نكذب على أنفسنا وعلى الآخرين حين نقول إنّنا مشغولون جدًّا ولا وقت لدينا للقاء.
فلا أحد منّا مشغول إلى حدّ ألاّ يجد الوقت لكي يتّصل بالآخرين بواسطة الهاتف أو الإنترنت، أو للقيام بزيارة ولو خاطفة أو للخروج إلى مقهى قريب لتناول القهوة. لكنّنا نردّد جميعًا اللازمة نفسها ونصدّقها: والله مشغولون جدًّا.
الحقيقة "ما حدا إلو جلادة حدا".
لا أحد يملك الصبر والطاقة لكي يستمع إلى شكاوى يردّدها هو نفسه كلّ لحظة، ومن الطبيعيّ ألاّ تكون لديه رغبة في الاستماع إلى أصدائها.
ولا أحد يهوى الإصغاء إلى هموم يعاني هو نفسه منها ولا يعرف كيف يعالجها.
فإن كان الآخر نسخة عنك فأنت في غنى عن رؤية فقرك وتعبك والدوائر السوداء حول عينيك من كثرة القلق والأرق والقرف.
وإن كان الآخر في وضع أسوأ من وضعك فأنت لا تملك القوّة الكافية لكي تشدّد من عزيمته أو ترفع معنويّاته أو تمدّ له يد المساعدة.
أمّا إن كان الآخر ارتقى في مراتب الحياة والمجتمع حتّى صار أفضل منك بكثير، فلن تسعى بالتأكيد إلى لقائه. فما الذي يرغمك على الجلوس مع إنسان يصمّ أذنيك بآخر أخبار انتصاراته ومشترياته وأسفاره وحفلاته وأخبار أصدقائه ويصمّ أذنيه عن مشاكلك وهمومك وتعبك وحاجتك إليه؟ وما الذي يبقيك جالسًا أمامه مصغيًا إلى ما يشعرك بالإحباط واليأس والفشل وأنت تكتشف دفعة واحدة غباءك وتحجّرك الفكريّ لأنّك احترمت القيم والتزمت بالمبادئ وعملت وفق تعاليم الدين، فلم تسرق ولم تشته ما لغيرك ولم تفعل إلاّ ما أملاه عليك الضمير؟
وهكذا تتكرّر كلمة "مشغول" عشرات المرّات في اليوم، نختبئ خلفها حين يفاجئنا أحدهم بعتاب لأنّه لم يرنا منذ زمن. ونعرف أنّ هذا الآخر سيردّ علينا بالكلمة نفسها إن سألناه عن غيابه الطويل وكانت حاله كحالنا. ومن يسمعنا نتحدّث يصدّق "أنّنا قابرين الفقر من كتر الشغل"، علمًا بأنّ معظمنا لا يعمل بل نحن نهين العمل حين نتّهمه بأنّه يعيقنا عن لقاء من ندّعي أنّنا نحبّ أو حين نرفعه حجّة في وجه من نريد التخلّص منه. ولا علاقة لهذا "الانشغال" قطعًا بما قاله عبد الحليم حافظ لحبيبته في الفيلم لبنى عبد العزيز حين سألته متى ستراه فقال لها: مشغول، ولمّا عاتبته غنّى لها:
أنا مشغول عنّك بيك/ وما ليش إلاّ انت وسيرتك
ولا علاقة له كذلك بما طالبت به فيروز حين غنّت:
أنا ما بدّي تجي وتقول
اعذريني مشغول
لفتة من بعيد بتكفيني
وقلبي إلك على طول.
فلا أحد منّا مشغول إلى حدّ ألاّ يجد الوقت لكي يتّصل بالآخرين بواسطة الهاتف أو الإنترنت، أو للقيام بزيارة ولو خاطفة أو للخروج إلى مقهى قريب لتناول القهوة. لكنّنا نردّد جميعًا اللازمة نفسها ونصدّقها: والله مشغولون جدًّا.
الحقيقة "ما حدا إلو جلادة حدا".
لا أحد يملك الصبر والطاقة لكي يستمع إلى شكاوى يردّدها هو نفسه كلّ لحظة، ومن الطبيعيّ ألاّ تكون لديه رغبة في الاستماع إلى أصدائها.
ولا أحد يهوى الإصغاء إلى هموم يعاني هو نفسه منها ولا يعرف كيف يعالجها.
فإن كان الآخر نسخة عنك فأنت في غنى عن رؤية فقرك وتعبك والدوائر السوداء حول عينيك من كثرة القلق والأرق والقرف.
وإن كان الآخر في وضع أسوأ من وضعك فأنت لا تملك القوّة الكافية لكي تشدّد من عزيمته أو ترفع معنويّاته أو تمدّ له يد المساعدة.
أمّا إن كان الآخر ارتقى في مراتب الحياة والمجتمع حتّى صار أفضل منك بكثير، فلن تسعى بالتأكيد إلى لقائه. فما الذي يرغمك على الجلوس مع إنسان يصمّ أذنيك بآخر أخبار انتصاراته ومشترياته وأسفاره وحفلاته وأخبار أصدقائه ويصمّ أذنيه عن مشاكلك وهمومك وتعبك وحاجتك إليه؟ وما الذي يبقيك جالسًا أمامه مصغيًا إلى ما يشعرك بالإحباط واليأس والفشل وأنت تكتشف دفعة واحدة غباءك وتحجّرك الفكريّ لأنّك احترمت القيم والتزمت بالمبادئ وعملت وفق تعاليم الدين، فلم تسرق ولم تشته ما لغيرك ولم تفعل إلاّ ما أملاه عليك الضمير؟
وهكذا تتكرّر كلمة "مشغول" عشرات المرّات في اليوم، نختبئ خلفها حين يفاجئنا أحدهم بعتاب لأنّه لم يرنا منذ زمن. ونعرف أنّ هذا الآخر سيردّ علينا بالكلمة نفسها إن سألناه عن غيابه الطويل وكانت حاله كحالنا. ومن يسمعنا نتحدّث يصدّق "أنّنا قابرين الفقر من كتر الشغل"، علمًا بأنّ معظمنا لا يعمل بل نحن نهين العمل حين نتّهمه بأنّه يعيقنا عن لقاء من ندّعي أنّنا نحبّ أو حين نرفعه حجّة في وجه من نريد التخلّص منه. ولا علاقة لهذا "الانشغال" قطعًا بما قاله عبد الحليم حافظ لحبيبته في الفيلم لبنى عبد العزيز حين سألته متى ستراه فقال لها: مشغول، ولمّا عاتبته غنّى لها:
أنا مشغول عنّك بيك/ وما ليش إلاّ انت وسيرتك
ولا علاقة له كذلك بما طالبت به فيروز حين غنّت:
أنا ما بدّي تجي وتقول
اعذريني مشغول
لفتة من بعيد بتكفيني
وقلبي إلك على طول.
هناك 8 تعليقات:
نص جميل
لا يشغلني شيءُ عن زيارة هذه الصفحة الجميلة و التسكع بين حروفها.
كل عام و أنت و لبنان بألف خير
تحياتي
بوست رائع، لكني أعارضك في جزئية كنت أستبعد تماماً أن يصدُر من كاتبة أترقب كتاباتها بشغف، ويُحترم قلمها مثلك. كلما ارتقى الشخص في مراتب الحياة والمجتمع والثقافة والمعرفة، كلما كان أكثر تواضعاً وأكثر مواساة لغيره من غيره وليس العكس، فأنا شخصياً رغم تواضع معرفتي أجالس أشخاصاً يفوقونني عمراً بنصف قرن بلغوا من الثقافة والفكر والعقل أيما مبلغ ولهم مكانتهم الاجتماعية المرموقة وتوجههم الفكري المغاير لي، ومع ذلك أشاركهم شرب القهوة الصباحية والمسائية، مروراً بأعقد المواضيع وأبسطها، ولم أشعر للحظة وأنا معهم بأني أصغر من أن أخالطهم، أو وجدت لوماً بأن اللاشيء يحادثهم بلا شيء ويستمع لهم بإنصات، أو اكتشفت للحظة غبائي. فهذا هو شأن العظماء، فالعظيم يشعرك أنه من الممكن أن تكون عظيماً، وتغادره كل مرة بروح جديدة وبصيرة منوّرة ومعرفة إضافية، أما صغار النفوس هم من يقللون من شأنك.
لك تحياتي الطيبة
NO COMENTS BECAUSE TODAY "ANA KTIR MACHGOUL "
ياسين كلّ عام وأنت بخير. لا لأنّك كتبت رأيك في مدوّنتي ولكن لا شكّ في أنك تعلم كم يعجبني ما تكتبه وهو مليء بالثقافة والعلم والشعر. لكنّي غارقة في كتابي الجديد (رواية). اللوحة التي رسمها صديقك علي رائعة فعلاً
أحمد: كلّ عام وأنت بخير. أنا أكتب أدبًا وشعرًا يا صديقي ولا أكتب يوميّاتي فقط. حتّى عندما أكتب يوميّاتي التي قد تبدو عنّي فقط تكون عن شريحة من الناس قد يشبهونني وقد لا يشبهونني في شيء. أكثر من مرّة أوضحت للقرّاء أنّ ما أكتبه وإن كنت أستعمل فيه ضمير المتكلّم المفرد أو الجمع لا يعبّر بالضرورة عنّي بل عن حالة يعيشها بعض الناس. لذلك لا يعقل أن تكون كلّ كتاباتي حدثت معي شخصيًّا ولكنّي أتبّى ما حدث مع غيري كما يتقمّص الممثّل الدور. وما دمت أقنعتك بأنّ هذه حالي فهذا يعني أنّ النص ناجح أدبيًّا. لك تحيّاتي
إلى غير المعروف / يعطيك العافية وشكرًا على قراءتك
(:
المفروض كُنت علقت من أنبارح بس كُنت مشغول
نفس المشغولية اللى بتحكى عاليها
كُنت فى مود مش كويس
مكنتش عاوز اقرا و خلاص
بس الحمد لله أنهاردة أحسن
بس المقال كأنه تعريه لينا لأنه دة حقيقى
الأنسان بتيجى عليه لحظات بيكون أضعف من أنه يشيل هم مع همه
مش أنه رافض لكن بيكون فى لحظة ضعف
مقال حقيقى
تحياتى (:
نكذب على أنفسنا إن قلنا أنّنا في أحسن حال طوال الوقت. هذا أمر إنسانيّ طبيعيّ. المهمّ أن تمرّ الحالة.
إرسال تعليق