صرنا نستعير صور الثلج
لا يريد المطر أن يلامس أرضنا الملوّثة. يكاد تشرين الثاني
ينقضي والطقس الحارّ يطبق على أنفاسنا ويؤمّن البيئة الحاضنة للذباب والبعوض.
تأخّر الشتي، ويا دنيي شتّي مصاري إن
كنت لا تريدين أن تمطري ماء. دائمًا يحزر الأخوان رحباني ما نحتاج إليه. فحين غنّى
جوزف ناصيف وإيلي شويري هذه الأغنية كان لبنان في بحبوحة، ومع ذلك انتظر الفقراء
الخلاص من السماء لا من الأرض. فلا مشاريع إنمائيّة ولا معامل ولا زراعة، والكسل
يجرّ الكسل. فلتهبط الثروة من فوق إذًا، لأنّ الشتاء ما عاد يحمل الخير ولن
"يزيد موسمنا ويحلا" كما تتمنّى الأغنية الفيروزيّة.
"صارْ علينا ديون كتيرة" يقول الرجلان
اللذان ينتظران من الربّ "شي صرّة زغيرة ملفوفة بشي حصيرة" ونكتشف
عبرهما أنّ التفكير في حلّ لا يأتي بنتيجة، ولا العمل في أيّ مجال كان. على السماء
أن تمطر المال.
كانت العرب تقول: أمطرت السماء عشبًا، أي مطرًا ينبت العشب
وكان ذلك في باب التعبير المجازيّ، اليوم صار المطلوب صورة حقيقيّة أي أن تهطل
الأموال من السماء من شتّى أنواع العملات الصعبة.
ولعل دواليب الحظّ وأرقام اللوتو وسيلة استمطار واستسقاء
على الطريقة الحديثة، بعدما ضاقت أبواب الرزق من كثرة المزدحمين عليها.
فقراء لبنان اليوم سعداء بالطقس الربيعيّ، يبرّرون قائلين:
أسعار المحروقات تحرق القلب ولا تدفئ الجسد. السماء رحمتنا من البرد.
نقول لهم: ولكن لا مواسم زراعيّة ولا مياه، يجيبون بسؤال:
ومتى كان عندنا حاجتنا من الخضار والمياه؟
هناك 5 تعليقات:
كتاباتك ملهمة
يبدو أن "الحال من بعضو"..
أنا ابن الجزيرة السوريّة, و هي منطقة منكوبة فعلياً منذ عدّة سنوات بسبب شحّ الأمطار و عدم قدرة الفرات على تلبية متطلبات الري, إن كان بسبب انخفاض منسوبه بشكل مرعب أو لغياب البنية التحتية لنقل المياه, هناك أكثر من نصف مليون نازح (نعم نازح) من أبناء الجزيرة السورية يعيشون اليوم في محيط المدن الكبرى و الذين كنا نجمع لهم المساعدات المالية و العينية منذ أسبوعين فقط لكي يشتروا تجهيزات الشتاء لأولادهم.
الجزيرة السوريّة هي شمال بلاد "ما بين النهرين" التاريخية, و التي كانت سلّة غلال العالم القديم.. اليوم أصبحت تستقبل صناديق مساعدات من الأمم المتحدة قوامها من مشتقات القمح! و جلّها يُسرق و يباع في الأسواق لصالح سين و عين من المتنفّذين. هذا ما يحدث عندما يُترك رزق البلاد و العباد بيد شرذمة من اللصوص.
آسف للإطالة.. لست أنا من يتحدّث, إنه الألم.
تحيّة
laysa bil matar whdaho yahya al insan ...
Bonsoir MARIE ....
ما أجمل أن نقرأو نحن نشعر بأن ماينتظرنا في الآسطر التالية أجمل و أعمق...أما هذه الثلوج التي تأبى ملامسة الأرض ,لا ترى لها مرادفاً في قلوب البشر...لذلك تفضل أن تنظر إلينا من فوق وتكمل طريقها ساخرةً منا...
ألله يساعد الفقراء وخاصةً فقراء الضمير...
شكراً ماري لأنني عندما أقرأ ما تكتبين أشعر أنني لم أفقد بعد متعة القراءة ....
سهيب، أشكر لك انضمامك إلى مدوّنتي وأنت قادر في مجال عملك على التوسّع في رصد هذه المشكلات.
ياسين، الصديق العزيز، نعم الحال من بعضو، وكلّنا في الهوا سوا، نملك في بلادنا إمكانات تذهب هدرًا، فبعدما كنّا بلاد الحقّ والخير والجمال، صرنا متسوّلين على أبواب الدول. معك حقّ في أنّ الألم يتكلّم، ولذلك في كتابي عن الموارنة كتبت على الغلاف "بألم ماري القصيفي" وليس بقلم. تحيّاتي
غير المعرّف، مطرنا شحيح وإن انهمر ملوّث، والأسوأ أننا لم نعد نحيا بالكلمة لأنّنا شوّهناها.
العزيزة أولغا، أشكر متابعتك لي، ويسعدني أن تضيفي إلى كتاباتي تعابيرك الجميلة. تحيّاتي
إرسال تعليق