Lisa Strombeck - 2008 |
استيقظت المواطنة س. م. من نومها في حال نفسيّة سيّئة كما في كلّ صباح. عدّت دقّات الساعة الكبيرة المعلّقة في الصالون وهي تعرف مسبقًا بأنّها ستكون ستّ دقّات. اطمأنّت إلى أنّها لا تزال تملك بعض الوقت قبل أن تبعد اللحاف عنها وتنهض مرغمة من السرير لتواجه وجهها في المرآة. تمنّت لو كانت تستطيع الذهاب إلى العمل من دون هذه المرحلة التي تحاول خلالها إصلاح ما أفسده الدهر. ولكنّها كالعادة، ألقت نظرة تفقديّة على جذور شعرها لترى إن كان يحتمل تأجيل موعد صباغه، وأحصت التجاعيد حول عينيها وفي عنقها، وراقبت ترهّل ذراعيها، وانتبهت، كما منذ صباها، إلى أنّها تتقدّم في العمر بطريقة بشعة. وفكّرت في أنّها لو قرّرت الخضوع لعمليّات تجميل فستمضي ما تبقى من حياتها في المستشفى وسيمضي طبيبها حياته ثريّاً.
LOLEK |
ثمّ خرجت المواطنة س. م. من منزلها، فالتقت بجارة جديدة لم ترها قبل اليوم. فكّرت في أنّها من سكّان الأبنية التي ارتفعت حديثًا حول بيتها وحرمتها الشمس والهواء. كانت المرأة الرياضيّة القوام ترافق كلبتها الصغيرة المتباهية بعقد من الذهب حول عنقها في نزهة صباحيّة وهما خاليتا البال. حين وصلت صاحبة العقد إلى حفرة مياه صغيرة، وقفت ونظرت إلى سيّدتها التي انتبهت للأمر وانحنت وهي تقبّلها وتعتذر ثمّ حملتها كي لا توسّخ قوائمها. جرّت المواطنة س.م. رجليها إلى سيّارتها وانطلقت إلى عملها وهي تفكّر في ليونة جسم المرأة وتناسق أجزائه.
في الشركة، أخبرتها زميلتها بأنّها غيّرت سيّارتها، فهنّأتها ثمّ انتبهت إلى أنّ سيارة الزميلة القديمة كانت جديدة، ولمّا استوضحت الأمر قالت لها: اشترينا كلبًا جديدًا وهو من الصنف الذي يكبر، ولن تعود السيّارة تتّسع لنا، فاشتريت واحدة رباعيّة الدفع من النوع الضخم، كي يجلس الأولاد والكلاب وهم مرتاحون. فكّرت المواطنة س. م. في مصدر ثراء زميلتها الموظّفة وفي عدد عمليّات التجميل التي جعلتها تبدو واحدة من قطيع المغنيّات والمغنّين الجدد.
في طريق عودتها إلى البيت قرّرت أن تصبغ شعرها، فأوقفت سيّارتها قرب الرصيف العريض، أمام صالون المزيّن، وما أن ترجّلت من السيّارة حتى غرقت رجلها في أوساخ حيوان مرّ من هنا منذ قليل، ولمّا تلفّتت حولها باحثة عن المذنب، وجدت رجلاً عجوزًا يجلس أمام باب دكّانه العتيق ينظر إليها ويهزّ رأسه أسفًا، ثمّ يقول لها مؤاسيًا: لست وحدك من يصيبه ذلك يا ستّ. ولكن صار عليك أن تنتبهي، فالرصيف صار للكلاب. وأومأ برأسه في اتجاه صبيّة رائعة الجمال تهنّئ كلبها لأنّه قضى حاجته بسرعة.
عند مزيّن الشعر قرّرت أن تسترخي وتريح أعصابها وتبعد أفكارها عن كلّ توتّر، ولكن لسوء حظّها اختار لها المزيّن مقعدًا إلى جانب سيّدة شقراء جميلة وثريّة تداعب بأصابعها الأنيقة كلبة جالسة في حضنها. الكلبة الصغيرة النحيلة التي لا ترتفع عن مستوى سطح الأرض إلاّ بضع سنتيمترات، وترتدي صديريّة مطرّزة من شغل الأرتيزانا، راحت تراقب المواطنة الغريبة بفضول ممزوج بعدائيّة، ولم يلهها عن ذلك إلاّ اتّصال هاتفيّ تلقّته صاحبتها الجميلة السعيدة، فراحت تتابع الحديث وهي تتململ كأنّها تعرف من المتّصل وما فحوى الحديث. واستطاعت المواطنة أن تفهم أنّ السيّدة دعت صديقتها المتّصلة للانضمام إليها عند الكوافير، ويبدو أنّ المرأة الأخرى مرتبطة بموعد هام، فقالت لها صاحبة الكلبة الصغيرة: هوغو معي، فلم لا تأتي الخادمة بسيسي كي تراه وتلعب معه، ألم تشتق إليه؟
وكان لقاء عاطفيّ تقشعرّ له الأبدان، راقبته عيون جمهور النساء المصبوغات الشعور والوجوه بتأثّر واضح ودموع صادقة.
لم تخرج المواطنة المتأثّرة من متابعتها الفيلم العاطفيّ إلاّ حين سألها "الكوافير": هل تتناولين أدويّة معينة أو هل أنت مريضة؟ استغربت المواطنة السؤال وسألت بدورها: لماذا تسأل؟ فأجاب المزيّن وهو يفكّر ويحلّل: غريب، الصباغ لم يترك أثرًا على شعرك الذي لا يزال أبيض.
بعد أيّام من التفكير واستعادة المشاهد التي مرّت أمامها، قرّرت المواطنة س. م. أن تجري مجموعة من عمليّات التجميل. وقالت في نفسها، لا لمرآتها: ماذا ينفعني أن أحتفظ بالذهب الذي تركته لي أمّي، وبالأرض التي تركها لي والدي؟ سأبيع كلّ ما أملك، وأجري العمليّات اللازمة لأعيش من الآن وصاعدًا عيشة لائقة محترمة.
Francis Picabia - 1926 |
عند الطبيب المعروف ببراعته في تغيير الأشكال وتجميل ما شوّهته الطبيعة، جلست المواطنة س. م. واثقة من قرارها، ومستعدّة لاحتمال الآلام والأوجاع التي تصاحب عمليّات من هذا النوع. وبعدما عاين الرجل الجميل وجهها وجسمها ودرس ماذا يلغي وماذا يضيف، ومن أن يشفط وأين يضخ ما يشفطه، وماذا يكبّر وماذا يصغّر، سألها إن كان هناك شكل معيّن تتمنّى أن تشبهه أو ترغب في أن تمتلك بعض ملامحه، فأخرجت المواطنة من حقيبة يدها صورة وقالت للطبيب بكلّ ثقة: أريد أن أكون مثل سيسي.
هناك تعليقان (2):
فالرصيف صار للكلاب
اعجبتني وبقوة
شكرًا على المرور والتعليق
إرسال تعليق