قد لا يوافقني الرأي أكثر الناس غير أنّني مقتنعة بأنّ التعليم هو أقدم مهنة في تاريخ البشريّة، حتّى المهنة التي يعتبر الناس أنّها الأقدم كانت تحتاج إلى من يعلّم قواعدها وأساليب ممارستها وأنواعها وفنونها، ومع ذلك لا يزال التعليم مهنة مجحفة في حقّ ممارسيها، تأخذ منهم الكثير ولا تعطيهم شيئًا.
ففي المهنة التي تتطلّب مختلف أنواع المعرفة يعجز المعلّم عن مواكبة حركة الثقافة والاطّلاع على أحدث النظريّات التربويّة وذلك لأنّ راتبه لا يسمح له بالحصول على مصادر هذه الثقافة والنظريّات، والمؤسّسات التربويّة، أحكوميّة كانت أو خاصّة، لا تؤمّنها له. وهكذا يكتفي المعلّم بشرح ما في الكتاب المدرسيّ، ولا يستطيع الخروج إلى ما هو أبعد من دفّتيه. ولا نعجب بعد ذلك إن قيل لنا إنّ التلاميذ باتوا يتفوّقون على معلّميهم في سرعة الحصول على المعلومات وفي الانخراط في حركة العالم السريعة ولو على حساب التعمّق في الفهم والغوص في المضمون للبحث عن الجوهر. هذا فضلاً عن إمكانات ماديّة تسمح لتلميذ من طبقة اجتماعيّة ميسورة أن يتفوّق على معلّمه صاحب الراتب المحدود. ويحضرني في مناسبة هذا الكلام ما جرى مع معلّمة تريد أن تعلّم تلاميذها كيف يكتبون نصًّا إنشائيًّا عن السفر يصفون فيه الطائرة ومغامرات الرحلة. وما أن بدأت المسكينة بالشرح حتّى اكتشف أكثر التلاميذ أنّ معلّمتهم لم تسافر ولو لمرّة واحدة ولا تعرف شكل الطائرة من الداخل ولا كيف تتمّ معاملات السفر، فبدت أمامهم في موقف سخيف لا تحسد عليه في وقت كان أحدهم يخبرها عن عدد السفرات التي قام بها وهو لا يزال تلميذًا على مقاعد الدراسة.
وإذا كان السفر ترفًا لا يسمح لذوي الدخل المحدود بالحصول عليه، فالمطالعة واجب حيويّ لا تكون مهنة التعليم منتجة ومثمرة من دونه، أكانت المطالعة في الآداب أو العلوم أو الفنون، أم كانت عبر الكتب والمجلاّت أو بواسطة وسائل الإعلام الحديثة.
فهل يعقل أن يعلّم أحد المدرّسين اللغة العربيّة في إحدى كبريات المدارس في حين أنّ آخر كتاب طالعه كان زمن تتلمذه على مقاعد الدراسة؟
إنّ تعليم لغة ما لا يقتصر على معرفة قواعد استعمالها أو تاريخها ونصوصها التراثيّة فثمّة ما هو أبعد من ذلك إذ على المربّين أن يعلّموا تلاميذهم كيفيّة مواكبة تطوّرها وصولاً إلى آخر إنتاجاتها. ولا يجوز أن يعترف معلّم بأنّه لا يعرف أيّ شيء عن الإصدارات الحديثة في الشعر والرواية والنقد، أو لا يعرف المواقع الإلكترونيّة التي تنشر نصوصًا ودراسات حديثة، أو لا يطالع الصحف وإن فعل فلا يصل إلى الصفحات الثقافيّة.
فإذا كان المطلوب من تعليم اللغة العربيّة أن يملأ التلميذ ذاكرته بمجموعة من المحفوظات فذلك أمر لا يحتاج إلى مدرسة، أمّا إذا كان المطلوب هو تقريب ذائقة التلميذ من الأدب والفكر والفنّ فذلك لن يتمّ ما لم توضع بين يدي المعلّم وسائل المعرفة كي لا يكون عذره الدائم أنّه عاجز عن تأمينها. فما الذي يمنع المدرسة من وضع الصحف والمجلاّت الرصينة في متناول المعلّمين؟ وما الذي يعيق المدرسة عن ملء مكتبتها بآخر الإصدارات كي يتعرّف عليها المعلّم ولكي يقوم بالتالي بنقل معرفته إلى التلاميذ؟
الإناء ينضح بما فيه، وإذا أردنا من المعلّمين أن يهيّئوا أجيالاً تهتمّ باللغة والأدب والثقافة، فمن الملحّ أن يمتلكوا هم قبل غيرهم مفاتيح اللغة والأدب والثقافة ليفتحوا الأبواب لتلاميذهم على عوالم الإبداع والجمال والمعرفة.
ففي المهنة التي تتطلّب مختلف أنواع المعرفة يعجز المعلّم عن مواكبة حركة الثقافة والاطّلاع على أحدث النظريّات التربويّة وذلك لأنّ راتبه لا يسمح له بالحصول على مصادر هذه الثقافة والنظريّات، والمؤسّسات التربويّة، أحكوميّة كانت أو خاصّة، لا تؤمّنها له. وهكذا يكتفي المعلّم بشرح ما في الكتاب المدرسيّ، ولا يستطيع الخروج إلى ما هو أبعد من دفّتيه. ولا نعجب بعد ذلك إن قيل لنا إنّ التلاميذ باتوا يتفوّقون على معلّميهم في سرعة الحصول على المعلومات وفي الانخراط في حركة العالم السريعة ولو على حساب التعمّق في الفهم والغوص في المضمون للبحث عن الجوهر. هذا فضلاً عن إمكانات ماديّة تسمح لتلميذ من طبقة اجتماعيّة ميسورة أن يتفوّق على معلّمه صاحب الراتب المحدود. ويحضرني في مناسبة هذا الكلام ما جرى مع معلّمة تريد أن تعلّم تلاميذها كيف يكتبون نصًّا إنشائيًّا عن السفر يصفون فيه الطائرة ومغامرات الرحلة. وما أن بدأت المسكينة بالشرح حتّى اكتشف أكثر التلاميذ أنّ معلّمتهم لم تسافر ولو لمرّة واحدة ولا تعرف شكل الطائرة من الداخل ولا كيف تتمّ معاملات السفر، فبدت أمامهم في موقف سخيف لا تحسد عليه في وقت كان أحدهم يخبرها عن عدد السفرات التي قام بها وهو لا يزال تلميذًا على مقاعد الدراسة.
وإذا كان السفر ترفًا لا يسمح لذوي الدخل المحدود بالحصول عليه، فالمطالعة واجب حيويّ لا تكون مهنة التعليم منتجة ومثمرة من دونه، أكانت المطالعة في الآداب أو العلوم أو الفنون، أم كانت عبر الكتب والمجلاّت أو بواسطة وسائل الإعلام الحديثة.
فهل يعقل أن يعلّم أحد المدرّسين اللغة العربيّة في إحدى كبريات المدارس في حين أنّ آخر كتاب طالعه كان زمن تتلمذه على مقاعد الدراسة؟
إنّ تعليم لغة ما لا يقتصر على معرفة قواعد استعمالها أو تاريخها ونصوصها التراثيّة فثمّة ما هو أبعد من ذلك إذ على المربّين أن يعلّموا تلاميذهم كيفيّة مواكبة تطوّرها وصولاً إلى آخر إنتاجاتها. ولا يجوز أن يعترف معلّم بأنّه لا يعرف أيّ شيء عن الإصدارات الحديثة في الشعر والرواية والنقد، أو لا يعرف المواقع الإلكترونيّة التي تنشر نصوصًا ودراسات حديثة، أو لا يطالع الصحف وإن فعل فلا يصل إلى الصفحات الثقافيّة.
فإذا كان المطلوب من تعليم اللغة العربيّة أن يملأ التلميذ ذاكرته بمجموعة من المحفوظات فذلك أمر لا يحتاج إلى مدرسة، أمّا إذا كان المطلوب هو تقريب ذائقة التلميذ من الأدب والفكر والفنّ فذلك لن يتمّ ما لم توضع بين يدي المعلّم وسائل المعرفة كي لا يكون عذره الدائم أنّه عاجز عن تأمينها. فما الذي يمنع المدرسة من وضع الصحف والمجلاّت الرصينة في متناول المعلّمين؟ وما الذي يعيق المدرسة عن ملء مكتبتها بآخر الإصدارات كي يتعرّف عليها المعلّم ولكي يقوم بالتالي بنقل معرفته إلى التلاميذ؟
الإناء ينضح بما فيه، وإذا أردنا من المعلّمين أن يهيّئوا أجيالاً تهتمّ باللغة والأدب والثقافة، فمن الملحّ أن يمتلكوا هم قبل غيرهم مفاتيح اللغة والأدب والثقافة ليفتحوا الأبواب لتلاميذهم على عوالم الإبداع والجمال والمعرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق