: لا يهمّكم ما تأكلون، وملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، وأنّه يؤنّب مرتا: تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد. ولكنّ المسيح نفسه قام إلى مائدة الطعام التي أعدّتها مرتا حين انتهى من كلامه، وشارك الناس في الأكل والشرب معترفًا بأنّه أكول شرّيب، ثمّ اجترح العجائب ليأكل الناس خبزاً وسمكاً وقبل موته وقيامته احتفل مع تلاميذه حول مائدة الفصح. فالأكل إذًا حاجة طبيعيّة لا يعرف قيمتها إلاّ المحرومون إياها أيّ الفقراء والمرضى... وعارضات الأزياء. ومع ذلك فالباحثون عن اختصاصات جامعيّة، يضعون الزراعة في آخر قائمة خياراتهم، علمًا أنّ السؤال الأوّل الذي يطرحونه على أمّهاتهم حين يدخلون إلى بيوتهم: شو طابخين اليوم؟ وإن كانوا في المطعم سألوا: ما هو الصحن اليوميّ؟
الجوع على الأبواب: التغيّرات المناخيّة خطيرة، والمياه تندر، والأراضي الزراعيّة تقلّ مساحاتها، والدول تتاجر بلقمة العيش وتحتكر إنتاجها الزراعيّ ثمّ تتلفه كي لا يهبط سعره. ومع ذلك تتجاهل أجيال المستقبل حاجات العالم الغذائيّة في الأعوام المقبلة. وفي وقت يتسابق الكثيرون إلى الطبّ والهندسة والديكور والإعلام والمحاماة، نجد شحًّا في أعداد المتوجّهين إلى الهندسة الزراعيّة، وينسى خرّيجو المدارس أنّ الإنسان إن لم يجد ما يأكله فلن ينفعه طبيب أو مهندس أو محام أو صحافيّ على أهميّة هذه التوجّهات المهنيّة وحاجة المجتمع إليها شرط ألاّ يصاب بالتخمة بها. حجّة التلاميذ الأولى أن لا أرض خالية تصلح للزراعة، والجواب البسيط: متى جاع الإنسان زرع أسطح البنايات وأصص الزهر وأحواض الشرفات، وإلاّ صار من أكلة لحوم البشر، والشاطر هو من يسبق لأنّ البقاء للأقوى. أنظمة كثيرة انهارت بسبب الرغيف، وملوك كثر أعدموا بذريعة الفقر مع أنّ الفقراء لا قدرة لهم على الثورة، ولكن هي حجّة الراغبين في الحكم يتسلّقون بواسطتها أكتاف المحرومين ليحتلّوا قصور الحاكمين. ومع أهميّة الزراعة والثروة الحيوانيّة لا يزال التلامذة، حيث لا إرشاد مهنيًّا محترفًا، بعيدين عن هذه الرؤية، وهو أمر لا نستغربه عندما نسمع جواب أحد المرشدين التربويين، وهو يحاول أن يكون طريفًا، لتلميذ سأله عن الهندسة الزراعيّة: وظيفة تطعمك خضارًا لا خبزًا.
صحيح أنّ المسيح في الكتاب المقدّس يقول: لا يهمّكم ما تأكلون، وملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، وأنّه يؤنّب مرتا: تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد. ولكنّ المسيح نفسه قام إلى مائدة الطعام التي أعدّتها مرتا حين انتهى من كلامه، وشارك الناس في الأكل والشرب معترفًا بأنّه أكول شرّيب، ثمّ اجترح العجائب ليأكل الناس خبزاً وسمكاً وقبل موته وقيامته احتفل مع تلاميذه حول مائدة الفصح. فالأكل إذًا حاجة طبيعيّة لا يعرف قيمتها إلاّ المحرومون إياها أيّ الفقراء والمرضى... وعارضات الأزياء. ومع ذلك فالباحثون عن اختصاصات جامعيّة، يضعون الزراعة في آخر قائمة خياراتهم، علمًا أنّ السؤال الأوّل الذي يطرحونه على أمّهاتهم حين يدخلون إلى بيوتهم: شو طابخين اليوم؟ وإن كانوا في المطعم سألوا: ما هو الصحن اليوميّ؟
الجوع على الأبواب: التغيّرات المناخيّة خطيرة، والمياه تندر، والأراضي الزراعيّة تقلّ مساحاتها، والدول تتاجر بلقمة العيش وتحتكر إنتاجها الزراعيّ ثمّ تتلفه كي لا يهبط سعره. ومع ذلك تتجاهل أجيال المستقبل حاجات العالم الغذائيّة في الأعوام المقبلة. وفي وقت يتسابق الكثيرون إلى الطبّ والهندسة والديكور والإعلام والمحاماة، نجد شحًّا في أعداد المتوجّهين إلى الهندسة الزراعيّة، وينسى خرّيجو المدارس أنّ الإنسان إن لم يجد ما يأكله فلن ينفعه طبيب أو مهندس أو محام أو صحافيّ على أهميّة هذه التوجّهات المهنيّة وحاجة المجتمع إليها شرط ألاّ يصاب بالتخمة بها. حجّة التلاميذ الأولى أن لا أرض خالية تصلح للزراعة، والجواب البسيط: متى جاع الإنسان زرع أسطح البنايات وأصص الزهر وأحواض الشرفات، وإلاّ صار من أكلة لحوم البشر، والشاطر هو من يسبق لأنّ البقاء للأقوى. أنظمة كثيرة انهارت بسبب الرغيف، وملوك كثر أعدموا بذريعة الفقر مع أنّ الفقراء لا قدرة لهم على الثورة، ولكن هي حجّة الراغبين في الحكم يتسلّقون بواسطتها أكتاف المحرومين ليحتلّوا قصور الحاكمين. ومع أهميّة الزراعة والثروة الحيوانيّة لا يزال التلامذة، حيث لا إرشاد مهنيًّا محترفًا، بعيدين عن هذه الرؤية، وهو أمر لا نستغربه عندما نسمع جواب أحد المرشدين التربويين، وهو يحاول أن يكون طريفًا، لتلميذ سأله عن الهندسة الزراعيّة: وظيفة تطعمك خضارًا لا خبزًا.
يفتّش العلماء عن أساليب لإطعام الناس، ولكن غالبًا ما تتفتّق قرائح السياسيين المتحالفين مع أرباب التجارة وأسياد المافيات عن أساليب تهدف إلى التخلّص من الجائعين لا من الجوع لأنّ ذلك أكثر ربحًا وأسرع وقتًا ولا يهمّ إن كان غير إنسانيّ. وما انتقال خبراء البيئة وعلماء التغذية من أسلوب إلى أسلوب إلاّ الدليل على أنّ الحاجة إلى الطعام هي أمّ الاختراعات كلّها منذ فجر الإنسانيّة، وستبقى كذلك: فالسلاح للصيد، والنار للشي، والسكين لتقطيع اللحوم والحروب للتسابق على الماء والكلأ. ودليلنا الآثار التي تركها البشر وهي موزّعة ما بين الفائدة والفنّ. فنجد أواني تحضير الطعام ومعدّات الحراثة والحصاد إلى جانب الحليّ، وطبيعيّ ألاّ يستطيع الإنسان أن ينصرف إلى التفنن في ما يفعل ما دام يشعر بالجوع. ومن غير المنطقيّ أن يتوجّه أكثر التلاميذ اليوم إلى الكماليّات على حساب الضروريّات أو إلى الجماليّة على حساب النفعيّة. فمع ازدياد عدد سكّان الكرة الأرضيّة، وأمام التغيّرات المناخيّة، بات من الضروريّ أن يدرس الإنسان كيف يحافظ على بقائه عبر تأمين الغذاء في الدرجة الأولى، ولم يعد جائزًا هدر الوقت والمال والمياه على مزروعات لم يعد يلائمها الطقس في غياب رؤية زراعيّة جديدة، وهي حال اللبنانيّ الذي لا يزال أسير تقاليد تسيء إلى البيئة ولا تنفع الإنسان، في وقت بدأت مجتمعات متطوّرة ترشيد المواطنين إلى نوع من الاكتفاء الذاتيّ عبر زراعات بسيطة تستخدم أساليب الزراعة العضويّة والمائيّة والمنزليّة. ولم يعد غريبًا أن يستغني بعض الناس في المدن الكبرى عن غرس الزهور ليزرعوا مكوّنات صحن من السَلطة.
أكتب هذا الكلام وفي بالي أنّ سعر كيلو البندورة وصل إلى خمسة آلاف ليرة لبنانيّة وأنّ طلاّبًا يخسرون سنة على الأقلّ من أعمارهم وهم يضيّعون الوقت في جامعات تعطيهم شهادات العطالة عن العمل، علمًا أنّ عدد الذين يتقدّمون لاختبارات الدخول إلى كليّات الزراعة ضئيل بالنسبة إلى سواها. فالرهان إذًا على أولئك الذين اختاروا الزراعة وما يتعلّق بها، والأمل معقود عليهم ليزرعوا لنا فنأكل وإلاّ أكلنا أصابعنا ندمًا. فشكرًا لمزارعي الغد ومزارعاته ولكلّ الدارسين في مجالات تهتمّ بتأمين الغذاء وحفظ المياه لأنّهم اختاروا النصيب الصالح، فالمطلوب الآن واحد وهو أن يأكل الجميع. صحيح أنّهم قد لا ينجحون في جعل لبنان إهراء الشرق مرّة ثانية بعدما ضربه الاهتراء على مختلف الصعد ولكنّهم على الأقلّ سيساعدوننا على تأمين خبزنا ولو كفاف يومنا.
*****
جريدة النهار - الثلثاء
12 تشرين الأوّل 2010
هناك 3 تعليقات:
MICH AM ARIF MIN AHLA AL SOUAR WALA AL MAKAL
الصور والكلمات بيكمّلوا بعضن يا موريس
للتوضيح: عندما قال المسيح أنه جاء يأكل ويشرب فقالوا عنه أكول وشريب، ولما جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب، فقالو فيه شيطان، لم يكن يقصد أنه " أبو طبيخ"، بل هذه العبارة تعني أن يسوع كان يأكل لحما ويشرب خمرا، وأن يوحنا صام عنهما.
لذا اقتضى التوضيح.
إرسال تعليق