من سيّئات العمل التربويّ أن تقوم المناهج على تلقيم التلاميذ كلّ ما ليس له علاقة بقيم الحقّ والخير والجمال:
فعلى مقاعد الدراسة من غير المسموح للتلميذ بأن يقول رأيه صراحة، أو أن يعلن حقيقة أفكاره من دون خوف من عقاب أو طرد. صحيح أنّ أفكاره وآراءه تحتاج إلى تعديل وتصويب كونه لا يزال في مرحلة الاكتساب على مقاعد الدراسة، غير أنّنا لن نعرف كيف يفكّر وبماذا يفكّر إن لم نسمح له بالتعبير عن رأيه. لذلك، عوض أن تنمو شخصيّة التلميذ بالصدق والصراحة والحكمة تنتفخ بالخبث والكذب والمسايرة، إمّا من أجل الترفّع صفوفًا أو من أجل اكتساب محبّة الزملاء والمعلّمين.
ومتى اعتاد التلميذ مجانبة الحقّ سهل عليه الابتعاد عن الخير، ولو كان يعرفه أو هو من صلب تكوينه، فيتعلّم من على مقاعد الدراسة أن يسخر من الكسالى أو يغشّ في الامتحان أو يعنّف الأضعف منه أو يخرّب ممتلكات المدرسة، وما إلى ذلك من التصرّفات التي تدلّ على أنّ مبدأ القوي الذي يأكل الضعيف صار عنوانًا لمسيرة حياته، وما دامت المناهج التربويّة لا تخصّص وقتًا للحوار حتّى في حصص الأدب والدين والعلوم الاجتماعيّة والفلسفة، فسيبقى الخير مجرّد عظات ممجوجة تأنف منها نفس التلميذ لأنّها بعيدة عن واقعه ولا تطال الصراع الذي يدور في رأسه.
أمّا الجمال فهو آخر ما يمكن أن يكتسبه التلميذ على مقاعد المدرسة: فلا جمال في البناء أو المقاعد أو لباس المدرسة أو لباس المدرّسين، ولا جمال في النصوص والدروس، ولا جمال في تنظيم الاحتفالات والمناسبات. والجمال الذي أعنيه هنا هو البساطة والنظافة وتنوّع الألوان مع انسجامها والرقيّ في الذوق، ولذلك تعتاد عين التلميذ البشاعة في ما يراه، وينسحب الأمر على ما يسمعه أو يتذوّقه أو يشمّه أو يلمسه، ولا يعود في الإمكان متى صلب عوده أن نصحّح ذوقه الفنيّ، فتنتقل البشاعة إلى البيت والشارع والوطن.
هذه القيم لا تتحقّق إلاّ إن كان أفراد الهيئة التعليميّة يعرفونها ويمارسونها، فكيف يعلّم الحقّ والحقيقة والصراحة، ولو جارحة، إنسان مخادع كاذب خبيث لئيم (هل كان المسيح بلا تهذيب حين خاطب الفريسيين ووصفهم بأولاد الأفاعي؟)؟ وكيف يربّي على الخير إنسان يؤذي الآخرين في لقمة عيشهم وسمعتهم؟ وكيف يقرّب الجمال من الآخرين إنسان لا يعرف أبسط شروط النظافة واللياقة والأناقة؟
هناك تعليق واحد:
من المشاهد المحيّرة في سوريا مشهد أهالي الطلاب أمام مراكز امتحان الشهادات الإعدادية و الثانوية و هم يتربّصون عسى أنهم يجدون مراقباً امتحانياً يعرفونه و يطلبون منه أن "يغشش" ابنهم أو يسهّل له النقل في امتحانه...
كيف سيكون هذا التلميذ في شبابه و مشيبه و أهله يبحثون له عن سبل الغش؟
إرسال تعليق