أيًّا يكن انتماؤك السياسيّ، وأيًّا تكن هويّتك الطائفيّة، وأيًّا تكن طبقتك الاجتماعيّة أو مستواك الثقافيّ أو ميلك الرياضيّ أو الفنيّ أو الجنسيّ، ومهما يكن عملك، فإن كنت من روّاد المطاعم، فأنت واحد من المنضوين تحت لواء حزب جديد له فروع لا تحصى ولا تعدّ، موزّعة على مختلف الأراضي اللبنانيّة وإن كانت بيوته المركزيّة في العاصمة. وهذا الحزب هو حزب المطاعم.
هو حزب أنجبته المدينة الجديدة، يستقبلك، نادلاً بدوام كامل أو جزئيّ، أو ضيفًا له طاولته ومزاجه. وفي الحالين أنت وجه من ألوف الوجوه المتنقّلة من مطعم إلى مطعم، تستكشف وتتعلّم وتراقب ولا تعود إلى منزلك إلاّ في ساعة متأخّرة من الليل...أو من الصباح. وإذا كانت الأحزاب الأخرى والطوائف والنوادي والجمعيّات أخلّت بوعودها لك، فإنّ هذا الحزب لن يفعل، فهو صادق ولا يرضى بالتنازل عن سمعته أو الإساءة إليها. فقوائم الطعام فيه واضحة ومباشرة، وما عليك إلاّ أن تدّعي أنّك تعرفها جيّدًا حتى تظهر "ابن كار" فيتأكّد النادل من أنّك عضو واعد في حزب لا شروط له إلاّ الرغبة، الرغبة في الأكل، الرغبة في الشرب، الرغبة في التدخين، الرغبة في أركيلة، الرغبة في السهر، الرغبة في الاستماع إلى الضجيج، الرغبة في الانطفاء...
لكنّ العين البصيرة قادرة على التمييز بين الحزبيّ الملتزم والحزبيّ المشجّع. فالأوّل وجه معروف ومعروفة طلباته – ومن قياس أجسامهم تعرفونهم – والثاني وجه عابر ومتواضعة طلباته. إنّما لكليهما الاحترام والتقدير، فمن يدري متى تنقلب الأدوار ويصير العابر مقيمًا والملتزم ملزمًا بالانسحاب...أو بالريجيم.
والمدينة الجديدة، أمّ هذا الحزب ومرضعته، فخورة بابنها الذي جذب إليه خيرة الشباب وأجمل الصبايا وصفوة رؤوس الأموال وخلاصة المثقّفين. ولذلك تقفل المكتبات وتحوّل مطاعم، وتقفل المسارح وتحوّل مطاعم. وإذا كانت دور العبادة في أوروبا تحوّلت مطاعم وملاهي فلا شيء يمنع حصول ذلك عندنا. لا شيء يمنع كذلك أن تقفل مدرسة وتصير مطعمًا، فالأمر مربح ومثقِّف، يعلّم الأجيال الجديدة حسن التصرّف واللباس والذوق، ويضعها على تماس مع مختلف الحضارات ورجال الأعمال وأصحاب الثروات والفنّانين والمغتربين والسوّاح، ويخوّلها الحصول على شهادات أين منها شهادات أكبر المدارس وأفضل الجامعات. فأن تكون خرّيج ذلك المطعم أو ذاك الملهى جواز سفر إلى عالم الحداثة والتمدّن والحضارة. وتبعًا لذلك ستتغيّر الأمثال السائدة وسنقول "من قدّم لي كأسًا صرت له جارية أو عبدًا"، و"من فتح مطعمًا أفرغ منازل".
اليوم لا شيء يجمع اللبنانيّين إلاّ المطاعم،ولا حديث لهم إلاّ بمن التقوا على العشاء، وكيف رأوا فلانًا مع فلانة على الغداء في ذلك المطعم، وأيّ ملهى أفضل من الآخر، وما هو آخر مطعم فتح في البلد. وتحوّلت المجلاّت ألبومات صور للساهرين والساهرات، الذين يتواجدون في كلّ المطاعم وفي كلّ وقت. أمّا إذا كنت من غير هؤلاء ولم تكن ثقافتك "مطعميّة" فأنت جاهل أمّيّ لا تعرف الأبجديّة الجديدة، لغة المدينة الجديدة وهويّتها. وإن لم تكن صاحب شهيّة مفتوحة على كلّ احتمالات الطعام فلا ترافق من يريد الاستمتاع بتناول وجبة مميّزة لئلاّ تنغّص عليه لذّته، فلا وجهك، على جماله، ولا حديثك، على ذكائه، ملائمان ليكونا من المقبّلات أو الحلويات.
هناك 3 تعليقات:
و ما هو النشيد الرسمي للحزب يا ترى؟ "شو عدا ما بدا" لزياد الرحباني" ؟
ضحّكتني/ حلو كتير/ قولك زياد بيقبل؟
أي أتصوّر يقبل مافي مشكلة.
إرسال تعليق